رسائل تصعيدية:

تداعيات الهجوم "الحوثي" على قاعدة "العند" العسكرية

22 January 2019


استهدفت ميليشيا "الحوثيين"، يوم 10 يناير الجاري، عرضًا عسكريًّا في قاعدة العند بمحافظة لحج (جنوب اليمين)، وذلك بتفجير طائرة بدون طيار، مما أدى إلى مقتل رئيس الاستخبارات العسكرية اليمنية، اللواء "محمد صالح طماح"، و6 جنود يمنيين على الأقل، فضلًا عن إصابة عدد من كبار قادة الجيش اليمني. ويعتبر هذا الهجوم أحد أبرز الخروقات "الحوثية" المستمرة لاتفاقيات السويد المبرمة مع الحكومة الشرعية اليمنية وبرعاية الأمم المتحدة في ديسمبر 2018، وهو بمثابة رسالة تصعيدية من الميليشيا الانقلابية، وتأكيد على عدم رغبتها في تفعيل المسار السياسي لحل الأزمة اليمنية.

دلالات هجوم "العند":

1- إرهاب "الدرونز": يعكس استخدام "الحوثيين" طائرة بدون طيار في استهداف قاعدة "العند" العسكرية، مواصلة الميليشيا اعتمادها على هذه الطائرات في تنفيذ العديد من الهجمات الإرهابية، سواء داخل اليمن أو حتى بمحاولة استهداف الأراضي السعودية، وإن كانت هذه هي المرة الأولى التي يستهدف فيها "الحوثيون" قاعدة عسكرية باستخدام "الدرونز" تحديدًا. وفي هذا الصدد، هدد القيادي الحوثي "يحيى سريع"، في 13 يناير الجاري، بشن المزيد من الهجمات الانتحارية بطائرات بدون طيار، زاعمًا أنهم أصبحت لديهم القدرة على إنتاج طائرة بدون طيار كل يوم، وأنهم يمتلكون مخزونًا كبيرًا من هذه الطائرات.

ويرجع استخدام "الحوثيين" لطائرات بدون طيار في عملياتهم الإرهابية باليمن إلى عام 2017، عندما كشف "الحوثيون"، في فبراير من هذا العام، عن امتلاكهم 4 طائرات بدون طيار تقوم بمهام قتالية واستطلاعية وغيرها، وهي: "رقيب" بمدى 15 كم، و"هدهد-1" بمدى 30 كم، و"راصد" بمدى 35 كم، و"قاصف-1" بمدى 150 كم. كما أعلن "الحوثيون"، في يوليو 2018، عن نوعين جديدين من الطائرات بدون طيار، هما "صماد 2" بمدى 100 كم، و"صماد 3" بمدى أكثر من 1000 كم، وفقًا لادعاءاتهم.

2- بصمة إيرانية: اعترفت ميليشيا "الحوثيين" بأنها نفذت هجوم "العند" بواسطة طائرة بدون طيار محمّلة بالمتفجرات من طراز "قاصف 2"، وهذا النوع من الطائرات هو تطوير لـ"قاصف -1" الحوثية التي سبق أن أكد تقرير للأمم المتحدة، في يناير 2018، أنها تشبه نظيرتها الإيرانية من نوع "أبابيل". كما أكدت مؤسسة "بحوث التسلح في الصراعات"، ومقرها بريطانيا، في مارس 2017، أن لديها أدلة تُظهر أن الطائرة بدون طيار "قاصف-1" صُنعت في إيران لا محليًّا من قِبل "الحوثيين"، مشيرة إلى أن المتمردين استخدموا هذه الطائرات لاستهداف نظم الدفاع الصاروخي لقوات التحالف في اليمن.

كما أكد المتحدث باسم تحالف دعم الشرعية في اليمن، العقيد "تركي المالكي"، يوم 20 يناير الجاري، أن "الحوثيين" حصلوا على طائرات بدون طيار من النظام الإيراني، وعرض المتحدث صورًا لـ"درون" من نوع "أبابيل" والتي يُسميها "الحوثيون" بـ"قاصف -1". وتجدر الإشارة إلى أن ميليشيا "الحوثيين" اعتمدت على طائرات "قاصف -1" في معظم هجماتها خلال العامين الأخيرين، وتمكنت قوات الشرعية اليمنية والتحالف العربي من إحباط غالبيتها، وإسقاط هذه الطائرات.

