ما بعد الاتفاق النووي:

فرص ومخاطر الاستثمار الأجنبي في إيران

05 March 2016


إعداد: محمود محسن


مع رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران، عقب البدء في تنفيذ الاتفاق النووي منتصف يناير 2016، بدأ الحديث عن فرص الاستثمار الأجنبي ومخاطره في طهران. فمن ناحية، ثمة نوع من التفاؤل بأن الرفع التدريجي للعقوبات سيخلص إيران من كثير من مشكلاتها الاقتصادية، ويفتح العديد من مجالات الاستثمار بها، خاصةً في ظل المؤهلات الهائلة للشعب الإيراني، والتنوع الكبير لاقتصادها، ومصادر الطاقة المتوفرة فيها.

 لكن من ناحية أخرى، هذا التفاؤل يشوبه مخاوف من أن يكون الاستثمار في إيران مخاطرة اقتصادية غير محسوبة العواقب، في ظل احتمالية عدم التزام طهران الفترة القادمة ببنود الاتفاق النووي، فضلاً عن التباين في مستوى صنع القرار الإيراني، خاصةً فيما يتعلق بالموقف من الاستثمارات الغربية، بين المرشد الأعلى للثورة الإسلامية "علي خامنئي" الذي اعتبر أن الاستثمارات الغربية والأمريكية بوجه خاص ستهدد قيم الثورة الإيرانية، وبين موقف الرئيس "حسن روحاني" الذي زار عدداً من العواصم الغربية مؤخراً، وأكد للمستثمرين أنهم مرحب بهم في طهران.

في هذا الإطار، أصدر "المجلس الأطلسي"، مُوجز دراسة بعنوان: "ما بعد العقوبات: الفرص والمخاطر الاقتصادية في إيران"، وأعدها "روبرت هورماتس" Robert Hormats، وهو وكيل وزارة الخارجية الأمريكية السابق لشؤون النمو الاقتصادي والطاقة والبيئة، حيث يحلل الفرص والمخاطر المحتملة التي قد تواجه المستثمرين الأجانب في إيران عقب تطبيق الاتفاق النووي، ورفع العقوبات الاقتصادية تدريجياً عليها.

الخطوط العريضة للعقوبات على إيران

أعلن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية (OFAC)، عقب بدء تنفيذ الاتفاق النووي، عن الخطوط العريضة للعقوبات التي لا تزال مفروضة على إيران، حيث أنهى الاتفاق العقوبات الثانوية، ما يتيح التعامل مع القطاعات المالية والبنكية، والطاقة، والشحن البحري، والبتروكيماويات، والسيارات في إيران، ومع ذلك فإن هذه الخطوط العريضة للتعامل مع الاقتصاد الإيراني لم ترفع العقوبات المتعلقة بمنع الأمريكيين، أفراداً وشركات، من مباشرة أعمالهم في إيران في حالات معينة، خاصةً فيما يتعلق بالبرنامج الصاروخي أو التعامل مع أي كيان أو هيئة تابعة للحرس الثوري الإيراني.

وأكدت وثيقة إرشادية أصدرها (OFAC) على حدود تأثير رفع العقوبات بالنسبة للشركات الأمريكية، حيث أشارت الوثيقة إلى أنه في حالة انتهاء العقوبات، فإن ذلك لن ينطبق على المعاملات التي تتضمن الأشخاص الذين لا يزالون على قائمة "المحظورين" SDN، وهي تضم كيانات وأشخاصاً تعتبرهم الإدارة الأمريكية منتهكين لقوانين وتشريعات متعلقة بحقوق الإنسان أو دعم الجماعات الإرهابية أو أعمال متعلقة بالعمل العسكري الإيراني في الخارج. ومع بدء تنفيذ الاتفاق النووي، تم حذف أكثر من 400 شخصية وجهة إيرانية من هذه القائمة، إلا أنه مازال يتبقى في هذه القائمة 200 جهة أخرى محظورة.

