مواجهة التحورات:

لماذا لجأت بعض الدول إلى "اللقاحات المختلطة" ضد كورونا؟

06 July 2021


مع انتشار سلالات جديدة من فيروس كورونا المستجد على غرار "ألفا، بيتا، دلتا، ودلتا بلس" في العديد من دول العالم، وهي التي تم تصنيفها على أنها سلالات مثيرة للقلق من قِبل منظمة الصحة العالمية لأنها أشد عدوى من الموجات السابقة، وبالتالي تشكل خطراً متزايداً على الصحة العامة؛ تعمل الدول على زيادة جرعات اللقاحات المضادة للفيروس، حيث تجاوز عددها على مستوى العالم الـ 3 مليارات جرعة حتى الآن، على اعتبار أن هذه اللقاحات أصبحت تمثل طوق النجاة من تداعيات الجائحة، حتى أن وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، قد حث مؤخراً المجتمع الدولي على بناء ما وصفه بـ "سور المناعة العظيم" لمحاربة كوفيد-19.

بيد أن أجراس الخطر ما زالت تدق في الدول التي تعاني نقص اللقاحات، وللتغلب على هذه المشكلة خرجت بعض الدول والدوائر الطبية والأكاديمية لتعلن أنه يمكن اتباع استراتيجية جديدة للتطعيم ضد كورونا من خلال خلط الجرعات؛ بمعنى إعطاء جرعة أولى من لقاح ما، وجرعة ثانية من لقاح مختلف، وهو ما قد يتيح أيضاً تطوير جرعات معززة للحماية من السلالات الجديدة الأكثر عدوى، ولكن ذلك أثار حالة من الجدل حول مدى فعالية هذه الاستراتيجية. وجدير بالذكر أن عملية خلط اللقاحات ليست بالأمر الجديد، فقد سبق في عام 2019 أن تم خلط اللقاحات المخصصة للتطعيم ضد الإيبولا في رواندا، كما تم اختبار الخلط في التجارب السريرية لبعض اللقاحات الأخرى، ومنها الإيدز والالتهاب الكبدي.

مؤشرات أولية:

شهدت بداية عام 2021 التوسع في عمليات طرح اللقاحات المضادة لفيروس كورونا، من خلال حصول العديد منها على تصاريح طارئة أو محدودة للاستخدام البشري الآمن، والشروع في توزيعها دولياً. وجاءت أغلب هذه اللقاحات، التي أثبتت فاعليتها، على جرعتين، بفاصل عدة أسابيع أو أشهر، حسب نوع اللقاح. غير أنه بعد مرور أشهر قليلة على إعطاء اللقاحات، وفي ظل رغبة العديد من الدول في تطعيم أكبر عدد من سكانها وزيادة مناعتهم لتحجيم عملية انتشار الفيروس، فقد انتهى الأمر بعدد من الدول، ونتيجة لظروف متعددة، إلى التوجه نحو إعطاء الجرعة الثانية من لقاح مختلف عن الذي تم أخذه في الجرعة الأولى، حتى مع عدم إجراء العديد من الدراسات العلمية المستفيضة في هذا الشأن؛ وذلك بهدف المساعدة في احتواء الوباء، لاسيما مع التحور الذي يشهده في الفترة الأخيرة.

فعلى مستوى الدول الأوروبية، أصدرت اللجنة الدائمة للتطعيم في ألمانيا، في مطلع يوليو الجاري، توصية هي الأولى من نوعها بخلط لقاحات كورونا، داعية إلى تلقي لقاح "مرسال الحمض الريبي" (mRNA) المتوفر في لقاح "فايزر- بيونتيك" أو لقاح "مودرنا" كجرعة ثانية، بعد تلقي الجرعة الأولى من لقاح "أكسفورد – أسترازينيكا"، وذلك بغض النظر عن المرحلة العمرية، حيث أوضحت النتائج الأولية للدراسات التي أُجريت في كل من إسبانيا وألمانيا بأن الاستجابة المناعية المتولدة بعد التطعيم بجرعة مختلطة تصبح أفضل بشكل كبير، في حين أنه لا توجد مخاوف تتعلق بالسلامة.

وتجدر الإشارة إلى أن تلك التوصية قد تلقت دعماً قوياً ومباشراً من المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، والتي مهدت الطريق لاستخدام لقاح مختلط عندما تلقت في شهر يونيو الماضي جرعة ثانية من لقاح "مودرنا"، وذلك بعد جرعة أولى قبلها من لقاح "أسترازينيكا".

