المنطقة الرابعة:

كيف يؤثر خفض التوتر في إدلب على الصراع السوري؟

22 September 2017


أسفرت الجولة السادسة من المحادثات التي أجريت في الآستانة في 14 و15 سبتمبر الجاري عن ضم إدلب كمنطقة رابعة إلى مناطق خفض التوتر فى سوريا، واستحدث الاتفاق المكون من 10 بنود ثلاث آليات جديدة لم تكن مقررة في الاتفاقيات السابقة، وهى نشر قوات مراقبة مشتركة من الأطراف الثلاثة الضامنة للاتفاق وهى روسيا وتركيا وإيران، وإنشاء لجنة ثلاثية لتنسيق عمل آليات المراقبة المتفق عليها، ودعوة المجتمع الدولي للمشاركة فى عمليات الإغاثة الإنسانية وإعادة الإعمار في سوريا.

وتعد هذه هى أول صيغة من نوعها تعبر عن وصول التفاهمات بين الأطراف الراعية لمحادثات الآستانة إلى مرحلة متقدمة. كما أنها تشكل أول جولة تحظى بتوافق أطرافها على بنود الاتفاق، فضلاً عن أنها تحمل للمرة الأولى أيضًا صيغة تسمح للقوات التركية رسميًا بالانتشار فى مناطق المعارضة. وربما يمكن القول إن مخرجات الاتفاق ستنقل المشهد السوري إلى مسار جديد بالنظر إلى تكتيكات الأطراف المشاركة فى الاتفاق من تواجدها فى إدلب.

ومن دون شك، فإنه لا يمكن عزل تلك المخرجات عن التطورات الميدانية الأخرى فى محيط إدلب، وخاصة في دير الزور، حيث تعبر قوات النظام الضفة الشرقية من الفرات، وهو ما قد يعزز تلاقى المصالح التركية- السورية من المواجهة المتوقعة مع الأكراد على الرغم من التصريحات المتناقضة.

لكن الاتفاق لا يخلو من تحديات عديدة، في ظل عدم الكشف عن تفاصيل آليات التنفيذ المتصورة والتي تنخرط الأطراف حاليًا في محادثات للتوصل إليها، فضلاً عن غموض مواقف الأطراف التي لم يشملها.

مقاربات جديدة:

 لم يعد الهدف من الصراع في المرحلة الحالية، على الأرجح، هو مواجهة تنظيمى "داعش" أو "جبهة النصرة" رغم إقرار البند السادس في الاتفاق لذلك، بقدر ما باتت الأولوية تتمثل في هندسة مناطق نفوذ القوى الثلاثة، وهو ما يتلاقى بشكل أكثر وضوحًا مع البند الرابع من الاتفاق ذاته والذى يشير إلى منع وقوع اشتباكات بين الأطراف المتنازعة.

كما لم تعد المقاربة الخاصة بتركيا هى مواجهة النظام السوري، بل إن ثمة مؤشرات تقارب واضحة تلوح في الأفق بين تركيا والنظام رغم التراشق حول مشروعية التواجد التركى وفقًا لما صدر عن مسئولين فى الخارجية السورية الذين أكدوا أن "اتفاق إدلب مؤقت" وأن "الاتفاقات حول مناطق تخفيف التوتر لا تعطي الشرعية على الإطلاق لأى تواجد تركي على الأراضي السورية".

وبالطبع، لا يمكن فصل ذلك عن التقارب الملحوظ في موقفى إيران وتركيا خاصة إزاء قضية استفتاء إقليم كردستان المزمع إجراءه في 25 سبتمبر الحالي، إذ تهدد إيران بإغلاق منافذها الحدودية مع الإقليم، وهو ما يلقى ترحيبًا من جانب تركيا التي تعارض بقوة هذا الاستفتاء.

 وهنا، فإن هذا التوافق سوف يساعد في حلحلة التباينات الملحوظة في مواقف الطرفين حول بعض الترتيبات والتي أدت إلى عدم خروج الجولة الخامسة من محادثات الآستانة بنتائج بارزة.

وتقوم المقاربة التي تتبناها تركيا، وفقًا لما كشفت عنه تقارير عديدة، على استغلال تواجدها في إدلب كنقطة انطلاق لمواجهة الأكراد، ومع عبور قوات النظام للضفة الشرقية لنهر الفرات يتضح أن الهدف هو المواجهة مع "قوات سوريا الديمقراطية" وليس "داعش"، وهو ما يتوافق مع الاستراتيجية التركية الرامية إلى وقف تمدد المليشيات الكردية في شرق سوريا.

