رؤية مغايرة:

هل تطرح مبادرة الحزام والطريق فرصا للولايات المتحدة؟

19 August 2020


عرض: فردوس محمد - باحثة اقتصادية

تُعد مبادرة "الحزام والطريق" جهدًا حكوميًّا طموحًا لربط آسيا وأوروبا اقتصاديًّا من خلال استثمارات ضخمة بالبنية التحتية، وبشكل أساسي في الدول النامية التي غالبًا ما تكافح لتأمين مثل هذه الأموال في أسواق رأس المال. ونظرت الولايات المتحدة إلى المشروع بحذر خشية أن يزيد من النفوذ الصيني. وعلى الرغم من ذلك، قد تستفيد واشنطن من زيادة التجارة. كما يمكن للمبادرة أيضًا مواجهة التطرف وتسهيل بناء الدولة في العديد من المناطق غير المستقرة. كما أنها لا تحد بشكل كبير الخيارات الدبلوماسية الأمريكية أو تلزم دولًا مثل روسيا بشكل دائم بالمصالح الصينية. ومع ذلك، فإن المعارضة الصريحة من قبل الولايات المتحدة قد تدفع الدول المشاركة في المشروع إلى الانحياز بشكل أوثق مع بكين.

وفي هذا الصدد، حاول "كريستوفر موت" (المتخصص في قضايا الدفاع) في تحليل بعنوان "لا خوف من مبادرة الحزام والطريق الصينية"، نُشِر في عدد أغسطس-سبتمبر 2020 بمجلة "سيرفيفال" (Survival)؛ تحديد تصورات مبادرة "الحزام والطريق" والفوائد المحتملة لأوراسيا، والفرص الأمريكية المتوقعة من تلك المبادرة. 

تصورات المبادرة

يرى التحليل أنه من خلال مبادرة الحزام والطريق، نفذت الصين مشروع بنية تحتية ضخمًا لتسهيل التجارة الدولية، وتوسيع روابطها مع الدول الشريكة. فتقدم المبادرة برنامج إنشاءات واسع النطاق يهدف إلى تحديث البنية التحتية القديمة، وبناء مرافق جديدة تمامًا لتنشيط التجارة الداخلية في أوراسيا. وتمنح الدولة التي غالبًا ما تكون على هامش شبكات التجارة العالمية فرصة لزيادة تجارتها بشكل كبير.

تهدف خطة الاستثمار والتنمية الخاصة بمبادرة الحزام والطريق إلى توسيع التجارة والقدرة اللوجستية لحوالي 138 دولة، على الأقل من الناحية النظرية. وتستهدف على وجه التحديد مجموعة "اقتصادات الحزام الواحد" التي تركز على المناطق الداخلية بأوراسيا (منغوليا، وروسيا، والجمهوريات السوفيتية السابقة في آسيا الوسطى والقوقاز، وتركيا، ومجموعة متنوعة من دول وسط وشرق وجنوب أوروبا). وبالإضافة إلى ذلك، تسعى مبادرة الحزام والطريق إلى التشابك في "اقتصاديات الطريق الواحد"، وتتبع طريق الحرير البحري التاريخي من خلال المشاريع التي تركز على جنوب شرق آسيا والمحيط الهندي وشرق وغرب إفريقيا. ويتم تصوير الأهداف على أنها جهود لتنسيق السياسات بين الحكومات المشاركة، وتسهيل الاتصال بشأن القضايا الكلية المتعلقة بالتجارة بين الموقعين، واتصال المرافق عبر البنية التحتية الموحدة وتكامل آليات التمويل بين الدول، وتقليل عام للحواجز التجارية في جميع المجالات.

وتُقدَّر التكلفة الإجمالية للانتهاء المتوقع للمشروع في عام 2049 بما يتراوح بين 4 و8 تريليونات دولار. ويشير التحليل إلى أنها ستؤثر على الاقتصاد الصيني، حتى الآن يكافح المشروع للوصول إلى مستويات التمويل المقترحة. بحلول عام 2017، استثمرت بكين 340 مليار دولار، وإذا استمر هذا المعدل، يمكن تحقيق الهدف المستهدف البالغ 1 تريليون دولار بحلول عام 2025. وفي حالة زيادة الإنفاق الحكومي على المشروع، يمكن أن يصل إلى 2 تريليون دولار بحلول عام 2030.

ويحذر المعلقون الأمريكيون من أن المشروع سيكلف الولايات المتحدة نفوذها في جميع أنحاء العالم، معتقدين أنه مع سيطرة الصين على الدول الأصغر، ستثبت نفسها كوسيط صفقات دولي بارز في العالم. وقد أثارت العديد من المؤسسات الفكرية الأمريكية مخاوف بشأن الكيفية التي قد يفرض بها الصينيون سيطرتهم الاقتصادية على جزء كبير من العالم، ويستبعدون واشنطن من مناطق بأكملها. لكن تعد تلك المخاوف في غير محلها بحسب التحليل، حيث لا تشكل مبادرة الحزام والطريق أي تهديد حقيقي لوضعية الولايات المتحدة على المسرح العالمي. 