3- تصفية القيادات: سعت ميليشيا "الحوثيين" إلى تكبيد الشرعية اليمنية خسائر كبيرة من خلال استهداف قياداتها السياسية والعسكرية التي كانت حاضرة العرض العسكري في قاعدة "العند" مع تدشين العام التدريبي الجديد 2019، إذ أسفر هجومها الإرهابي عن مقتل رئيس الاستخبارات العسكرية اليمنية، اللواء "محمد صالح طماح"، كما أُصيب في التفجير محافظ لحج "أحمد عبدالله التركي"، ورئيس هيئة الأركان اليمني اللواء الركن "عبدالله النخعي"، وقائد المنطقة العسكرية الرابعة اللواء "فضل حسن"، والناطق باسم المنطقة العسكرية الرابعة "محمد النقيب".

4- استهداف حامية الجنوب: تعتبر قاعدة "العند" الواقعة في محافظة لحج، وعلى بعد 60 كيلو مترا شمالي عدن، واحدة من أكبر القواعد العسكرية في اليمن، وسبق أن استولى عليها "الحوثيون" في مارس 2015 قبل أن تستعيدها القوات الشرعية في أغسطس من نفس العام. وتحظى هذه القاعدة بأهمية استراتيجية كبيرة، نظرًا إلى أنها حامية الجنوب اليمني، وتؤمن الطرق نحو محافظات عدن ولحج وأبين، وتتكون من منظومة من المرافق العسكرية الضخمة للقوات الجوية والبرية والبحرية. 

5- حرب الشائعات: يبدو أن "الحوثيين" حاولوا من وراء هجومهم الأخير على قاعدة "العند"، تحقيق عدة مكاسب مزعومة، منها إعادة شحن معنويات مقاتليهم مع بداية العام الجديد عقب خسائرهم الميدانية خلال الفترة الماضية في العديد من الجبهات والمناطق التي استعادتها الشرعية، حيث ترى الميليشيا الانقلابية أن هذا النوع من الهجمات يمكن الترويج له إعلاميًّا لصالحها. وبدا ذلك واضحًا من طريقة تناول الآلة الإعلامية التابعة لـ"الحوثيين" لهذا الهجوم، حيث عملت على توصيل رسائل مفادها أن الحوثيين لديهم قدرات عسكرية متطورة من الطائرات بدون طيار، وكذلك قدرات استخباراتية مكنتهم -من وجهة نظرهم- من اختراق التجمع العسكري في "العند". بل وعمدت وسائل الإعلام الحوثية إلى محاولة الوقيعة بين دول التحالف العربي وحكومة الرئيس "عبدربه منصور هادي"، في مؤامرة مكشوفة لشق صفوف الشرعية، وذلك عبر الترويج لشائعات وادعاءات كاذبة من قبيل وجود تقصير من دول التحالف في تأمين حضور القيادات العسكرية اليمنية في "العند".

تداعيات الهجوم:

1- تصعيد عسكري "حوثي": لم يكتفِ "الحوثيون" بهجومهم على قاعدة "العند" في لحج، بل إنهم تمادوا في خروقاتهم، على نحو يؤشر إلى اتجاههم نحو مزيد من التصعيد العسكري، بعد أن استغلوا مباحثات السويد ونتائجها على مدار الأسابيع الماضية في إعادة ترتيب صفوفهم لاستئناف الحرب مرة أخرى. وهذا ما اعترف به عضو المكتب السياسي لميليشيا "الحوثيين" "محمد البخيتي"، بتأكيده أن استهداف قاعدة "العند" يأتي في إطار التصعيد، وأن "الهجوم استئناف لمرحلة جديدة يجب أن تثير خوف التحالف العربي والجيش اليمني بأن الحرب ستطال مواقعهم الآمنة"، وبالفعل في اليوم التالي لوقوع حادث "العند" الإرهابي، كشف وزير الإعلام اليمني "معمر الإرياني"، عن إحباط قوات الجيش اليمني، وبدعم من التحالف العربي، عملية إرهابية استهدفت الفريق الحكومي في اللجنة المشتركة لتنسيق إعادة الانتشار في الحديدة، وذلك أيضًا عبر طائرة "حوثية" بدون طيار مُصنعة في إيران.

