القوة الثالثة:

انتخابات كردستان العراق .. سيناريوهات محتملة وشعبوية صاعدة

27 September 2018


تصاعدت حدة التنافس السياسي بين الحزبين الرئيسيين في إقليم كردستان العراق قبيل إجراء الانتخابات المرتقبة لبرلمان الإقليم، إذ يأتي الاقتراع في هذه الانتخابات في خضم سياقات سياسية معقدة يتصدرها الصراعات بين الكتل السياسية العراقية حول تشكيل الحكومة الائتلافية الجديدة، واستمرار حالة الاحتقان بين الأكراد والحكومة العراقية بعد إخفاق الاتجاه الانفصالي، بالإضافة للتنافس الحاد بين الحزب الديمقراطي الكُردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني، وصعود حركة "الجيل الجديد" الشعبوية التي تهاجم الحزبين الرئيسيين بقوة، وتحاول المنافسة لتصبح القوة الثالثة في البرلمان الكردي.

سياقات سياسية معقدة: 

تنطلق في 28 سبتمبر الجاري عمليات الاقتراع الخاص لانتخابات برلمان كردستان العراق، على أن تبدأ عمليات الاقتراع العام في 30 سبتمبر الجاري، وتأتي هذه الانتخابات بعد انتهاء حرب الإقليم مع تنظيم "داعش"، وقد استمرت هذه الحرب ما يقرب من 3 سنوات، كما أن الإقليم اضطر لاستقبال عدد كبير من اللاجئين من مختلف المناطق العراقية.

يُضاف إلى هذا احتدام الصدام بين الإقليم والسلطة المركزية بسبب استفتاء الاستقلال، وهو ما أدى لقيام السلطة المركزية بفرض حصار على الإقليم، وحدوث مواجهات عسكرية مع قوات البيشمركة في إطار محاولة الجيش العراقي السيطرة على المناطق المتنازع عليها لا سيما محافظة كركوك.

كما دخل الإقليم في أزمة اقتصادية حادة، لم تستطع معها مؤسساته المالية توفير رواتب الموظفين وتقديم الخدمات العامة بشكل فعال، وسوف يكون لنتيجة هذه الانتخابات تأثير كبير على شكل العلاقات بين القوى السياسية في الإقليم، وعلاقة الإقليم مع الحكومة والمؤسسات المركزية، بالإضافة إلى علاقاته مع القوى الدولية.

سيناريوهات نتائج الانتخابات:

من المتوقّع أن تؤدي هذه الانتخابات إلى إحداث نوع من التوازن بين القوى الكردية الرئيسية، وهو ما يمكن الاستدلال عليه من خلال نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية المركزية الأخيرة والتي شاركت فيها الأحزاب الكردية بكثافة، ولأن أوضاع القوى السياسية في كردستان لم تتغير بشكل واضح خلال الفترة التي تلت انتخابات العراق، وهناك ثلاثة سيناريوهات لهذه الانتخابات يمكن الإشارة إليها فيما يلي: 

1- هيمنة الحزبين الكبيرين: يبلغ عدد مقاعد برلمان الإقليم ما يقدر بحوالي 111 مقعدًا، منها 11 مقعدًا مُخصصًا للأقليات الآشورية والتُركمانية والأرمنية واليزيدية. وتذهب المؤشرات إلى أن حزبي السُلطة الرئيسيين، الحزب الديمقراطي الكُردستاني، بزعامة رئيس الإقليم الأسبق "مسعود البرزاني"، وحزب الاتحاد الوطني الكُردستاني؛ سوف يحصلان على أكثر من نصف مقاعد البرلمان، حوالي 60% من المقاعد، حسبما أظهرت أرقام الانتخابات البرلمانية العراقية المركزية الأخيرة، وسيُضاف إليها مقاعد الكوتة التي تُعتبر أحزابها الرئيسية حلفاء تقليديين للحزب الديمقراطي الكُردستاني، مما سوف يؤمن للحزبين الرئيسيين قُرابة ثُلثي مقاعد البرلمان.

وفي هذه الحالة ستشكل أحزاب المُعارضة الرئيسية جبهة رفض موحدة لهيمنة الحزبين الرئيسيين، وتتمثل أهم أحزاب المعارضة في حركة التغيير الكردية "كوران" التي خسرت الكثير من وزنها الانتخابي خلال السنوات الماضية، خصوصًا بعد رحيل زعيمها الكاريزمي "نيشروان مُصطفى" إذ انخفض عدد نوابها في البرلمان المركزي العراقي من 12 عضوًا إلى 5 أعضاء فحسب. 

