أولوية الأمن:

التحولات في دوائر مؤسسات الأمن القومي الإسرائيلي

14 July 2021


أعلن مستشار الأمن القومي لرئيس الوزراء ورئيس مجلس الأمن القومي مئير بن شبات عن رغبته في التنحي عن منصبه بعد أن شغله لنحو 4 سنوات. ومن المقرر أن يسير أعمال مهام منصبه حتى نهاية أغسطس المقبل، حيث وافق ابن شبات على طلب رئيس الوزراء بينيت بالبقاء في منصبه لتسيير الأعمال، الأمر الذي سهل إتمام عملية إدارة الملف الأمني. ومع رحيل ابن شابات، تبدأ حكومة بينيت مهمة البحث عمن يخلفه في منصبه. ويضاف إلى ما سبق، اتجاه حكومة بينيت لتفعيل مجلس الوزراء الأمني المصغر بعد التهميش الذي عاناه خلال حكومة نتانياهو السابقة.

الدوائر الأمنية الإسرائيلية:

تُعد إسرائيل أحد أكثر النظم السياسية ذات الطابع الأمني والعسكري، نظراً لمحورية دور الدوائر الأمنية في عملية صنع القرار على الصعيدين الداخلي والخارجي، لمواجهة التهديدات التي تتعرض لها، ويلعب عدد من المؤسسات دوراً محورياً في صنع القرار، ويتمثل أبرزها في التالي:

1- مجلس الأمن القومي: تأسس عام 1999، مدفوعاً بالحفاظ على سلامة وقوة إسرائيل ومواطنيها، وهو مسؤول عن السياسات الأمنية والتعامل مع العديد من التهديدات التي تواجه تل أبيب، وله دور بدعم اتخاذ القرار الأمني لدى الحكومة الإسرائيلية ومجلس الوزراء الأمني المصغر، وذلك بالتعاون مع المؤسسات الحكومية والأمنية والاستخباراتية الأخرى. 

ويعد المجلس هيئة فريدة من نوعها في الحكومة الإسرائيلية، إذ يضم طيفاً واسعاً من العسكريين والأمنيين والاستخباراتيين والباحثين والدبلوماسيين والمتخصصين في حقول التكنولوجيا والقانون والاقتصاد وغيرها من الأمور ذات الصلة.

2- مجلس الوزراء المصغر لشؤون الأمن القومي: يعد بمنزلة مجلس وزراء داخل مجلس الوزراء، ويترأسه رئيس الحكومة، وتتمثل أبرز مهامه في رسم السياسة الخارجية والدفاعية وتنفيذها، ويزداد دوره في أوقات الأزمات والحروب، إذ يقوم باتخاذ قرارات سريعة وفعالة، ويضم العديد من المعنيين بالقضايا الأمنية والعسكرية.

تهديدات أمن إسرائيل:

بالنظر للمشهد الأمني الإسرائيلي الراهن، يمكن ملاحظة أن حكومة بينيت تتولى مهامها في وقت تواجه فيه إسرائيل العديد من التحديات والتهديدات الأمنية داخلياً وخارجياً، والتي أشار إليها بينيت خلال كلمته أمام الكنيسيت أثناء جلسة منح الثقة، والتي تتمثل في التالي:

1- تصاعد التطرف اليميني: تزايد الاحتقان والاستقطاب بين مكونات المجتمع الإسرائيلي على أثر الحراك السياسي المصاحب للإطاحة بحكومة نتنياهو، وتنامي التطرف إلى حد توجيه تهديدات لأعضاء الحكومة الجديدة وعلى رأسهم بينيت من قبل بعض اليمينيين المتشددين، ناهيك عن التحديات الناجمة عن جائحة كورونا وتداعياتها.

2- إمكانية انهيار الهدنة: لاتزال التوترات الفلسطينية – الإسرائيلية قائمة على الرغم من انتهاء عملية حراس الأسوار، والتوصل لهدنة أوقفت القتال الممتد على مدار 11 يوماً، إذ إن هناك مخاوف جدية من تكرار المواجهات الفلسطينية – الإسرائيلية. ووضح ذلك في مسيرة الأعلام في القدس، التي صدق عليها نتنياهو قبل رحيله، وردت عليها حماس بإطلاق البالونات الحارقة، وهو ما أثار المخاوف من تجدد المواجهات بين الجانبين وانهيار الهدنة. كما أن استمرار سياسات الاستيطان الإسرائيلية قد تدفع لتجدد المواجهات بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

ويضاف إلى ما سبق التحدي الأمني الذي تفرضه حماس، حيث تمكنت من الحفاظ على قوتها العسكرية، وتطويرها من خلال تهريب الأسلحة عبر الأنفاق. كما أن أجهزة الأمن الإسرائيلية تعتبر حزب الله أحد أكبر مهددات الأمن الإسرائيلي بفعل تطويره للصواريخ دقيقة التوجيه بدعم إيراني.

3- مواجهة التحدي الإيراني: يمثل الاتفاق النووي الإيراني أحد أهم التحديات الخارجية التي تحتاج حكومة بينيت للتعامل معها في ظل المخاوف من توصل إدارة بايدن لاتفاق مع إيران لا يضمن فرض قيود مشددة على برنامجها لتخصيب اليورانيوم.

كما تستمر إسرائيل في توجيه سلسلة من العمليات التخريبية ضد إيران، والتي لا تقتصر على برنامجها النووي، مثل حادث منشأة كرج في يونيو الماضي، ولكنها تطال كذلك مفاصل اقتصادية مهمة، مثل الهجوم السيبراني والذي تسبب في تعطيل وإلغاء مئات رحلات القطارات. ولاشك أن تواصل هذه العمليات ضد إيران يفرض على أجهزة الأمن الإسرائيلية التحسب لرد فعل انتقامي من جانب طهران. 