وعلى غرار ألمانيا التي تعد الدولة الأولى التي أقدمت على خلط اللقاحات منذ أبريل الماضي، فقد سارت بعض الدول الأوروبية الأخرى على خطاها، مثل فرنسا وإسبانيا، وقامت بإعطاء لقاحات "مرسال الحمض النووي الريبي" كجرعة ثانية بعد الجرعة الأولى من "أسترازينيكا"؛ لأسباب تتعلق بالصحة والسلامة، وبصفة خاصة للأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 55 - 60 عاماً. كما أقدمت دول أخرى، مثل كندا، على تقييد عمليات الحصول على إمدادات لقاح "أسترازينيكا"؛ بسبب اتباعها استراتيجية الجرعات المختلطة. وأخيراً، قام بعض المديرين التنفيذيين في شركات الأدوية بتبديل جرعاتهم من اللقاحات عن قصد، بناءً على أدلة لديهم تفيد بأن خلط اللقاحات يمكن أن ينتج مناعة أقوى.

وبشكل عام، أصبحت الجرعات المختلطة من اللقاحات تمثل أحد أفضل الوسائل لتغلب الدول الأوروبية على بطء حملات التطعيم لديها مقارنة بغيرها من الدول على غرار الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة.

وفي حال ثبوت فاعلية اللقاحات المختلطة ودرجة الأمان المرتبطة بها، فقد يلجأ عدد كبير من الدول النامية والتي تعاني نقصاً في إمدادات اللقاحات، وتكافح من أجل تأمين خط إمداد ثابت من الجرعات، إلى اتباع استراتيجية الجرعات المختلطة، وإن كان الأمر يحتاج إلى المزيد من التدقيق. ففي الفلبين، تتم دراسة استراتيجية اللقاحات المختلطة بالتطبيق على لقاح فيروس كورونا المعطل "كورونافاك" (CoronaVac) الذي تنتجه شركة سينوفاك الصينية، مع اللقاحات الستة الأخرى المعتمدة في البلاد وذلك حتى نوفمبر 2022. 

مُحفزات مختلفة:

يمكن تفسير لجوء عدد من الدول إلى تطعيم سكانها بـ "اللقاحات المختلطة" ضد فيروس كورونا، من خلال ما يلي: 

1- تجنب الآثار الجانبية المُحتملة لبعض اللقاحات: انطلقت الدراسات الخاصة بإمكانية الخلط بين اللقاحات من دافع المخاوف التي تشكلت بشأن سلامة لقاح "أسترازينيكا" الذي قد يسبب حالات نادرة من تجلط الدم. وفي مارس الماضي، قررت بعض الدول الأوروبية وقف استخدام "أسترازينيكا"، خاصة في بعض الحالات المرضية، وهو ما ترك العديد من هؤلاء الأشخاص محصنين جزئياً، ما لم يتحولوا إلى لقاح آخر في الجرعة الثانية. وعلى الرغم من قلة بيانات التجارب السريرية التي تدعم خلط اللقاحات، فإن العديد من الدول الأوروبية تجد فيها استراتيجية مناسبة لتجنب الخطر "الضئيل" لإصابة بعض الفئات العمرية بجلطات دموية عند تناول الجرعة الثانية من لقاح "أسترازينيكا".

2- تعزيز جهاز المناعة: تشير مجموعة من الدراسات إلى أن خلط اللقاحات يثير استجابات مناعية قوية، بل إنها قد تكون أقوى من تناول جرعتين من ذات اللقاح. بيد أن الأمر لا يزال قيد البحث لوضع الدلائل حول فعالية عملية الخلط، ومدى قدرتها على مواجهة التحورات في الفيروس، والآثار الجانبية النادرة التي قد تترتب على ذلك. وترى أغلب الدراسات التي تم إجراؤها لإثبات الفاعلية، ومن بينها دراسة تم إجراؤها في جامعة أكسفورد، أن الدورة المكونة من جرعتين من لقاح "فايزر" أنتجت أعلى مستوى من الأجسام المضادة، والتي تقاوم الفيروس مباشرة. ومع ذلك، فإن الأشخاص الذين خضعوا لجرعة أولى من لقاح "أسترازينيكا" متبوعة بجرعة ثانية من لقاح "فايزر" كان لديهم أقوى مستوى من الخلايا القادرة على إنتاج الأجسام المضادة والتي تساعد في تدمير الخلايا المصابة بالفيروس. 

