مضاعفات الفوضى:

كيف تزايد تسييس مكافحة المخدرات في الشرق الأوسط؟

03 February 2018


لم تعد مكافحة المخدرات في دول الشرق الأوسط قضية ذات أبعاد أمنية بحتة، بل تصاعد البعد السياسي لها من دوائر داخلية وسياقات إقليمية وضغوط دولية، لاعتبار جامع يتعلق بمضاعفات الفوضى في الإقليم، على نحو ما تعبر عنه حالات متنوعة مثل ملاحقة أنشطة حزب الله المالية، واحتواء الانتقادات الدولية لأحكام الإعدام، وتمويل اقتصاديات الصراعات المسلحة العربية، واستهداف الشرايين المالية لحركة طالبان الأفغانية، واحتجاز أدوية مخدرة لتنظيم داعش، وإحداث توتر في العلاقات الجزائرية- المغربية، وإطلاق المملكة المغربية أقمارًا صناعية، وتوقيع اتفاق مصالحة بين قبائل الجنوب الليبي بوساطة إيطالية. 

فقد ساعد الانفلات الأمني التنظيمات الإرهابية والميلشيات المسلحة، بالاشتراك مع سماسرة إقليميين ومافيا دولية، في العثور على ملاذات جديدة لإتجار وتوزيع المخدرات في دول المنطقة. لذا، أكد الدكتور محمد بن علي كومان الأمين العام لمجلس وزراء الداخلية العرب في تصريحات مختلفة على أن "تجارة المخدرات أصبحت تعمل على زعزعة اقتصاديات الدول، وتهديد أمن واستقرار الدول، والإخلال بالأمن والسلم العالميين".

وأشار كومان إلى "ما شهدته المنطقة مؤخرًا من انتشار غير معهود للحبوب المخدرة والمخدرات المصنعة التي أخذت تنتشر بشكل ملحوظ ومتزايد بين الشباب والأطفال، نتيجة وقوف عصابات الجريمة المنظمة وراء ذلك الانتشار لتحقيق مكاسبها المادية التي تقدر بمليارات الدولارات، من خلال هيمنتها على مناطق تفتقر إلى سبل العيش الكريم والاستقرار الأمني بسبب الظروف السائدة في بعض دول المنطقة".

بوجه عام، يمكن تناول أبرز الحالات المعبرة عن تزايد تسييس مكافحة المخدرات في دول الإقليم، بدرجات متفاوتة، على النحو التالي:

تطويق متعدد:

1- ملاحقة أنشطة حزب الله المالية: شهدت الأسابيع القليلة الماضية تحركات دولية، أمريكية وفرنسية تحديدًا، للتحقيق في أنشطة حزب الله الداعمة للإرهاب خاصة من خلال شبكة لتجارة المخدرات ممتدة عبر إفريقيا وأوروبا وأمريكا الوسطى والجنوبية. وفي هذا السياق، أعلنت وزارة العدل الأمريكية، في 11 يناير 2018، عن تشكيل فريق عمل للتحقيق في أنشطة حزب الله. إذ قال الوزير جيف سيشنز في تصريحات صحفية: "إن وزارة العدل لن تدخر جهدًا من أجل إزالة كل ما يهدد مواطنينا من قبل منظمات إرهابية وكبح أزمة المخدرات المدمرة".

وأضاف: "الفريق سيقوم بملاحقات تحد من تدفق الأموال إلى منظمات إرهابية أجنبية وتعطل أيضًا عمليات تهريب المخدرات الدولية التي تنطوي على عنف". وفي هذا السياق، جاءت زيارة مساعد وزير الخزانة الأمريكية لشئون مكافحة تمويل الإرهاب والجرائم المالية مارشال بيلينغسليا إلى بيروت، في 23 يناير 2018، إذ التقى بالرئيس اللبناني ميشيل عون ورئيس الوزراء سعد الحريري وشخصيات سياسية ومصرفية، حيث تتهم واشنطن حزب الله بالحصول على مصادر لتمويل أنشطته عبر الإتجار بالمخدرات.

