تقلبات محتملة:

إلى أين تتجه أسعار النفط العالمية في عام 2019؟

10 December 2018


أثبت تحالف منظمة أوبك بقيادة السعودية والمنتجين المستقلين وفي صدارتهم روسيا، الهادف إلى كبح إمدادات النفط، نجاحه منذ عام 2016 في الحفاظ على أسعار النفط العالمية عند مستويات مقبولة لكليهما في الفترة الماضية، وهذا ما دفع الطرفين مجددًا إلى إبرام اتفاق آخر في 7 ديسمبر الجاري يقضي بقيامهما بخفض إمدادات النفط بكميات تصل 1.2 مليون برميل يوميًّا، وذلك للحيولة دون حدوث مزيدٍ من هبوط أسعار النفط بعد أن فقدت أكثر من 15% من مستوياتها منذ منتصف العام الجاري.

بيد أن نجاح الطرفين في تحقيق التوازن المطلوب للأسعار العالمية للنفط في الفترة المقبلة سوف يتوقف هذه المرة على متغيرات خارجية أخرى، تتمثل في: كيفية استجابة إنتاج النفط الصخري الأمريكي للزيادة المحتملة للأسعار عالميًّا، ذلك إلى جانب مدى التزام الدول الأعضاء بأوبك وغير الأعضاء أيضًا بتنفيذ الاتفاق، لا سيما مع اتجاه بعضها لتغليب هدف تعزيز الحصة السوقية على تعظيم الإيرادات النفطية.

دلالات مختلفة:

هبطت الأسعار العالمية للنفط بوتيرة سريعة في شهر نوفمبر الماضي إلى نحو 62.3 دولارًا للبرميل، أي أقل بـ14.4 دولارًا من مستوياتها في أكتوبر السابق عليه، وهذا ما أثار مخاوف لدى البلدان المصدّرة للنفط -من بينها دول أوبك بطبيعة الحال- من اتساع عجزها المالي مجددًا، وهو ما دفع الأخيرة للاتجاه نحو إبرام اتفاق جديد آخر لكبح إمدادات النفط بالتعاون مع المنتجين المستقلين بقيادة روسيا خلال الاجتماع الوزاري الخامس بينهما في 7 ديسمبر الجاري.

وبموجب الاتفاق، سوف يقوم الطرفان بخفض إنتاجهما من النفط بنحو 1.2 مليون برميل يوميًّا على أساس مرجعي لمستويات إنتاج الدول في شهر أكتوبر الماضي، وذلك على أن يتم استثناء ثلاث دول من هذا الاتفاق، وهي إيران وليبيا وفنزويلا، حيث لا تعمل بطاقتها الإنتاجية الكاملة في ظل القيود الإنتاجية التي تواجهها نظرًا للظروف الجيوسياسية المضطربة التي تمر بها.

إنتاج النفط لبعض أعضاء منظمة أوبك أكتوبر 2018 (مليون برميل يومياً) 

*النسب مقربة

المصدر: التقرير الشهري لمنظمة أوبك، نوفمبر 2018.

ولعل إبرام الاتفاق الأخير بين أوبك والمنتجين المستقلين يكشف عن عددٍ من الدلالات حول ديناميكية عمل المنظمة: يتمثل أولها في أن السعودية -باعتبارها من بين أكبر ثلاثة منتجين للنفط حول العالم- لا تزال اللاعب الأكثر نفوذًا وتأثيرًا في منظمة أوبك، وهذا ما يتوازى معه أن المملكة سوف تتحمل الجزء الأعظم من تخفيضات إنتاج منظمة أوبك بموجب الاتفاق بكميات تصل إلى نصف مليون برميل يوميًّا من أصل 800 ألف برميل يوميًّا كامل حصة التخفيضات التي سيتحملها أعضاء أوبك.

