تنافس مستمر:

أسباب تصاعد المواجهات بين "القاعدة" و"داعش" في أفريقيا

10 December 2020


على مدار الأشهر الماضية، تصاعدت حدة المواجهات المسلحة بين تنظيم "القاعدة"، الذي يسعى إلى توسيع نطاق نفوذه في منطقة الساحل والصحراء، وتنظيم "داعش" الذي يحاول نقل ثقله التنظيمي إليها، وهو ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى من الطرفين، على نحو ما تشير إليه بيانات عديدة أصدرها التنظيمان، كان آخرها ما كشفه تنظيم "القاعدة"، في العدد السابع من مجلته الحديثة "ثبات" الصادر في 7 ديسمبر الجاري، من قيام عناصر تابعة له بشن عدة هجمات خاطفة على مواقع تنظيم "داعش" في شرق مالي، مما أسفر عن مقتل وإصابة ما يقرب من 30 من مقاتليه، وهو ما يطرح تساؤلات عديدة حول أسباب تصاعد المواجهات بين الطرفين خلال الفترة الماضية. 

نمط صراعي:

منذ ظهور تنظيم "داعش" في منطقة الساحل والصحراء عام 2014، عقب إعلان قائده الحالي أبو الوليد الصحراوي انشقاقه عن تنظيم "القاعدة"، وهو يتعرض لضغوط عسكرية قوية من قبل "القاعدة" بهدف طرده من تلك المنطقة، عبر هجمات منظمة شنها على مواقعه وقادته. وقد كان ذلك أحد الأسباب التي دفعته إلى الانسحاب منها والانتشار في مناطق صحراوية نائية عام 2016. ورغم أنه عاد إليها مجدداً عام 2018، إلا أنه سعى في تلك الفترة إلى التقارب مع "القاعدة"، عبر توجيه دعوة للأخير بالتعاون في مواجهة القوات الأجنبية، لاسيما بعد أن قام الأول بشن عملية أسفرت عن مقتل 3 جنود أمريكيين في النيجر في 4 أكتوبر 2017.

لكن اللافت في هذا السياق، أن قادة تنظيم "القاعدة" رفضوا هذه الدعوة، وأصروا على ضرورة إنهاء وجود "داعش" في تلك المنطقة، باعتبار أن هذا الوجود يخصم من نفوذ التنظيم الأول، الذي يسعى إلى تكريسه بالاستفادة من الطبيعة الجغرافية وعدم الاستقرار على المستويين السياسي والأمني وتصاعد حدة الصراعات القبلية. وقد تم تكليف زعيم حركة "تحرير ماسينا" امادو كوفا بمهمة إنهاء الوجود "الداعشي" في تلك المنطقة. لكن هذه المهمة لم تكن سهلة، حيث تمكن تنظيم "داعش" من صد هجمات "القاعدة" بل وشن هجمات مضادة، على نحو فرض معادلة توازن جديدة بين الطرفين.

دوافع مختلفة:

يمكن تفسير تصاعد حدة المواجهات بين تنظيمى "داعش" و"القاعدة" في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- طموح القيادة: لم تحقق العمليات التي شنها تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" أو حركة "تحرير ماسينا" ضد تنظيم "داعش" نتائج بارزة يمكن أن تؤدي إلى إنهاء نفوذ الأخير في منطقة الساحل والصحراء، وهو ما يعود، في قسم منه، إلى سعى زعيم الأخير أبو الوليد الصحراوي إلى تكريس نفوذه ودوره القيادي. وقد كان ذلك هو السبب نفسه الذي دفعه في السابق إلى الانشقاق عن "القاعدة" ومبايعة "داعش"، حتى يستطيع تعزيز موقعه داخل التنظيم الأخير. وقد دفعت محاولاته المستمرة لاستقطاب عدد من الإرهابيين للانضمام إلى "داعش" تنظيم "القاعدة" إلى توسيع نطاق عملياته، حيث رأى أن استمرار هذا التوجه يمكن أن يفرض تهديدات جدية لنفوذه وموقعه في تلك المنطقة.

2- تضارب المشاريع: عقب الهزائم القوية التي تعرض لها تنظيم "داعش" في كل من سوريا والعراق، تحول إلى القارة الأفريقية التي اعتبر أنها تمثل بديلاً يمكن من خلاله تحقيق مشروعه الأيديولوجي الذي فشل في المعاقل الرئيسية التي ظهر فيها. وحاول في هذا السياق تأسيس قنوات تواصل بين منطقتى الساحل والصحراء وغرب أفريقيا من خلال التنظيمات التابعة له فيها، على غرار جماعة "بوكو حرام" في نيجيريا. وربما يفسر ذلك، إلى حد كبير، أسباب استمرار العمليات التي يقوم بها التنظيم في منطقة حوض بحيرة تشاد، التي تمثل محور التواصل بين التنظيمات التابعة له في تلك المناطق.

وقد اعتبر تنظيم "القاعدة" أن تلك المساعي توجه تهديدات مباشرة لوجوده في تلك المنطقة، التي سعى إلى تحويلها لنقطة انطلاق للتمدد في مناطق أخرى واستقطاب أكبر عدد ممكن من العناصر الموالية له، وهنا، فإن اتجاهات عديدة رأت أن الصراع بينهما بات صفرياً.

3- الاستحواذ على مصادر التمويل: يمثل الصراع على مصادر التمويل أحد الأسباب الأساسية في اتساع نطاق المواجهات بين "القاعدة" و"داعش"، حيث تعتبر اتجاهات عديدة أن منطقة الساحل والصحراء تعد إحدى المناطق التي يمكن أن تحصل فيها مثل تلك التنظيمات على أكثر من مصدر لتمويل أنشطتها وعملياتها، لاسيما عبر اختطاف الرهائن وفرض الضرائب والإتاوات، فضلاً عن تهريب البشر.

4- توجهات القيادة الجديدة لـ"القاعدة": يمنح أبو عبيدة يوسف العنابي القائد الجديد لتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، الذي عين محل عبد المالك دروكدال الذي قتلته القوات الفرنسية في 5 يونيو الماضي، أولوية خاصة للعمل على إنهاء الوجود "الداعشي" في منطقة الساحل والصحراء، لاسيما بعد الحملة التي شنها "داعش" وروج من خلالها إلى تعاون "القاعدة" مع القوات الأجنبية الموجودة في المنطقة، على نحو دفع الأخير إلى شن هجمات صاروخية على ثلاثة قواعد تتواجد بها قوات فرنسية في مالي في 30 نوفمبر الفائت. 

وعلى ضوء ذلك، يمكن القول إن المواجهات بين تنظيمى "القاعدة" و"داعش" سوف تتحول إلى صراع مفتوح لا يبدو أنه سينتهى أو يحسم قريباً، في ظل المنافسة المتصاعدة بين الطرفين على التمدد والانتشار وعدم وجود أى مساحة للتعاون، على نحو يعني أن منطقة الساحل والصحراء ربما تبدو مقبلة على مواجهات عسكرية واسعة بين الطرفين خلال المرحلة القادمة.