لذا، صدر بيان عن الرئاسة اللبنانية خلال زيارة المسئول الأمريكي جاء فيه: "إن لبنان يشارك بفعالية في الجهود العالمية الهادفة إلى مكافحة تمويل الإرهاب وتبييض الأموال.. وإن المؤسسات الأمنية اللبنانية ساهرة على ملاحقة الخلايا الإرهابية النائمة، إضافة إلى الحرب على المخدرات". وأضاف أن "الأجهزة المختصة والجمارك أحبطت الكثير من عمليات تهريب المخدرات علمًا بأن المهربين استخدموا أساليب متطورة لتمرير المخدرات لكن محاولاتهم باءت بالفشل".

غير أن حزب الله ينكر صلته بشبكات دولية لتهريب المخدرات. إذ اعتبر الأمين العام للحزب حسن نصرالله، في تصريحات صحفية في 19 يناير 2018، أن "الاتجاه الجديد هو تقديم حزب الله كمنظمة إجرامية أى تتاجر بالمخدرات وسرقة السيارات"، وأضاف: "إننا لا نمنع من هم في الحزب من فوضى الاستثمارات الشخصية".

وأضاف نصر الله: "إن للحزب موقف ديني وشرقي وأخلاقي واضح في ما يخص المخدرات وهو أنها حرام"، وتابع: "نرفض اتهامنا بملفات المخدرات ولجنة التحقيق يجب أن تطال الأمريكيين أنفسهم في استثمار المخدرات لصالح تدمير المجتمعات. وأدعو وزارة العدل الأمريكية للقيام بتحقيق في لبنان ونأمل من المسئولين اللبنانيين عدم التحريض علينا".

تحسين الصورة:

2- احتواء الانتقادات الدولية لأحكام الإعدام: إذ سوف يستفيد الآلاف من الأشخاص الذين توجه لهم تهم تتعلق بتهريب المخدرات في إيران وينتظرون تنفيذ حكم الإعدام بحقهم من تطبيق قانون جديد ينص على تخفيف تلك العقوبة، وفقًا لما ذكرته وسائل إعلام محلية إيرانية في 10 يناير 2018، وهو ما تزامن مع موجة الاحتجاجات التي شهدتها مدن إيرانية عدة، لأسباب داخلية وإقليمية.

وفي هذا السياق، طالب رئيس السلطة القضائية آية الله صادق لاريجاني القضاة بوقف أحكام الإعدام الخاصة بهذه الجرائم وإعادة مراجعة القضايا، مع الأخذ في الاعتبار تمرير البرلمان الإيراني قانون المخدرات، في أغسطس 2017، دون إلغاء عقوبة الإعدام لمن "يقود عصابات التهريب أو يستغل القصر تحت 18 سنة في عمليات التهريب أو من يحملون أسلحة نارية أثناء عمليات التهريب".

وعلى الرغم من غياب إحصاءات رسمية بشأن الإعدامات داخل إيران، إلا أن منظمة العفو الدولية تشير في العديد من التقارير الصادرة عنها إلى أن إيران تأتي في المرتبة الثانية من حيث تنفيذ الإعدامات بتهم تهريب المخدرات في عام 2016 بعد الصين.

احتجاز التمويل:

3- تمويل اقتصاديات الصراعات المسلحة العربية: تربط اتجاهات عديدة بين تجارة المخدرات في دول الإقليم من ناحية وتمويل الأطراف المسلحة من غير الدول بما فيها التنظيمات الإرهابية من ناحية ثانية، وهو ما يشير إليه تقرير المخدرات العالمي لعام 2017 الصادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة. إذ لجأت الأخيرة إلى زيادة مصادر تمويلها من عائدات إنتاج ونقل وتوزيع وبيع المخدرات، لا سيما في ظل الحدود الرخوة وانشغال أجهزة الأمن بالقضايا الأمنية الرئيسية وتدهور الأوضاع الاقتصادية وانتشار العمالة غير الشرعية.

