صراع النفوذ:

لماذا تصاعد التوتر بين موسكو وطهران في جنوب سوريا؟

02 July 2020


رغم حرص كل من روسيا وإيران على مواصلة التنسيق إزاء التطورات السياسية والميدانية التي تشهدها الساحة السورية، على نحو بدا جلياً في انعقاد القمة الثلاثية الافتراضية بين الرؤساء الروسي فيلاديمير بوتين والإيراني حسن روحاني والتركي رجب طيب أردوغان، في أول يوليو الجاري، إلا أن ذلك لا ينفي أن ثمة توتراً تتصاعد حدته تدريجياً بين موسكو وطهران في جنوب سوريا، على نحو بدا جلياً في التظاهرات اللافتة لحلفاء الأولى بدرعا للمطالبة بخروج الثانية وميليشياتها من تلك المنطقة. ويتوازى ذلك مع سعى موسكو لطرد الفرقة الرابعة المحسوبة على طهران من الجنوب وتعزيز النفوذ العسكري للفيلق الخامس الموالي لها. 

ويطرح هذا التوتر دلالات عديدة، أهمها إصرار روسيا على إدارة الترتيبات الأمنية في جنوب سوريا، ورغبتها في توجيه رسائل طمأنة للدول الراغبة في خروج إيران من سوريا، وسحب الذريعة الأساسية للتحركات التصعيدية الأمريكية تجاه الأخيرة.

مؤشران رئيسيان: 

يمكن رصد مؤشرين رئيسيين يعكسان التوتر غير المسبوق بين موسكو وطهران في جنوب سوريا، وذلك من خلال ما يلي: 

1- مطالبات حلفاء روسيا بخروج طهران وميليشياتها من الجنوب: خرج الآلاف من المدنيين وعناصر الفيلق الخامس، الذي شكلته وتشرف عليه روسيا، بمظاهرة حاشدة في مدينة بصرى الشام في محافظة درعا، في 21 يونيو الفائت، مطالبين بخروج الإيرانيين وحزب الله اللبناني من سوريا. 

وتحول تشييع عدد من عناصر اللواء الثامن في الفيلق الخامس من أبناء ريف درعا، الذين قتلوا بتفجير حافلتهم في اليوم السابق إلى مظاهرة غضب عارمة هى الأكبر من نوعها منذ استعادة الجيش السوري السيطرة على محافظة درعا في عام 2018. ويُشار في هذا الصدد إلى أن التظاهرات الشعبية التي اندلعت في محافظة السويداء، مطلع يونيو الفائت، طالبت كذلك برحيل إيران وميليشياتها عن سوريا. 

2- سعى موسكو لطرد الفرقة الرابعة من الجنوب: قامت موسكو في الأسابيع الأخيرة بجملة من التحركات الرامية إلى إنهاء الحضور العسكري للفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد، الذي تشير تقارير عدة إلى أنه يرتبط بعلاقات قوية مع طهران، في جنوب البلاد. ويتصل ذلك بالتقارير التي كشفت، في منتصف يونيو الفائت، عن إعطاء روسيا أوامر بسحب جميع حواجز الفرقة الرابعة، لكنها أشارت إلى أن ماهر الأسد رفضها بشكل قاطع، ولم يتم سحب الحواجز. كما لا ينفصل ذلك عن مسعى روسيا الحالي لتقوية نفوذ الفيلق الخامس في عموم سوريا لاسيما درعا، عبر عمليات تجنيد متصاعدة بإغراءات مادية كبيرة. 

 دلالات عديدة: 

يطرح هذا التوتر المتصاعد جملة من الدلالات، التي تتمثل في:

1- إصرار روسيا على إدارة الترتيبات الأمنية في الجنوب: تعبر التحركات الروسية المضادة للحضور الإيراني جنوب سوريا عن رغبة موسكو في السيطرة على الأرض والقرار العسكري في تلك المنطقة، على نحو يبدو جلياً في اتجاهها إلى تعزيز المصالحات وفرض الأمن في جنوب سوريا واكتساب شعبية لحضورها في الأوساط الاجتماعية.

2- تأكيد تفرد النفوذ الروسي: توجه الضغوط الروسية الأخيرة على إيران في جنوب سوريا رسالة للرئيس السوري بشار الأسد مضمونها الإصرار على ضرورة مراعاة تفرد النفوذ الروسي في سوريا، الذي أدى إلى إعادة تعديل موازين القوى لصالح الجيش السوري، خاصةً وأن موسكو تمكنت منذ تدخلها العسكري في الساحة السورية من فرض رؤيتها في الصراع السوري بصورة كبيرة. ولذلك يمكن فهم الضغوط الروسية الراهنة ضد طهران في إطار سعى موسكو لتعزيز دورها قبل الدخول في أيه مراحل قادمة للتسوية وبما يتوافق مع الاستراتيجية والمصالح الروسية.

3- توجيه رسائل طمأنة للدول الراغبة بخروج إيران من سوريا: من الواضح أن روسيا باتت تُدرك أن إيران أصبحت طرفاً غير مرحب به من جانب معظم الأطراف المعنية في سوريا، وأن هناك رغبة في ألا تكون طهران جزءاً من الحل السياسي القادم، ولا في استثمارات إعادة الإعمار. 

ومن هذا المنطلق تكشف التحركات الروسية المضادة لإيران في جنوب سوريا عن حرص موسكو على توجيه رسائل للدول الراغبة في إنهاء الوجود الإيراني من سوريا بأنها حريصة على ذلك. وتحاول موسكو في هذا الصدد سحب الذريعة الأساسية للتحركات التصعيدية الأمريكية في سوريا، وهى تبرير واشنطن لأى خطوة تصعيدية بأن دافعها هو التصدي للنفوذ الإيراني في سوريا. 

وكان من اللافت، على سبيل المثال، أنه بالتوازي مع فرض عقوبات قانون "قيصر"، اشترطت الولايات المتحدة خروج إيران من سوريا للمساهمة في إعادة الإعمار، حيث قال المبعوث الأمريكي الخاص بإيران برايان هوك، في 11 يونيو الفائت، أن "بلاده والدول المانحة لن تدفع فلساً واحداً في إعادة إعمار سوريا، إلا إذا خرجت كل الميليشيات الإيرانية من سوريا". وشدد على أن إعادة إعمار في سوريا تحتاج 400 مليار دولار، مشيراً إلى أن روسيا لن تدفع هذا الثمن.

خلاصة القول، يعبر التوتر الحالي بين الطرفين في جنوب سوريا عن أن موسكو لم تعد ترغب في أن يظل لطهران ما لها من تأثير في المعادلة السورية رغم استمرار التنسيق بين الطرفين. ويعتبر هذا الأمر منطقياً نظراً لطبيعة العلاقات الإيرانية- الروسية في سوريا في الفترة الأخيرة، حيث كان من اللافت اتساع نطاق الخلافات بين الجانبين حول العديد من الملفات السياسية والاقتصادية والأمنية.