ارتدادات محتملة:

هل تشهد الصين موجة ثانية من فيروس كورونا؟

02 April 2020


تواجه الصين موجة ارتدادية صاعدة لتفشي فيروس "كورونا" عقب فترة قصيرة من تمكنها من السيطرة على انتشاره وعدم تسجيل إصابات لأيام متتالية. ويكشف ذلك عن أن تراجع معدلات الإصابة ارتبط بإجراءات الإغلاق والحجر الصحي والتباعد الاجتماعي المشددة التي اتخذتها الصين، ومع عودة الحياة إلى طبيعتها ظهرت الإصابات من جديد بسبب عدم وجود لقاح للفيروس.

إجراءات احتواء "كورونا":

في الوقت الذي يواجه العالم فيه خطر الانتشار السريع لفيروس كورونا المستجد (COVID-19)، قام الرئيس الصيني "شي جين بينج" في 10 مارس 2020 بزيارة مدينة "ووهان" مركز تفشي الفيروس، وأعلن الرئيس الصيني الانتصار على الفيروس، وذلك بعد انحسار عدد الإصابات والوفيات به بمعدل كبير، مما أدى إلى إغلاق عدد من المستشفيات الميدانية التي أُنشئت خصيصًا لمحاصرة المرض وعلاج المصابين، حيث بدأت الصين في تسجيل إصابات لا تتعدى الـ20 يوميًّا بعدما كانت تسجل في بداية الأزمة أكثر من ألفي إصابة يوميًّا.

وقامت بكين باتخاذ إجراءات صارمة للتعامل مع أزمة الفيروس، وتميز النهج الصيني بسمتين بارزتين؛ السمة الأولى هي الغلق والعزل التام "Close down and contain" وتشديد الرقابة على المواطنين، حيث قامت السلطات الصينية بغلق مدينة "ووهان" ومقاطعة "هوبي" بالكامل وعزلها عن باقي المقاطعات، وبالتالي تم وضع ما يقرب من 60 مليون نسمة تحت قيد الحجر الصحي الإجباري، في عملية تُعد الأكبر في التاريخ. كما قامت الصين بحثّ مواطنيها في باقي أنحاء البلاد على المكوث في المنازل، وذلك لإبطاء وتيرة انتشار الفيروس.

وقامت السلطات الصينية بتركيب نقاط فحص حراري خارج المباني والمحلات التجارية وفي الأماكن العامة، وذلك لاكتشاف مزيدٍ من الحالات المصابة، وكل من تكون درجة حرارته أعلى من 37.3 درجة يتم عزله وإجراء التحليلات اللازمة له، وذلك للحد من انتشار العدوى.

وتم تطبيق آلية جديدة لفحص المواطنين قبل دخولهم عددًا من الشركات الصينية، وتَمَثّلت هذه الآلية في ضرورة قيام المواطنين بإظهار رمز الاستجابة السريعة "Quick Code" على هواتفهم المحمولة، ويُظهر هذا الرمز تصنيف المواطنين إلى ثلاث فئات: "أخضر"، أو "أصفر"، أو "أحمر"، وذلك بناء على تتبع الحكومة للمواطنين وما إذا كانوا قد زاروا منطقة عالية الخطورة من حيث إنتشار الفيروس أو لا. وقد أوضحت الإعلانات الحكومية الصينية أن هذا النظام سيظل مستخدمًا بشكلٍ ما حتى بعد انحسار الوباء.

أما السمة الثانية فهي تعبئة وحشد الإمكانيات الطبية لدعم مقاطعة "هوبي"، والتقليل من حدة انتشار الوباء في باقي المقاطعات. وفي هذا السياق، صرّح أستاذ الصحة العامة بجامعة بكين "تشنج زيجي" بأنه "تم إرسال ما لا يقل عن 42 ألف طبيب وطاقم تمريض إلى مقاطعة هوبي لدعم الخدمات الصحية في المقاطعة التي انهارت تحت ضغط الانتشار السريع للوباء". كما قامت الصين في غضون 10 أيام ببناء مستشفيين جديدين لاستيعاب حوالي 2300 سرير في مدينة "ووهان"، ومثّل ذلك جهدًا استثنائيًّا قامت به الصين لمجابهة الفيروس، واستفادت منه إعلاميًّا بشكل كبير، حيث أكدت الصين للعالم قدرتها على محاصرة الفيروس. 

