تمدد الباسيج:

مستقبل الأدوار المحلية والعابرة للحدود للميليشيات العراقية

26 September 2018


مع استمرار العقبات التي تواجه عملية تشكيل الحكومتين العراقية واللبنانية في أعقاب الانتخابات البرلمانية التي أجريت في الدولتين، إضافة إلي تصاعد حدة التعقيدات الأمنية والسياسية في سوريا، فضلاً عن عرقلة المتمردين الحوثيين لجهود تسوية الأزمة اليمنية، يتزايد تأثير الأدوار التي تقوم بها الميليشيات والفصائل الأمنية التي تشكلت تحت رعاية إيران في الإقليم لخدمة مصالحها الإقليمية المرتبطة بالصراعات والنزاعات السياسية في دول الأزمات.

ففي شهر واحد، أعلنت ميليشيات عراقية منضوية تحت مظلة "الحشد الشعبي" وكذلك "حزب الله" اللبناني رغبتها في المشاركة في القتال في اليمن لدعم الحركة الحوثية، وقبلها بفترة سبقتها دعوات سياسية من قادة أمنين وسياسيين عراقيين لنقل عناصر من تلك الميليشيات إلي خارج الحدود العراقية بدعوى ملاحقة تنظيم "داعش" في مناطق مختلفة.

وقد جاءت الاحتجاجات التي اندلعت في البصرة لتكشف عن الأدوار التي تمارسها ميليشيا "الحشد الشعبي" داخليًا. وعلى الرغم من الانتقادات العديدة التي وُجهت لها في هذا السياق، إلا أن هناك تفاهمات محلية بحكم تركيبة البنية التحتية والأساسية لتلك الفصائل على هذه الأدوار، تتراوح بين تكريس نفوذ أمني لها، أو تحويلها إلى كيان بديل للأجهزة الأمنية التي فشلت، حسب رؤية اتجاهات عديدة، في صد اقتحام "داعش" للعراق وسقوط الموصل عام 2014. لكن هذه التفاهمات ما زالت رهن تجاذبات محلية يفرضها التنافس المتصاعد بين القوى السياسية المختلفة، وهو ما ظهر خلال الانتخابات البرلمانية التي أجريت في 12 مايو 2018.

تجاذب المرجعيات:

في عام 2014، أطلق المرجع الأعلى في العراق علي السيستاني فتوي "الجهاد الكفائي" دون أن يحصرها في الفصائل الشيعية، لكن تم تأويلها على هذا النحو بحكم مصدر الفتوى فقط. وعندما أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الانتصار علي تنظيم "داعش" في نهاية عام 2017، دعا السيستاني الميليشيات إلى وضع السلاح في يد الدولة، لكن هذه الميليشيات لم تكن هى ذاتها التي تشكلت على النحو السابق.

ففي منتصف تلك المسافة زمنيًا وتحديدًا في فبراير 2016، أصدر العبادي الأمر التنفيذي رقم 91، الذي نص على أن "تكون الحشد الشعبي كقوات جهاز مكافحة الإرهاب وفيها قائد ونائب للقائد و20 لواءً ومديريات ساندة"، وهى الصيغة التي واجهت انتقادات عديدة من جانب مراقبين عراقيين وغربيين تتعلق بتداعياتها على البنية الأمنية العراقية.

ووفقًا لتقديرات عديدة، فإن تلك الميليشيات كانت قد وصلت على أقصي تقدير إلى 60 ألف عنصر، لكن من اللافت أن هناك تقديرات أخرى تشير إلى أن عام 2018 وحده شهد تضاعف هذا العدد تقريبًا. وترى اتجاهات مختلفة أن هذه المفارقة تفسر عملية التوظيف السياسي لدور مستقبلي لدى تلك الفصائل، وهو ما عبر عنه السفير الأمريكي السابق في العراق ريان كروكر بإشارته إلي أن هناك جهات فاعلة غير حكومية تنشئ وتدرب وتنظم تلك الفصائل التي ستتبع مسارها الخاص ولن تلتزم بالتوجهات العامة لتلك الجهات التي تدير البلاد ظاهريًا. كذلك فإن التمويل الاقتصادي الكبير لتلك الميليشيات ربما ساهم في تطوير بنيتها وتوسيع قاعدتها، حيث تشير بعض التقديرات إلى أن الإنفاق العسكري على هذه القوة بعد تقنينها وصل إلى نحو مليار ونصف المليار دولار. 

