فاعلية محدودة:

مستقبل التجارة بين إيران والاتحاد الأوروبي بعد آلية انستكس

05 February 2019


أقرت كل من فرنسا وألمانيا وبريطانيا آلية جديدة تعرف بـINSTEX لتعزيز المبادلات التجارية مع إيران، ولا سيما في السلع ذات الأغراض الإنسانية، وذلك بعد أن واجهت عقبات عديدة لإبرام صفقات تجارية مع إيران في الأشهر الماضية مع تطبيق الإدارة الأمريكية عقوبات اقتصادية على الأخيرة في أغسطس ونوفمبر 2018 بعد انسحابها من الاتفاق النووي في مايو من العام نفسه. ورغم أهمية الآلية الجديدة في تسهيل التجارة بين أوروبا وإيران، إلا أن الضغوط القوية والدائمة التي تمارسها الإدارة الأمريكية على الشركات الأوروبية لوقف أنشطتها في السوق الإيرانية قد تنجح بنهاية المطاف في تحجيم تأثيرها.

دور محتمل

على مدار الأشهر الماضية، دعمت مؤسسات الاتحاد الأوروبي استحداث آلية أو قناة مالية تضمن الحفاظ على العلاقات الاقتصادية مع طهران، بعد تعرض الأخيرة لجولتين جديدتين من العقوبات الاقتصادية الأمريكية، وهو ما كان من شأنه أن يتسبب ليس فقط في أضرار واسعة للاقتصاد الإيراني وإنما في كبح التعاون التجاري والاستثماري بين إيران والعالم بما فيه دول الاتحاد الأوروبي.

وعلى هذا النحو، دشنت فرنسا وبريطانيا وألمانيا آلية تعرف بـINSTEX وبدعم من المفوضية الأوروبية بهدف تعزيز تجارتها مع إيران مع التركيز في المرحلة الأولى على السلع ذات الأغراض الإنسانية مثل الأدوية والمعدات الطبية والسلع الغذائية، كما تشير بعض الاتجاهات إلى أنه إذا ثبت نجاح الآلية، فيمكن أن تستخدمها أيضًا دول غير أعضاء بالاتحاد الأوروبي.

وتعتمد الفكرة الأساسية للآلية على مقايضة أو مقاصة لقيمة الصادرات الإيرانية لأسواق الاتحاد الأوروبي بمشترياتها من السلع الأوروبية دون الاضطرار لإجراء معاملات مالية مباشرة بين الطرفين على أن يقع مقر هذه الآلية في فرنسا وبرئاسة المصرفي الألماني بير فيشر المدير السابق لكومرتس بنك، كما سيشرف عليها مجلس يتكون من دبلوماسيين ثلاثة من فرنسا وألمانيا وبريطانيا وذلك في إطار الدعم السيادي لدور هذه الآلية في المستقبل.

ومن المحتمل أن تمارس الآلية دورًا هامًا في تسهيل التجارة بين إيران ودول الاتحاد الأوروبي في الفترة المقبلة، ومع ذلك فمن غير المرجح أن يبدأ العمل بالآلية الجديدة قريبًا بحسب اتجاهات عديدة، حيث قد يستغرق إعداد الإطار التنظيمي والتشريعي الخاص بها عدة أشهر.

دوافع مختلفة

تعد الآلية الأوروبية الجديدة على درجة كبيرة من الأهمية للاقتصاد الإيراني في الوقت الراهن، حيث تسببت العقوبات الأمريكية الأخيرة في نشوب أزمات اقتصادية مختلفة مثل ارتفاع الأسعار وتدهور قيمة العملة المحلية تأثرًا بانخفاض الصادرات الإيرانية من النفط الخام للأسواق الدولية، وبما كان سببًا لتصاعد الضغوط الشعبية والسياسية على الرئيس الإيراني حسن روحاني.

ومن اللافت أيضًا أنه في الفترة الماضية لم تقتصر تداعيات العقوبات الأمريكية على مجرد انسحاب الشركات الأوروبية أو الأمريكية من السوق الإيرانية أو تعطيل تجارة النفط الإيراني بالأسواق الدولية، وإنما امتدت لتشمل المبادلات التجارية للسلع الغذائية لإيران مع العالم، حيث تسببت العقوبات في تحجيم قدرة إيران على إبرام صفقات جديدة لإمدادات الأغذية من القمح والذرة والسكر الخام وغيرها مع الشركات الأجنبية.

