"التبريد الشمسي":

حلول مبتكرة لأزمة تخزين لقاحات كورونا في الدول الفقيرة

04 April 2021


ازدادت أهمية توفير أنظمة تبريد عالية الكفاءة على مستوى العالم في ظل تسابق الدول لتطعيم سكانها ضد فيروس كورونا، حيث تحتاج اللقاحات المضادة للفيروس درجات تبريد منخفضة للغاية أو تحت الصفر في بعض الأحيان. وفي حقيقة الأمر، لا تمثل البنية التحتية لتخزين وحفظ اللقاحات ضد الأمراض المختلفة تحديًا بالنسبة للدول المتقدمة، على عكس البلدان النامية ومنخفضة الدخل التي تعاني من ضعف كفاءة أنظمة التخزين والتبريد في ظل ضعف الاستثمارات ونقص الكهرباء بها حتى بالمرافق الحيوية وبما في ذلك المستشفيات، على نحو يجعلها غير قادرة على استقبال لقاحات ضد فيروس كورونا. وقد طُرح مؤخرًا أنظمة التبريد العاملة بالطاقة الشمسية، باعتبارها أحد الحلول المؤقتة والفعالة، التي يمكن أن تعزز من قدرات البلدان النامية لتخزين وحفظ لقاحات فيروس كورونا.

احتياجات واسعة:

تتسابق بلدان العالم كافة لتطعيم سكانها ضد كورونا في ظل تصاعد الإصابات بالفيروس على المستوى الوطني، ولتتجاوز نحو 127 مليون حالة عالميًا بنهاية شهر مارس من العام الجاري. وسيحتاج كل بلد لتطعيم ما لا يقل عن 75% من سكانه من أجل خلق مناعة جماعية لمواجهة الفيروس الذي ضغط بشدة على الأنظمة الصحية الوطنية في الفترة الماضية.

 ورغم نجاح بعض الشركات الأوروبية والآسيوية في تطوير لقاحات ذات فعالية عالية ضد فيروس كورونا؛ إلا أن العالم لا يزال يواجه تحديات تتعلق بتوريد اللقاحات لمختلف دول العالم على نحو متساوٍ، وتظهر هذه المشكلة بوضوح لدى بعض البلدان النامية ومنخفضة الدخل، التي لم تحصل على الجرعات الكافية من اللقاحات لتطعيم سكانها، على نحو دفع منظمة الصحة العالمية لمعالجة هذا الخلل نسبيًا من خلال إطلاق مبادرة "كوفاكس" (Covax) التي بموجبها سيتم توزيع لقاح كورونا على البلدان منخفضة الدخل.

ومن ضمن القضايا الجوهرية الأخرى التي لم يتم الاهتمام بها عالميًا بشكل كافٍ، هي ضعف أنظمة التخزين والتبريد لدى البلدان النامية. فعلى الرغم من المبادرات العالمية لتوفير لقاحات كورونا بشكل عادل بين الدول؛ إلا أن هناك تحديًا آخر لا يزال يواجه البلدان النامية، وهو الحاجة لتوفير أنظمة تبريد خاصة للقاحات كورونا، حيث تتطلب درجة تبريد تتراوح بين 2 و8 درجات مئوية (مثل لقاح أكسفورد)، بينما تصل سالب 20 (مثل لقاح مودرنا). 

جدول يوضح درجات تبريد لقاحات فيروس كورونا


   Source: Toby  Peters, Sustainable cold chains needed for equitable COVID-19 vaccine distribution, Sustainable Energy for All, November 12,2020, accessible at: https://bit.ly/3fs4TQT 

ضعف كفاءة التخزين:

وتتمثل المشكلة الرئيسية في أن كثيرًا من الدول النامية ومنخفضة الدخل ليس لديها التجهيزات الكافية لتخزين وحفظ لقاحات كورونا، في ظل نقص الاستثمارات اللازمة لإنشاء مرافق تبريد متطورة، فضلًا عن ضعف قدرات شبكاتها الكهربائية، وعلى نحو جعل بعض المرافق الاقتصادية والحيوية بها وبما في ذلك المستشفيات ومراكز الأمصال المحلية والعيادات الطبية وغيرها لا تصل إليها إمدادات مستقرة من الكهرباء. 

ووفقًا للبنك الدولي، لا تغطي خدمات الكهرباء سوى 41.9% من سكان البلدان منخفضة الدخل في عام 2018، والتي يندرج تحتها معظم بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، وتظهر فيها هذه المشكلة بوضوح دون غيرها من مناطق العالم الأخرى، ولا تغطي خدمات الكهرباء سوى 47.7% من سكانها. 