كما أطلق مسلحون "حوثيون" الرصاص على موكب رئيس لجنة الأمم المتحدة لإعادة الانتشار في الحديدة، الجنرال "باتريك كاميرت"، في 17 يناير الجاري. وجاء هذا الحادث بعد أيامٍ من شن الناطق باسم ميلشيا "الحوثيين" "محمد عبدالسلام"، هجومًا عنيفًا على الجنرال الأممي "باتريك كاميرت"، واتهمه بالانحياز، وهذا سببه رفض "كاميرت" في نهاية ديسمبر الماضي عملية تسليم "وهمية" لميناء الحديدة لمتمردين تابعين لـ"الحوثيين". وعلى إثر ذلك التصعيد "الحوثي" الخطير، توقّع وزير الخارجية اليمني "خالد اليماني"، في 20 يناير الجاري، نقل اجتماعات لجنة تنسيق إعادة الانتشار برئاسة "كاميرت" إلى خارج اليمن.

2- رد حاسم من الشرعية اليمنية: أعلنت الحكومة اليمنية اتخاذها قرارات حاسمة للرد على استمرار ميليشيا "الحوثيين" في اعتداءاتها. وفي هذا الإطار، نفذت قوات الشرعية اليمنية وبدعم من التحالف العربي، يوم 19 يناير الجاري، عملية عسكرية نوعية استهدفت شبكة لمرافق لوجستية للطائرات بدون طيار تابعة للميليشيا "الحوثية" في 7 مرافق عسكرية بأماكن متفرقه في صنعاء، وجاءت هذه العملية بعد إجراءات استخباراتية لقوات التحالف شملت رصد ومراقبة نشاطات "الحوثيين" وتحركاتهم بهذه الشبكة المستهدفة، لذلك لم ينتج عن العملية أي إصابات في صفوف المدنيين، لكنها أسفرت عن تدمير المواقع المستهدفة التي يستخدمها "الحوثيون" في تخزين وإطلاق الطائرات بدون طيار، على نحو سيؤدي إلى تقليل اعتماد الميليشيا على هذه التقنيات المتطورة، والتي كانت تساعدها في تنفيذ مخططاتها الإرهابية بأقل الخسائر المادية والبشرية.

3- عرقلة جهود التسوية: أكدت الانتهاكات المستمرة لميليشيا "الحوثيين" نواياها الخبيثة لنسف اتفاقيات السويد، حيث بلغت 688 انتهاكًا أسفر عن مقتل 48 شخصًا وإصابة 362 آخرين خلال الفترة 18 ديسمبر 2018 – 19 يناير 2019. ومن جهتها، اعتبرت الحكومة الشرعية اليمنية، في بيان صادر عنها عقب استهداف "الحوثيين" لقاعدة "العند"، أن هذا العمل الإرهابي هو تحدٍّ سافر للمجتمع الدولي، ويهدف إلى إفشال جهود السلام التي يقودها الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه إلى اليمن من أجل إنهاء مسار الحرب.

وتأكيدًا على تراجع مسار المفاوضات السياسية بين طرفي الأزمة اليمنية، فشلت أيضًا المحادثات التي عُقدت خلال الأيام الماضية، في العاصمة الأردنية عمان، برعاية الأمم المتحدة، بين الحكومة الشرعية اليمنية وميليشيا الحوثيين بشأن صفقة تبادل نحو 16 ألف أسير ومعتقل لدى الجانبين.

إجمالًا، يمكن القول إن الهجوم "الحوثي" على قاعدة "العند" في لحج أكد أن هذه الميليشيا تستغل حالة التخاذل الدولي إزاء خروقاتها المستمرة وعدم التزامها باتفاقيات السويد الأخيرة، وهو التخاذل الذي ظهر بشكل واضح في رد الفعل الضعيف للمبعوث الأممي إلى اليمن "مارتن غريفيث"، على حادثة "العند"، واكتفائه بالإعراب عن قلقه من تصعيد العنف في اليمن، ودعوته إلى ضبط النفس، وكذلك اقتصار الموقف الأمريكي على التنديد بهجوم "الحوثيين"، ومطالبة أطراف النزاع اليمني بالامتناع عن العنف والاستفزازات. واستنادًا لهذا الموقف الدولي غير الحاسم، يُتوقع أن تلجأ قوات الشرعية اليمنية، وبدعم من التحالف العربي، إلى تكثيف عملياتها العسكرية ضد "الحوثيين" لتكبيدهم مزيدًا من الخسائر، والضغط عليهم.