كما تعتزم حكومة بينيت تطوير قدراتها للتحسب للتهديدات الإيرانية عبر تبني خطة يُطلق عليها "تنوفا" (Tenufa) باللغة العبرية، والتي تهدف إلى تخصيص استثمارات ضخمة لتطوير قدرات الجيش الإسرائيلي، عبر امتلاك طائرات مسيرة متوسطة المدى، وحيازة عدد ضخم من الصواريخ دقيقة التوجيه من الولايات المتحدة، فضلاً عن شراء بطاريات إضافية للدفاع الجوي.

أبرز التحولات الأمنية:

يمكن القول إن أبرز التحولات التي تشهدها المؤسسات الأمنية الإسرائيلية في الوقت الحالي تتمثل في التالي: 

1- اختيار خليفة بن شابات: عيّن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو بن شابات في عام 2017 كمستشار له للأمن القومي وكرئيس لمجلس الأمن القومي، وذلك بسبب خبرته المهنية الواسعة، فهو لديه خلفية عسكرية واسعة بفعل انخراطه في الشاباك، ومشاركته في العديد من القرارات والتحركات الأمنية المهمة، مثل العمليات الإسرائيلية ضد قطاع غزة، وكذلك دوره المحوري في إنجاح اتفاقات التطبيع مع العديد من الدول العربية.

وقد كان له دور رئيسي في العبور بإسرائيل من تحدي تغيير الحكومة بعد الإطاحة بنتنياهو، إذ وافق بن شبات على البقاء في منصبه حتى اختيار خليفة له. وتشير التقديرات إلى تطلع رئيس الحكومة نحو تكليف عاموس يادلين، مدير معهد دراسات الأمن القومي، ليكون الرئيس المقبل لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي، بفعل ما يملكه من مسيرة وخبرات أمنية، غير أن البعض يشير إلى أنه توجهاته قد تكون أقل تشدداً من بينيت.

وشغل يادلين منصب رئيس لوحدة المخابرات العسكرية في جيش الدفاع الإسرائيلي، بالإضافة لمنصب الملحق العسكري لواشنطن. كما رُشح لمنصب وزير الدفاع قبل انتخابات عام 2015 من قبل حزب الاتحاد الصهيوني، وهو حزب ينتمي إلى يسار الوسط.

2- تفعيل مجلس الوزراء المصغر: كان مجلس الوزراء الأمني المصغر، خلال حكم نتنياهو، خاضعاً لهيمنته وتوجهاته، ولكن ثمة تحولات تطرأ على المشهد الأمني مع تصديق حكومة بينيت على إعادة تشكيل المجلس مع رحيل حكومة نتنياهو، فقد أعلن مكتب بينيت أن جلسات مجلس الوزراء الأمني الجديد ستعقد كل يوم أحد مباشرة بعد الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء. ويمثل ذلك تغييراً كبيراً عما كان قائماً في عهد نتنياهو الذي عمل على نقل ثقل عملية صنع القرار الأمني ليده ولدائرته المصغرة بدلاً من المجلس بأكمله.

ومن المقرر أن يسهم بينيت في إعادة أهمية دور مجلس الوزراء المصغر بعد تهميشه النسبي في عهد نتنياهو. كما تجدر الإشارة إلى أن معظم الأعضاء الجدد للمجلس ينتمون إلى أحزاب مرتبطة باليمين ممن يتبنون وجهات نظر متشددة بشأن المسائل الأمنية، وذلك على عكس الأقلية اليسارية ذات التوجهات الأقل تشدداً.

وعمل نتنياهو على الاستخفاف بحكومة بينيت زاعماً أنها تشكل خطراً على أمن إسرائيل، وذلك بالنظر إلى تباين التوجهات السياسية لأعضائها، وقلة خبرتهم، خاصة ممن ينتمون إلى تيار اليسار، وهو ما يحد، وفقاً لنتانياهو، من قدرة إسرائيل على اتخاذ قرارات حاسمة ورادعة بشأن الملف النووي الإيراني وملف الاستيطان، كما أنه قد يفرض قيوداً على العمليات السرية للموساد، خاصة تجاه إيران.

ويلاحظ أن ادعاءات نتنياهو غير دقيقة، بالنظر إلى أنه يضم في صفوفه 3 وزراء دفاع سابقين منهم نائب رئيس الوزراء ووزير الأمن، بيني غانتس، الذي كان أيضاً، رئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلي، فضلاً عن بينيت، والذي خدم كقائد سرية في وحدات النخبة في الجيش الإسرائيلي "سايريت ماتكال" و"ماجلان"، بالإضافة إلى أفيغدور ليبرمان، والذي تولى منصب وزير الدفاع في السابق.

وفي الختام، فإنه من المرجح أن تواصل الحكومة الإسرائيلية الجديدة إعطاء الأولوية لإدارة الملفات الأمنية الرئيسية، خاصة الملفين الفلسطيني والإيراني، وأن تواصل تفعيل دور المؤسسات الأمنية، لاسيما مجلس الأمن القومي، ومجلس الوزراء المصغر، للتعامل مع هذه التحديات. ومن غير المتوقع حدوث تحولات جذرية في توجهات إسرائيل، نظراً لأن الغلبة والهيمنة لا تزال لليمين الإسرائيلي المنشق بالأساس عن صفوف نتنياهو وينتمي لتوجهاته وسياساته.

                                             لتحميل الموضوع بصيغة PDF يمكن الضغط على هذا الرابط