ضغوط متوازية:

لماذا طرح إقليم كردستان مبادرة تجميد نتائج الاستفتاء؟

26 October 2017


استعادت القوات العراقية، بالتنسيق مع ميليشيا "الحشد الشعبي"، المناطق التي سيطر عليها الأكراد فى محيط إقليم كردستان العراق منذ منتصف عام 2014، وهى مناطق كركوك وسنجار وخانقين شمالى البلاد، وذلك دون مقاومة بارزة من جانب ميليشيا "البشمركة" الكردية التي انسحبت إلى الخطوط الخلفية باتجاه أربيل، فى حين لا تزال هناك بعض الاشتباكات المتقطعة بين الطرفين، على غرار ما حدث في 24 أكتوبر 2017، عندما حاولت القوات العراقية وميليشيا "الحشد الشعبي" السيطرة على معبر حدودي مع سوريا تسيطر عليه الميليشيا الكردية.

وقد جاء هذا التصعيد العسكري من جانب الحكومة المركزية وميليشيا "الحشد الشعبي" كرد فعل على إقدام حكومة إقليم كردستان على إجراء استفتاء للانفصال عن العراق في 25 سبتمبر الفائت، وهى الخطوة التي عارضتها أيضًا تركيا وإيران اللتان حذرتا من تداعيات تلك الخطوة على أمنهما ومصالحهما، بالنظر إلى احتمال تطلع الأكراد في الدولتين إلى تبني خطوة مماثلة، الأمر الذي شكل دعمًا قويًا للقوات العراقية بدا جليًا في تكتيكات الانتشار الحدودي وإجراء مناورات عسكرية على الحدود المشتركة.

وقد فرضت هذه التطورات في مجملها ضغوطًا متوازية على إقليم كردستان دفعته في النهاية إلى طرح مبادرة جديدة، في 25 أكتوبر الجاري، تضمنت ثلاثة بنود رئيسية تتمثل في تجميد نتائج الاستفتاء الذي أجرى في 25 سبتمبر الفائت، ووقف إطلاق النار، وإجراء حوار فوري بين الإقليم والحكومة العراقية.

وتوازى ذلك مع ظهور تقارير، في اليوم نفسه، تشير إلى أن خيار استقالة رئيس إقليم كردستان مسعود برزاني وتشكيل حكومة إنقاذ أصبح قائمًا بعد التطورات السياسية والميدانية التي شهدها الإقليم خلال مرحلة ما بعد الاستفتاء، رغم أن هذا الخيار ما زال مرتبطًا، وفقًا لرؤية الاتجاه الذي يقوده برزاني، بمدى إمكانية تولي نيجيرفان برزاني حكومة الإنقاذ.

توازن صعب:

وصول الأزمة إلى هذه المرحلة يعود إلى اعتبارات عديدة ينصرف أبرزها إلى تغير موازين القوى لصالح بغداد وحلفائها الإقليميين، وهو ما يفسر، مبدئيًا، الانسحاب الكردي السريع إلى الخطوط الخلفية باتجاه أربيل عاصمة الإقليم، حيث حشدت الحكومة العراقية قواتها في الداخل، ومع الإسناد الإيراني- التركي وإحكام الحصار على الحدود الكردية، وفى ظل عدم وجود أى دعم خارجي للأكراد، لم يعد احتمال انخراط "البشمركة" في مواجهة مسلحة واسعة النطاق مع تلك القوات قويًا إلى حدٍ كبير، رغم اندلاع مناوشات محدودة بين الطرفين.

ففي هذا السياق، نشرت تركيا قواتها بشكل مكثف في منطقتى سيلوبي وخابور في محافظة شرناخ الحدودية مع العراق، كما أجرت مناورات على تلك الحدود بالتزامن مع تنظيم عملية الاستفتاء، في حين قامت القوات الإيرانية بانتشار مماثل يمتد من قصر شيرين حتى حدود برويزخان وحدود باشماق في مريوان وحدود تمرجين في بيرانشهر، طبقًا للعميد مسعود جزائري المتحدث باسم القوات المسلحة الإيرانية.

وفي مقابل ذلك، يفتقر الأكراد إلى العامل اللوجيستي ضمن حسابات موازين القوى، كما أنهم واجهوا صعوبات عديدة عندما حاولوا تثبيت سيطرتهم على منطقة كركوك، على غرار وجود عدد كبير من التركمان في كركوك مدعومين من تركيا ومعارضين بالتبعية لعملية الانفصال، فضلاً عن فشل مشروع التغيير الديموغرافى الذي قامت به سلطات الإقليم والذي انعكس في النزوح الكبير لمواطنين أكراد خلال عملية استعادة تلك المناطق.

