اعتبارات مختلفة:

لماذا يحاول تنظيم "داعش" تصعيد نشاطه في تونس؟

21 April 2018


بدأت المجموعات الفرعية التابعة لتنظيم "داعش" في محاولة توسيع نطاق نفوذها داخل بعض دول المنطقة، بهدف تعويض الخسائر التي منى بها التنظيم في كل من العراق وسوريا خلال الفترة الماضية، على غرار ما تقوم به مجموعة "أبو الوليد الصحراوي" التي تعد إحدى التنظيمات البارزة في منطقة الساحل والصحراء، حيث تسعى إلى رفع مستوى نشاطها الإرهابي من جديد داخل تونس، خاصة بعد نجاح قوات الأمن في توجيه ضربات قوية لها، مثل قتل القيادى شوقي الفقراوي، في بداية إبريل الجاري، داخل جبال محافظة القصرين المتاخمة للحدود مع الجزائر.

وكان الفقراوي أحد القيادات النشطة داخل التنظيم، حيث اتهم بالمشاركة في العديد من العمليات الإرهابية، التي يتمثل أهمها في محاولة الهجوم على منزل وزير الداخلية السابق في القصرين في مايو 2014، ومحاولة اغتيال أحد أعضاء المجلس التأسيسي الوطني في العام نفسه،  فضلاً عن استهداف بعض العسكريين في جبل المغيلة في إبريل 2015.

وتطرح هذه التحركات تساؤلات عديدة حول دوافع تنظيم "داعش" من محاولة تفعيل نشاطه مجددًا داخل تونس، لا سيما وأن ذلك يأتي بعد إعلانه عن عودته مرة أخرى إلى منطقة الساحل عبر بيان أصدره أبو الوليد الصحراوي في 12 يناير 2018، أكد من خلاله مسئوليته عن مجموعة من الهجمات التي استهدفت القوات الفرنسية في النيجر في 11 يناير 2018، وقبلها القوات الأمريكية في الدولة نفسها في 4 أكتوبر 2017.

نشاط ملحوظ:

شهدت تونس، خلال الفترة الأخيرة، نشاطًا ملحوظًا للعناصر "الداعشية" داخل أرضيها، على غرار الخلية التى أعلنت وزراة الداخلية عن تفكيكها في 26 يناير 2018، بولاية سيدي بوزيد، والتي كانت تضم 9 عناصر من بينهم مقاتلين عائدين من سوريا ومتورطين في قضايا إرهابية، حيث كانت تلك الخلية تسعى إلى استقطاب عدد من الشباب للانضمام إلى التنظيم، عبر الترويج لأفكاره وتحريضهم على السفر إلى ليبيا للانخراط في العمليات العسكرية التي تقوم بها بعض المجموعات "الداعشية" التي تنشط فيها.

كما تمكنت أجهزة الأمن من القبض على عنصرين من "داعش"، فى 3 فبراير 2018، بالمنطقة نفسها، كانا يحرضان على اغتيال بعض المسئولين السياسيين، حيث عثر بحوزتهما على مقاطع فيديو تدعو إلى استخدام العنف.

وتعد العناصر "الداعشية" الموجودة في تونس بمثابة امتداد لتنظيم "جند الخلافة في تونس"، والذى أدرجته الولايات المتحدة الأمريكية، في 27 فبراير 2018، ضمن قائمة التنظيمات الإرهابية، ويتركز نشاطه في المناطق الوعرة من جبال المغيلة وسمامة والسلوم بمحافظتى القصرين وسيدي بوزيد، وكان يعتمد في هجماته على المباغتة والعمليات الانتحارية، إضافة إلى بعض الأساليب الوحشية التي كان يستخدمها تنظيم "داعش" الرئيسي في كل من سوريا والعراق.

دوافع متعددة:

يمكن تفسير محاولة تنظيم "داعش" رفع مستوى نشاطه داخل تونس مجددًا، في إطار اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- وجود خلايا نائمة: يعتمد التنظيم في سعيه لتوسيع نطاق نفوذه على مجموعة من الخلايا النائمة التابعة له، على غرار الخلية التى أعلن عن تفكيكها في يناير 2018، وكانت تضم بين عناصرها ثلاثة فتيات، حيث حاولت نشر أفكار وتوجهات التنظيم بهدف استقطاب مجموعات جديدة للانضمام إليه، بالتوازي مع اتجاه خلايا أخرى إلى تنفيذ عمليات إرهابية لإثبات نفوذه في بعض المناطق.

2- تأثير الأفكار العنيفة: والتي تروجها تيارات عديدة تعتبر مصدرًا مهمًا لانضمام بعص العناصر إلى التنظيمات الإرهابية، وهو ما يفسر، إلى حد ما، أسباب انتقال عدد كبير من الإرهابيين التونسيين إلى كل من سوريا والعراق، للانخراط في العمليات العسكرية التي تنشب بين التنظيمات الإرهابية والأطراف المناوئة لها. وقد بدأت اتجاهات عديدة في التحذير من احتمالات عودة عدد كبير من هؤلاء الإرهابيين إلى تونس مجددًا، بكل ما يمكن أن يفرضه ذلك من تداعيات على أمنها واستقرارها.

3- تجنب ضربات "القاعدة": أثار تصاعد نفوذ تنظيم "القاعدة" في منطقة الساحل والصحراء، مخاوف عديدة لدى قيادت وكوادر تنظيم "داعش"، لا سيما في ظل حرص التنظيم الأول على إنهاء الوجود "الداعشي" في تلك المنطقة، سواء من خلال القضاء على عناصره أو استقطابهم للانضمام إليه.

ورغم الجهود التي بذلها أبو الوليد الصحراوي من أجل تقليص قلق "القاعدة" من محاولات تنظيم "داعش" تفعيل نشاطه مرة أخرى، عبر طرحه مبادرة للتعاون بين الطرفين في مواجهة قوة الساحل والصحراء, إلا أن ذلك لم يحل دون تحرك الأول من أجل القضاء على نفوذ الثاني في المنطقة التي ينتشر فيها، وهو ما دفع "داعش" إلى محاولة تنفيذ عمليات جديدة في تونس من أجل تغيير توازن القوى مع "القاعدة" وعرقلة مساعي الأخير لوقف تمدده في تلك المنطقة.

4- استغلال الاضطرابات: والتي تسببت فيها الأزمة الاقتصادية التي تواجهها تونس، على نحو انعكس في اتساع نطاق الاحتجاجات في الفترة الأخيرة، وهو ما اعتبرته قيادات وكوادر "داعش" فرصة يمكن استغلالها لتصعيد نشاطه من جديد، وتعزيز قدرته على نقل بعض عناصره من دول أخرى إلى داخل الأراضي التونسية.

واللافت في هذا السياق، هو أن وزير الداخلية التونسي لطفي براهم كشف، في 29 يناير 2018، عن ضلوع تنظيمى "داعش" و"القاعدة" في تحريك الشارع واستغلال الاحتجاجات الاجتماعية، مشيرًا إلى تورط ما بين 36 و40 عنصرًا إرهابيًا في ارتكاب عمليات نهب وسرقة وحرق خاصة في مدن قفصة والقصرين ونفزة وباجة والعاصمة تونس.

ومع ذلك، فإن الجهود التي تبذلها أجهزة الأمن التونسية في مواجهة تنظيم "داعش" يمكن أن تقلص من احتمالات نجاح الأخير في تعزيز نشاطه من جديد، خاصة مع تراجع قدرته على استقطاب مزيد من العناصر الإرهابية للانضمام إليه، بالتوازي مع الضربات القوية التي تعرض لها في الفترة الماضية.