ملف ضاغط:

لماذا تهتم إيران بدعوة مكافحة الفساد؟

14 February 2018


ربما يمكن القول إن دعوة مكافحة الفساد في إيران ليست جديدة بل متجددة، حيث أنها دائمًا ما تظهر وتكتسب أهمية وزخمًا خاصًا مع تصاعد حدة الأزمات التي يتعرض لها النظام الإيراني على الساحتين الداخلية والخارجية، خاصة عقب اندلاع الاحتجاجات الأخيرة بداية من 28 ديسمبر 2017، والتي تمثل أحد عناوينها الرئيسية في مواجهة استشراء الفساد في مؤسسات الدولة والمنظمات الخيرية الاجتماعية "البونياد" التي تخدم أهداف النظام في الداخل والخارج.

وبعبارة أخرى، فإن النظام يبدو أنه يتجه إلى تبني تلك الدعوة كآلية يحاول من خلالها تقليص حدة تلك الضغوط المفروضة عليه، وتوجيه رسائل بأن تفاقم الفساد في مؤسسات الدولة يعود إلى أخطاء السياسات التي تنتهجها الحكومات المتعاقبة وليس إلى التوجهات التي يدعو لها النظام نفسه. 

ومن هنا يمكن تفسير حرص المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي على الاهتمام بتلك الدعوة في خطابه السنوي الأخير الذي ألقاه في 8 فبراير الجاري، بمناسبة ذكرى الإطاحة بنظام الشاه عام 1979، حيث شبّه الفساد بـ"تنين أسطوري له سبعة رؤوس" وطالب مسئولي الدولة بقطعها.

عقبات عديدة

وعلى ضوء ذلك، تبدو تلك الدعوة محاولة من جانب النظام لاستيعاب بعض مطالب المحتجين الذين أعربوا عن استياءهم من اتساع نطاق النفوذ الاقتصادي لبعض المؤسسات الرئيسية والمنظمات الدينية في الدولة، الأمر الذي كان له دور في حلول إيران في مرتبة متأخرة في مؤشر مدركات الفساد الذي تصدره مؤسسة الشفافية الدولية سنويًا، حيث جاءت في المركز 131 من 176 دولة حسب تقرير مدركات الفساد لعام 2016، وهو آخر تقرير أصدرته المنظمة.

ويبدو أن ذلك لا ينفصل عن الأزمة التي فرضها إفلاس بعض شركات توظيف الأموال في إيران خلال المرحلة الماضية، والتي كان الفساد أحد أهم أسبابها، حيث شارك أصحاب تلك الأموال في توسيع نطاق الاحتجاجات وانتقالها من المدن والقرى الصغيرة إلى المحافظات الكبيرة حتى وصلت إلى العاصمة.

إلا أن ذلك لا ينفي في الوقت نفسه أن ثمة عقبات عديدة يمكن أن تحول دون اتخاذ خطوات جدية في هذا السياق، بشكل يزيد من احتمال استمرار ظاهرة الفساد وتجدد أزمة الاحتجاجات في مرحلة لاحقة، على اعتبار أن النظام لن يتمكن بسهولة من تفعيل إجراءات قوية لمواجهة استشراء تلك الظاهرة. ويمكن تناول تلك العقبات على النحو التالي:

1- ممارسات مزمنة: لا يبدو أن النظام في وارد إجراء تغييرات بارزة في سياساته على الصعيدين الداخلي والخارجي، على الأقل في المرحلة الحالية، حيث أنه لا يسعى إلى توجيه رسائل للأطراف المعنية بتلك السياسات بأنه يمكن أن يستجيب بسهولة للضغوط التي يتعرض لها، بشكل يمكن أن يدفع تلك الأطراف، في رؤيته، إلى تصعيدها.

ومن هنا، فإن النظام لن يتراجع بسهولة عن حماية النفوذ الذي تحظى به المؤسسات الخيرية الاجتماعية منذ الإطاحة بنظام الشاه وحتى الآن، خاصة أن هذا النفوذ يخدم أهدافه، لا سيما على الصعيد الخارجي، حيث تقوم تلك المنظمات بأداء أدوار تخدم مساعيه للتمدد داخل مناطق بعيدة عن حدود إيران، خاصة في المناطق الفقيرة داخل الدول التي تواجه أزمات اقتصادية واجتماعية أو تعاني من مضاعفات الصراعات والحروب الأهلية التي شهدتها في عقود سابقة.

وقد أشار بعض المسئولين إلى الثروات الكبيرة التي تمتلكها تلك المنظمات، على غرار "مؤسسة المستضعفين"، التي تقدر أنشطتها الاقتصادية، حسب رئيسها محمد سعيدي كيا، في يناير 2017، بنحو 1.5% من إجمالي الناتج المحلي، مضيفًا أنها حققت أرباحًا تصل إلى نحو 4.22 مليار دولار خلال الفترة من 20 مارس وحتى 20 نوفمبر 2016.