فيما يتصل ثاني هذه الدلالات بالدور المتصاعد الذي باتت تلعبه روسيا في توازن أسعار النفط العالمية بالتعاون مع منظمة أوبك، فهي بموجب الاتفاق سوف تخفض إنتاجها بنحو 228 ألف برميل يوميًّا (أي نصف كميات حصة التخفضيات للدول غير الأعضاء) من مستويات شهر أكتوبر البالغة 11.4 مليون برميل يوميًّا. كما أنها لعبت دورًا مؤثرًا في الوساطة بين إيران والمنظمة مؤخرًا لاستثناء الأولى من اتفاق خفض الإنتاج، حيث انخفضت إمداداتها من النفط للأسواق الدولية بالفعل بسبب العقوبات الأمريكية على قطاع النفط الإيراني.

فيما تنصرف الدلالة الثالثة إلى أن تحالف أعضاء أوبك مع المنتجين المستقلين بقيادة روسيا أعطى المنظمة قوة فعالية أكبر ومن ثمّ مساحة واسعة للمناورة في تنفيذ أهدافها الخاصة بالحفاظ على مستويات الأسعار دون الخضوع للضغوطات الشديدة من قبل الإدارة الأمريكية برئاسة "دونالد ترامب"، والذي عمل في الأشهر الماضية على دفعها للتخلي عن سياستها الهادفة لكبح إمدادات النفط وخفض الأسعار. وكان من بين ملامح هذه الضغوط التغريدة التي نشرها الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" على موقع التواصل الاجتماعي توتير وكان آخرها قوله في 5 ديسمبر الجاري: "نأمل أن تُبقي أوبك على تدفقات النفط كما هي، ولا تكبحها. العالم لا يريد أن يرى ارتفاعًا في أسعار النفط ولا يحتاج لذلك".

ورابع هذه الدلالات يتصل باستمرار تماسك المنظمة وتحقيقها لأهدافها الرئيسية الخاصة بالحفاظ على مصالح المنتجين، وهذا ما يدحض بعض المخاوف التي أُثيرت مؤخرًا في أعقاب القرار القطري بالانسحاب من منظمة أوبك اعتبارًا من عام 2019، بأن المنظمة لا تعكس مصالح معظم أعضائها، كما أن القرار القطري قد يدفع مزيدًا من الأعضاء للانسحاب من المنظمة.

التداعيات المحتملة:

وعلى الفور، بمجرد اتفاق أعضاء أوبك والمنتجين المستقلين على خفض الإنتاج، استجابت الأسواق العالمية للنفط بإيجابية، حيث ارتفع متوسط أسعار النفط في جلسة 7 ديسمبر الجاري إلى حوالي 1.3 دولار أو أكثر من 2.5% مقارنة بمستوياتها في الجلسة السابقة لتصل أسعار خام برنت إلى 61.67 دولارًا للبرميل، في حين بلغت أسعار خام غرب تكساس الأمريكي نحو 52.61 دولارًا للبرميل.

وعلى الرغم من أن الزيادات السابقة لا تبدو كبيرة على الإطلاق، ولا تدور في النطاق السعري الذي ترغب فيه العديد من البلدان المصدرة للنفط؛ إلا أن التنفيذ الكامل والفوري للاتفاق اعتبارًا من يناير المقبل بلا شك سوف يعمل على توفير أساس جيد للقضاء على نمو المخزونات التجارية للنفط لدى الاقتصادات الكبرى، بما يدعم مستويات أسعار النفط في الربع الأول من العام المقبل.

وبحسب نتائج مسح أجرته وكالة "ستاندر آند بورز بلاتس" في نوفمبر الماضي بناء على توقعات 11 بنكًا وشركة تجارة دولية للنفط، فقد توصلت إلى أن قيام منظمة أوبك بخفض إنتاجها من النفط بمقدار مليون برميل يوميًّا على الأقل سوف يؤدي إلى ارتفاع متوسط سعر خام برنت إلى 75.50 دولارًا للبرميل في العام المقبل، ويدعم ذلك نمو متوقع للطلب العالمي على النفط بـ1.4 مليون برميل يوميًّا في العام نفسه.

