اختبار الشعبية:

توظيف قضايا السياسة الخارجية في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس

17 October 2018


تصاعد اتجاه الحزبين الجمهوري والديمقراطي لتوظيف قضايا السياسة الخارجية ضمن حملات الدعاية الانتخابية لانتخابات التجديد النصفي للكونجرس في نوفمبر المقبل، فبينما ركز الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" ومرشحو الحزب الجمهوري على تمكن الإدارة الأمريكية من عقد صفقات ناجحة مع كوريا الشمالية وتركيا، وإنهاء الاتفاق النووي مع إيران، وإعادة التفاوض على اتفاقية التجارة الحرة مع كندا والمكسيك، والتصدي للتمدد التجاري للصين، والإفراج عن المعتقلين الأمريكيين؛ فإن الحزب الديمقراطي ومرشحيه قد انتقدوا تقليص ميزانية وزارة الخارجية، وتراجع التمثيل الدبلوماسي الأمريكي حول العالم، وتوالي استقالات الكوادر المنفذة للسياسة الخارجية من إدارة "ترامب"، بالإضافة إلى تزايد حدة التوترات مع حلفاء الولايات المتحدة، والتسبب في تصدع حلف الناتو ومجموعة السبع الصناعية. 

التوظيف الانتخابي: 

على الرغم من أنه من المفترض أن يركز المرشحون في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس على القضايا الداخلية التي تؤثر على الناخب الأمريكي بشكل مباشر، إلا أنه في هذه الانتخابات تزايد توظيف قضايا السياسة الخارجية للتأثير على الناخبين باعتبارها قضايا أمن قومي، وقد ساهم في صعود هذه القضايا في الخطاب الانتخابي للمرشحين مجموعة من العوامل لعل من أبرزها: القوانين التي تسمح بالتمويل الخارجي للحملات الانتخابية، ودور اللوبيات وجماعات الضغط التي ترتبط مصالحها بشكلٍ مباشر باتجاهات السياسة الخارجية، ويُعد نشاط اللوبي الصهيوني في التأثير على السياسات الأمريكية تجاه الشرق الأوسط دليلًا واضحًا على ذلك.

وفي هذا السياق، يحاول مرشحو الحزب الجمهوري توظيف سياسات "ترامب" الخارجية على أنها قضايا داخلية من منظور ارتباطها بالأمن القومي، وتشير الخبرات السابقة إلى أنه كثيرًا ما تُرجِّح قضايا السياسة الخارجية كفة أحد الأحزاب، فعلى سبيل المثال سبق وأن استخدمت إدارة "جورج بوش" حملتها للحرب على الإرهاب للفوز بانتخابات التجديد النصفي عام 2002، ويعزز من هذه الرؤية ما يحاول "ترامب" تصديره للأمريكيين بضرورة التصويت بكثافة لصالح الحزب الجمهوري في هذه الانتخابات للحفاظ على المكتسبات التي استطاع تحقيقها خلال العامين الماضيين، كما صرح بأنه في حال خسارة حزبه فسينقض الحزب الديمقراطي على ما قام بإنجازه لا سيما في الحرب التجارية مع الصين وكندا والمكسيك والاتحاد الأوروبي.

حسابات "ترامب": 

تُمثل انتخابات التجديد النصفي أهمية خاصة لترامب، حيث تعد بمثابة استفتاء على سياساته التي اتبعها منذ وصوله لسدة الرئاسة في مطلع عام 2017، يضاف إلى هذا أنها فرصة لاختبار شعبيته تمهيدًا لخوضه انتخابات 2020، وفي هذا الإطار يمكن الإشارة إلى أهمية هذه الانتخابات لترامب فيما يلي:

1- سياسة الصفقات: عكست السياسة الخارجية لترامب سعيه لإثبات براجماتيته وقدرته على عقد الصفقات على المستوى الخارجي، حيث استعرض خلال مشاركته في حملات الدعاية الانتخابية تمكنه من تحقيق مكاسب فيما يتعلق بتغيير الخريطة التجارية مع الصين وكندا والمكسيك والاتحاد الأوروبي لصالح الولايات المتحدة، وعقده صفقات مع كوريا الشمالية وتركيا، والتزامه بشعار "جعل الولايات المتحدة عظيمة مجددًا".