وهنا، يقدر التحالف العالمي للقاحات والتحصين أن هناك 10% فقط من البلدان التي تقع ضمن خطتها لمساعدات اللقاحات، لديها مرافق صحية مزودة بأنظمة تبريد عالية الكفاءة وقادرة على حفظ وتخزين اللقحات ضد الأمراض المختلفة. وعادة ما تزداد مشكلة تخزين اللقاحات في المجتمعات الريفية التي لا تغطيها الشبكة الرئيسية، أو حتى بالمناطق الحضرية العرضة باستمرار لانقطاعات التيار الكهربائي.

ونتيجة لذلك، تشير بعض التقديرات إلى أن ربع شحنات اللقاحات العالمية تهدر سنويًا على مستوى العالم بسبب عدم توافر سلاسل التبريد ذات الكفاءة العالية، جنبًا إلى جنب مع الاختناقات اللوجستية، مما تكون لها تكلفة كبيرة ليس بالنسبة لصحة المواطنين فقط بالبلدان النامية ومنخفضة الدخل، وإنما باقتصاداتها أيضًا. 

حلول مطروحة:

وبناء عليه، يمكن القول إنه رغم المبادرات العالمية الرامية لتوفير لقاحات كورونا للبلدان النامية أو الفقيرة؛ إلا أنه ستظل هناك حلقة مفقودة تُضعف من جهود تطعيم سكان هذه المناطق ضد الفيروس، وتتمثل في عدم وجود أنظمة تبريد ذات كفاءة عالية لتخزين اللقاحات. ومعنى ذلك أن بعض البلدان النامية أو منخفضة الدخل لا تزال بحاجة لدعم دولي لكي تضمن تخزين وحفظ لقاحات كورونا دون أن يتم هدرها. 

ولتجاوز هذا المأزق، طرحت بعض المنظمات الدولية غير الحكومية التنموية ضرورة اعتماد حلول التبريد القائمة على الطاقة الشمسية سريعًا، جنبًا إلى جنب مع مصادر الكهرباء التقليدية، وذلك من أجل تزويد المرافق الصحية في البلدان النامية بالكهرباء.

ويوجد نوعان من أنظمة التبريد العاملة بالطاقة الشمسية، أولها نظام التبريد بالبطارية الشمسية (Solar Battery-Based Refrigerator)، وهو عبارة عن مبردات موصولة ببطارية تقوم بتخزين الطاقة المستمدة من اللوح الشمسي، بحيث يمكن استخدامها لاحقًا حتى حال انقطاع التيار الكهربائي. وثانيهما نظام تبريد الدفع المباشر (Solar Direct-Drive Refrigerator)، وهي مبردات عادية لا تتطلب وقودًا أو بطاريات، وتقوم باستهلاك الطاقة المستمدة من اللوح الشمسي لتجميد المياه وبناء جدار جليدي سميك، بما يؤدي ذلك إلى إبقاء حاوية التخزين باردة لعدة أيام، حتى في حالة عدم توفر الطاقة الشمسية.

ويذكر أن عددًا من المنظمات والمبادرات العالمية لجأت لاستخدامات تقنيات التبريد القائمة على الطاقة الشمسية في السنوات الماضية، وذلك من أجل مواجهة ظروف نقص التيار الكهربائي في الأحوال العادية بالبلدان العاملة بها، كما مع حدوث أحوال طارئة مثل الكوارث الطبيعية. وعلى سبيل المثال، فقد ساعدت ثلاجات "الدفع المباشر العاملة بالطاقة الشمسية" المنظمات الأممية في تعزيز تطعيم الأطفال ضد الحصبة والشلل في جمهورية الكونغو الديمقراطية بنسبة 50% في عام 2020، وفقًا لتحالف اللقاحات العالمي.

كما اعتادت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) ومنظمة الصحة العالمية على استخدام تقنيات التبريد العاملة بالطاقة الشمسية لتوفير اللقاحات للأطفال في عدد من دول العالم، بما في ذلك هايتي وكوبا والفلبين وغيرها. وقدمت "اليونيسف" للحكومة الفلبينية في عام 2017 معدات خاصة للتبريد، على غرار ثلاجات التبريد التي تعمل بالطاقة الشمسية والمقاومة للفيضانات، والتي يمكن أن تعمل لأكثر من 10 أيام بدون كهرباء في المناطق المعرضة للأعاصير، وذلك من أجل تعزيز جهود تطعيم الأطفال ضد الأمراض المختلفة.

وبناءً عليه، يُمكن القول إن تقنيات التبريد العاملة بالطاقة الشمسية يمكن أن تقدم حلولًا عاجلة لمشكلة تخزين لقاحات كورونا في البلدان الفقيرة والنامية التي تعاني من ضعف البنية التحتية ونقص الكهرباء، ولكن ينبغي على المؤسسات الدولية والمانحين من الدول التكاتف معًا من أجل مساعدة هذه البلدان للحصول على هذه التقنيات.