فيما ستعاني بعض الأحزاب الإسلامية من توتر علاقتهم مع الحزبين الرئيسيين، مثل الاتحاد الإسلامي الذي يُعتبر امتدادًا كُردستانيًّا لتيار الإخوان المُسلمين، والجماعة الإسلامية الكُردستانية، التي تُعتبر الوجه الكُردي للتيار السلفي، ومن المتوقع أن تؤدي هذه الانتخابات إلى تحديد مسار بعض التيارات السياسية الأخرى مثل تيار "الجيل الجديد" الشعبوي الذي يقوده رجل الأعمال "شاسوار عبدالواحد".

وفي حالة لم تتمكن هذه الأحزاب المعارضة المذكورة سابقًا من الحصول على ما يزيد عن ثلث مقاعد برلمان الإقليم، فإنها ستحاول التشاور لتقريب برامجها السياسية لتشكيل ما يشبه جبهة موحدة ضد الحزبين الرئيسيين، إذ لا يوجد أي قاسم مشترك بين حركة التغيير الكُردية "كوران"، ذات الخلفية الأيديولوجية القومية اليسارية والأحزاب الإسلامية التقليدية وحركة "الجيل الجديد" الشعبوية، فيما سيحاول الحزبان الرئيسيان استرضاء حركة التغيير الكردية التي تمتلك عددًا كبيرًا من المؤيدين في مدينة السُليمانية التي تُعتبر العاصمة الثقافية والسياسية للإقليم. 

2- هيمنة الحزب الديمقراطي الكردستاني: فيما يتمثل السيناريو الثاني في حفاظ الحزب الديمقراطي الكُردستاني على موقعه كحزب موحد واستقطابي ضمن الحياة السياسية في الإقليم، بينما سيحصل باقي الفرقاء على مقاعد برلمانية شبه متساوية، حيث قد يحصل في هذه الحالة على ما يتراوح بين 45 إلى 50 مقعدًا برلمانيًّا. بينما تتوزع باقي مقاعد البرلمان بين الأحزاب الخمسة الباقية، بنسب متفاوتة من 5 إلى 15 مقعدًا لكُل قائمة انتخابية.

وسيعني ذلك استبعاد الحزب الرئيسي لأحزاب المُعارضة من حكومة الإقليم وتشكيله للحكومة بشكل منفرد، وستحاول أحزاب المعارضة المتواجدة في البرلمان إعاقة برنامج الحكومة المؤلفة من حزب واحد، وسيعيد ذلك الاستقطاب التقليدي بين مُحافظة السُليمانية ومُحافظة أربيل. فالسُليمانية سترى نفسها مُشاركة في السُلطة بأقل من نصف برلمانييها المُنتخبين. كما ستجتمع باقي القوى السياسية، خاصةً حركة التغيير "كوران" وتيار الجيل الجديد والجماعة الإسلامية لتُشكل مُعارضة راديكالية للتحالف الحكومي، وستسعى لأن تقود تحركات شعبية مُناهضة له. 

3- فوز تيار الجيل الجديد وحركة "كوران": يمكن أن تشهد الحياة السياسية في الإقليم استقطابًا حادًّا إذا حصل تيار الجيل الجديد وحركة التغيير الكُردية "كوران" على أكثر من نصف مقاعد البرلمان. إذ ستكون ثمة كُتلة برلمانية كُبرى ليست لها أية قوة عسكرية أو اقتصادية، وكُتلة أخرى أصغر مكونة من الأحزاب الرئيسية، لكنها مستحوذة على أغلب المؤسسات الحيوية التي تؤثر على مسار الحياة العامة في الإقليم. 

ختامًا، أيًّا كانت النتيجة التي ستؤدي إليها انتخابات برلمان إقليم كُردستان العراق، فإن هناك عددًا من القضايا العالقة التي ستواجهها القوى السياسية الكردية خلال الشهور الثلاثة القادمة، ومن أبرزها: تقاسم المناصب بين الحزبين الرئيسيين، وتحديد منصب رئيس الوزراء، وهل سيظل في يد الحزب الديمقراطي الكُردستاني؟، يضاف إلى هذا ضرورة تحديد موقع حركة التغيير الكُردية في المناصب البرلمانية والوزارات السيادية، وهل ستتمايز عن حركة "الجيل الجديد" الشعبوية التي تخوض حربًا سياسية ممتدة مع الحزبين الرئيسيين؟.