احتواء المخاوف:

شروط إنجاح الصفقة النووية الأمريكية الكورية

30 May 2018


على الرغم من إجراءات التهدئة التي اتبعتها كوريا الشمالية على مدار الفترة الماضية، تعرضت القمة المرتقبة بين الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" والزعيم الكوري "كيم جونج أون" لتهديدات كادت تعصف بترتيبات انعقادها، فعلى سبيل المثال أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية عن إلغاء القمة المزمع عقدها في 12 يونيو 2018 في سنغافورة، ثم عاد "دونالد ترامب" وأعلن عبر حسابه على موقع تويتر في 26 مايو 2018 "أن الولايات المتحدة تُجري مفاوضات مثمرة مع كوريا الشمالية. وإذا جرت القمة مع كيم يونغ أون، فمن المرجح أن تكون في سنغافورة في 12 يونيو.. وإذا لزم الأمر، قد تتأخر لموعد بعد 12 يونيو".

وهو ما يرتبط بالخلافات بين الطرفين حول إجراءات تحجيم القدرات النووية الكورية ومصير العقوبات الاقتصادية، وتخوفات النظام الكوري من الضغوط الخارجية عليه ومحاولات الإطاحة به عبر دعم تيارات وقيادات معارضة له.

مؤشرات التهدئة:

اتسمت العلاقات بين الكوريتين بدرجة كبيرة من التصعيد الذي زادت حدته مع وصول "ترامب" إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة، بل ووصل التصعيد إلى أقصى مراحله عندما كانت هناك عدة اقتراحات داخل إدارة "ترامب" بتوجيه ضربة عسكرية لكوريا الشمالية، بيد أنه مع بداية العام الحالي تم الانتقال من التصعيد إلى التهدئة.

ويُمكن القول إن تطبيق كوريا الجنوبية لسياسة "الشمس المشرقة" في التعامل مع نظيرتها الشمالية منذ تولَّى "مون جاي إن" مقاليد الحكم في سول، والتي ارتكزت على طمأنة الخصوم (Reassurance)؛ قد ساهمت بشكل كبير في تطبيق هذه السياسة وتعزيز العلاقات بين البلدين بشكل ملحوظ، ويُمكن رصد الانتقال إلى سياسة التهدئة في التعامل مع الملف النووي الكوري الشمالي من خلال آليتين رئيستين، وذلك فيما يلي: 

1- الدعوة لعقد مفاوضات: حيث تزايدت التصريحات التي تهدف إلى تهدئة حدة التوتر بين الجانبين، مثل إعلان "كيم جونج أون" في كلمته بمناسبة العام الجديد عن استعداده لإرسال وفد من كوريا الشمالية للمشاركة في دورة الألعاب الأولمبية الشتوية المنعقدة في كوريا الجنوبية، وعقب هذا التصريح دعت سول كوريا الشمالية لإجراء محادثات معها، وبذلك تم إعادة تشغيل الخط الساخن بين البلدين بعد توقفه لمدة عامين.

كما صرّح "تشونج إيوي يونج" كبير المستشارين الأمنيين لرئيس كوريا الجنوبية، في مارس 2018، بأن الرئيس الأمريكي "ترامب" قد قبل دعوة نظيره الكوري الشمالي لعقد اجتماع معه. وتأتي أهمية هذا التصريح في كونه جاء ليضع حدًّا للمناوشات الكلامية بين "ترامب" و"كيم جونج أون"، مثل تباهي كلٍّ منهما بأن لديه على مكتبه زرًّا نوويًّا.

2- إيقاف التجارب النووية: أعلن "كيم جونج أون" في أبريل 2018، أنه سيعلق إجراء التجارب النووية في الوقت الحاضر، ومن الجدير بالذكر -في هذا الإطار- أن بعض الباحثين الصينيين قد أشاروا إلى أن موقع إجراء التجارب النووية في كوريا الشمالية قد أصبح غير صالح لإجراء مزيدٍ من التجارب بعد وقوع انهيار صخري فيه بعد التجربة التي تم إجراؤها في سبتمبر 2017.

