عواقب الهيمنة:

هل تسببت نخبة السياسة الخارجية في انحدار النفوذ الأمريكي؟

21 November 2018


عرض: رغدة البهي - مدرس العلوم السياسية المساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة

إن جهود الولايات المتحدة الأخيرة لإدارة وتشكيل السياسة العالمية لم تجعلها أكثر أمانًا، بل على العكس، زعزت سياستها الخارجية استقرار عدة مناطق حول العالم، وانتهكت حقوق الإنسان، وأضرت بالحريات المدنية. وتُعزَى تلك الإخفاقات إلى اتِّباع كلٍّ من الديمقراطيين والجمهوريين استراتيجية "الهيمنة الليبرالية"، والتي على الرغم من فشلها في تحقيق الأهداف المنوطة بها، تتمسك بها مؤسسات صنع السياسة الخارجية، إلى حد فشل "دونالد ترامب" في تغييرها أو تطوير بديلٍ لها لافتقاره إلى الفطنة والدعم السياسي، مما قوض النفوذ الأمريكي دون تخفيف الأعباء الأمريكية.

وفي هذا الإطار، تبرز أهمية كتاب "ستيفن والت" (أستاذ الشئون الدولية بكلية جون كينيدي للعلوم الحكومية بجامعة هارفارد)، المعنون "جحيم النوايا الحسنة: نخبة السياسة الخارجية الأمريكية وانحدار التفوق الأمريكي"، والذي دفع فيه بضرورة تبني استراتيجية واقعية، تتجنب الهندسة الاجتماعية العالمية، وتعتمد سياسة خارجية أكثر تحفظًا، وتتخلى عن البحث غير المجدي عن الهيمنة الليبرالية، وتتبنى رؤية أكثر واقعية للقوة الأمريكية، وتعيد بناء مؤسسة السياسة الخارجية للولايات المتحدة.

السجل الكئيب:

وفقًا للكاتب، عندما انهار الاتحاد السوفيتي، كانت الفرصة سانحةً للولايات المتحدة كي تعيد النظر في استراتيجيتها المتبعة خلال العقود الأربعة الماضية، وتنظر في مستوى المشاركة العالمي الذي تمخض عن استراتيجية الاحتواء في مرحلة الحرب الباردة، وتتساءل عن حجم الالتزامات الأمنية العالمية، ومدى ملاءمتها في ظل التغيرات الجذرية في البيئة الدولية.

في أوائل التسعينيات من القرن المنصرم، دعا عدد قليل من الأكاديميين إلى ضرورة الحد من الالتزامات الأمريكية العالمية، غير أن ذلك لم يلقَ اهتمام الدوائر الرسمية، ولم يؤثر في أيٍّ من السياسة الدفاعية أو الخارجية، كما لم يسفر عن إعادة تقييم استراتيجية الولايات المتحدة الكبرى. فاعتقد كبار المسئولين الأمريكيين أنه يجب على الولايات المتحدة الحفاظ على التزاماتها الحالية، وتفوقها العسكري الساحق، لردع "المنافسين النظراء" الجدد، غير أن طموحاتهم لم تتوقف عند ذلك الحد.

وجد "جورج بوش الأب" (الرئيس الأسبق)، و"برنت سكوكروفت" (مستشار الأمن القومي آنذاك)، أنفسهم في ذروة السلطة، مع فرصة نادرة لتشكيل العالم. فأصبح الهدف المركزي للسياسة الخارجية الأمريكية هو دمج البلدان الأخرى في ترتيباتٍ من شأنها الحفاظ على عالمٍ يتلاءم مع مصالح وقيم الولايات المتحدة، وبالتالي تعزيز السلام والازدهار والعدالة. 

ومن ثم، دعمت الولايات المتحدة الدول التي رحبت بأسبقيتها، بل ودافعت عنها، بينما عزلت واحتوت وقاومت كل من عارضها. واستهدفت التنظيمات الإرهابية والمتمردين ممن عارضوا الهيمنة الأمريكية. وهو الأمر الذي شارك فيه كل من: بيل كلينتون، وجورج دبليو بوش، وباراك أوباما، بطرقٍ مختلفة. فمنذ نهاية الحرب الباردة، بدأ الرؤساء الأمريكيون في إنشاء نظامٍ عالميٍ ليبرالي من خلال الاستخدام النشط للقوة الأمريكية. وعوضًا عن الدفاع عن شواطئها وتحقيق الرفاهية، سعت واشنطن إلى تصدير نموذجها ونشر قيمها.

وعليه، سطّرت السياسة الخارجية الأمريكية سجلاً مختلطًا من النجاح والفشل، فقد استعادت الولايات المتحدة العلاقات الدبلوماسية مع كوبا، ووقّعت اتفاقية متعددة الأطراف مع إيران، وأطالت الوقت الذي تستغرقه طهران للحصول على القنبلة، لكنها لم تعرقل الصعود الصيني، وشهدت أزمةً اقتصاديةً حادة. وعليه، يمكن القول إنه من الصعب إنكار مسئولية الولايات المتحدة عن التحديات المعاصرة.