وقامت الصين بإنتاج ما يقرب من 1,6 مليون قناع تنفس من نوعية N95 يوميًّا، وذلك وفقًا لوكالة أنباء شينخوا . بيد أنه تعرّض ما يزيد على 3300 فرد من الطاقم الطبي العامل في مكافحة الفيروس للعدوى، وتوفي 13 منهم، وذلك وفقًا لأرقام وزارة الصحة الصينية التي نشرت في بداية مارس .

وقد صرّح "بروس أيلوارد"، عالم الأوبئة الكندي بمنظمة الصحة العالمية الذي قاد بعثة لتقصي الحقائق إلى الصين في فبراير الماضي، بأن أكثر الإجراءات فعالية في الصين كان التتبع الدقيق للحالات المخالطة للمرضى، وكذلك العزل الفوري للمرضى. ورغم إِشادة منظمة الصحة العالمية بنهج الصين لمحاصرة انتشار الوباء؛ إلا أن "أيلوارد" عبّر عن قلقه من أن "معظم الدول ليست مستعدة أو قادرة على تنفيذ نفس النوع من الإجراءات المتشددة التي استخدمتها الصين" . ومما يجدر ذكره أن ما ساعد الصين على تطبيق هذا النهج القاسي والدقيق لمحاصرة الفيروس كان سيطرة الحزب الشيوعي على مقاليد الحياة في الصين بشكل مركزي، مما سهّل عملية تطبيق القرارت، وكذلك تعاون المواطنين والتزامهم بالإجراءات الاستثنائية التي فرضتها الحكومة الصينية. 

عودة حالات الإصابة:

انقسم العلماء والخبراء في علم الفيروسات والأوبئة إلى فريقين منذ لجوء الصين إلى العزل والغلق لاحتواء الفيروس، حيث أشاد الفريق الأول بجهود الصين، وأكد أنه نهج ناجح بدليل أنه أدى إلى انخفاض شديد في عدد المصابين، وعلى رأس مؤيدي هذا النهج كان منظمة الصحة العالمية التي أثنت على جهود الصين، ووصفتها بالجهود الجريئة لمحاصرة المرض، بل وأضاف تقرير لمنظمة الصحة بأن الصين اتّبعت أكثر الإجراءات نجاحًا لمحاصرة الفيروسات في التاريخ. 

في المقابل، أكد فريق آخر أن هذا النهج ليس سوى حل مؤقت للأزمة، وأن نهج الغلق التام لكي يظل فعّالًا لا بد من الحفاظ عليه وعدم تخفيف إجراءاته إلا بعد التوصل إلى مصلٍ للفيروس. لذا تنبأ الفريق الثاني بعودة ظهور الفيروس، وارتفاع حالات الإصابة حالما تبدأ الصين في تخفيف إجراءات العزل والغلق. ففي 10 فبراير 2020، عندما بدأ فريق البعثة المشتركة من منظمة الصحة العالمية والصين عمله، أبلغت الصين عن 2478 حالة جديدة، ولكن بعد أسبوعين وعندما كان الخبراء الأجانب على وشك المغادرة، انخفض هذا العدد إلى 409 حالات، واستمرت الحالات في الانخفاض مع استمرار حالة الغلق التام للبلاد .

ولكن وبعد 5 أيام متتالية من عدم تسجيل "ووهان" أي إصابات جديدة، تم الكشف في 23 مارس 2020 عن إصابة طبيب في مستشفى هوبي الشعبية بالمرض . وفي السياق ذاته، أعلنت مفوضية الصحة الوطنية في الصين يوم 24 مارس اكتشاف 78 حالة جديدة، من بينهم 74 حالة قادمة من الخارج، ووفاة 7 حالات جديدة . كما شهدت أيام أخرى، مثل يوم 29 مارس 2020، تسجيل أرقام مرتفعة، حيث بلغ عدد الإصابات ما يُقدّر بحوالي 45 حالة.