في الواقع، قد تعمل جوانب معينة من مبادرة الحزام والطريق على تعزيز الخيارات الدبلوماسية الأمريكية بشكل غير مباشر عن طريق الحد من عدم الاستقرار ورعاية التنمية في أجزاء من العالم.

الفوائد المحتملة لأوراسيا

يشير التحليل إلى أن مبادرة الحزام والطريق قد تخفض تكاليف التجارة من خلال تبسيط معايير البنية التحتية والممارسات الجمركية بين البلدان الشريكة مع تقليل الحواجز التجارية. وبالنظر إلى أن الصينيين حققوا مكاسب اقتصادية ضخمة في ظل السياسات التجارية المدعومة من الولايات المتحدة في الماضي، يمكن أن تسمح المبادرة للولايات المتحدة بفعل الشيء ذاته من خلال الاعتماد على برامج بكين.

ويمكن أن تساعد المبادرة أيضًا في جعل الدول أكثر قابلية للحكم ومسؤولة تجاه مواطنيها. كما أن توسيع البنية التحتية في المناطق التي تعمل فيها منظمات متطرفة ليس الدواء الشافي، ولكنه يمكن أن يحد من جاذبيتها. بالإضافة إلى أن المبادرة أيضًا ترسخ السيادة الاقتصادية للدول المستفيدة، حيث ساعدت مساعدات التنمية الأجنبية دولًا مثل مصر ويوغوسلافيا وبعض دول عدم الانحياز على تعزيز استقلالها خلال مرحلة الحرب الباردة. ويمكن لمستويات التنمية المتزايدة التي تغذيها البنية التحتية والتجارة أن تمكّن البلدان الأصغر من جذب الاستثمار من قوى منافسة متعددة، وبالتالي زيادة قدرتها على التسوّق للحصول على صفقات أفضل وتقليص اعتمادها على مصدر واحد. وبالفعل بدأت اليابان بالتنافس مع الصين على مشاريع في البلدان المُوقِّعة على برنامج مبادرة الحزام والطريق من خلال تقديم استثمارات بديلة وتنافسية في البنية التحتية.

كما يمكن أن تستفيد أيضًا دول أخرى ذات مصالح كبرى في المحيط الهندي. وكجزء من مبادرة الحزام والطريق، أبرمت الصين عقد إيجار لمدة 99 عامًا لميناء جديد في هامبانتوتا بسريلانكا، وقامت بتطويره. وللوهلة الأولى، يبدو أن هذا المشروع يوضح الافتراس الاقتصادي الصيني، حيث أصبحت سريلانكا أكثر اعتمادًا على الاستثمار الصيني وخاضعة لمصالحها. لكن في الواقع، نبهت الصفقة اليابان والهند إلى الحاجة إلى الاستثمار في سريلانكا لمنع بكين من اكتساب كثير من الزخم الاستراتيجي هناك.

وعلى أية حال، حتى الآن يبدو أن أكبر تأثير لمبادرة الحزام والطريق في آسيا الوسطى هو تشجيع النقاش العام حول مدى التأثير الصيني المرغوب فيه، حيث يمكن لبكين أن تساعد في بناء البنية التحتية وتعزيز الرخاء، لكنها لا تشتري بالضرورة نفوذًا طويل الأجل من شأنه أن يستبعد القوى الأخرى من التنافس مع الصين لممارسة ثقلها الدبلوماسي. 

الفرص الأمريكية المحتملة

يشير التحليل إلى أن الدول غير الساحلية التي تشكل جزءًا كبيرًا من التغطية الحالية لمبادرة الحزام والطريق ليست لها صلة مباشرة تُذكر بأمن الولايات المتحدة أو ازدهارها. وبناءً على ذلك، يبدو من غير المحتمل أن تقدم واشنطن لهم بدائل واقعية للتنمية. ففي حين أن الفوائد المحتملة لبكين حقيقية، فإن المبادرة تحمل مخاطر مالية هائلة في شكل ديون مضمونة من الحكومة. وسيكون هذا هو المصدر الرئيسي للتمويل للعديد من البلدان المدرجة في قائمة أولويات مبادرة الحزام والطريق. ووفقًا للبنك الدولي، يعاني ما يقرب من ثلثي البلدان المتأثرة بالمبادرة من مواطن ضعف ديون عالية، وأكثر من ثلثها في خطر أو في الواقع في ضائقة الديون. وتشير احتمالية حدوث مثل هذه النتائج غير المتكافئة إلى أن الصين ستكافح لتحويل استثمارات مبادرة الحزام والطريق إلى هيمنة، والسيطرة على تلك الدول.