آليات مختلفة:

أقر الاتفاق الأخير نشر قوات مشتركة داخل إدلب، وهى آلية لم تكن معتمدة من قبل بمشاركة تركيا، ومع شرعنة هذا التواجد من خلال الاتفاق، فإن الأخيرة ستكون شريكًا أساسيًا إلى جانب إيران وروسيا في تقاسم النفوذ فى إدلب، وهو ما تكشف عنه مؤشرات عديدة تتمثل في:

1- نشر قوات مراقبة مشتركة: وهو ما يتضمنه البند الرابع من الاتفاق، ووفقًا لألكسندر لافرنتيف رئيس الوفد الروسي فى المفاوضات، فإن عدد المراقبين من روسيا وتركيا وإيران قد يبلغ 1500 مراقب من وحدات غير قتالية من الشرطة العسكرية، بواقع 500 مراقب من كل دولة.

2- لجنة العمل المشترك: وهى أيضًا لجنة مستحدثة بحسب البند الخامس من الاتفاق، حيث كانت المناطق السابقة تدار بناءً على تنسيق بين روسيا وإيران.

3- استقطاب الدعم الدولي للأعمال الإنسانية والإعمار: دعا البيان الختامى للمفاوضات المجتمع الدولي إلى المساهمة في إعادة الإعمار وتعزيز الجهود التي تهدف إلى تكريس حالة من الاستقرار داخل سوريا وتوسيع نطاق الترتيبات الخاصة بخفض التوتر.

تحديات محتملة:

رغم هذا التوافق الملحوظ بين الأطراف الراعية لمحادثات الآستانة، إلا أن ثمة تباينًا لا يمكن تجاهله بين المعطيات التي تفرضها التطورات على الأرض وبين ما تم الاتفاق عليه، بشكل سيفرض، في الغالب، تحديات عديدة أمام تنفيذ الاتفاق، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:

1-توصيف شكل القوات: يشير البيان إلى فرق مراقبين من الشرطة العسكرية، فى حين أن تركيا تتحدث عن محادثات تتعلق بنشر قوات عسكرية بالتوازي مع تحريكها قوات قتالية على الحدود بالفعل.

2-محدودية العدد: ربما يؤدي العدد الذي أشار إليه بعض المسئولين الروس دوره في إطار رقابي، وهو أمر لا يبدو مناسبًا لحالة إدلب، التى تشهد تمركزًا لأطراف مختلفة منها "الجيش السوري الحر" الذي يعارض التواجد الروسي والإيرانى، و"هيئة تحرير الشام" الموالية لتنظيم "القاعدة"، التى ترفض أى دور أو تواجد إيراني.

3-مدى الالتزام بالمهام: تبدي اتجاهات عديدة شكوكًا في مدى التزام بعض الأطراف بمخرجات الجولة الأخيرة، إذ أن تركيا قد لا تكتفي بالمهام المتفق عليها دون أن تتجه نحو استغلال الترتيبات الجديدة لاستنزاف الأكراد، وهو ما يمكن أن ينطبق على روسيا أيضًا التي رغم تأكيدها على أن الهدف هو خفض التوتر، إلا أنها أعلنت أن 35 فصيلاً مسلحًا مع قادة التشكيلات المسلحة غير القانونية أبدوا استعدادهم للوقوف إلى جانب القوات النظامية في منطقة خفض التصعيد في إدلب، وهو ما يعني، وفقًا لتلك الاتجاهات، أن تلك القوات التي انحازت لقوات النظام لديها مهام قتالية وليست مراقبة وفقط.

4-التقسيم الجيوسياسي: من المتصور أن إدلب ستقسم ميدانيًا لثلاث مناطق نفوذ، بحيث يدير كل طرف جبهة معينة، بما يعني أن النتائج التي انتهت إليها المحادثات لا تتضمن نشرًا مختلطًا للقوات.

5-الأطراف المستبعدة: رغم أن تركيا أقنعت قوى المعارضة بقبول الاتفاق، إلا أن ذلك لا ينفي أن ثمة صعوبات عديدة في استيعاب الأخيرة للتواجد الإيراني في إدلب، كما أن "هيئة تحرير الشام" غير ممثلة فى الاتفاق ولم تبد إشارات تفيد إمكانية قبولها بدور إيران أو النظام في إدلب، وهو ما يفرض تهديدات للضمانات الخاصة بتنفيذ الاتفاق.

 في النهاية، يمكن القول إن الجولة الأخيرة من محادثات الآستانة ساهمت في الوصول إلى ترتيبات أمنية جديدة ربما تفرض تداعيات على تطورات الصراع في سوريا، حيث أصبحت مواقع السيطرة والنفوذ واضحة إلى حدٍ ما، كما تم إعادة بناء مسار جديد للتفاهمات بين الأطراف الراعية، بشكل سوف يساهم في تغيير توازنات القوى بين الأطراف المنخرطة في الصراع، حيث سيتعزز موقع النظام أمام قوى المعارضة في مفاوضات جنيف القادمة، كما ستتصاعد الضغوط على الميليشيات الكردية، التي قد تدخل في مواجهات مع أطراف متعددة مثل تركيا وإيران والقوات النظامية خلال المرحلة القادمة.