وتزامن ظهور حالات جديدة في الصين مع البدء في تخفيف إجراءات الغلق التام، حيث تم فتح المطارات واستقبال مزيد من الأجانب والمواطنين الصينيين العائدين من الخارج، كما قامت الصين بفتح المزارات السياحية في مقاطعة "هوبي" للمواطنين، وتم السماح لسكان المقاطعة -باستثناء ووهان- بالتنقل إلى المقاطعات الأخرى والسفر طالما كان لديهم رمز صحي باللون الأخضر، وهو ما يعني أنهم لم يكونوا في مكان يتسم بشدة تفشي الفيروس. 

كما أنه من المزمع أن تقوم الصين برفع حظر التنقل والسفر لمدينة ووهان في 8 أبريل 2020 ، فضلًا عن أن الحكومة الصينية قد صرحت في 12 مارس بأنها تتوقع أن تعمل الصين بكامل طاقتها بحلول يونيو المقبل. ومن الجدير بالذكر أنه حتى الآن عاد 65% تقريبًا من الأشخاص إلى أعمالهم.  بالإضافة إلى أن الصين قامت في 25 مارس بالإعلان عن أنه تم التصريح بخروج 74 ألف متعافٍ من فيروس كورونا من المستشفيات . إذن، فتخفيف إجراءات الغلق والعزل كانت السبب الرئيسي في عودة ظهور الحالات في الصين، خاصة وأن النسبة الأكبر من الحالات المكتشفة حديثًا هي لحالات قادمة من الخارج.

ويرى بعضُ الخبراء أنه ربما كان يتعين على الصين أن تبدأ بالتخفيف التدريجي لإجراءات الغلق التام، وذلك لاستحالة استمرار الغلق والعزل لفترة أطول من ذلك، حيث إن تكلفة الاستمرار في الغلق ستكون كارثية بالنسبة للاقتصاد الصيني، فطبقًا للإحصائيات التي أصدرها المكتب الوطني الصيني للإحصائيات فإن الاقتصاد الصيني خلال شهري الغلق الكامل "يناير وفبراير" قد شهد أكبر نسبة تباطؤ له منذ عام 1998، وارتفع معدل البطالة ليصل إلى 6%.  

سيناريوهات الموجة الثانية:

يرى جانب من المحللين أن الصين لم تسيطر على الفيروس بشكل كامل، وأن زيارة الرئيس الصيني لووهان، وكذلك الاحتفال بالقضاء على الفيروس؛ ما هي إلا محاولة لتحسين الصورة الدولية لبكين والتي تضررت منذ ظهور فيروس كورونا. وما يؤكد ذلك هو تصريح الدكتورة "لي لانجوان" التي قادت أحد الفرق الطبية لمكافحة الفيروس في ووهان، وأشارت إلى أن مهمتها في ووهان لم تنتهِ بعد، وأنه ما زال هناك عدد من المرضى في حالة حرجة، كما أشارت إلى أنه من الممكن أن يؤدي فتح الحدود الصينية مع البلدان الأخرى إلى موجة ثانية من انتشار الفيروس في الصين . وفي هذا الإطار، يمكن الإِشارة إلى سيناريوهين محتملين:

1- تفشٍّ واسع النطاق: ويمكن رصد ثلاثة مؤشرات تُعزز إمكانية حدوث هذا السيناريو، يتمثل أولها في بدء ظهور حالات جديدة قادمة من الخارج فور بدء الصين في تخفيف إجراءات العزل والغلق، وهو نفس ما حدث في هونج كونج، التي اتخذت تقريبًا نفس الإجراءات التي اتّبعتها الصين من الغلق والعزل وتعليق الدراسة وحركة الطيران ومراعاة التباعد الاجتماعي بين الأفراد (Social distancing)، ولكن ما أن شرعت في استئناف الدراسة وحركة التنقلات حتى بدأت تظهر فيها حالات جديدة، حيث تم الإعلان في 23 مارس عن ارتفاع عدد حالات الإصابة بمقدار 225 في 10 أيام فقط ليصل إجمالي عدد الحالات إلى 357 حالة ، مما اضطر هونج كونج إلى تشديد إجراءاتها مرة أخرى بمنع جميع السائحين من دخول المدينة، بما في ذلك المسافرون ترانزيت وذلك بداية من يوم 25 مارس.

