تحول لافت:

الرسائل العسكرية والسياسية لهجمات طرطوس وحميميم

14 January 2018


يمثل الهجومان المتواليان اللذان استهدفا قاعدتى حميميم الجوية وطرطوس البحرية الروسيتين في سوريا، في 31 ديسمبر 2017، و6 يناير 2018، تحولاً جديدًا في المواجهات العسكرية التي تشهدها سوريا خلال الفترة الحالية. ورغم أن روسيا أكدت وقوع الهجومين، إلا أنها أصرت على أنها تمكنت من التصدي لهما، وذلك في مقابل تقارير عديدة تشير إلى وقوع خسائر بشرية ومادية، وهو ما لا يمكن فصله عن سعى بعض التنظيمات الإرهابية والمسلحة إلى الرد على التأكيدات الروسية بالانتصار على الإرهاب في سوريا على نحو ما انعكس في تصريحات الرئيس الروسي فيلاديمير بوتين التي أدلى بها خلال زيارته لقاعدة حميميم وبحضور الرئيس السوري بشار الأسد في 11 ديسمبر 2017.

دلالات عديدة:

يطرح هذان الهجومان دلالات عديدة تتصل بردود الفعل التي تبديها التنظيمات الإرهابية والمسلحة تجاه الوجود العسكري الروسي في سوريا، يتمثل أبرزها في:

1- نقلة نوعية: فعلى صعيد نمط الهجمات، يمكن القول إن الهجومين كانا مختلفان. فقد استخدم في الأول مدفع هاون، في حين استخدمت في الثاني، وهو الأكثر احترافية وخطورة، طائرات من دون طيار مصنوعة من مواد صعب رصدها (خشب– فلين– بلاستيك) ويمكن تحميلها بقنابل محلية الصنع، لا سيما أنه تم إطلاق وتوجيه 13 طائرة منها بدقة، وفقًا للإعلان الرسمي الروسي.

2- ثغراث دفاعية: في الحادث الأول، والذي تم باستخدام مدفع هاون يرجح أنه 82 Mm، ترجح اتجاهات عديدة أنه تم إطلاقه على مسافة أقصاها 6 كلم إلى متوسط 3 كلم، ما يستنتج منه مباشرة أن محيط الدائرة الأولى للقاعدة لا يحظى بغطاء دفاعي بشكل محكم وسهل اختراقه على الرغم من وجود منظومة "بانتسيرS-1" القادرة على تدمير 12 هدفًا في وقت واحد على مسافة 15 كلم وتدمير الصواريخ على ارتفاع منخفض يصل إلى 2 كلم، وهو ما يعتبر في حد ذاته ثغرة دفاعية لاستخدام مديات أقصر وعلى مستويات أقل انخفاضًا، بشكل يؤشر بالتبعية إلى أن المنظومة الدفاعية الروسية لم تتحسب لهذا النمط من الهجمات، على نحو ما تمت الإشارة إليه فى تقارير روسية سابقة من أن تلك المنظومة يمكنها اعتراض صواريخ مثل "تاو" الأمريكي المضاد للدبابات، ومنظومات الدفاع الجوي المحمولة كتفًا، والصواريخ محلية الصنع مثل "الكاتيوشا" التي يمكن إطلاقها من على بعد 20 كلم.

أما الحادث الثاني، الذي تم تنفيذه بواسطة الطائرات من دون طيار، فيمثل بدوره اختراقًا ربما يكون قد فرض خسائر عسكرية لا يمكن تجاهلها، رغم أن ثمة صعوبة في حصر الخسائر، خاصة وأن التقارير الرسمية الروسية أكدت على اعتراضها سواء من خلال المنظومة الدفاعية أو عبر الدفاعات اللاسلكية، وهو أمر لا يتوافق مع المعطيات التي يطرحها الهجومان، لا سيما مع سهولة تسيير هذه الطائرات وتحميلها بمتفجرات إلى جانب إمكانية إطالة مسافات الإطلاق ما بين 50 إلى 100 كلم، وهو ما يزيد من احتمالات التوسع في استخدامها، بما يفرض تحديًا للدفاعات الروسية، على نحو ما انعكس في تأكيد دوائر روسية عديدة على أهمية مراجعة منظومة الدفاع في محيط قواعدها العسكرية فى سوريا.

3- عرقلة النفوذ الروسي: ربما يمكن القول إن التنظيمات الإرهابية والمسلحة تسعى من خلال تلك النوعية من الهجمات إلى توجيه رسائل عاجلة لروسيا مفادها أن جهودها لتكريس وجودها العسكري تعترضها عقبات عديدة، وأن الحرب لم تنته بعد، رغم التطورات السياسية الخاصة ببدء ما يسمى بالحوار الوطني وانتقال ملف تسوية الأزمة بين النظام والمعارضة من جنيف إلى سوتشي، والذي لم يحظى بقبول من جانب هذه التنظيمات، باعتبار أنه يتوافق مع السياسة والمصالح الروسية في المقام الأول.

سيناريوهات مختلفة:

اللافت في هذا السياق، هو أن المسئول عن هذا النمط الجديد من الهجمات لم يتحدد بعد، في ظل عزوف التنظيمات المختلفة عن إعلان مسئوليتها، فضلاً عن أن روسيا نفسها لم توجه اتهامًا لأية جهة حتى الآن، وهو ما يمكن تفسيره في ضوء سيناريوهات عديدة يمكن تناولها على النحو التالي:

1- رد الفعل الروسي: ربما يعود حرص الجهة المهاجمة على عدم إعلان مسئوليتها إلى خشيتها من رد الفعل الروسي، باعتبار أن موسكو قد تقوم بالرد على الهجومين من خلال توجيه ضربات قوية قد تؤثر على تماسكها الداخلي، وتؤدي إلى تراجع نفوذها وقدرتها على البقاء في المناطق التي سيطرت عليها.

2- تحول في سياسة قوى المعارضة: حيث لا يمكن استبعاد احتمال تبني أطياف من المعارضة السورية المختلفة مسارًا جديدًا يقوم على مواجهة الوجود العسكري الروسي في سوريا، وفقًا لما ورد فى العديد من البيانات التي أصدرتها.

3- تعدد الفاعلين: قد يعزز الاختلاف النوعي فى أدوات الهجوم تصورات بعض الاتجاهات التي تشير إلى احتمال أن يكون هناك تعدد فى الفاعلين بين من يستخدم المدافع ومن يستخدم طائرات الدرونز، وربما كلاهما يحفز الآخر على دعم هذا المسار، خاصة مع تعدد خصوم روسيا على الساحة السورية.

وفي النهاية، ربما يمكن القول إن هذا التحول الجديد في المواجهات المسلحة داخل سوريا سوف يدفع روسيا إلى إعادة صياغة استراتيجيتها الأمنية داخل سوريا، خاصة في ظل اهتمامها بالحفاظ على وجود عسكري دائم على الأراضي السورية خلال المرحلة القادمة، التي سوف تشهد استحقاقات سياسية وأمنية عديدة، لا سيما مع استمرار الجهود المبذولة للوصول إلى تسوية سياسية رغم الخلافات القائمة بين الأطراف المعنية والتي تتسع تدريجيًا في ظل التطورات الميدانية المتسارعة التي يشهدها الصراع السوري.