حرب الظل:

لماذا هاجمت إسرائيل منشأة نطنز النووية في إيران؟

15 April 2021


رغم عدم إعلان إسرائيل مسؤوليتها رسميًا عن الحادث الذي استهدف منشأة نطنز الإيرانية في 11 إبريل الجاري؛ لكنّ طهران وجهت اتهامات لها بالضلوع في ذلك، نظرًا للهجمات الإسرائيلية السابقة على المنشآت النووية، وبعض التلميحات التي أبدتها وسائل الإعلام الإسرائيلية في هذا الإطار؛ حيث كشفت القناة "13" الإسرائيلية أن جهاز الاستخبارات "الموساد" هو من يقف وراء هذا الحادث. ومن هنا، تباينت وجهات النظر المفسرة لهذه الواقعة؛ ففي حين أشار البعض إلى أنه هجوم سيبراني، أكد آخرون أنه انفجار ناتج عن زرع بعض العبوات الناسفة في جدار المنشأة، والشاهد على ذلك هو استخدام رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية "علي أكبر صالحي" لمفهوم "الإرهاب النووي".

وردت إيران على ذلك في 13 إبريل الجاري من خلال رسالة وجهها مساعد وزير الخارجية "عباس عراقجي" إلى مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية "رافايل غروسي" عن زيادة نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 60%، بالإضافة إلى إدخال 1000 جهاز طرد مركزي جديد إلى منشأة نطنز بكفاءة تفوق نظيرتها الموجودة حاليًا بـ50%، واستبدال الآلات المدمرة التي أتلفها الهجوم الإسرائيلي على المنشأة.

تعطيل المفاوضات:

 ربما تتمثل أهم دوافع تل أبيب من وراء الهجوم على منشأة نطنز في تعقيد مسار المفاوضات التي بدأت بين إيران ومجموعة (4+1) في العاصمة النمساوية فيينا مطلع إبريل الجاري، ولا سيما في ظل تسارع وتيرة هذه المحادثات. يتوازى ذلك مع رغبة إسرائيل في الحد من نبرة التصعيد الإيرانية في مواجهة واشنطن ودول المنطقة، وخاصة بعد توقيع طهران اتفاقَ التعاون الاستراتيجي الشامل مع بكين في 27 مارس 2021، وما سيترتب على ذلك من خفض التداعيات السلبية للعقوبات الأمريكية، واستعادة الاقتصاد الإيراني لوضعه الطبيعي تدريجيًا.

ومن هنا، يمكن أن يؤدي حادث منشأة نطنر إلى خسارة طهران ورقة ضغط قوية في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية خلال المفاوضات القادمة، ولا سيما أن محور اهتمام مجموعات العمل التي شكلتها كل من إيران ومجموعة (4+1) في إطار محادثات فيينا يتمحور حول مدى القدرة الأمريكية على رفع العقوبات الاقتصادية التي فرضتها إدارة "ترامب"، وهو ما يعد أبرز المطالب الإيرانية، بينما تبحث مجموعة أخرى حول كيفية عودة إيران إلى التزاماتها بموجب خطة العمل المشتركة الشاملة ولا سيما فيما يتعلق بكمية اليورانيوم المخصب وأجهزة الطرد المركزي اللازمة لإنتاجه.

استهداف البرنامج النووي: 

يأتي الهجوم الإسرائيلي على منشأة نطنز الإيرانية بالتزامن مع إعلان الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تقرير لها نُشر في 10 إبريل الجاري، عن خروقات إيرانية جديدة للاتفاق النووي وخاصة فيما يتعلق بتجاوز كمية اليورانيوم المخصب.

 كما كشفت طهران عن افتتاحها 133 مشروعًا جديدًا في مجال التكنولوجيا النووية بما يتضمن التخصيب والمياه الثقيلة والمركبات الدوائية والأدوية المشعة والليزر، وغيرها، بالتزامن مع "اليوم الوطني للتكنولوجيا النووية" الموافق 11 إبريل. وعليه، ومن المتوقع أن تؤدي الأعطال الناتجة عن الحادث في مفاعل نطنز، والتي أكدت بعض التكهنات الأمريكية أن إصلاحها يحتاج إلى فترة زمنية طويلة قد تصل إلى 9 أشهر، إلى أضرار قد لا تبدو هينة بالبرنامج النووي الإيراني، وبالتالي عرقلة الخطوات الإيرانية التصعيدية الهادفة لخفض التزامات طهران المرتبطة بخطة العمل المشتركة الشاملة لعام 2015. 

