ملف ضاغط :

التداعيات المحتملة لإخلاء مخيم الهول من السوريين

13 October 2020


يبدو أن الإدارة الذاتية الكردية قد بدأت في إجراء تغيير في سياستها إزاء ملف السوريين الموجودين في مخيم الهول، على نحو انعكس في تصريحات الرئيس المشترك لمجلس سوريا الديمقراطية "مسد"، في 5 أكتوبر الجاري، والتي أشار فيها إلى توجه الإدارة نحو إفراغ المخيم من السوريين بشكل كامل مع الإبقاء على الأجانب، وفسر المسئولون الأكراد ذلك بالضغوط المالية التي تتعرض لها الإدارة نتيجة استضافة هذا العدد الكبير من عائلات الإرهابيين. وقد حذرت اتجاهات عديدة من أن ذلك يمكن أن يفرض تداعيات عديدة سواء داخل سوريا أو خارجها، لاسيما أن الجدل ما زال يتصاعد حول آليات التعامل مع عائلات الإرهابيين، بعد الهزائم التي تعرض لها "داعش" داخل كل من سوريا والعراق في المرحلة الماضية.

بؤرة مستمرة:

تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن المخيم يؤوي حوالي 56 ألف شخص، من بينهم أكثر من 24 ألف سوري، فيما يمثل العراقيون غالبية الأجانب، إلى جانب عائلات مقاتلي "داعش" الذين يقدرون بالآلاف ويتحدرون من أكثر من 50 دولة.

وربما يمكن القول إن ثمة دوافع ثلاثة أخرى يمكن من خلالها تفسير تلك الخطوة: يتمثل الأول، في تحول المخيم إلى ما يمكن تسميه بـ"بؤرة داعشية"، بعد أن تمكن قادة وكوادر التنظيم من تكريس أفكاره وتوجهاته داخله، لدرجة أدت، في بعض الأحيان، إلى وقوع أحداث لافتة على غرار إحراق خيام العناصر التي تخالف أحكام التنظيم من قبل ما أطلق عليها "لجان الحسبة" التي تشكلت داخل معسكرات الرجال والنساء على حد سواء.

ويتعلق الثاني، بتزايد صعوبة السيطرة الأمنية على المخيم، بعد أن وصل عدد الموجودين فيه إلى نحو 65 ألف شخص، في الوقت الذي تبلغ قدرته الاستيعابية حوالي 50 ألف شخص فقط، وقد أدت العمليات العسكرية التي تشنها تركيا باستمرار في شمال سوريا إلى تعرض المخيم لضغوط أكبر، خاصة بعد أن اضطرت ميليشيا قوات سوريا الديمقراطية "قسد" إلى سحب أعداد من مقاتليها المكلفين بحراسة المخيم للانخراط في المواجهات المسلحة مع القوات التركية والميليشيات الموالية لها.

وينصرف الثالث، إلى تصاعد المخاوف من انتشار فيروس "كورونا" داخل المخيم، بشكل يمكن أن يخرج عن السيطرة ويتسبب في مزيد من الأزمات للإدارة الذاتية، في ظل نقص الإمكانيات والموارد المتاحة.

تأثيرات متعددة:

ربما تفرض تلك الخطوة تداعيات عديدة لن تقتصر على سوريا فقط وإنما ستمتد إلى كل الدول المعنية بالحرب ضد "داعش" لاسيما التي تنتمي إليها عائلات مقاتليه، ويتمثل أبرزها في:

1- استمرار السيطرة "الداعشية": تشير اتجاهات عديدة إلى أن ذلك سوف يساعد تنظيم "داعش" على تعزيز سيطرته ونفوذه داخل المخيم، لاسيما أن عملية الإخلاء سوف تؤدي إلى إخراج عدد كبير من العائلات ممن لا تنتمي في الأساس للتنظيم، حيث يضم المخيم مدنيين نازحين بسبب الحرب ضد تنظيم "داعش"، وهو ما سوف يجعله مقتصراً فقط على العناصر التي تنتمي إلى التنظيم وتسعى إلى تحويل توجهاته إلى خطوات إجرائية على الأرض.

وقد بدأ اهتمام القوى الدولية يتزايد بالعواقب التي يمكن أن تنجم عن ذلك، على نحو بدا جلياً في تأكيد وزارة الخارجية الألمانية، في 19 يونيو الماضي، على أن "مخيم الهول تحول إلى مدرسة داعشية بامتياز"، وأن "أيديولوجية تنظيم داعش الإرهابي وتطبيقها يجري تمريرها هناك، خاصة من قبل المناصرات الأجنبيات للتنظيم المتطرف، في مجموعات تعليمية منظمة للقُصَّر". 

2- ظهور جيل جديد من المتطرفين: ربما تؤدي تلك الخطوة إلى ظهور جيل "داعشي" جديد، حيث أنها سوف تحول الهول إلى مخيم للمحتجزين الأجانب، بما يعني أن معظمهم سيكونون من النساء والأطفال من مقاتلي التنظيم، وهو ما سوف يخصم من الجهود التي تبذلها بعض القوى الدولية من أجل استعادة عدد من مواطنيها من داخل المخيم وإعادة تأهيلهم مع التركيز على الأطفال تحديداً، الذين سوف يؤدي استمرار بعضهم داخل المخيم إلى تكريس أفكار وتوجهات التنظيم لديهم، وتحويلهم إلى عناصر إرهابية بشكل كامل. واللافت في هذا السياق، أن هذا الاحتمال يتوازى مع تزايد الدور الذي تقوم به الأجنبيات داخل المخيم، على نحو بدا جلياً في الحوادث التي وقعت في الفترة الماضية، على غرار الاعتداء على بعض النساء ممن لا يتقيدن بـ"اللباس الشرعي"، أو البنات اللاتي يخرجن من دون نقاب، بل وإحراق بعض المخيمات وطعن عناصر من الحراسة.

3- الحد من عمليات الفرار: قد تساهم تلك الخطوة في الحد من عمليات الفرار داخل المخيم، والتي تزايدت وتيرتها خلال الفترة الماضية، خاصة من جانب العناصر التي تحمل الجنسيتين السورية والعراقية، وذلك رغم الإجراءات الأمنية التي تتخذها الميليشيا الكردية، والتي تأثرت، نسبياً، بانخراطها في المواجهات المسلحة التي اندلعت نتيجة قيام تركيا بشن عمليات عسكرية في شمال سوريا.

وعلى ضوء ذلك، يمكن القول إن هذه الخطوة بقدر ما ستؤدي إلى تعزيز السيطرة الفكرية لـ"داعش" داخل المخيم، بقدر ما يمكن أن تساعد الميليشيا الكردية على إحكام قبضتها الأمنية، خاصة أنها دائماً ما كانت تؤكد على أن تزايد الأعداد داخل المخيم وتجاوزها للحد المسموح به يقلص من قدرتها على تحقيق ذلك ويساهم في وقوع أحداث العنف التي شهدها المخيم في الفترة الماضية. وفي النهاية، يبقى مخيم الهول أحد الملفات الضاغطة التي ما زالت القوى الدولية المعنية بالحرب ضد الإرهاب عازفة عن حسمها، رغم كل التداعيات التي يمكن أن يفرضها ذلك على أمنها واستقرارها.