خلافات داخلية:

كما أن المشروع الكردي يفتقد لدعم المكونات العرقية الأخرى، مثل الأيزيديين، الذين شارك بعض عناصرهم في ميليشيا "الحشد الشعبي" من خلال ما يسمى بـ"فوج لالش"، الذي قام باستعادة جبل سنجار من الأكراد، وهو ما صب في صالح موقف بغداد.

إلى جانب ذلك، فإن تصدع الجبهة الداخلية مثل تحديًا آخر لمشروع الأكراد، فقد كشفت التطورات السياسية عن صراع بين الحزبين الرئيسيين في الإقليم "الاتحاد الوطني الكردستاني" و"الحزب الديمقراطي الكردستاني" بعد قيام عناصر "البشمركة" التابعين لـ"الاتحاد الوطني" بالانسحاب من مناطق التماس في جنوب كركوك لدى تقدم القوات العراقية نحوها دون سابق إنذار، الأمر الذي أحدث إرباكًا كبيرًا داخل صفوف الميليشيا الكردية.

ورغم محاولة الأكراد استيعاب تداعيات انسحاب تلك القوات من خلال تعزيزات أخرى بلوائين، إلا أن "الحشد الشعبي" كان قد فرض سيطرته على الموقع، وهو ما اعتبره الحزب "الديمقراطي" بمثابة "استجابة لضغوط خارجية"، على نحو ما أكده حاكم كركوك المقال نجم الدين كريم الذي قال أن "حزب الاتحاد الوطني خضع لتهديدات قائد فيلق القدس قاسم سليماني وتنازل عن كركوك".

غياب الدعم الدولي:

بالتوازي مع ذلك، لم ينجح الأكراد في استقطاب دعم دولي لصالحهم، خاصة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، التي تبنت موقفًا رافضًا منذ البداية لإجراء الاستفتاء ودعت في أعقاب التحركات العسكرية العراقية إلى عقد محادثات تعالج فيها كافة الخلافات بين الطرفين.

وبدت واشنطن حريصة على إعلان عدم انحيازها لأى من طرفى النزاع. وكان لافتًا أيضًا أن زيارة وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون إلى العراق اقتصرت على بغداد دون أربيل. لكن ذلك لم يمنع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من إبداء تحفظها على الأدوار التي تقوم بها ميليشيا "الحشد الشعبي" التي تعتبرها "ميليشيا إيرانية"، وذلك في إطار الاستراتيجية الجديدة التي تتبناها تجاه إيران وأعلن عنها الرئيس ترامب في الخطاب الذي ألقاه في 13 أكتوبر الجاري.

مواقف متباينة: 

من دون شك، فإن استعادة القوات العراقية المناطق التي سيطر عليها الأكراد سواء فى كركوك أو سنجار أو خانقين، والتي شكلت محورًا للنزاع بين الطرفين في الفترة الماضية، يطرح دلالة مهمة تتمثل في عدم نجاح النظرية التي تبناها رئيس إقليم كردستان مسعود برزاني، وأعلن عنها في مقابلة مع صحيفة "الحياة" اللندنية في 7 فبراير 2015 بقوله أن "الحدود الجديدة تفرض بالدم"، وهو ما اعتبرته الحكومة العراقية مؤشرًا إلى أن حكومة الإقليم تخلت عن الالتزامات السياسية والدستورية السابقة وأنها لجأت إلى القوة كآلية لفرض سيطرتها، بشكل دفعها إلى اتخاذ إجراءات مضادة لعرقلة مشروع الأكراد.

 واللافت في هذا السياق، أن ردود الفعل الرافضة لتصريحات برزاني لم تقتصر على الحكومة العراقية، بل إنها امتدت إلى بعض الاتجاهات داخل كردستان، على النحو الذي عبره عنه برهم صالح رئيس حكومة الإقليم السابق، الذي قال في حوار مع صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية، في 24 أكتوبر الجاري، أن "الحدود التى ترسم بالدم تزال بالدم"، في إشارة واضحة إلى أن طموحات برزاني في انفصال إقليم كردستان باتت تواجه عقبات عديدة لا تبدو هينة، خاصة بعد التحركات العسكرية الأخيرة التي اتخذتها الحكومة العراقية وتبلور مواقف دولية وإقليمية رافضة للاستحقاقات التي يمكن أن تسفر عنها نتائج الاستفتاء.