تسييس متعمد:

لماذا تصاعد الجدل حول قضايا غسيل الأموال في إيران؟

06 December 2018


لم تفرض العقوبات الأمريكية على إيران تداعيات اقتصادية فقط ممثلة في تراجع الصادرات النفطية الإيرانية وتفاقم المشكلات الداخلية من ارتفاع مستويات التضخم والبطالة وانهيار سعر العملة الوطنية، وإنما كان لها دور أيضًا في نشوب أزمات سياسية يبدو أن آثارها سوف تبقى ممتدة خلال الفترة المتبقية من الولاية الثانية للرئيس حسن روحاني التي سوف تنتهي في منتصف عام 2021.

وبدا ذلك واضحًا في الجدل الذي أثارته تصريحات وزير الخارجية محمد جواد ظريف التي أدلى بها في 12 نوفمبر 2018، ووجه فيها اتهامات إلى جهات داخل إيران قال أنها مستفيدة من عمليات غسيل أموال على نحو دفعها إلى عرقلة توقيع إيران على معاهدات دولية خاصة بمكافحة تلك العمليات، عبر إقناع بعض المؤسسات النافذة في النظام، على غرار مجلس صيانة الدستور ومجمع تشخيص مصلحة النظام برفض أو إبداء ملاحظات محورية حول المشروعات التي قدمتها الحكومة لمجلس الشورى (البرلمان) في هذا السياق.

اعتبارات مختلفة:

أشار ظريف، في إطار اتهاماته لبعض القوى الداخلية بالاستفادة من عمليات غسيل أموال تدر أرباحًا طائلة عليها، إلى أنها تنفق على دعايا تناهض المشروعات التي تقدمها الحكومة لمكافحة غسيل الأموال أموالاً تعادل الميزانية السنوية المخصصة لوزارة الخارجية والتي تصل إلى نحو 262 مليون دولار بالسعر الحكومي الذي يُقدِّر الدولار بحوالي 42 ألف ريال، في حين أن السعر الحقيقي يتجاوز ثلاثة أضعاف هذا الرقم.

ومن دون شك، فإن هذه الاتهامات دفعت العديد من المؤسسات والقوى السياسية إلى التحرك من أجل ممارسة ضغوط أكبر على الحكومة، وربما لن يخلو الأمر من محاولات داخل البرلمان لاستجواب ظريف أو طرح الثقة فيه على نحو قد يوجه ضربة سياسية قوية للحكومة في هذا التوقيت الحرج الذي تواجه فيه أزمات داخلية وخارجية في آن واحد.

اتجاه هذه الأطراف إلى تبني مواقف تصعيدية ضد ظريف والحكومة بشكل عام يعود إلى اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- نشاط واسع: تلقي هذه الاتهامات بمزيد من الأضواء على استشراء عمليات غسيل الأموال التي تقوم بها جهات محسوبة على الدولة، بشكل وضع إيران في مرتبة متقدمة على مستوى العالم في المؤشرات الخاصة برصد تلك العمليات، مثل "مؤشر بازل"، الذي كشف تقريره لعام 2017 عن أن إيران تأتي على رأس قائمة أعلى عشرة دول خطورة في هذا المجال، وهى المرتبة التي احتلتها إيران أكثر من عام.

2- عقوبات محتملة: قد يوفر التركيز على تورط إيران في هذه العمليات، في رؤية تيار المحافظين الأصوليين تحديدًا، الفرصة للقوى التي تناهض الأدوار التي تقوم بها إيران على الساحة الإقليمية، من أجل محاولة تصعيد حدة الضغوط الدولية التي تتعرض لها، خاصة أن بعض المؤسسات النافذة في النظام، لا سيما الحرس الثوري، تواجه بالفعل اتهامات بارتكاب عمليات غسيل أموال واسعة بهدف الحصول على مصادر متعددة لتمويل الأنشطة الإرهابية التي تقوم بها، خاصة فيما يتعلق بدعم بعض التنظيمات الإرهابية الموجودة في دول مختلفة بالمنطقة، مثل سوريا ولبنان واليمن والعراق.

وهنا، أشار بعض نواب تيار المحافظين الأصوليين إلى أن تلك التصريحات تضفي مصداقية على الاتهامات الموجهة للحرس الثوري وخاصة "فيلق القدس" التابع له بالمسئولية عن تقديم دعم مستمر لتلك التنظيمات، بما يزيد من احتمال تعرضه لعقوبات جديدة ربما لن تكون أمريكية فقط، خاصة أنها تتوازى مع الإجراءات التي قد تتخذها بعض الدول الأوروبية، خلال المرحلة القادمة، لكبح المحاولات الإيرانية المستمرة لاستهداف وتصفية بعض رموز المعارضة الإيرانية في الخارج، لا سيما التي تنتمي إلى "منظمة مجاهدي خلق" و"المجلس الأعلى للمقاومة الإيرانية".