وقد توسع نشاط المنظمة بشكل كبير خلال الفترة الأخيرة، لدرجة أنها قامت، في 25 يناير 2018، بتوقيع مذكرة تفاهم مع شركة "سي آر آى سي" الصينية لإنشاء خط سريع يربط بين العاصمة طهران ومدن شمال إيران، وذلك خلال الزيارة التي قام بها وفد من المنظمة برئاسة سعيدي كيا إلى بكين، والذي أجرى أيضًا مفاوضات مع شركتين صينيتين لإنشاء محطة ركاب في مطار الخميني الدولي وتصدير منتجات الألبان إلى بكين.

وجددت تقارير غربية عديدة، في أعقاب اندلاع الاحتجاجات الأخيرة، الإشارة إلى أن منظمة "تنفيذ تعاليم الإمام الخميني"، وهى إحدى المنظمات الخيرية التي تمثلت مهمتها في مصادرة ممتلكات بعض أفراد الأسرة البهلوية وعدد من الشخصيات الأخرى، تمتلك ثروة تقدر بنحو 95 مليار دولار، تخضع لإشراف المرشد خامنئي فقط.

2- نفوذ متواصل: خاصة من جانب المؤسسة العسكرية، ولا سيما الحرس الثوري، الذي سارع خلال الفترة الأخيرة إلى توجيه رسائل تفيد رفضه أى اتجاه لتقليص نفوذه الاقتصادي خلال المرحلة القادمة، على خلاف الجهود التي تبذلها حكومة الرئيس حسن روحاني في هذا الصدد.

ويستند الباسدران في هذا السياق إلى أن هذا النفوذ يؤمِّن له مصادر واسعة من الدخل تساعده في تحقيق المهام المكلف بها في الخارج، وخاصة فيما يتعلق بدعم حلفاء إيران من الأنظمة السياسية والتنظيمات الإرهابية والمسلحة الموجودة في بعض دول الأزمات، على أساس أن الموارد المالية التي تقوم الحكومة بتخصيصها للحرس في الموازنة العامة لا تكفي لمواصلة تبني هذه الآليات خلال المرحلة القادمة.

ومن هنا، كان لافتًا أن الباسدران سارع إلى شن حملة انتقادات ضد الإجراءات الاقتصادية التي تتخذها الحكومة للتعامل مع المعطيات التي فرضتها الاحتجاجات الأخيرة، حيث قال مستشار المرشد للشئون العسكرية وقائد الحرس الثوري السابق يحيي رحيم صفوي، في 9 فبراير الجاري، أن البيانات التي تصدرها الحكومة بشأن ارتفاع نسبة النمو وتوفير مزيد من فرص العمل مغلوطة، وذلك ردًا على تصريحات سبق أن أدلى بها الرئيس حسن روحاني قبيل ذلك وكشف فيها عن نجاح السياسة الاقتصادية لحكومته في تحقيق نتائج إيجابية بدت جلية في ارتفاع نسبة النمو وتحسين المؤشرات الاقتصادية بشكل عام.

ورد عباد الله عبد اللهي رئيس شركة "خاتم الأنبياء"، التي تمثل الذراع الاقتصادية للحرس الثوري، على مطالبة الرئيس روحاني بتقليص النفوذ الاقتصادي للحرس الثوري والمؤسسة العسكرية عامة، بدعوة الحكومة إلى تسديد ديونها للحرس التي بلغت، حسب تقديراته، نحو 30 تريليون تومان (ما يقرب من 8 مليار و108 مليون دولار).

3- استعدادات مسبقة: لم تعد إيران تستبعد احتمال عودة أزمة ملفها النووي إلى مربعها الأول من جديد، في حالة استمرار إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تبني السياسة الحالية، حيث أن ذلك سيعرِّضها لعقوبات أكثر قوة، بشكل سيمنح الفرصة للمحافظين المتشددين لتفعيل دعوتهم للانسحاب من الاتفاق.

وهنا، فإن إيران قد تعود إلى تنشيط الآليات السابقة التي كانت تستخدمها للتحايل على العقوبات الدولية التي كانت مفروضة عليها قبل الوصول للصفقة النووية في منتصف عام 2015، مثل الشركات الوهمية التي أنشأها بعض رجال الأعمال الإيرانيين للمساعدة في بيع ملايين من براميل النفط في الخارج لصالح الحكومة الإيرانية، مقابل مليارات الدولارات.

 وقد أثارت قضية أحد رجال الأعمال الذين تورطوا في تلك الممارسات، وهو بابك زنجاني، ضجة داخل إيران في ديسمبر 2013 عندما تم اعتقاله بعد اتهامه باختلاس أموال تقدر بنحو 2.8 مليار دولار، إلا أن وزير النفط الحالي بيجن زنجنه قال، في 27 يناير 2018، أن إجمالي ديون زنجاني زادت مع إضافة الفائدة إلى نحو 3.7 مليار دولار.

وانطلاقا من ذلك، يبدو أن إيران سوف تواصل نفس سياساتها السابقة، بشكل يعني أن الإجراءات التي تتخذها الحكومة الحالية لن تنجح في احتواء التداعيات السلبية العديدة التي تفرضها ظاهرة استشراء الفساد داخل مؤسسات الدولة، والتي كانت أحد أهم محفزات الاحتجاجات الأخيرة.