3- اللقاءات المتبادلة: قام "كيم جونج أون" بزيارة إلى الصين في مارس 2018، وقد تمت إحاطة هذه الزيارة بقدر كبير من السرية، حيث لم يتم الإعلان عنها إلا بعد انتهائها، وتم خلالها مناقشة القمة المرتقبة بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة الأمريكية، وتبع ذلك اجتماع عقد بين وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو" و"كيم جونج أون"، ولم يتم الإعلان عن هذا الاجتماع إلا في أبريل 2018 عندما نشر البيت الأبيض صورتين للمصافحة بين "بومبيو" و"كيم جونج أون". وفي هذا الإطار، صرح "بومبيو" بأن هذه المحادثات كانت تهدف للتأكد من وجود فرصة لحل الصراع في شبه الجزيرة الكورية.

4- قمة الكوريتين: اجتمع "كيم جونج أون" مع نظيره الكوري الجنوبي "مون جاي إن" في 27 أبريل الماضي، وهي المرة الثالثة التي يلتقي فيها رئيسا البلدين، حيث سبق وأن التقيا خلال عامي 2000 و2007، بيد أنها المرة الأولى التي يقوم فيها رئيس من كوريا الشمالية بالدخول إلى الأراضي الكورية الجنوبية، حيث عبر "كيم" خط الحدود العسكرية الذي قسم شبه الجزيرة الكورية إلى شطرين بعد نهاية الحرب الكورية، كما قام الرئيسان بزرع شجرة صنوبر في القرية الحدودية مستخدمين تربة ومياهًا مشتركة من البلدين في إشارة رمزية إلى "السلام والازدهار".

وتم التوقيع على إعلان مشترك أكد على مجموعة من النقاط لعل من أهمها:

أ- نزع السلاح النووي: أعلنت الكوريتان استعدادهما لتحقيق الهدف المشترك بينهما والمتمثل في نزع السلاح النووي الكامل، وجعل شبه الجزيرة الكورية خالية من الأسلحة النووية خلال العام الحالي.

ب- جمع شمل العائلات: حيث تم الاتفاق على استئناف "برامج إعادة التوحيد" في 15 أغسطس، وهو اليوم الذي تحتفل فيه الكوريتان باستقلالهما عن الاستعمار الياباني، وكانت آخر الزيارات العائلية التي تمت بين الدولتين في نهاية عام 2015.

ج- المنطقة منزوعة السلاح (Demilitarized Zone): وقد تم رسم هذه المنطقة بموجب هدنة عام 1953 على طول خط العرض 38 الفاصل بين الكوريتين ومساحتها 4 كلم (2.5 ميل)، وأكد الإعلان أن كل طرف سيوقف بث دعايته في هذه المنطقة، وسيتم عقد اجتماعات عسكرية بشكل منتظم للحد من التوترات على طول الحدود، وتحويل المنطقة منزوعة السلاح إلى منطقة سلام (peace zone).

د- التواصل بين الكوريتين: بالإضافة للخط الساخن بين الكوريتين، تم الاتفاق على إنشاء مكتب اتصالات في كايسونج بكوريا الشمالية، ولكن لم يتم تحديد توقيت ذلك، بالإضافة إلى ربط وتحديث السكك الحديدية والطرق عبر الحدود، ومشاركتهما في مزيدٍ من الفعاليات الرياضية بشكل مشترك، وقد سبق وأن عُقدت اتفاقيات مماثلة بين الدولتين، مثل: اتفاق المصالحة الثنائية وعدم الاعتداء في 1991، بالإضافة إلى وجود خطط مشتركة تتعلق بإنشاء بعثات اتصال مشتركة، وإجراء حوار عسكري وتعزيز التعاون الاقتصادي.