كما لم يكتف بعض المسئولين النافذين في النظام، مثل صادق لاريجاني رئيس السلطة القضائية، بالإشارة إلى أن ظريف لم يقدم، حتى الآن، أية أدلة أو مستندات تثبت صحة اتهاماته، بل حذروا من أنه في حالة امتلاكه لها فإنه قد يتعرض لمشكلات قانونية بسبب عزوفه عن تقديمها للجهات المختصة قبل إدلائه بتصريحاته الأخيرة.

3- قضية زنجاني: سوف يؤدي تصاعد الجدل حول قضية مكافحة غسيل الأموال إلى إعادة فتح الجدل من جديد حول القضية التي حظيت باهتمام ملحوظ على الساحة الداخلية الإيرانية في الأعوام الأخيرة، والخاصة ببعض الآليات التي استندت إليها الحكومة للتعامل مع العقوبات الدولية التي كانت مفروضة على إيران قبل الوصول إلى الاتفاق النووي في 14 يوليو 2015.

فمن ضمن تلك الآليات، كانت الحكومة تقوم بتكليف بعض رجال الأعمال بعمليات بيع وشراء النفط وتحول العوائد الناتجة عن ذلك إليها، على نحو أدى إلى استشراء عمليات الفساد، وكانت قضية رجل الأعمال بابك زنجاني هى العنوان الأبرز في هذا السياق. فقد أدار زنجاني عمليات لبيع النفط لصالح حكومة الرئيس السابق أحمدي نجاد، إلا أنه بعد وصول روحاني إلى السلطة في أغسطس 2013، واجه اتهامات باختلاس نحو 2.7 مليار دولار من عوائد تلك العمليات وصدر حكم بإعدامه في هذا الإطار بتهمة الإفساد في الأرض عبر الإخلال بالنظام الاقتصادي للدولة. وقد استغلت حكومة روحاني وتيار المعتدلين تلك القضية باعتبارها دليلاً على استشراء الفساد في الدولة خلال فترتى رئاسة أحمدي نجاد (2005-2013)، وذلك في إطار دفاعها عن سياستها الاقتصادية التي هاجمها الأخير أكثر من مرة في الفترة الأخيرة. واعتبرت الحكومة، حسب تصريحات وزير النفط بيجن نامدار زنكنه في 27 يناير 2018، أن إجمالي الديون المستحقة على زنجاني، بإضافة الفوائد، يصل إلى أكثر من 3.5 مليار دولار.

مسارات غامضة:

من دون شك، فإن الضغوط المفروضة على ظريف سوف تتواصل خلال المرحلة القادمة، إلا أن تصعيدها لمستوى تقديم استجواب أو محاولة طرح الثقة فيه من جانب مجلس الشورى، سوف ترتبط في المقام الأول، برؤية القيادة العليا في النظام، التي يمثلها المرشد الأعلى علي خامنئي، للتداعيات المحتملة التي قد يفرضها ذلك على التوازنات السياسية الداخلية وموقع إيران في مواجهة الضغوط الدولية المتواصلة التي تتعرض لها من جانب الولايات المتحدة الأمريكية إلى جانب بعض الدول الأوروبية التي بدأت في التركيز على مخاطر الرهان على التزام إيران فقط بالاتفاق النووي دون النظر إلى الأدوار التخريبية التي تقوم بها على الساحة الإقليمية إلى جانب دعمها للإرهاب.

فإلى الآن، عزف خامنئي عن التدخل في الجدل المتصاعد بين الحكومة وتيار المعتدلين الذي أصدر نوابه في البرلمان بيانًا أيدوا فيه تصريحات ظريف، وبين تيار المحافظين الأصوليين والحرس الثوري، إلا أنه قد يتحرك لتحديد مسارات هذا الجدل خلال المرحلة القادمة، في حالة ما إذا اعتبر أن استمراره قد يؤثر سلبيًا على مواجهة إيران للضغوط الدولية، وهو ما سوف تتضح مؤشراته خلال الفترة القادمة التي ستحاول فيها حكومة روحاني رفع مستوى تعاونها مع الدول الأوروبية من أجل تفعيل الآليات المالية التي يمكن أن تساعد في استمرار التعاملات الاقتصادية بين الطرفين، وعرقلة جهود الولايات المتحدة الأمريكية للوصول بمستوى الصادرات النفطية إلى الدرجة صفر في مرحلة ما بعد انتهاء مهلة الأشهر الستة التي منحتها لثماني دول مستوردة للنفط الإيراني.