العوامل المُفسِّرة:

لم تكن محاولات الولايات المتحدة الطموحة لتشكيل السياسات الإقليمية، ونشر القيم الليبرالية، وتعزيز المؤسسات العالمية؛ كافيةً، وذلك على الرغم من جهودها المتكررة والمكلفة في كثيرٍ من الأحيان، وهو ما يجد جذوره في التزام واشنطن باستراتيجيةٍ كبرى للهيمنة الليبرالية، تستخدم القوة الأمريكية لإعادة تشكيل العالم، وفقًا للتفضيلات والقيم السياسية الأمريكية. غير أن تلك الاستراتيجية باءت بالفشل؛ لأنها استندت إلى وجهات نظر خاطئة عن السياسة الدولية. فقد بالغت الولايات المتحدة في قدرتها على إعادة تشكيل المجتمعات، كما أساءت تقدير قدرة الأطراف الأضعف على تقويض أهدافها.

والتزمت مؤسسات السياسة الخارجية بالحفاظ على الهيمنة الأمريكية، ونشر القيم الليبرالية، وتوسعة نطاق التزامات الولايات المتحدة، مما أوجد نظامًا عالميًّا معتمدًا عليها بوصفها "القوة التي لا غنى عنها"، والركن الركين في الترتيبات الأمنية في جميع أنحاء العالم. وبدلًا من تشجيع القوى الإقليمية على حلّ خلافاتها، وتطوير ترتيباتٍ أمنية لا تتطلب كثيرًا من التوجيه الأمريكي الفعال، أنشأ الرؤساء الأمريكيون نظامًا عالميًّا يتداعى كليةً حال توقف الولايات المتحدة عن تحمل الأعباء العالمية. 

وتساءل الكاتب عن دوافع تبني الولايات المتحدة لتلك الاستراتيجية على الرغم من فشلها المتكرر، وهو ما أجمله الكاتب في عدة أسباب. يتمثل أولها في الغطرسة الأمريكية، بمعنى اكتشاف الأمريكيين النموذج العملي الوحيد للمجتمع الحديث، والسبيل الوحيد الممكن لنظامٍ عالميٍّ دائمٍ وسلمي. ويكمن ثانيها في قوة الولايات المتحدة الهائلة وموقعها الجيوسياسي المواتي، على نحو مكّنها من توظيف استراتيجية كبرى لفترةٍ طويلة، دون تعرضها لخطر الإفلاس أو الغزو الأجنبي. ويتمثل ثالثها في الجمع بين القوة الضارية من ناحية، و"الأمن الحر" أي التدخل دون عقاب على حد وصف المؤرخ "سي فان وودوارد" من ناحيةٍ أخرى. أما رابعها فيكمن في رفاهية الولايات المتحدة في التدخل والانسحاب وقتما تشاء.

وبجانب الأسباب السابقة، أشار الكاتب إلى قيام الولايات المتحدة بتضخيم التهديدات الأمريكية لإقناع الرأي العام بأن العالم مكانٌ خطير، وأن أمنهم يعتمد على المشاركة الخارجية النشطة. فيبالغ المؤيدون في فوائد الهيمنة الليبرالية، بحجة أنها أفضل طريقة لنزع فتيل الأخطار المحتملة، وتعزيز الرخاء، ونشر القيم السياسية. كما حاول المسئولون الحكوميون تعتيم تكاليف سياستهم الخارجية، لإقناع الأمريكيين بجدواها.

الهيمنة الليبرالية:

جادل الكاتب بأن فهم أسباب تبني تلك الاستراتيجية من قبل ثلاثة رؤساء على الرغم من إخفاقاتها يتطلب نظرة فاحصة على مؤسسات ومسئولي السياسة الخارجية الأمريكية. وجدير بالذكر أن "دونالد ترامب" خلال حملته الرئاسية لم يُبدِ اهتمامًا يذكر بهم، مشيرًا إلى دورهم في تبني سياساتٍ فاشلة، جلبت الفوضى للعالم، وجعلته مكانًا خطيرًا. فعندما شجبت مجموعة من خبراء السياسة الخارجية ترشيح "ترامب" للرئاسة، وصفهم بالنخبة الفاشلة التي حان الوقت لمساءلتها عن أفعالها.