وعلى الناحية الأخرى، تؤكد بعض التقديرات أن هذا الهجوم لن يوقف البرنامج النووي الإيراني؛ بل قد يدفع إلى قرارات سياسية تتعلق بالأبعاد العسكرية للبرنامج النووي الإيراني التي ظلت لفترة طويلة غير مطروحة على طاولة صانع القرار الإيراني، وهو ما تم بالفعل من خلال اتجاه إيران لرفع نسبة تخصيب اليورانيوم وزيادة أجهزة الطرد المركزي من حيث العدد والكفاءة. فرغم الهجمات الإسرائيلية المتكررة على المنشآت النووية الإيرانية؛ إلا أن تصريح رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية "علي أكبر صالحي" بأن إيران تعمل حاليًا على نقل مراكز العمل الحساسة –في إشارة إلى مراكز تجميع أجهزة الطرد المركزي- إلى قلب الجبال، يؤكد أن الخطة "ب" الإيرانية تسابق الضربات الإسرائيلية، لتثبيت منجزات طهران النووية كي تكون حاضرة بقوة كورقة ضغط هامة على طاولة التفاوض.

لكن يتضح مما سبق، مدى الإصرار الإسرائيلي على تدمير البرنامج النووي الإيراني بالكامل من خلال مواصلة الهجوم بخطوات تدريجية ومكررة في أغلب الحالات. واللافت للانتباه في هذا السياق، هو أنه أمام تصاعد هذه الاستراتيجية وفاعليتها ستجد إيران نفسها مجبرة على الرد بما يتجاوز حفظ ماء الوجه، فضلًا عن انتهاج سياسة مختلفة عن تلك التي سادت ثماني سنوات من حكم تيار الاعتدال بزعامة "حسن روحاني".

التشكيك في الردع: 

ربما تتمحور أبرز الدوافع الإسرائيلية في الهجوم على منشأة نطنز حول إيضاح حجم التحديات التي تواجهها إيران فيما يتعلق بحماية منشآتها النووية؛ حيث كشف الاستهداف الإسرائيلي المتكرر لهذه المنشآت خلال السنوات الماضية وتخريب بعضها بشكل جزئي، عن قصور كبير في مجال حماية هذه المنشآت والعلماء المتخصصين في المجال النووي، وهو ما أظهرته حادثة اغتيال مدير مركز الأبحاث والتطوير التابع لمؤسسة الدفاع الإيرانية "محسن فخري زاده" في نوفمبر الفائت عندما قُتل في قلب العاصمة طهران وفي وضح النهار.

وبالتالي، ترغب إسرائيل في أن يؤدي هذا الحادث إلى تصاعد حدة الانتقادات في الداخل الإيراني، مما يجبر طهران على الرد، بما يعزز فتح جبهة عسكرية جديدة مع تل أبيب قد تضر بالمحادثات النووية الجارية مع مجموعة (4+1) ومصالح إيران في المنطقة، وهو ما اتضح في تصريح وزير الخارجية الإيراني "جواد ظريف" في 12 إبريل 2021، والذي شدد خلاله على عدم "الوقوع بالفخ" قائلًا: "الإسرائيليون يريدون الانتقام، بسبب تقدمنا في طريق رفع العقوبات.. لقد قالوا ذلك علانية لن يسمحوا بذلك، لكننا سننتقم منهم". 

وأدى ذلك إلى تبادل الاتهامات بين المؤسسات الأمنية في إيران، وإلقاء كل واحدة بالمسؤولية على الأخرى، الأمر الذي تجلى في حديث الأمين العام لمجمع تشخيص مصلحة النظام والقائد السابق للحرس الثوري "محسن رضائي" للمرة الثانية عن اختراق أمني كبير يقتضي إعادة بناء المنظومة الأمنية، فضلًا عن امتداد التداعيات السلبية الناتجة عن فشل الاتفاق النووي إلى إعادة فتح المجال للخروقات الأمنية مرة أخرى واستهداف العاملين في البرنامج النووي الإيراني، في إشارة إلى وجود بعض التسريبات التي تؤكد تعرض المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية "بهروز كمالوندي" لحادث خلال تفقده موقع نطنز، وإصابته بكسور بالغة في الرأس والساق.

