طريق الخروج:

الاقتصاد العراقي في العام الثاني للجائحة

05 April 2021


واجه الاقتصاد العراقي في الفترة الماضية تحدياً مزدوجاً، كحال معظم الاقتصادات المُصدِّرة للنفط، في ظل تزامن تراجع أسعار النفط العالمية، مع الضغوط الناتجة عن التداعيات السلبية لأزمة جائحة كورونا، التي تسببت في تنامي الضبابية بشأن النمو الاقتصادي، وتضخم المديونية الحكومية بمعظم الاقتصادات، ولاسيما اقتصادات الدول النامية والصاعدة. ويختلف وقع ذلك التحدي المزدوج من دولة لأخرى، ضمن الدول المُصدِّرة للنفط، حسب عدة معايير، من بينها مدى اعتماد اقتصاد الدولة المعنية على النفط كمصدر للدخل، ومدى انكشاف الاقتصاد على تداعيات أزمة كورونا، إلى جانب معيارين آخرين يرتبط أحدهما بالإجراءات والخطط التي تعتمدها الحكومة للتعامل مع التداعيات الاقتصادية لكورونا، ويتعلق الآخر بمدى توافر الإمكانات اللازمة لذلك بيد الحكومة.

تأثير مضاعف:

تنطبق هذه المعايير على الاقتصاد العراقي، الذي واجه كغيره من الاقتصادات تحدي أزمة كورونا، والتي تزامنت مع تراجع أسعار النفط بنسب تصل إلى 80% مقارنة بمستوياتها قبل الأزمة. ومع كون النفط يمثل مصدراً رئيسياً للدخل بالنسبة للاقتصاد العراقي، فإن وقع الأزمة كان مضاعفاً عليه، حيث وصلت تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن هذا الاقتصاد انكمش بنسبة تصل إلى 12% في عام 2020، بسبب ظروف كورونا، التي تسببت في انخفاض حاد في عائداته النفطية، ووسعت عجز الموازنة العامة للدولة والحساب الجاري إلى نسب تبلغ 20% و16% من الناتج المحلي الإجمالي للعراق على التوالي.

ونتيجة لجميع هذه الضغوط التي واجهها الاقتصاد العراقي خلال العام الأول من أزمة كورونا، فقد تراجع ناتجه إلى 178 مليار دولار، مقارنة بنحو 230 مليار دولار قبيل الأزمة، وارتفع دينه الحكومي إلى ما يناهز الـ66% من الناتج المحلي الإجمالي، بدلاً من 46% قبل الأزمة.

كما تسبب حرمان الاقتصاد العراقي من تدفقات النقد الأجنبي خلال عام 2020، في الضغط على قدرة الحكومة على الإنفاق، سواءً تعلق الأمر بالنفقات العامة المخططة ضمن الموازنة، أو اتصل بقدرة الحكومة على الإنفاق الطارئ، في إطار تنفيذ خطط التحفيز، لدعم الاقتصاد في مواجهة ضغوط الأزمة، كما حدث في العديد من دول العالم، من أجل دعم النمو، وتجنيب سوق العمل فقدان الوظائف، عبر مساعدة الشركات ومؤسسات القطاع الخاص على المحافظة على مستويات التوظيف، ودعم الفئات الاجتماعية الأكثر تضرراً.

مؤشرات إيجابية:

مع مرور أكثر من عام منذ اندلاع أزمة كورونا على المستوى الدولي، ودخول الاقتصاد العراقي، كغيره من الاقتصادات، عامه الثاني للأزمة، فقد عملت الحكومة على إقرار موازنة عامة للعام الجديد، مع مراعاة المستجدات التي فرضتها تلك الأزمة. وفي هذا الإطار، أقر البرلمان العراقي مؤخراً موازنة حكومية للعام 2021، بقيمة تبلغ 130 تريليون دينار، أو ما يناهز 89.65 مليار دولار، بعجز متوقع بنحو 28.7 تريليون دينار (19.79 مليار دولار). ووفق مُشرِّعين في البرلمان، تعتمد الموازنة الجديدة متوسطاً لسعر النفط يبلغ 45 دولار للبرميل على مدار العام، وتتوقع صادرات نفطية للبلاد بمتوسط يبلغ 3.25 مليون برميل يومياً.

