أزمة جديدة:

ماذا بعد استقالة رئيس الحكومة التونسية من منصبه؟

21 July 2020


أعلن رئيس الوزراء التونسي السابق إلياس الفخفاخ، في 15 يوليو الحالي، تقديم استقالته من منصبه، وذلك بعد مرور خمسة أشهر فقط على توليه هذ المنصب بتكليف من رئيس الجمهورية قيس سعيد في شهر فبراير الماضي. ومن دون شك، فإن تلك الخطوة سوف تفاقم من تداعيات الأزمة السياسية التي تشهدها تونس نتيجة اتساع نطاق الصراعات بين القوى السياسية المختلفة، ليس فقط حول القضايا الداخلية وإنما أيضاً حول القضايا الخارجية، ولاسيما الأزمة في ليبيا.

ويبدو أن الأزمة تتجه بالفعل إلى مزيد من التصعيد، لاسيما بعد أن طالبت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، في 20 من الشهر نفسه، القضاء بإصدار قرار بحجر السفر ضد الفخفاخ على خلفية شبهة تضارب المصالح والفساد المالي.

أسباب عديدة:

يمكن تفسير تقديم الفخفاخ استقالته من خلال مجموعة من العوامل التي يتمثل أبرزها في:

1- سحب الثقة: قامت حركة النهضة، في 15 يوليو الجاري، بإيداع عريضة سحب الثقة من رئيس الحكومة في مكتب ضبط البرلمان، وذلك بعد أن جمعت توقيعات لـ105 عضو من أعضاء الكتل النيابية لكل من أحزاب النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة والمستقبل ونواب مستقلين يطالبون فيها بسحب الثقة من الفخفاخ، حيث ترى هذه الكتل بقيادة حركة النهضة أن رئيس الحكومة لا يجب أن يستمر في منصبه بسبب ضعفه وعدم قدرته على إدارة شئون البلاد.

وكان بعض نواب البرلمان قد طالبوا، في شهر يونيو الماضي، رئيس الجمهورية قيس سعيد بسحب الثقة من الفخفاخ بعد خمسة أشهر فقط من توليه منصبه كرئيس للحكومة التي نالت ثفة البرلمان بصعوبة بالغة.

ودفعت هذه الاتهامات الفخفاخ إلى إلقاء خطاب أمام البرلمان أشار فيه إلى رفضه الاتهامات الموجهة ضده، وأنه مستعد لتقديم استقالته في حال ثبوت صحة هذه الاتهامات بتورطه في قضايا فساد، وبالفعل قام بتقديم استقالته قبل أن يتم عرض لائحة سحب الثقة منه على البرلمان للتصويت عليها في جلسة عامة. 

2- تضارب المصالح: تعود بداية هذه الأزمة إلى يونيو الماضي عندما أعلن محمد عبو وزير الوظيفة العمومية والإصلاح الإداري ومكافحة الفساد بدء الهيئات الرقابية القيام بالتحقيق في الاتهامات الموجهة لرئيس الحكومة بتضارب المصالح وتورطه بقضايا فساد. وأوضح عبو أن هذه التحقيقات ستستغرق ثلاثة أسابيع للوقوف على الحقيقة وسيتم نشر نتائج هذه التحقيقات في نهاية الفترة الزمنية المحددة لهذه التحقيقات. 

كما بدأ القضاء في النظر في بعض الدعاوي المقدمة من بعض النواب، وشكل لجنة للتحقيق في هذه القضية، وتمثلت الاتهامات الموجهة لرئيس الحكومة في استغلال نفوذه لتمكين الشركات التي يمتلك فيها أسهماً من تحقيق مكاسب مالية ضخمة عبر إبرام صفقات مع الدولة.

واللافت في هذا السياق، أن قرار الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بمطالبة القضاء بمنع الفخفاخ من السفر فرض معطيات جديدة على الأرض، بدت جلية في الدعوة التي تبناها حزب التيار الديمقراطي، في 20 يوليو الحالي، بتفويض صلاحيات رئيس الحكومة إلى أحد الوزراء، لإنهاء مهام حكومة تصريف الأعمال الحالية.

3- توتر العلاقة مع حركة النهضة: ويرجع ذلك إلى تحفظ الحركة منذ البداية على اختيار الفخفاخ لرئاسة الحكومة، حيث وصفته بأنه "ليس الاختيار الأفضل". ثم تصاعد التوتر بين الطرفين في ظل محاولات الحركة تعيين بعض قياداتها في مناصب هامة داخل الحكومة للتأثير على عملية صنع واتخاذ القرار. وخلال يونيو الماضي، هددت النهضة مرة أخرى بالانسحاب من الائتلاف الحكومي بسبب موقف أعضاء الائتلاف الآخرين (حركة الشعب – التيار الديمقراطي) واللذين صوتا لصالح لائحة الحزب الدستوري الحر الخاصة بمحاولة اتخاذ البرلمان موقف رافض للتدخل الأجنبي في ليبيا.

ورغم عدم تصويت البرلمان على هذه اللائحة، إلا أن النهضة طالبت بإقصاء حركة الشعب والتيار الديمقراطي من الائتلاف واستبدالهما بحزب قلب تونس تحت مسمى "توسيع الحزام السياسي للائتلاف"، وذلك في محاولة للضغط على رئيس الحكومة للاستجابة لمطالبها.

4- انقسامات برلمانية: جاءت الاستقالة في ظل ما يشهده البرلمان الحالي من تنافس بين القوى السياسية المتصدرة للمشهد السياسي، ففي الوقت الذي قدمت فيه حركة النهضة لائحة تطالب فيها بالتصويت على سحب الثقة من رئيس الوزراء، كانت الأحزاب السياسية المعارضة، وهى الكتلة الديمقراطية، وكتلة الحزب الدستوري الحر، وكتلة تحيا تونس، والكتلة الوطنية، تستعد لتقديم لوائح برلمانية أخرى لسحب الثقة من رئيس البرلمان راشد الغنوشي.

5- تفاقم الأوضاع الاقتصادية: كانت الأوضاع الاقتصادية المتردية في البلاد أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت الفخفاخ لتقديم استقالته، فقد زادت معدلات البطالة لتصل إلى حوالي 21% وتراجع قطاع السياحة بنسبة 50%، خاصة وأن القطاع يمثل ما بين 8 إلى 14% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، التي زادت معاناتها بسبب أزمة "كورونا".

وقد شهدت الفترة الأخيرة تزايداً في أعداد المظاهرات والاحتجاجات الشعبية والفئوية، وتسبب الأداء الاقتصادي الضعيف في ارتفاع معدلات السخط في أوساط الرأى العام والتي تفاقمت بسبب القيود الاحترازية لمواجهة جائحة "كورونا". 

في النهاية، تشير استقالة الفخفاخ إلى الواقع السياسي المتأزم في البلاد، في ظل توتر العلاقة بين المؤسسات الثلاث الحاكمة (الرئاسة – البرلمان – الحكومة) وانعكاس ذلك بشكل مباشر على الأوضاع السياسية في البلاد، وهو ما عبرت عنه النخبة المتصدرة للمشهد السياسي الحالي وظهر بشكل أكبر في علاقة الكتل النيابية داخل البرلمان، وكذلك في المواقف المتضاربة بين الرئاسة والبرلمان تجاه الأزمات الداخلية والخارجية وعلى رأسها الأزمة الليبية.