وقد تؤدي مبادرة الحزام والطريق أيضًا إلى الاستثمار الخاص في الأماكن التي كانت تُعتبر سابقًا مناطق ركود اقتصادية. فقد أدى التوسع الهائل في البنية التحتية خلال الحرب الباردة في أماكن مثل سنغافورة وماليزيا إلى زيادة الأهمية الدولية لتلك البلدان. وفي الوقت ذاته، فإن إجبار الصين السياسي على إبقاء مشروع ما مربحًا يحد بشكل كبير من خياراتها المالية.

وفي حين أنه من غير المحتمل الآن تكرار الانقسام الصيني السوفيتي في الستينيات، يمكن أن تزيد مبادرة الحزام والطريق في نهاية المطاف من التنافس الصيني الروسي بدلًا من تقليله، حيث تتمتع موسكو بعلاقات دفاعية قوية مع الهند التي تشكك في مبادرة الحزام والطريق، لكنها مستفيد محتمل من ترويجها التجاري. ويعد التعاون بين باكستان والصين مصدر قلق دائم للهند. ولأسباب جيوسياسية، لا تزال روسيا مضطرة لتحقيق التوازن بين الهند والصين، ولن يغير توسيع مبادرة الحزام والطريق من هذه الديناميكية. في ضوء ذلك، يبدو أنه من السابق لأوانه في أحسن الأحوال توقع أن تنضم مبادرة الحزام والطريق إلى تحالف صيني روسي دائم وقوي.

ومن المرجّح أن تخلق السياسات التي تدفع بكين وموسكو معًا جبهة معادية للولايات المتحدة على المدى الطويل أكثر من مشاريع مبادرة الحزام والطريق في أوراسيا. وقد يُنظر إلى أي جهد أمريكي للإساءة إلى المبادرة وتقويضها على أنه معادٍ، وقد يؤدي إلى تنفير الدول الصغيرة وتقريبها من الصين. والنفوذ الصيني المتزايد في منطقة ذات أهمية محدودة لأمن الولايات المتحدة هو نتيجة أكثر أمانًا، وربما حتى مربحة.

كقوة تجارية محيطية تستفيد الولايات المتحدة من خلال تعظيم رخاء الدول الأخرى، سواء كانت متحالفة معها أم لا. وعلى وجه الخصوص، يجب ألا تثني السياسات الأمريكية الشركات الأمريكية عن متابعة فرص الاستثمار الجذابة في بلدان مبادرة الحزام والطريق. 

ويشير التحليل إلى أن مبادرة الحزام والطريق تعد مثالًا على ظاهرة أكبر؛ فمع ازدياد ثراء الدول، تميل إلى الاستثمار بشكل أكبر في الخارج بطرق تعزز مصالحها. ولكن نظرًا لأن الشركاء الصغار في مثل هذه الترتيبات يتلقون المزيد من الأموال، فإنهم يصبحون أكثر قدرة على التصرف بشكل مستقل عندما يتعلق الأمر بالدبلوماسية التنافسية. وهذا يعني أن صانعي السياسة في واشنطن سيكونون من الحكمة بحيث يوسعون العلاقات التجارية، ويحدون من فرص العقوبات التي قد تدفع الشركاء المحتملين بعيدًا.

وختامًا، يتمثل المبدأ العام في أن تنمية الصين للروابط والعلاقات التجارية الدولية ليست خسارة تلقائية محصلتها صفر بالنسبة للولايات المتحدة. فلا يمنع الاستثمار الصيني الاستثمار من قبل الشركات الأمريكية الخاصة. وكلما زاد عدد الرعاة في بلد أصغر، قل احتمال "شرائه" من قبل دولة أجنبية واحدة. ويعني البعد الجغرافي للولايات المتحدة عن الدول الأوروبية والآسيوية أنه من المرجح أن تنظر الدول إليها على أنها شريك أقل تهديدًا من الصين. ويجب على صانعي السياسة في واشنطن ألا يهدروا هذه الميزة من خلال اتّباع نهج المواجهة أو العرقلة لمشاريع البنية التحتية الدولية للقوى الأخرى. إن رد الفعل الأمريكي المفرط على مبادرة الحزام والطريق لن يؤدي إلا إلى تحويلها من فرصة للولايات المتحدة إلى تهديد غير ضروري.

المصدر: 

Christopher Mott, Don’t Fear China’s Belt and Road Initiative, Survival, vol. 62 no. 4, August–September 2020, pp. 47–55.