لم يكن الترويج للهيمنة الليبرالية مؤامرةً متقنة من قبل نخبة غامضة، بل على النقيض، تبنت مؤسسات السياسة الخارجية الأمريكية تلك الاستراتيجية، وروجت لها باستخدام مختلف وسائل الإعلام. بيد أنه لا يمكن إنكار استفادة الوكالات الحكومية الرئيسية المسئولة عن إدارة السياسة الخارجية الأمريكية من الأجندة العالمية التي يترتب عليها حصة كبيرة من الميزانية الفيدرالية. ناهيك عن استفادة صانعي الأسلحة، وموظفي الخدمة المدنية، والجمعيات الإثنية، ونشطاء حقوق الإنسان من الهيمنة الليبرالية. وعليه، تُعزز الهيمنة الليبرالية سلطة مجتمع السياسة الخارجية ووضعه، وتجعل القيادة الأمريكية العالمية ضرورية، وممكنة، ومرغوبة أخلاقيًّا.

وعلى الرغم من النتائج السلبية المتولدة عن استراتيجية الهيمنة الليبرالية، لم تتخلَّ مؤسسات السياسة الخارجية الأمريكية عنها، ولن يتم محاسبة المسئولين عن تلك الاستراتيجية، ذلك أن السياسة الخارجية نشاطٌ معقدٌ بطبيعته، ولا بد من تقبل أخطاء المسئولين الحكوميين لتشجيعهم على الابتكار، واقتراح مبادراتٍ خارج الصندوق. ويكمن العائق الأكبر أمام المساءلة الحقيقية في المصالح الذاتية لمؤسسة السياسة الخارجية، بينما يكمن الحل الأفضل في تحديد السياسات التي أدت إلى حدوث مشكلاتٍ، والاعتراف بها بشكلٍ مفتوح.

سياسات "ترامب":

بعيدًا عن صلاحيته للمنصب، أصاب خطاب "ترامب" المعنون "أمريكا أولاً" جوهر استراتيجية الهيمنة الليبرالية التي تبناها كل من: كلينتون، وبوش، وأوباما. وعوضًا عن النظر إلى الولايات المتحدة بوصفها "الدولة التي لا غنى عنها"، والمسئولة عن الأمن في العالم، ونشر الديمقراطية، ودعم النظام العالمي الليبرالي؛ نادى "ترامب" بسياسةٍ خارجية ادّعى أنها ستجعل الأمريكيين أقوى، وأكثر ثراءً، وأقل التزامًا في الخارج.

وشدّد "ترامب" على أن الهدف الرئيسي للسياسة الخارجية الأمريكية هو تعزيز المصلحة القومية الأمريكية. وعلى الرغم من كون ذلك حقيقة بديهية، إلا أن فحواها يشير إلى تغيّرات على استخدامات القوة العسكرية الأمريكية، التي لن تستخدم مستقبلًا لمساعدة الآخرين أو نشر القيم العالمية بعد أن باتت حكرًا على تحسين أوضاع الأمريكيين، مما يدلل على الحاجة إلى استراتيجية كبرى مختلفة، تشدد على المصالح الوطنية الأمريكية، وتتبنى نهجًا صارمًا تجاه الحلفاء والخصوم على حد سواء. 

وتعكس سياسة "ترامب" الخارجية الانسحاب الجذري من الأجندة الدولية التي هيمنت عليها الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب الباردة. كما قدم "ترامب" نموذجًا قائمًا على القومية والتمحور حول الذات، وتصورًا مختلفًا عن فكرة "الاستثنائية الأمريكية"، فلن تكون الولايات المتحدة "الأمة التي لا غنى عنها"، أو "الشرطي العالمي"؛ بل ستدير علاقاتها مع الدول الأخرى من منطق "أفضل الصفقات"، لإجبار الآخرين على تحمل أكبر الأعباء.

ويُجادل الكاتب بأن ذلك يُعد رفضًا مباشرًا للنظرة العالمية التي وَجّهت السياسة الخارجية للولايات المتحدة لأكثر من ستين عامًا. وظاهريًّا، تُعارض سياسات "ترامب" العولمة بجميع أشكالها؛ فقد ادعى "ترامب" أن واشنطن تفاوضت على "اتفاقيات تجارية سيئة" مع دولٍ أخرى، بدءًا من اتفاقية التجارة الحرة لدول أمريكا الشمالية (نافتا)، وغيرها. ووفقًا له، أضاعت "الأغنية الكاذبة للعولمة" ملايين الوظائف الأمريكية، وأضعفت الاقتصاد الأمريكي. كما شجعت العولمة "سياسات الهجرة التي لا معنى لها"، التي هددت الهوية الأمريكية، وسمحت للمجرمين الخطرين والمتطرفين العنيفين بدخول الولايات المتحدة.

وعلى نفس القدر من الأهمية، أدت سلسلةٌ طويلة من الإخفاقات في السياسة الخارجية في عهد الرؤساء السابقين إلى تعزيز رسالة "ترامب" المناهضة للإيواء. وفي الواقع، لم يكن الدفاع عن السياسة الخارجية الأمريكية منذ نهاية الحرب الباردة أمرًا يسيرًا، وهو أمرٌ لا يمكن للناخبين الأمريكيين فهمه، فقد امتلأت السنوات التي أعقبت الحرب الباردة بالإخفاقات الواضحة، وخلت من الإنجازات الكبرى.