ولعل ذلك يعود بصفة أساسية إلى الصعوبات التي واجهتها الشركات الأجنبية في تحويل مدفوعات الصفقات مع إيران، حيث اضطرت كثير من البنوك الأجنبية، على ضوء العقوبات الأمريكية، إلى إنهاء معاملاتها المصرفية والمالية مع إيران على الرغم من استثناء تجارة السلع الغذائية والأدوية من أى عقوبات محتملة. 

وعلى جانب آخر، تشير اتجاهات عديدة إلى أن الدول الأوروبية وجدت في إقرار هذه الآلية مع إيران فرصة لتأكيد سيادتها بعيدًا عن التدخلات الأمريكية المحتملة للتأثير على قراراتها الاقتصادية والسياسية بشأن إيران، وهو ما أشار له وزير المالية الفرنسي برونو لومير، في نوفمبر الماضي، بقوله أن هناك ضرورة لحماية سيادة أوروبا الاقتصادية من العقوبات المفروضة على إيران. 

لكن اتجاهات أخرى ترى أن ما يدفع الاتحاد الأوروبي إلى التمسك بمساندة إيران على المستوى السياسي والاقتصادي، يتمثل في حرصه على عدم منح الفرصة للنظام الإيراني، ولا سيما المؤسسات التي يسيطر عليها التيار المحافظ، للتخلص من الالتزامات الخاصة بالاتفاق النووي أو الاتجاه نحو دعم برنامج الصواريخ الباليستية بما يهدد أمن الشرق الأوسط.

ومن ثم فقد يكون من شأن إقرار هذه الآلية إثبات حسن نية الاتحاد الأوروبي بالتزامه بحماية المكتسبات السياسية والاقتصادية للاتفاق النووي، وذلك على الرغم من إحجام الشركات الأوروبية عن الاستثمار في إيران أو شراء النفط الإيراني بموجب العقوبات الأمريكية.

تأثير ضعيف

ربما يمكن القول إن المسئولية السيادية المشتركة من قبل القوى الثلاث لتنفيذ الآلية الجديدة هى أحد أهم المتغيرات التي قد تعمل على نجاحها، وتقليل فرص قيام الإدارة الأمريكية بفرض عقوبات على الآلية ذاتها أو الثلاث دول السابقة.

 فضلاً عن ذلك، فإن طبيعة الآلية نفسها تشمل تسهيل التجارة في السلع ذات الأغراض الإنسانية مثل المنتجات الغذائية والأدوية، وهى التي تم استثناءها بالأساس من العقوبات الأمريكية، وهو ما يمنح الدول الأوروبية الثلاث مساحة للتصرف دون الخضوع للعقوبات الأمريكية، على نحو ما أكد عليه وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، في ديسمبر الماضي، بقوله أنه إذ اقتصرت الآلية على مجرد تلبية الاحتياجات الإنسانية للشعب الإيراني، فإنها لن تتعرض للعقوبات الأمريكية.

ومع ذلك، فقد قللت الإدارة الأمريكية في الأيام الماضية من فرص نجاح الآلية الأوروبية في إثناء الجهود الأمريكية لممارسة أقصى الضغوط الاقتصادية على طهران، وذلك في الوقت الذي جددت فيه تهديدها عبر وزارة الخزانة بأن قيام أى كيان أوروبي بأى نشاط خاضع للعقوبات الأمريكية مع إيران سوف يحرمه من إجراء أى تعاملات مالية أو تجارية في السوق الأمريكية. 

وربما ما تقصده الإدارة الأمريكية من تهديداتها السابقة ليس استهداف السلع ذات الطابع الإنساني في حد ذاتها، وإنما تقويض فرص إدراج منتجات قطاع النفط الإيراني بهذه الآلية، الأمر الذي إن حدث سيحد بلا شك من تأثير العقوبات الأمريكية على قطاع الطاقة الإيراني، جنبًا إلى جنب مع تقليل فرص مشاركة دول أخرى بالآلية الجديدة (على الأخص الصين أو روسيا) أو حتى مشاركة الشركات الأوروبية الكبرى بها.

وبناءً عليه، يمكن القول إنه على ضوء التهديدات الأمريكية السابقة، لن ترغب الكيانات والشركات الأوروبية الكبرى المشاركة في الآلية الجديدة والمخاطرة بمصالحها التجارية والاستثمارية مع الولايات المتحدة، وهو ما دفع العديد من الاتجاهات إلى التأكيد على أن الشركات الأوروبية الصغيرة أو المتوسطة ربما تكون أكثر قدرة على المخاطرة باستخدام الآلية الجديدة، لا سيما مع انخفاض انكشافها بالسوق الأمريكية، وهو ما سوف ينتج عنه بنهاية المطاف تحجيم دور الآلية وتقليص فرص التجارة بين إيران والاتحاد الأوروبي في الفترة المقبلة.