تمدد خارجي:

فقدت دعوة حصر السلاح في يد الدولة التي أطلقها السيستاني مفعولها، في حين لم تكن دعوة مماثلة من جانب مقتدى الصدر موائمة لمصالح فصائل "الحشد"، رغم أن تقدم تيار الصدر في الانتخابات البرلمانية الأخيرة مثل مؤشرًا جماهيريًا علي مدى مقبولية تلك الدعوات لدى الشارع. ومن المرجح في هذا الصدد أن العلاقة العضوية بين قادة تلك الفصائل وإيران شكلت دافعًا للانحياز لسياسات الأجندة الإيرانية، سواء المحلية وهو ما بدا جليًا في البصرة، أو الإقليمية كما ظهر لاحقًا في إعلان أمين عام "كتائب سيد الشهداء" التابعة لـ"الحشد" أبو آلاء الولائي، في خطاب سياسي، عن رغبته في "التطوع كجندي يقف رهن إشارة زعيم الحوثيين".

عقبات قائمة:

مع أن حالة "الحشد الشعبي" على النحو الحالي تشكل وضعًا مثاليًا لإيران التي تواجه مأزق التمويل والدعم في ظل العقوبات الجديدة التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية بعد انسحابها من الاتفاق النووي، إلا أن ذلك لا ينفي أن ثمة عقبات محلية وإقليمية قد تحد من فاعلية الأدوار التي تقوم بها تلك الميليشيات، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:

1- انكشاف محلي: تكشف التطورات السياسية التي تشهدها العراق عن تصاعد تأثير الاتجاه المناوئ للأدوار التي تقوم بها تلك الميليشيات، على غرار النتائج التي أسفرت عنها الانتخابات البرلمانية الأخيرة، إلى جانب الاحتجاجات التي اندلعت في مدينة البصرة والتي استهدف فيها المحتجون المكاتب التابعة لـ"الحشد" وبعض الميليشيات الأخرى التي واجهت انتقادات قوية بسبب تعاملها مع الاحتجاجات.

2- إشكالية التبعية: أظهرت الانتخابات تحول "الحشد" من كتلة أمنية إلى كتلة سياسية. ورغم أنها تتبع رئيس الوزراء بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة، إلا أنها تحولت إلى منافس لتياره خلال الانتخابات، وإن كان ذلك لم يمنع أطرافًا عديدة من بذل جهود للوصول إلى تفاهمات سياسية بين الطرفين، في ظل العقبات العديدة التي ما زالت تواجه تشكيل الحكومة.

3- التحدي الإقليمي: تواجه شبكة التنظيمات الإقليمية الموالية لإيران اختبارات صعبة خلال الفترة الحالية. ففي اليمن، على سبيل المثال، هناك صعوبات عديدة في نقل عدد كبير من عناصر الميليشيات العراقية لدعم الحوثيين، لا تنحصر فقط في إشكالية الحدود التي تبدو مختلفة في اليمن عن نظيرتها في سوريا، وإنما تمتد أيضًا إلى المعطيات التي يفرضها الدور الإيجابي الذي تقوم به قوات التحالف العربي لاستعادة الشرعية من المتمردين الحوثيين.

وفي النهاية، يمكن القول إن هناك مساحة حركة فرضتها الأدوار التي قامت بها ميليشيا "الحشد الشعبي" والفصائل التابعة لها في العراق، والتي عززها عدم وجود قوة مؤسسية قادرة علي تطويع هذه الأدوار. ومع ذلك، فإن ثمة متغيرات عديدة قد تحد من تلك الأدوار في المرحلة القادمة، لا تتعلق فقط بالمعطيات الجديدة التي كشفت عنها نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة وما ستفرضه من توازنات سياسية مختلفة، وإنما تمتد أيضًا إلى العواقب التي سينتجها التصعيد المحتمل بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، خلال المرحلة القادمة، على ضوء العقوبات الجديدة التي فرضتها واشنطن واتجاهها إلى اتخاذ إجراءات جديدة لمواجهة نفوذ إيران على الأرض في دول الأزمات.