2- استعادة الشعبية: حاول "ترامب" تركيز جهوده في الحملات الترويجية لحزبه قُبيل انتخابات التجديد النصفي على ما يتصل مباشرة بمصلحة الناخب الأمريكي، وقد يؤدي نجاحه في هذه الحملات إلى تعزيز شعبية "ترامب" المتآكلة بعد تصاعد حدة الاتهامات الموجهة لكبار مساعدي حملته الانتخابية، وفقدانه دعم كثير من الأقليات والنساء. 

3- استفتاء شعبي: يَعتبر "ترامب" هذه الانتخابات اختبارًا حقيقيًّا لسياسته، خاصة في ظل استطلاعات الرأي التي تقلل من إنجازاته بل وتعتبره الأسوأ تقييمًا بين الرؤساء الأمريكيين، وتشير بعض التقارير الصحفية إلى أن "ترامب" لا يثق في هذه الاستطلاعات ويتهمها بعدم الحياد، لذا يمكن القول إن هذه الانتخابات بمثابة استفتاء على سياساته التي اتجهت للانكفاء على الداخل عملًا بشعار "أمريكا أولًا"، كما يحاول ترامب إبراز نجاح سياساته للنخبة السياسية في حزبه التي لم تكن متحمسة بما يكفي عند إعلان فوزه بالرئاسة الأمريكية أواخر 2016.

تنامي الاستقطاب:

يحاول "ترامب" من خلال انخراطه في الحملة الدعائية لمرشحي حزبه إبراز إنجازاته خاصة ما يتصل بوفائه بالتزاماته التي قطعها على نفسه أثناء حملته للانتخابات الرئاسية عام 2016. ويُمكن اعتبار ما قام به "ترامب" حملة دعاية مبكرة من أجل الاستعداد للانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها 2020، ويؤكد ذلك حرصه على كسب مزيد من أصوات الجماهير، وذلك من خلال تركيزه على إنجازاته التي تصب مباشرة في مصلحة الناخب الأمريكي. ويُمكن فيما يلي الإشارة إلى أبرز قضايا السياسة الخارجية التي يستغلها مرشحو الحزب الجمهوري و"ترامب" للتأثير على الناخبين الأمريكيين: 

1- الإفراج عن المعتقلين الأمريكيين: يدعي "ترامب" أنه على استعداد للتضحية بالصفقات التجارية والمصالح السياسية في مقابل الحفاظ على أرواح مواطنيه، حيث لم يُجرِ أي حوار مباشر مع المسئولين في كوريا الشمالية إلا بعد الإفراج عن ثلاثة أمريكيين كان قد تم القبض عليهم في بيونج يانج، وقد قام باستقبالهم بنفسه، وفيما يتعلق بالحوار مع إيران فقد أكد "ترامب" أن أي انفتاح مع طهران لا بد وأن يسبقه إطلاق سراح السجناء الأمريكيين لديها.

وأخيرًا، يوظف نجاحه في إطلاق سراح القس "أندرو برونسون" الذي تم القبض عليه في تركيا لاكتساب مزيد من الشعبية قُبيل الانتخابات القادمة، وهو ما بدا في حفاوة استقباله للقس الإنجيلي "برونسون" داخل المكتب البيضاوي، وقد يُساعد الإفراج عن "برونسون" في تمكين "ترامب" من الحفاظ على أصوات الإنجيليين بعد أن كان معرضًا لفقدانها نتيجة الفضائح الأخلاقية التي لاحقته مؤخرًا، وجدير بالذكر أن الطائفة الإنجيلية تمثل نسبة كبيرة من سكان الولايات المتحدة الأمريكية.

2- استقالة "نيكي هيلي": مثَّلت استقالة "نيكي هايلي" مندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة مفاجأة في أوساط السياسة الأمريكية، خاصة أن "هيلي" تدعم بشدة سياسات الرئيس "ترامب" داخل أروقة الأمم المتحدة، مما جعل البعض يراها أنها تمثل السياسة الترامبية أكثر منها الأمريكية، وعلى الرغم من ذلك فإن استقالة "هيلي" يمكن اعتبارها مخاطبة للداخل قُبيل الانتخابات، خاصة أنها كانت تُمثل صوتًا متشددًا داخل أروقة الأمم المتحدة، وهو ما بدا في موقفها الداعم بشدة لانسحاب واشنطن من مجلس حقوق الإنسان، وهو ما يرفضه الديمقراطيون.