ويتمثّل المؤشر الثاني في الدراسة التي أجراها أحد مستشفيات مدينة ووهان، لتوضح أن 3-14% من المتعافين من الفيروس يصابون به مرة أخرى ولكن بدون أن تظهر عليهم أي أعراض، ويطلق عليهم "Silent Carrier". وفي السياق ذاته، صرح "وانج وي" -مدير مستشفى "تونججي" al في مدينة ووهان- لقناة CCTV بأن 5 من بين 147 متعافيًا يُصيبهم الفيروس مرة أخرى، ولكنه أشار إلى أنه لا توجد حتى الآن دلائل تفيد بأن المصابين بالفيروس للمرة الثانية يمكنهم نقل العدوى إلى غيرهم. 

ويُعزز هذا السيناريو أيضًا بعض الوقائع التاريخية مثل وباء الأنفلونزا الذي انتشر عامي 1889 و1918 وجاء انتشاره على 3 موجات، وكانت كل موجة أقوى من التي تسبقها نتيجة تحور الفيروس، لذا يرى مؤيدو هذا السيناريو أن هذا قد يحدث أيضًا مع فيروس كورونا، وأنه بالتأكيد ستكون له موجة ثانية أكثر شراسة من الموجة الأولى، خاصة إذا استطاع الفيروس التحور، مما سيصعب إمكانية السيطرة عليه، ويؤدي إلى انتشاره بشكل أكبر.

وفي هذا السياق، أكد الدكتور "سيمون كلارك"، الأستاذ المساعد في علم الأحياء الدقيقة الخلوي في جامعة ريدينج البريطانية، بأنه لا مناص من حدوث موجة ثانية من الإصابات، فحتى لو تمكنت البلدان من إبطاء وتيرة انتشار الفيروس، إلا أنها لن تتمكن بشكل كامل من منع ما يسميه استيراد الفيروس من القادمين من الخارج، وذلك نتيجة أننا نعيش في عالم مترابط .

ومن الجدير بالذكر أن الصين قلقة أيضًا من هذا السيناريو ولا تستبعده تمامًا، فقد أعرب بعض الأطباء الصينيين عن قلقهم من انتشار موجة ثانية من الفيروس، خاصة في مدن مثل بكين وشنغهاي وكوانزو والتي لديها اتصالات دولية بشكل دائم، وأنه من غير المستبعد أن يؤدي الوافدون من الخارج إلى انتشار الوباء مرة أخرى في الصين .

2- انتشار محدود للفيروس: ويعزز هذا السيناريو ثلاثة مؤشرات رئيسية؛ المؤشر الأول هو بيانات مفوضية الصحة الوطنية الصينية التي تؤكد أن الحالات الجديدة المكتشفة هي في الغالب لوافدين من الخارج وليس من المقيمين في الصين، والذي يعني أنه بالفعل تمت محاصرة المرض في الصين. 

ويتمثل المؤشر الثاني في إدراك القيادة السياسية الصينية أنها لم تنتصر على الفيروس بشكل كامل، حيث حذر رئيس مجلس الدولة الصيني من أنه "في حين تم إيقاف الوباء في هوبي ووهان بشكل أساسي، فلا تزال هناك مخاطر تفشٍّ متفرقة" ، مما يعني أن الصين قد تخفف من إجراءات العزل والغلق التام لكنها لن تخفف من إجراءات الفحص الطبي الدقيق للوافدين إليها، مما سيُقلل من انتشار موجة ثانية من الفيروس. أما المؤشر الثالث فهو متعلق بالخوف والقلق الذي لا يزال ينتاب بعض المواطنين الصينيين حيال التنقل والسفر داخل الصين، مما سيقلل حركة التنقلات، وبالتالي قد يقلل احتمالية نشر الفيروس. 

ختامًا، يمكن القول إنه بدون التوصل إلى لقاح فلا يمكن القول إن الصين أو أي دولة ستكون بمأمن من انتشار الفيروس، أو تستطيع السيطرة عليه بشكل كامل؛ فكل ما يمكن فعله في هذه المرحلة هو إبطاء وتيرة انتشار الفيروس وليس القضاء عليه نهائيًّا.