القوة البشرية الإيرانية كمحفز للاستثمار

بحسب الدراسة، تكمن أهمية الاقتصاد الإيراني في قوته البشرية، فالدولة لديها الكثير من العمالة الماهرة، ومعدلات عالية من التعليم تخطت 87%، ولدى الإيرانيين مهارات عالية في الرياضيات والعلوم وتكنولوجيا المعلومات والهندسة والطب، بالإضافة إلى أن 70% من الطلاب الإيرانيين في العلوم والهندسة هم من السيدات.

ويشير الكاتب إلى أن المستثمرين المحتملين يمكنهم الاستفادة من الشباب الإيراني، على اعتبار أن ثُلثي الإيرانيين هم دون 35 عاماً، ومعدل التعليم بين الفئة العمرية (15 إلى 25 سنة) يبلغ 100%، فضلاً عن أن 40% من الإيرانيين يستخدمون الإنترنت. ولدى الشباب الإيراني الرغبة الشديدة في الانخراط مجدداً كجزء من العالم بعد أن كانوا معزولين عنه لفترة طويلة، لذلك فإن الغالبية العظمي منهم أيد الاتفاق النووي، لأنهم يأملون أن يؤدي هذا الاتفاق إلى انفتاح مع الغرب وتحديداً الولايات المتحدة.

نقاط ضعف الاقتصاد الإيراني

على الرغم من تأكيد المسؤولين الإيرانيين رغبتهم في تركيز الاستثمارات الأجنبية على قطاعات التعدين والطاقة والسيارات والحديد والتكنولوجيا، بيد أن ثمة العديد من نقاط الضعف التي تواجه الاقتصاد الإيراني.

ويوضح الكاتب أن المستثمرين سيواجهون عدداً من المشكلات والخصائص المعقدة للاقتصاد الإيراني، ومنها معدلات عالية من التضخم، والبطالة (حوالي 20% من قوة العمل). كما أن الاقتصاد الإيراني بحاجة ماسة إلى تطورات كبيرة في مجالات عدة، خاصةً الشفافية المفتقدة في أغلب المعاملات الاقتصادية، وإعادة تنظيم القطاع المصرفي، وتحسين مناخ الاستثمار.

وفي هذا الإطار، تحتل إيران المرتبة 130 من إجمالي 189 دولة في مؤشر سهولة أداء الأعمال الصادر عن البنك الدولي، والمركز 136 من 176 في التصنيف الأخير لمؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية. وفي يونيو 2015، أشارت هيئة مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب إلى أن إيران بحاجة إلى توجيه مزيد من الجهود لمواجهة مخاطر غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، من أجل جذب المزيد من الاستثمارات.

مخاطر الاستثمار في إيران

تشير الدراسة إلى عدة مخاطر أخرى قد تواجه الاستثمار في إيران بعد رفع العقوبات عليها، وهذه المخاطر متعلقة في الأساس بهيكل الدولة. فإيران بها ذراعان سياسيان، وفي بعض الأحيان متضادتان، الأولى تتمثل في مؤسسات الدولة الإيرانية الرسمية، سواء الرئاسة أو البرلمان ورئاسة الوزراء. فيما تتمثل الثانية في المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، وتتكون من مؤسسات تعتمد على مبادئ الثورة الإسلامية، وهناك العديد من الكيانات مملوكة أو تتم إداراتها عن طريق جهات قريبة من المرشد، وأكبر مؤسستين وأكثرهما نفوذاً في هذا الصدد هما "بنياد" Bonyads و"الحرس الثوري الإيراني".

وتم إنشاء "بنياد" عقب ثورة 1979، وتتم إدارتها من قبل رجال دين إيرانيين، وُوجدت أساساً بهدف تمويل العمل الاجتماعي، ومساعدة الأسر محدودة الدخل. ومن أكثر مؤسساتها الفاعلة، "مؤسسة الشهيد" (بنياد شهيد)، و"مؤسسة المستضعفين" (بنياد مستضعفين)، والأخيرة تمثل ثاني أكبر كيان تجاري في إيران بعد الشركة الوطنية الإيرانية للنفط.

وثمة جدل في إيران حول أن أموال تمويل "بنياد" تذهب للتمويل العسكري أو لأغراض سياسية، حيث إن هذه المؤسسات لا تخضع للرقابة أو المحاسبة، فهي فقط تقدم تقاريرها لمكتب المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، وليس للحكومة. ويشير عدد من المراقبين إلى أن حجم الأصول السائلة والثابتة لـ"بنياد" يمثل حوالي 20-40% من إجمالي ثروة البلاد.