وتكشف بعض التقديرات عن أن جماعات الجريمة المنظمة في جميع أنحاء العالم تحصل على ما بين خُمس وثُلث إيراداتها من بيع المخدرات. وأشار اللواء أحمد عمر، مساعد وزير الداخلية لمكافحة المخدرات والجريمة المنظمة في مصر في حوار لموقع "اليوم السابع" بتاريخ 29 ديسمبر الماضي، إلى أن "هناك ارتباطًا وثيقًا بين المخدرات والإرهاب، إذ يكون استخدامها غير مشروع في تمويل الإرهاب والصراعات".

قطع شرايين طالبان:

4- استهداف الشرايين المالية لحركة طالبان: شنت القوات الأمريكية والأفغانية هجومًا مشتركًا على مصانع الأفيون التابعة لحركة طالبان، في النصف الثاني من نوفمبر 2017، للحد من المصادر التمويلية للحركة، لا سيما أن هناك تقارير صادرة عن مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة توضح أن إنتاج الأفيون من بذور الخشخاش في أفغانستان -باعتبارها أكبر دولة منتجة في العالم للهيروين- بلغ نحو 9 آلاف طن في عام 2017، على نحو يعكس زيادته بنسبة 87 في المئة مقارنة بالعام قبل الماضي.

ويأتي هذا الهجوم في ظل تحذيرات دولية من أن تراخي أجهزة الأمن في كابول قد يؤدي إلى تقليص أو انهيار القضاء على إنتاج المخدرات، إذ أن قفزة في إنتاج الأفيون بأفغانستان تنذر بانتعاش تمويل الإرهاب، حيث يشكل الإتجار بالمخدرات مصدر الدخل الأساسي في المناطق الريفية بالجنوب الخاضغة لسيطرة المتمردين.

وقد قال الرئيس الأفغاني أشرف غني في تغريدة على موقع "تويتر": "نحن عازمون على التعامل مع الاقتصاد الإجرامي وتهريب المخدرات بكامل قوتنا"، حيث تقدر عوائد تهريب المخدرات لطالبان بنحو 3 مليارات دولار، وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة لعام 2016.

مخدر المقاتلين:

5- احتجاز أدوية مخدرة لتنظيم داعش: ضبطت الشرطة الإيطالية، بالتعاون مع إدارة مكافحة المخدرات الفيدرالية الأمريكية، في مرفأ جيويا تورو في الجنوب الإيطالي (انتقلت من الهند إلى ليبيا) أدوية مخدرة (حوالي 24 مليون حبة من عقار ترامادول)، في أول نوفمبر 2017، وبلغت قيمتها نحو 50 مليون يورو. وكان من المرجح أن يبيع التنظيم هذه الحبوب لمقاتليه بسعر يبلغ 2 يورو للحبة الواحدة.

وطبقًا لدوائر استخباراتية عديدة، فإن حصيلة الأموال الناتجة عن صفقة البيع تم توجيهها لتغطية نفقات تنظيم داعش في بؤر الصراعات في ليبيا وسوريا والعراق، بعد أن فقد التنظيم الكثير من مناطق سيطرته في أعقاب تعرض مقراته ومخازنه وخزائنه للقصف من قوات التحالف الدولي أو الجيوش النظامية مما أثر على مصادر تمويله.

تبييض الحشيش:

6- إحداث توتر في العلاقات الجزائرية- المغربية: نقلت وسائل إعلام جزائرية وعربية تصريحات لوزير الخارجية الجزائري عبدالقادر مساهل، في 20 أكتوبر 2017، على خلفية مشاركته في منتدى رؤساء المؤسسات في العاصمة الجزائرية، رفض فيها وصف المغرب بأنها "المثال الذي يحتذى به في إفريقيا بالنظر لاستثماراتها"، وقال: "إن الخطوط الملكية المغربية لا تقوم فقط بنقل المسافرين عبر رحلاتها إلى دول افريقية بل إن البنوك تقوم بتبييض أموال الحشيش".

وقد استدعت المغرب سفيرها في الجزائر وأبلغته -وفقًا للبيان الصادر عن وزارة الخارجية المغربية- بـ"التصريحات غير المسئولة التي جاءت من رئيس الدبلوماسية الجزائرية التي يفترض أن تعبر عن المواقف الرسمية لبلاده على الصعيد الدولي". وذكرت أن "هذه الادعاءات الكاذبة لا يمكن أن تبرر فشل أو إخفاء المشاكل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الحقيقية لهذا البلد والتي تؤثر على قطاعات كبيرة من الشعب الجزائري بما في ذلك الشباب".