ويرى بعض المحللين أن القمة قد أسفرت عن التزام غامض بـ"نزع السلاح النووي الكامل لشبه الجزيرة الكورية" دون تقديم تفاصيل حول كيفية تحقيق هذا الهدف الرئيسي، بالإضافة إلى أن الإعلان لم يذكر أيضًا العديد من القضايا المهمة، مثل: حقوق الإنسان في كوريا الشمالية، والمشاريع الاقتصادية المشتركة بين البلدين.

احتواء التصعيد:

لا تُعد هذه هي المرة الأولى التي تُعرب فيها كوريا الشمالية عن رغبتها في التخلي عن طموحاتها النووية، فقد تعهدت مسبقًا بالتخلي عن برنامجها النووي في عام 2007 مقابل تخفيف العقوبات، ولكنها انسحبت لاحقًا من هذا الاتفاق وطردت المفتشين في عام 2009.

كما أعلنت كوريا الشمالية بعد المناورات العسكرية الجوية التي أجرتها كوريا الجنوبية والولايات المتحدة الأمريكية في أبريل 2018 أنه لا يوجد أمامها خيار سوى تعليق المحادثات مع كوريا الجنوبية والتي كان من المقرر عقدها في 16 مايو الجاري لمناقشة خطط تنفيذ إعلان السلام الذي تم توقيعه في 27 أبريل، بل وأيضًا تم التلويح بإلغاء القمة مع "ترامب". ويمكن القول إن استمرار حالة التهدئة من جانب كوريا الشمالية ونجاح القمة بينها وبين الولايات المتحدة يتوقف على مجموعة من العوامل لعل من أبرزها: 

1- إجراءات بناء الثقة: من المرجّح في حالة التوصل لاتفاق سلام نهائي أن ينهي ذلك مهمة بعثة الأمم المتحدة بقيادة الولايات المتحدة في كوريا الجنوبية والتي كانت موجودة منذ نهاية الحرب الكورية، وتحقيق هذا سيتطلب وقتًا طويلًا لإعادة بناء الثقة بين البلدين، وضمان عدم قيام كوريا الشمالية باجتياح كوريا الجنوبية مرة أخرى فور رحيل القوات الأمريكية. 

من جانب آخر، يجب أن تتضمن إجراءات بناء الثقة توقيع الأطراف المعنية بالاتفاق على معاهدة عسكرية تتضمن قيام الكوريتين بتخفيض عدد الدبابات، وقطع المدفعية، والسيارات المدرعة الخفيفة التي تتمركز في نطاق 50 ميلًا من المنطقة منزوعة السلاح.

2- احتواء تخوفات النظام: يستمد نظام بيونج يانج شرعيته من فكرة وجود تهديد خارجي يحيط بالدولة طيلة الوقت، بيد أنه إذا تم إبرام اتفاق سلام فستصبح كوريا الشمالية منفتحة أكثر على العالم، مما سيفقد النظام تبريره لحكمه الشمولي، وسيجعله مجبرًا على فتح ملفات انتهاكات حقوق الإنسان، كما قد يطالب المجتمع الدولي بمحاكمة قادة النظام الكوري أمام المحاكم الدولية.

وبالتالي فقد لا يكون من مصلحة "كيم جونج أون" التوصل إلى اتفاق سلام نهائي على المدى القصير أو المتوسط، وربما سيعمل على إطالة مدة التفاوض لتخفيف الضغوط والعقوبات الاقتصادية والحصول على الدعاية الإعلامية، وهو ما دفع "ترامب" للتصريح في مايو 2018 بأن "كيم جونج أون" سيبقى في السلطة إذا ما تخلى عن برنامجه للأسلحة النووية. ويبدو أن "ترامب" أدرك انزعاج بيونج يانج من تصريحات "جون بولتون" مستشاره للأمن القومي حول تطبيق النموذج الليبي في كوريا الشمالية.