وعلاوة على ذلك، فإن نسبة كبيرة من الشركات الإيرانية مملوكة للحرس الثوري الإيراني، فعندما بدأ الرئيس السابق "أحمدي نجاد" سياسته لخصخصة الشركات الحكومية، ونتيجة لعدم قدرة الشركات الأجنبية على المشاركة في هذه العملية في ظل العقوبات التي كانت مفروضة على طهران، استولى الحرس الثوري على المزيد من الشركات.

وبالتالي، فإن وجود كل من "بنياد" والحرس الثوري الإيراني داخل هيكل الاقتصاد الإيراني يمثل معضلة كبيرة أمام الاستثمارات الأجنبية، حيث إن جزءاً من العقوبات المفروضة على إيران متعلقة بالحرس الثوري و"بنياد"، واللذين يمتلكان العديد من الكيانات والشركات، بالإضافة إلى نفوذهما وقدرتهما على جعل شركات بعينها تفوز بالمناقصات الحكومية والحصول على قروض بنكية وغيرها من المزايا.

وبحسب الدراسة، من المخاطر أيضاً أمام الاستثمارات الأجنبية في إيران ما يتعلق بالتداعيات المحتملة لخرق طهران أحد بنود الاتفاق النووي الأخير، ناهيك عن التساؤلات المتعلقة باستمرارية واستدامة قوانين الاستثمار الإيرانية في ظل مخاوف من لجوء التيارات المتشددة في طهران إلى وضع قيود على الاستثمارات الأجنبية في حال استحواذها على نسبة كبيرة من الاقتصاد الإيراني.

كما أن ثمة مخاوف من أن يتم استخدام الأموال الإيرانية الناتجة عن عوائد الاستثمار أو النفط أو الأرصدة التي كانت مجمدة في الخارج، في دعم حلفاء طهران في سوريا واليمن ولبنان والعراق.

ختاماً، يمكن القول إنه توجد حالة كبيرة من عدم اليقين فيما يتعلق بمستقبل الاستثمارات الأجنبية في إيران، فمع وجود فرص استثمارية كبيرة، فإن المستثمرين يواجهون مخاطر مماثلة، في ظل عدم وجود موقف واضح وثابت للقادة الإيرانيين من الولايات المتحدة والغرب، فضلاً عن الأنشطة العسكرية الحالية لطهران في المنطقة ودعمها لحلفائها في بعض الدول.

ويؤكد الكاتب أن تحقيق تقدم واستدامة في تطوير الاقتصاد الإيراني يتطلب من القادة الإيرانيين اتخاذ قرارات مصيرية وصعبة فيما يتعلق بتحجيم دور الحرس الثوري الإيراني و"بنياد" في الاقتصاد الإيراني، وتنفيذ ما اعترف به "روحاني" من حاجة اقتصاد بلاده إلى إصلاح مؤسسي يركز على الالتزام الضريبي، وتقليل الدعم، وتحسين جودة الخدمات المصرفية.

كما أن تحسين الأداء الاقتصادي في إيران يتطلب وجود برنامج طويل الأمد لإعادة إحياء قطاع الطاقة وتنميته وزيادة إنتاج البلاد من النفط، وتطوير البنية التحتية لقطاع النقل والمواصلات لخدمة الأغراض الاستثمارية.

ويُعَّول المراقبون أيضاً على أهمية الضغط السياسي والاجتماعي، خاصةً من الشباب الإيراني، سعياً لمستويات معيشية أفضل وزيادة فرص العمل، على اعتبار أن مثل هذه الضغوطات تؤثر في مسار قرارات القادة الإيرانيين.


* عرض مُوجز لدراسة بعنوان: "ما بعد العقوبات: الفرص والمخاطر الاقتصادية في إيران"، والصادرة عن "المجلس الأطلسي"، في فبراير 2016.

المصدر:

Robert D. Hormats, "Post-Sanctions Economic Opportunities and Risks in Iran" (Washington: Atlantic council, February 2016).