إنهاء الجمود:

أسباب تزايد الضغوط الأوروبية على لبنان

09 December 2020


يبدو أن الاتحاد الأوروبي يسعى إلى توسيع نطاق حضوره في الملف اللبناني، خاصة فيما يتعلق بأزمة تشكيل الحكومة، حيث عقد وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في 7 ديسمبر الجاري، اجتماعاً بدعوة من وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان، لبحث الوضع في لبنان، وذلك بناءً على ورقة قدمتها ألمانيا إلى دول الاتحاد في الخريف الماضي، كما يأتي الاجتماع بمبادرة فرنسية- ألمانية، ليشمل وضع خريطة طريق تتضمن سلسلة مقترحات إصلاحية شاملة وعاجلة لإنقاذ لبنان من الانهيار.

وزار وفد برلماني أوروبي لبنان في اليوم نفسه، يضم النائبين الفرنسيين تييري مارياني وجان لين لاكابيل لاستطلاع التطورات اللبنانية وما آلت إليه المبادرة الفرنسية، وما يمكن القيام به في المرحلة المقبلة، والتقى الوفد عدداً من المسئولين في مقدمتهم رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المُكلَّف سعد الحريري، ورئيس حكومة تصريف الأعمال حسّان دياب، ووزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال شربل وهبة.

 ويشار إلى أن الوفد انتقد "الفساد المستشري في الداخل اللبناني"، وهو ما دلل عليه تصريح مارياني لصحيفة "الأنباء" اللبنانية الذي تساءل فيه عن "أوجه صرف أموال ومساعدات الاتحاد الأوروبي على مراحل مختلفة"، خصوصاً أن "الاتحاد لم يلمس تقدماً وتطويراً للقطاعات التي استهدفتها المساعدات".

بالتوازي مع ذلك، وقّع وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال شربل وهبة على اتفاقيتين للتعاون المالي بقيمة 100 مليون يورو مع سفير ألمانيا في بيروت أندرياس كيندل، تُخصص للقيام بإصلاحات طارئة في البنى التحتية بالإضافة إلى مساعدة لبنان لمواجهة جائحة "كورونا".

أولوية خاصة:

حرص الاتحاد الأوروبي على إدراج الملف اللبناني على طاولة البحث لدول الاتحاد، قبل اجتماع القمة الأوروبية يومى 10 و11 ديسمبر الجاري، وذلك ضمن ملفات أخرى لها أولوية مثل بحث فرض عقوبات على تركيا لتحركاتها العدائية في منطقتى الشرق الأوسط وشرق المتوسط، حيث من المتوقع أن يتم إصدار قرارات أوروبية للضغط على بيروت لحلحة أزمة تشكيل الحكومة.

ويتزامن التحرك الأوروبي بشكل عام مع زيارة محتملة للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إلى لبنان في نهاية العام الجاري، وعقد مؤتمر دعم لبنان في باريس في مطلع ديسمبر الحالي، لتفعيل المبادرة الفرنسية التي تم إطلاقها بعد تفجيرات مرفأ بيروت في أغسطس الماضي، والتي فقدت زخمها بسبب التطورات الداخلية في لبنان فضلاً عن التطورات الإقليمية والدولية.

ويشير مسعى الاتحاد الأوروبي لتعزيز حضوره في المشهد اللبناني إلى أن ثمة قلقاً ينتاب دوله إزاء محاولات تركيا الانخراط في الترتيبات السياسية التي يجري العمل على صياغتها خلال المرحلة الحالية عبر مدخل المساعدات الإنسانية والإغاثية، والذي تزايد الاستناد إليه بعد تفجيرات مرفأ بيروت. 

كما يعتبر ملف الهجرة غير الشرعية من أهم الأسباب التي دفعت الدول الأوروبية لدعم حضورها في لبنان، خاصة بعد تزايد محاولات تدفق المهاجرين إلى الداخل الأوروبي بسبب التداعيات الاقتصادية لتفشي جائحة "كورونا"، وقد أشارت العديد من المصادر الأوروبية إلى تخوفها من تزايد موجات الهجرة غير الشرعية بسبب الجائحة، خاصة من لبنان التي شهدت ظاهرة ما يسمى "قوارب الموت" التي تحمل على متنها مهاجرين لبنانيين وسوريين إلى قبرص، مما دفع الأخيرة لإرسال وفد إلى لبنان في 8 سبتمبر الماضي  للتباحث في سبل منع تلك القوارب من الوصول للأراضي الأوروبية خاصة بعد تزايد عددها، كما أن الخطورة تكمن في أن يكون هؤلاء المهاجرين مصابين بالفيروس مما يفرض ضغوطاً إضافية على الحكومات الأوروبية.

متغيرات جديدة:

من المرجح أن يسفر تزايد الدور الأوروبي في المشهد اللبناني عن دفع المعنيين في الداخل إلى اتخاذ خطوات جادة لحلحلة أزمة تشكيل الحكومة، خاصة وأن المسار الأوروبي قد يشمل مساعدات مالية كبيرة لتحفيز تلك الحلحلة، إضافة إلى الضغط على معرقلي التشكيل عبر التهديد بفرض عقوبات عليهم.

  إلا أن خيار العقوبات لن يتم الاستناد إليه إلا بعد استنفاد جميع السبل لتحفيز القوى السياسية على تقديم تنازلات للوصول إلى توافق لتشكيل حكومة انتقالية، مع ضمان الجانب الأوروبي الحفاظ على نفوذ تلك القوى داخلياً.

ومن مؤشرات الاستجابة اللبنانية للضغط الأوروبي، اجتماع رئيس الحكومة المُكلَّف سعد الحريري مع رئيس الجمهورية ميشال عون في 7 ديسمبر الجاري لبحث تشكيل الحكومة، وذلك بعد بعد أسبوعين من الانقطاع، واستباقاً لزيارة الرئيس الفرنسي ماكرون المحتملة في 21 ديسمبر الجاري، والمدعومة أوروبياً لوقف "هدر الوقت" الذي قد يؤدي إلى انهيار الوضع الاقتصادي والصحي في لبنان بسبب جائحة "كورونا".

ولا يُستبعد أن تبحث تلك الزيارة المحتملة في كيفية دعم الدولة اللبنانية بعيداً عن أزمة تشكيل الحكومة كمسار بديل، خاصة بعد تصريحات ماكرون الأخيرة التي أكد فيها أنه "على الشعب اللبناني ألا يبقى رهينة مصالح أو رهينة بيد أى طبقة سياسية"، وقد تنصرف تلك الآلية المحتملة إلى دعم لبنان مالياً شريطة عدم استفادة أى من القوى السياسية من تلك المساعدات، فضلاً عن إجراء التدقيق المالي الجنائي ومحاربة الفساد، وهى الأدوات التي ستمنح الدول الأوروبية فرصة لمحاسبة بعض المسئولين اللبنانيين، وبما يعد وسيلة للضغط عليهم لإنهاء الجمود السياسي الذي تشهده الدولة اللبنانية.

في النهاية، تعكس تحركات الاتحاد الأوروبي لدعم المبادرة الفرنسية إصراراً أوروبياً على حلحلة عملية تشكيل الحكومة. وربما تتخذ المواقف الأوروبية مسارات متعددة في الفترة المقبلة تجاه لبنان، إما عبر التحفيز بتقديم المساعدات أو التصعيد ضد النخب السياسية، لإنهاء حالة الشلل السياسي والاقتصادي الذي يهدد بانهيار الدولة.