غير أن المشاركين في المسح خفضوا توقعاتهم لأسعار خام برنت في مسح نوفمبر مقارنة بتوقعاتهم في أكتوبر الماضي عندما بلغت أسعار النفط أعلى مستوياتها في أربع سنوات بسبب المخاوف من انحسار إمدادات النفط العالمية بسبب الجولة الثانية من العقوبات الأمريكية على إيران. وتوقع المشاركون في المسح حينئذ أن يبلغ متوسط سعر نفط برنت 78.51 دولارًا للبرميل في عام 2019. ويأتي ذلك بدعم أساسي من أن الإدارة الأمريكية لم تكن قد منحت وقتها ثماني دول إعفاءات لمواصلة النفط الإيراني.

محددات أساسية:

يرتبط تحقيق مستويات عادلة لأسعار النفط العالمية -من وجهة نظر المنتجين- بعدد من المتغيرات العالمية، يتمثل أولها في مستويات الإنتاج الأمريكي من النفط. فمع سريان اتفاق أوبك، قد تستفيد شركات النفط الصخري الأمريكي من الزيادات المحتملة في أسعار النفط إلى أكثر من 70 دولارًا للبرميل (وهو مستوى يحقق لها ربحية واسعة على الأرجح) في زيادة إنتاجها بشكل كبير، ناهيك عن أن بعض الشركات بات بإمكانها العمل بسوق النفط الأمريكي وتحقيق الأرباح مع مستويات منخفضة للأسعار لا تتعدى 40 دولارًا للبرميل.

وبناء على ذلك، توقعت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن يحقق الإنتاج الأمريكي من النفط قفزة كبيرة في الفترة المقبلة، حيث من الممكن أن يتجاوز نحو 12 مليون برميل يوميًّا بحلول شهر أبريل عام 2019، بحسب إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، أي بزيادة تقارب 3 ملايين برميل مقارنة بمستويات عام 2017، وهذه الزيادة مدفوعة إلى حد كبير بالنمو في إنتاح حوض بيرميان.

ويتزامن مع ذلك احتمال أن تتجه الإدارة الأمريكية إلى تقليل فعالية سياسة أوبك بكبح إنتاج النفط من خلال تدابير أخرى قد تتمثل -بحسب بعض التوقعات- في اللجوء لاستخدام الاحتياطي الاستراتيجي الأمريكي للنفط في ضخ مزيد من الإمدادات من أجل خفض الأسعار والبالغ حجمه 727 مليون برميل، هذا في الوقت الذي بحث فيه الكونجرس الأمريكي مؤخرًا زيادة الضغط على أوبك عبر إحياء مشروع قانون منع التكتلات الاحتكارية لإنتاج وتصدير النفط (نوبك NOPEC)، والذي سيلغي الحصانة السيادية لكارتلات النفط داخل الولايات المتحدة ومن بينها أوبك، وبما يسمح بمقاضاتها. 

فيما ثاني هذه المتغيرات تتصل بمدى التزام الدول الأعضاء في أوبك وخارجها بالحدود الموضوعة الخاصة بخفض سقف الإنتاج المحلي. فعلى الرغم من أن كافة الأطراف تبدو حريصة على إنجاح الاتفاق وتحقيق مستويات مقبولة للأسعار، إلا أن بعض المنتجين قد يميلون إلى تغليب هدف زيادة الحصة السوقية على تعظيم الإيرادات النفطية، خاصةً إذا لم تحقق أسعار النفط الزيادة المرغوبة في الأشهر المقبلة. علاوة على ذلك، فإن شركات النفط الروسية ستقوم بخفض الإنتاج تدريجيًّا على مدى عدة أشهر، وهذا ما قد يُقلل من فعالية المشاركة الروسية في الاتفاق.

وفي ضوء العوامل السابقة، يمكن القول إن فائض الإنتاج الأمريكي من النفط الصخري يُمثل أحد التهديدات الرئيسية لتوازن سوق النفط العالمي من وجهة نظر المنتجين في أوبك، فقد يتسبب -ضمن عوامل جيوسياسية واقتصادية أخرى- في حدوث تقلبات محتملة لأسعار النفط في الأجل المنظور بما يحد من المكاسب المتوقع أن تحققها المنظمة بموجب الاتفاق الأخير في الفترة المقبلة.