وأشارت النتائج الصادرة في مايو الماضي، من خلال تجربة صغيرة في ألمانيا، إلى أن خلط جرعات "أسترازينيكا" و"فايزر" يمكن أن يؤدي إلى إنتاج الأجسام المضادة التي تمنع العدوى بمستويات أعلى بأربع مرات تقريباً من أخذ جرعتين من لقاح "فايزر"، بل وصلت إلى 7 أضعاف مقارنة بجرعتين من لقاح "أسترازينيكا"، حسب دراسة إسبانية. كذلك أفاد باحثون في دورية "لانسيت" الطبية بأن الجدول الزمني المختلط لجرعة "فايزر" متبوعاً بلقاح "أسترازينيكا"، والعكس بالعكس، أدى إلى تركيزات عالية من الأجسام المضادة ضد فيروس كورونا، وذلك مع إحداث التباعد بين الجرعات. كما اهتمت بعض التجارب بأخذ الترتيب في الاعتبار، لتجد أن تناول جرعة من لقاح "أسترازينيكا" متبوعاً بأخرى من "فايزر" قد خلق مستويات أعلى من الأجسام المضادة مقارنة بحدوث العكس. 

3- مواجهة نقص الإمدادات في بعض اللقاحات: في حال نجاح استراتيجية الجرعات المختلطة ضد فيروس كورونا، فإنها ستمنح الدول درجة أعلى من المرونة في استخدام اللقاحات المتاحة بسهولة أكبر من دون الحاجة إلى مطابقة الجرعات الثانية بالجرعات الأولى. كما أنه في حال تمكن الباحثين من تحديد توليفات اللقاحات التي من المتوقع أن تعزز المناعة لفترة أطول وأكثر فاعلية ضد تحورات الفيروس، فإن تلك الاستراتيجية ستساعد في حماية مجموعات أكبر من السكان من الجائحة، وذلك بمستوى أكثر كفاءة وموثوقية. كما أنه قد يخفف من مخاوف نقص الإمدادات، ويساعد شركات الأدوية على إنتاج إصدارات جديدة من اللقاحات تكون أكثر فعالية ضد السلالات الجديدة.



تحديات غامضة:

على الرغم من تلك الدوافع لاستخدام "اللقاحات المختلطة"، لكن تظل هناك تحديات قد تؤثر في مدى الاعتماد عليها خلال الفترة المقبلة، ومنها الآتي: 

1- صعوبة التحديد الدقيق لفعالية "الجرعات المختلطة": يرى بعض المتخصصين في أمراض المناعة أنه طالما لم يتم إجراء دراسات طويلة الأمد أو أي دراسات متابعة مع الحالات التي تناولت الجرعات المختلطة، فإنه من الصعب تحديد مستوى أو مدة الحماية التي توفرها. فمثلاً، لا توجد حتى الآن طريقة سهلة لمقارنة التوليفات المختلفة بين الجرعات وفقاً للدراسات التي تم إجراؤها، ومن ثم لا توجد صورة دقيقة عن حجم وأنواع الاستجابة المناعية التي ينتجها خلط جرعات اللقاحات.

2- شكوك حول الآثار الجانبية المُحتملة: يشير البعض إلى أن خلط أنواع اللقاحات يمكن أن يسبب آثاراً جانبية. فوفقاً للبيانات الأولية من دراسة (Com-Cov)، فإنه من بين 30% - 40% ممن تلقوا جرعات مختلطة من اللقاحات أُصيبوا بالحمى بعد الجرعة الثانية، مقارنة بـ 10%- 20% ممن تناولوا جرعتين من اللقاح نفسه. ومع ذلك، أكدت نتائج دراسة دورية "لانسيت" الطبية أن هذه الأعراض لم تستمر لفترات طويلة، كما أكد الباحثون أنه ليس لديهم مخاوف أخرى تتعلق بالسلامة. 

ختاماً، يمكن القول إنه في ظل التحورات المستمرة لفيروس كورونا، فإن إجراء تعديلات على اللقاحات المضادة للفيروس أو خلط جرعات منها، قد يكون مطلوباً وربما يؤدي إلى نتائج معقولة نسبياً. وعلى الرغم من حالة الجدل وعدم اليقين السائدة حول فعالية استراتيجية خلط الجرعات، فإن أهميتها تتمثل في أنها حفزت إجراء الدراسات اللازمة لفهم أفضل السُبل التي يمكن اللجوء إليها لتطعيم الأفراد، ومن ثم يمكن البناء على هذه النتائج لمعرفة وتحديد أفضل توليفات اللقاحات لمواجهة فيروس كورونا ومتغيراته الأكثر عدوى.