وأضاف البيان: "إن التصريحات التي أدلى بها الوزير الجزائري تشهد على جهل عميق لا يمكن تفسيره بالمعايير الأساسية لعمل الجهاز المصرفي والطيران المدني على الصعيد الوطني والدولي". وتعكس هذه التصريحات المتبادلة توتر العلاقات بين البلدين، على خلفية الدعم الجزائري لجبهة البوليساريو.

تفكيك شبكات التهريب:

7- إطلاق أقمار صناعية: على غرار التجربة التي تبنتها المملكة المغربية، في نوفمبر 2017، وذلك بهدف مواجهة التهديدات الإرهابية والهجرة غير الشرعية المتنامية، والحد من القرصنة البحرية، ومراقبة وتأمين الخطوط الحدودية، وتفكيك شبكات التهريب ومحاربة الإتجار بالمخدرات. وطبقًا لبيان نشرته المديرية العامة للأمن الوطني المغربي، في ديسمبر الماضي، فقد أوقف الأمن المغربي 538 ألف و344 شخصًا، خلال عام 2017، بينهم 97 ألف و688 متورطًا في ترويج المخدرات، على نحو يفرض اعتماد مقاربات وقائية.

وفي هذا السياق، أعلن وزير العدل المغربي محمد أوجار، خلال الجلسة الافتتاحية للندوة الدولية حول "المراصد الدولية للإجرام: الخبرات والتجارب في مجال رصد وتحليل ظاهرة الجريمة"، التي نظمتها وزارته في الرباط، في 24 يناير 2018، نية بلاده إنشاء مرصد وطني لمتابعة مؤشرات الجريمة واقتراح الحلول الكفيلة للوقاية منها ومكافحتها.

مصالحة مناطقية:

8- توقيع اتفاق مصالحة بين قبائل الجنوب الليبي بوساطة إيطالية: قامت روما برعاية محادثات سرية، خلال الثلث الأول من عام 2017، أفضت إلى توقيع اتفاقية بين قبيلتى التبو وأولاد سليمان، في 2 إبريل الماضي، لضبط الحدود التي تستخدم لتهريب المهاجرين والسجائر والأسلحة والمخدرات وتنمية المناطق الصحراوية الليبية.

وقد حضر اللقاء 60 من شيوخ القبائل خاصة السابق ذكرهما، بمشاركة ممثلين عن الطوارق وكذلك ممثل عن حكومة الوفاق الوطني الليبية التي تتخذ من طرابلس مقرًا لها. وفي هذا السياق، تم تشكيل قوة من حرس الحدود الليبيين لمراقبة 5000 كم من الحدود في جنوب ليبيا، باعتبار أن ضمان أمن الحدود الجنوبية الليبية يعني ضمان أمن الحدود الجنوبية الأوروبية، وفقًا لتصريحات صادرة عن وزير الخارجية الإيطالي ناركو مينيتي.

خلاصة القول، لقد ساعدت مضاعفات الفوضى في دول الإقليم، التي شهدت حراكًا ثوريًا أو دخلت أتون صراعات داخلية أو تعرضت شئونها لتدخلات إقليمية، في تنامي تهريب ونقل وتوزيع المخدرات، عبر الحمام الزاجل أو الحمير أو السيارات أو الدراجات النارية أو الزوارق البحرية، لا سيما في ظل عدم وجود أجهزة وتقنيات حديثة تواكب وتكتشف الأساليب التي يستخدمها مهربو المخدرات في عمليات التهريب، عبر حدود برية وبحرية مخترقة من جماعات إجرامية وتنظيمات متطرفة، وحدوث تلاقح بين هذه الجماعات وتلك التنظيمات، على نحو يفرض أعباءً مضاعفة على أجهزة الأمن في دول الاستقرار، لأنها صارت تتحمل أدوار يفترض أن تقوم بها الأجهزة المتصدعة في دول الاضطراب.