3- تعديل اتفاقية نافتا (NAFTA): اعتبر "ترامب" أن اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا) مجحفة للولايات المتحدة؛ حيث يستهدف من تعديلها معالجة العجز في التبادل التجاري والذي يُقدر بنحو 71 مليار دولار لصالح المكسيك، و17 مليار دولار لصالح كندا، لذلك عمل على تعديلها من خلال عقده اتفاقية ثنائية مع المكسيك، وأرغم كندا على الانضمام لها مؤخرًا. 

ويمكن القول إن تعديل "ترامب" لـ"نافتا" قبل انتخابات التجديد بمثابة ورقة رابحة ستؤثر على الناخبين، إذ كان من المقرر تعديلها بعد انتخابات التجديد النصفي، وهو ما سيؤثر في العمالة الأمريكية في القطاعين الصناعي والزراعي، وقد خاطب هذه القطاعات في أحد تغريداته على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" بتاريخ 1 سبتمبر 2018: "تذكر كانت نافتا واحدة من أسوأ الصفقات التجارية، فقدت الولايات المتحدة آلاف الشركات وملايين الوظائف"، وقد تمكن من فرض شروطه على المكسيك وكندا فيما يتعلق بالقيود التجارية؛ حيث تمكن من ضمان حقوق العمالة الأمريكية في الاحتفاظ بوظائفها، وضمن لتجار الألبان الأمريكيين تصدير منتجاتهم إلى السوق الكندي.

4- المفاوضات مع كوريا الشمالية: يُروج "ترامب" أنه نجح فيما فشل فيه الرؤساء السابقون، وذلك بعد دفعه كوريا الشمالية للجلوس على مائدة المفاوضات، وتمكنه من إيقاف تجارب بيونج يانج النووية التي تهدد أمن واشنطن وحلفائها، بالإضافة إلى أنه قام برعاية لقاءات مباشرة بين زعماء الكوريتين بهدف تطبيع العلاقات.

5- الحرب التجارية مع الصين: يشير "ترامب" إلى أن الهدف من الحرب التجارية مع بكين يرجع إلى أن عجز الميزان التجاري بين البلدين قد وصل في نهاية عام 2017 إلى 375.5 مليار دولار لصالح الصين، لذا عمل "ترامب" على خفض هذا المعدل من خلال فرض مزيد من الرسوم الجمركية, وفي هذا السياق، أكدت "سوزان رايس" مستشارة الأمن القومي للرئيس الأمريكي السابق "باراك أوباما" أنه لا يُمكن حل المشكلة على حساب المستهلكين والعمال والمصنعين والمزارعين الأمريكيين عبر الدخول في حروب تجارية غير محسوبة.

واتهم "ترامب" بكين بمحاولة التأثير على انتخابات التجديد النصفي بعد فرضها رسومًا جمركية كرد فعل على قرار "ترامب"، حيث صرح في سبتمبر 2018: "إنهم لا يرغبون في أن أحقق أي نتائج إيجابية ولا يريدون الفوز لنا، لأنني أول رئيس أمريكي يتحدى الصين تجاريًّا، في كلمتي التي ألقيتها أمس في الجمعية العامة للأمم المتحدة، عرضت التزام الإدارة الأمريكية ببناء مستقبل عادل وآمن، لكن للأسف، وجدنا أن الصين تحاول التدخل في الانتخابات المقبلة في شهر نوفمبر ضد إدارتي"، واعتبر نائب الرئيس الأمريكي "مايك بنس" أن قرارات بكين تستهدف بشكلٍ مباشر قاعدة الدعم الريفي للرئيس، خاصة أنها أكثر الفئات تضررًا من قرارات الصين الأخيرة، وتعول الصين على نتائج انتخابات التجديد النصفي؛ حيث إنها لن تتفاوض مع "ترامب" إلا بعد إعلان نتائج التجديد النصفي، فتمكن الحزب الديمقراطي من حسم الأغلبية داخل الكونجرس قد يخفف من الضغوط التجارية التي تمارسها إدارة "ترامب" عليها.

6- الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي: في إطار نجاحاته في حروبه التجارية مع الصين، ودول "نافتا"، نجح "ترامب" في عقد اتفاق مع دول الاتحاد الأوروبي يقضي بتصفير الرسوم الجمركية بين واشنطن ودول الاتحاد في مجال المنتجات الصناعية باستثناء قطاع السيارات. وبموجب الاتفاق الذي وقّعه مفوض السياسة الأوروبية "جان كلود يونكر" مع "ترامب" في واشنطن في أواخر يوليو 2018 فقد تمت تهدئة حرب تجارية كانت تلوح في الأفق، وذلك بعد التنازلات الطفيفة التي قدمتها دول الاتحاد الأوروبي، مثل الموافقة على استيراد المزيد من الفول الصويا، وتكثيف استيراد الغاز المسال من أمريكا. ويرى "ترامب" أنه قد حقق نجاحات كبيرة في علاقاته التجارية مع الاتحاد الأوروبي، وتمكن كذلك من تخفيف وطأة العقوبات الصينية التي استهدفت مؤيديه الريفيين من خلال فتح السوق الأوروبي أمامهم لتصدير منتجاتهم من الفول الصويا.

انتقادات الديمقراطيين:

ركزت الدعاية الانتخابية للمرشحين الديمقراطيين في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس على إخفاقات الرئيس "ترامب" في مجال السياسة الخارجية، والطبيعة الصراعية لسياسته الخارجية، فقد ركزوا على تسبب سياسته الخارجية في اتساع الهوة بين الولايات المتحدة وحلفائها ضمن حلف الناتو، ومجموعة دول السبع الصناعية الكبرى، وتآكل الثقة في وفاء واشنطن بالتزاماتها الدفاعية تجاه حلفائها في أوروبا وآسيا، خاصة عقب التصريحات المتكررة لـ"ترامب" حول ضرورة تحمل الدول الحليفة تكلفة مواجهة التهديدات الخارجية.

وعلى مستوى آخر، تزايدت حدة انتقادات الديمقراطيين للإرباك السياسي الذي سببه "ترامب" للسياسة الخارجية الأمريكية، وهو ما يرتبط بالمعدلات المرتفعة للإحلال الوظيفي في المؤسسات والقيادات التي تقوم بتنفيذ السياسة الخارجية والتي كان آخرها استقالة "نيكي هيلي" ممثلة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، كما يتصل ذلك بتراجع التمثيل الدبلوماسي للولايات المتحدة في عدد كبير من دول العالم.

وفي هذا السياق، نشر موقع مجلة "الفورين بوليسي" الأمريكية تقريرًا في 12 أكتوبر 2018 عن الدول التي لا يوجد بها تمثيل دبلوماسي أمريكي على مستوى السفراء، إذ يوجد ما لا يقل عن 20 دولة لا يوجد بها سفراء أمريكيون، ولم يتم ترشيح من يشغل هذه المناصب، بالإضافة إلى حوالي 30 دولة تم ترشيح سفراء لشغل المناصب الشاغرة بها، ولم يتم إقرار هذه الترشيحات من جانب مجلس الشيوخ.

وامتدت حالة الفراغ في هياكل تنفيذ السياسة الخارجية الأمريكية إلى بعض المؤسسات الدولية التي باتت تفتقد ممثلين عن الولايات المتحدة، مثل: الوكالات والهيئات المتخصصة بالأمم المتحدة، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ومجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) التي انسحبت الولايات المتحدة منها سابقًا.

وينتقد الديمقراطيون أيضًا تقليص ميزانية وزارة الخارجية الأمريكية لمستويات غير مسبوقة، حيث قام الرئيس الأمريكي بخفض مخصصات وزارة الخارجية الأمريكية بنسبة 39% في ميزانية عام 2017 مقارنة بمستويات الإنفاق على مؤسسات السياسة الخارجية في عام 2017، وبلغت النفقات المخصصة لوزارة الخارجية الأمريكية في مشروع ميزانية عام 2019 المقدم للكونجرس حوالي 39.3 مليار دولار تتقاسمها وزارة الخارجية مع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وهي ميزانية محدودة مقارنةً بتخصيص حوالي 716 مليار دولار للإنفاق العسكري.

ختامًا؛ تكشف مراجعة الحملات الانتخابية للمرشحين الديمقراطيين والجمهوريين عن تصاعد توظيف قضايا السياسة الخارجية في الحملات الانتخابية، إذ يسعى "ترامب" لصناعة صورة حول قيامه بتوظيف السياسة الخارجية في خدمة الداخل الأمريكي مما ينعكس على تراجع معدلات البطالة نتيجة تبني السياسات الحمائية، بينما ينتقد الديمقراطيون التوترات المتصاعدة مع حلفاء الولايات المتحدة وحالة الإرباك السياسي التي تهيمن على مؤسسات تنفيذ السياسة الخارجية.