وفي هذا الإطار، صرح "ترامب": "النموذج الليبي ليس نموذجًا نراه على الإطلاق عندما نفكر في كوريا الشمالية، فالنموذج الليبي نموذج مختلف إلى حد كبير. لقد أهلكنا ذلك البلد"، على الرغم من أن "بولتون" كان يقصد في الغالب الإشارة إلى اتفاق عام 2003 عندما قامت ليبيا بإرسال برنامجها للأسلحة النووية البدائية خارج البلاد دون الحصول على أي تنازلات، فيما يقصد "ترامب" العملية الجوية التي قادها حلف الناتو في عام 2011 في ليبيا والتي أدت في نهاية المطاف إلى مقتل "القذافي".

3- التزام الولايات المتحدة: من جانب آخر تتخوف كوريا الشمالية من انسحاب "ترامب" من اتفاق السلام النهائي بعد إبرامه مثلما حدث مع إيران، ويعزز من هذا التخوف إعلان واشنطن إلغاء المفاوضات قبل أن تعدل عن هذا القرار.

4- الدعم الصيني: يُعتبر الدعم الصيني من أهم المحددات لنجاح القمة من عدمه، في حين أن الصين لا يهمها أن يتم ذلك بسرعة وذلك لأن بيونج يانج تعتبر حليفتها ولا تشكل خطر عليها وذلك على النقيض من الولايات المتحدة التي ترغب في أن يتم ذلك في أسرع وقت.

ويشكك البعض في رغبة بكين في إنهاء الأزمة الكورية الشمالية بشكل نهائي لأنها بذلك ستخسر ورقة ضغط فعالة في التفاوض مع واشنطن على العديد من الملفات والقضايا الخلافية بين الجانبين. وفي هذا السياق، تجب الإشارة إلى أن إلغاء المحادثات بين الكوريتين والتي كان من المقرر عقدها في مايو 2018 جاء بعد اجتماع عقد بين الصين وكوريا الشمالية في 7 مايو 2018.

5- الدور الياباني: تسعى اليابان لإيجاد دور قوي لها في هذه المفاوضات، حيث قامت في مايو 2018 بعقد قمة ثلاثية في طوكيو بين الرئيس الكوري الجنوبي، ورئيس مجلس الدولة الصيني، ورئيس الوزراء الياباني "شينزو آبي"، وتعد هذه أول قمة ثلاثية تعقد منذ نوفمبر 2015 بسبب توتر العلاقات بن الصين واليابان، وخلال هذه القمة وقعت كل من اليابان والصين على مذكرة تفاهم اتفقتا خلالها على إطلاق خط ساخن يهدف إلى منع الاشتباكات العسكرية الناجمة عن خلافهما الإقليمي حول جزر بحر الصين الشرقي.

وخلال القمة أكد رئيس كوريا الجنوبية أن كوريا الشمالية تؤيد نزع الأسلحة النووية من حيث المبدأ، لكن الخطوات الفعلية لتحقيق ذلك ستكون صعبة، وهو ما يتطلب ضرورة العمل مع اليابان، وتحديد الخطوات الضرورية للتخلص من هذه الأسلحة النووية.

وأعلن "آبي" أن اليابان لا تزال مصرة على موقفها الذي يقضي بعدم تطبيع العلاقات مع كوريا الشمالية إلا إذا اتخذت الأخيرة خطوات ملموسة للتخلي عن برامجها النووية والصاروخية، وحل قضية اليابانيين الذين اختطفهم عملاء من كوريا الشمالية.

ختامًا، يمكن القول إنه حتى في حالة انعقاد قمة "ترامب- كيم" فإن هذه القمة ستواجه مجموعة من التحديات من أبرزها: أن مفهوم نزع السلاح النووي قد لا يتوافق مع توقعات أو رغبات الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، بالإضافة إلى إصرار إدارة "ترامب" على استمرار العقوبات الاقتصادية في فترة الاجتماعات والمفاوضات، وتذهب غالبية التوقعات إلى أن القمة لن تؤدي للتوصل لاتفاق نهائي للأزمة، بل إنه من المرجح أن يعقب هذه القمة اجتماعات مكثفة بين الأطراف المعنية لمدة شهور لعقد مفاوضات على كافة المستويات قبل التوقيع على أي اتفاق رسمي ينهي أزمة شبه الجزيرة الكورية.