كما يمكن أن يأخذ الرد مناحي أخرى فيما بعد، الأمر الذي من الممكن أن يتمثل في ممارسة المزيد من الضغوط لإخراج القوات الأمريكية من المنطقة، أو عبر استغلال ملف السجناء والأسرى طبقًا لحديث مدير مكتب الرئاسة الإيراني "محمود واعظي" عقب الحادث بأن إيران ستعيد فتح هذا الملف، بما يتضمن الأسرى الأمريكان والبريطانيين، أو عبر الخيار الأكثر واقعية الذي يتمثل في توظيف الوكلاء التابعين لها في المنطقة، ولا سيما فيما يتعلق بتكثيف الضربات العسكرية من قبل جماعة الحوثي على المملكة العربية السعودية التي تعتبر أحد أهم حلفاء واشنطن في منطقة الخليج العربي.

تعزيز التشدد: 

من المحتمل أن يؤدي حادث منشأة نطنز إلى تصاعد نفوذ التيار المحافظ في إيران، خاصة أن إيران تمر بتوقيت حرج تتزايد فيه حدة الاستقطابات السياسية على خلفية اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها في 18 يناير 2021، والتنبؤات التي تشير إلى احتمالية فوز أحد مرشحي التيار الأصولي، وبالتالي من المرجح أن تحتل هذه القضية بؤرة المناظرات الانتخابية، وتعزز من طروحات الفريق الذي يدعو إلى مزيد من التشدد في البرنامج النووي.

 ومن الممكن أن تؤدي هذه الحادثة إلى تباطؤ مسار التفاوض بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، وبالتالي رفع سقف التنازلات التي كان يمكن أن تقدمها إيران، أو ربما عودة الأمور إلى المربع صفر مرة أخرى، وهو ما ترغب في حدوثه إسرائيل على خلفية التهديدات الهائلة التي يمثلها تطور البرنامج النووي الإيراني بالنسبة لها، باعتبارها الدولة النووية الوحيدة -غير المعلنة- في الشرق الأوسط، فضلًا عن احتفاظها بالتفوق العسكري النوعي على باقي دول المنطقة.

تجلى ما سبق في دعوة المتشددين في إيران بعد الحادث إلى وقف محادثات فيينا مع مجموعة (4+1)؛ حيث جاء في مقال نشرته وكالة تسنيم الدولية للأنباء أنه حتى لو أن الولايات المتحدة الأمريكية تعبر عن حسن نواياها في المفاوضات، لكنها تعتبر شريكة لإسرائيل في مثل هذه الأعمال، لذلك فإن أقل ما يمكن القيام به هو الانسحاب من المفاوضات الجارية في فيينا، وتمثل ذلك في تصريح مدير مركز التقييم الاستراتيجي لتنفيذ السياسات الكلية للجمهورية الإسلامية الإيرانية "ياسر جبرايلي"، قائلًا: "إن مثل هذه الأعمال التخريبية لا يمكن أن تتم دون موافقة الرئيس الأمريكي، لذا يجب ألا تنظر إيران إلى المفاوضات بشكل مستقل عن هذه الأعمال"، مضيفًا: "إن تجاهل العلاقة بين المحادثات وأعمال التخريب هو سوء تقدير كبير، وستكون له مخاطر جسيمة".

ختامًا، يمكن القول إن هذه الحادثة تأتي في سياق تصاعد حرب الظل والاستهداف في المناطق الرمادية بين إيران وإسرائيل، والتي تجلت أبرز ملامحها في استهداف السفن، ومن المحتمل أن تتصاعد خلال الفترة القليلة القادمة الضربات بالتوازي مع سير مفاوضات فيينا بين إيران ودول (4+1)، وبدلًا من اقتصارها على أهداف واسعة النطاق سيتم التركيز على نظيرتها المحددة بوضوح بما يضمن تحقيق تأثير دون الدخول في مواجهات واسعة.