ووفق الظروف السائدة بأسواق النفط الآن، فليس من الصعب على العراق تحقيق أهدافها المتعلقة بالموازنة العامة المشار إليها، بل إن الارتفاعات الأخيرة في أسعار النفط، وبلوغها نحو 65 دولار للبرميل في الوقت الحالي، بجانب التوقعات التي ترجح استقرار متوسط هذه الأسعار عند 65 دولار خلال الربع الثاني من العام الجاري، وارتفاع متوسطها إلى 75 دولار للبرميل بالربع الثالث، وفق بنك جولدمان ساكس، بل وترجيح بنك يو.بي.إس ارتفاع متوسط الأسعار إلى 68 دولار للبرميل خلال النصف الثاني من العام الجاري بأكمله، كل ذلك يصب في اتجاه أن العراق سيكون بمقدورها تحقيق أفضل مما هو متوقع بالنسبة لموازنتها العامة، سواءً تعلق الأمر بحجم الإيرادات أو العجز.

وفي ظل ذلك، يرجح أن تتحول الموازنة العامة من العجز إلى الفائض في عام 2021، لاسيما أن المتوسط المتوقع للنفط على مدار العام، سيتجاوز من دون شك مستوى سعر التعادل النفطي الذي يقدره صندوق النقد الدولي بالنسبة للعراق، والبالغ 64 دولار للبرميل خلال العام الجاري. هذا بجانب تنامي الآمال بشأن استمرار نمو الطلب العالمي على النفط، والذي يرجح بنك جولدمان ساكس وصوله إلى 100 مليون برميل يومياً بنهاية العام، وهو ما يعزز فرص وصول صادرات النفط العراقية اليومية إلى المستوى المخطط له في الموازنة.

فرصة استثنائية:

يمتلك الاقتصاد العراقي فرصاً كبيرة لتعزيز الأداء والعودة إلى النمو خلال الفترة المقبلة، من خلال حصوله على عوائد استثنائية عبر التقارب الحادث بين الحكومة العراقية ودول مجلس التعاون الخليجي، وهو التقارب الذي سيمكن الاقتصاد من الحصول على استثمارات جديدة لم تكن متاحة له من قبل، وخلال الأسبوع الأخير قام رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بزيارة إلى السعودية والإمارات، في إطار تعزيز العلاقات الاقتصادية مع دول المجلس ككل، وعلى هامش الزيارة، أعلنت السعودية إطلاق صندوق استثماري مشترك مع العراق بقيمة 3 مليار دولار، كما أعلنت الإمارات أيضاً عزمها ضخ استثمارات جديدة في العراق بقيمة 3 مليار دولار. وفي حال استمرار التوجه العراقي الإيجابي نحو دول المجلس، فمن المتوقع استقبال الاقتصاد العراقي المزيد من الاستثمارات الخليجية، التي تمثل رافداً جديداً له، بما يعد عاملاً مساعداً له للتغلب على الصعوبات التي عاناها طوال السنوات الماضية.

في الختام، فإن الاقتصاد العراقي يبدو أنه مقبل على مرحلة إيجابية من الأداء، في ظل هذه المعطيات الجديدة، وقد أشارت توقعات صندوق النقد الدولي التي صدرت في أكتوبر 2020، إلى أن هذا الاقتصاد سيحقق نمواً بنحو 2.5% خلال عام 2021، لكن مع المستجدات والتطورات المتلاحقة، في شأن أسعار النفط العالمية، وكذلك تدفق الاستثمارات الخليجية على العراق، والمتوقع زيادتها خلال الفترة المقبلة، فمن المرجح أن يتجاوز النمو العراقي هذا المستوى المتوقع من قبل الصندوق، وأن يتخلص الاقتصاد تدريجياً من الضغوط المرتبطة بعجز الموازنة والدين الحكومي وعجز الميزان الجاري. لكن برغم ذلك، يظل تحقق ذلك مرهوناً بالعديد من العوامل، والتي من أهمها السياسات الاقتصادية المتبعة من قبل الحكومة، وقدرتها على مساعدة الاقتصاد على إيجاد طريق الخروج من الأزمة، وكذلك المحافظة على نهجها الإيجابي في توجهاتها الخارجية.