ولم تجعل بعضُ المبادرات بعيدةُ المدى (مثل: قرار توسيع حلف الناتو) الأمريكيين أكثر أمنًا أو ازدهارًا، ولم تنجح الولايات المتحدة في نشر قيمها السياسية المفضلة، بل وتخلت عن بعض قيمها. ففي السنوات التي تلت 11 سبتمبر ٢٠٠١، أَذن كبار المسئولين في الولايات المتحدة بالتعذيب، وارتكبوا جرائم حرب، وواصلوا دعم عددٍ من الأنظمة الاستبدادية الوحشية.

نتائج مفرغة المضمون:

تساءل الكاتب عن قدرة "ترامب" على اختراق الهيمنة الليبرالية؛ إذ يعزو فوز "ترامب" بالرئاسة في جزءٍ منه إلى تحدي استراتيجية الهيمنة الليبرالية الفاشلة التي دافعت عنها "هيلاري كلينتون". وبالفعل بدأت رئاسة "ترامب" بسلسلةٍ من التحركات غير التقليدية لزعزعة "الصدأ" عن السياسة الخارجية، لكن سرعان ما بدأت الحقائق العالمية في كبح "ترامب"، حتى فَقَدَ الفرصة في تغيير الاستراتيجية المتبعة. 

وبعد مرور عام، استمر عدد من السياسات التي ورثها "ترامب" بما في ذلك سياسات الهيمنة الليبرالية، والاعتماد على القوة العسكرية الأمريكية، والإنفاق المتزايد على الأمن القومي، وذلك على الرغم من المشكلات المالية المتكررة، والاحتياجات المحلية الملحة. أو بعبارةٍ أخرى، تبنى "ترامب" في النهاية أسوأ سمات الهيمنة الليبرالية، بما في ذلك: الاعتماد المفرط على القوة العسكرية، وعدم الاهتمام بالدبلوماسية، كما أدار ظهره لحقوق الإنسان والاقتصاد العالمي المنفتح. 

ومع اقتران مواقفه بأسلوب الإدارة الفوضوي والقرارات المتهورة، تآكلت صورة الولايات المتحدة العالمية. كما أثار سلوك "ترامب" الخاطئ والمتناقض غضب الحلفاء الرئيسيين، وألقى بظلالٍ من الشكّ على إمكانية الاعتماد على الولايات المتحدة. 

ويُجمل الكاتب ذلك بقوله: "إن خطاب ترامب وتوقعاته تتعارض في نواحٍ كثيرة مع الهيمنة الليبرالية، غير أن سياسات إدارته تعكس استمرارًا لتلك الهيمنة في أسوأ نزعاتها"، حيث تتبنى الولايات المتحدة استراتيجية معيبة، وتعهد بتنفيذها إلى الرئيس الأقل كفاءة في الذاكرة الحديثة. وتتجلى مظاهر ذلك في مزيجٍ من السياسات الحمقاء من ناحية، والسياسات الحكيمة غير الفعالة من ناحيةٍ أخرى، وكلاهما يتضحان في تداعي تأثير الولايات المتحدة من جانب، وتزايد أعبائها العالمية على النقيض من جانبٍ آخر.

وختامًا، يؤكد الكاتب أهمية وضرورة الحفاظ على توازن القوى في ثلاث مناطق رئيسية، هي: أوروبا، وشرق آسيا، والخليج العربي. ومن ثمّ، تنطوي تلك الدعوة على رفض الانعزالية، لكنها تعتمد في المقام الأول على الأطراف الإقليمية للحفاظ على موازين القوى. وفي هذا السياق، تلتزم الولايات المتحدة بالتدخل بقواها الخاصة في حالات التهديد القصوى فحسب.

ولا يمكن للتغيير الجذري في السياسة الخارجية الأمريكية أن يحدث بمعزلٍ عن ظهور حركةٍ إصلاحية سياسية يمكنها خلخلة التوافق النخبوي على الهيمنة الليبرالية، وتوليد نقاشات بنائية مستديمة، وهو أمر يستحيل على الرئيس بمفرده القيام به، خاصة الرئيس الحالي. ومن ثم، يدعو الكاتب إلى أهمية وضرورة إحداث التغيير على صعيد مؤسسات السياسة الخارجية، مما يتطلب بناء مصادر جديدة من القوة السياسية. 

المصدر:

Stephen M. Walt, “The Hell of Good Intentions: America's Foreign Policy Elite and the Decline of US Primacy”, (New York: Farrar, Straus and Giroux, 2018).