مهام ضاغطة:

تحديات قوات حفظ السلام في الشرق الأوسط

18 September 2017


تواجه قوات حفظ السلام، سواء الأممية (أى التابعة لمنظمة الأمم المتحدة) أو الإقليمية (أى المشكلة طبقًا للمنظمات الإقليمية مثل الاتحاد الإفريقي) أو الهجينة (أى المشتركة بين الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي)، العاملة في بعض دول الإقليم، خاصة التي تشهد أزمات وصراعات داخلية، بغض النظر عن هويتها سواء كانت من المدنيين أو العسكريين، تهديدات متصاعدة، خلال السنوات الماضية، وبصفة خاصة في توقيتات الصراع، بما يؤثر على كفاءة أدوارها وفعالية مهامها.

وتتمثل تلك التهديدات التي تؤثر على أداء قوات حفظ السلام في منطقة الشرق الأوسط في حزمة من العوامل الضاغطة، وهى الاستهداف من قبل الجماعات المسلحة، ومحدودية قدرة قوات حفظ السلام على الدفاع عن نفسها، وتعدد جبهات الصراع المشتعلة، والتأخر في تنفيذ المهام العاجلة، ومزاعم تبعيتها للدولة المضيفة، ومقاومة الدولة المضيفة لأداء مهامها، والإسهام بشكل غير مباشر، في حالات محددة، في تمويل الجماعات الإرهابية، وعدم التنسيق مع القوات العسكرية الموازية.

خريطة الانتشار:

تنتشر قوات حفظ السلام في بعض بؤر الأزمات في الإقليم، منها قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان "اليونيفيل" التي تشكلت وفقًا لقرارات مجلس الأمن عام 1987 من قوات نظامية من فرنسا وإسبانيا وماليزيا ونيبال والصين، لتأكيد انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان ومساعدة الحكومة اللبنانية على بسط سيطرتها. وزادت أهدافها بعد الحرب بين إسرائيل وحزب الله في عام 2006 بحيث تؤدي القوات الدولية دور العازل بين الطرفين ومراقبة وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في العام السابق ذكره.

كما تستمر قوة الأمم المتحدة لحفظ السلام في الجولان (اليوندوف) –المكلفة بفض الاشتباك بين القوات الإسرائيلية والسورية منذ عام 1974- في أداء مهامها بل تزايدت الحاجة إليها بعد تصاعد حدة التفاعلات السورية الداخلية وما اقتضته من زيادة تدابير القوة للدفاع عن الذات، لا سيما بعد انسحاب أفراد البعثة النمساوية لتعرضها للخطف وإطلاق النار. وعادت قوات حفظ السلام بالجولان في منتصف عام 2016 لأداء مهامها على خلفية اشتباكات مع مسلحين مرتبطين بتنظيم "القاعدة".

ولا زالت بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية "المينورسو" المنشأة طبقًا لقرار مجلس الأمن عام 1991 تؤدي دورها لحل النزاع بين المغرب وجبهة البوليساريو. وقد قررت الحكومة المغربية تقليص مساهمتها في تلك البعثة اعتراضًا على تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون التي اعتبرتها منحازة لجبهة البوليساريو حينما أشار إلى أنه "يتفهم غضب الشعب الصحراوي تجاه استمرار احتلال أراضيه".

فضلاً عن ذلك، تشكلت قوة حفظ سلام مشتركة من الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي بقرار من مجلس الأمن في عام 2007 لدعم تنفيذ عملية السلام في دارفور بغرب السودان. كما تم تدشين قوة الاتحاد الإفريقي لحفظ السلام في الصومال (إميسوم) لمواجهة تهديدات حركة "شباب المجاهدين" ودعم الحكومة الصومالية. وكذلك تشكلت قوة حفظ السلام من الأمم المتحدة والإتحاد الإفريقي في مالي بقرار من مجلس الأمن في عام 2013.

محددات حاكمة:

تعددت المحددات الحاكمة لعمل قوات حفظ السلام، سواء بتسهيل العملية السياسية أو حماية المدنيين أو نزع أسلحة الأطراف المتصارعة وإعادة دمجهم، وبناء السلم، وتعزيز حقوق الإنسان، وسيادة القانون وغيرها. وتعتمد القوات على عدة وسائل منها إرسال مراقبين لرصد الأوضاع، والقيام بعمليات أمنية وعسكرية لإيقاف إطلاق النار، والإشراف على انسحاب القوات المتنازعة، وتدريب قوات الشرطة، وبناء الثقة في السلطات المحلية. لذا، يفترض أن تنتشر هذه القوات بقبول من الدول المضيفة والأطراف المتنازعة، وتلتزم بالحياد وعدم استخدام القوة المسلحة إلا في حالة الدفاع الشرعي.

أدوار متنوعة:

وقد تمثلت أبرز مهام قوات حفظ السلام في دول الإقليم، فيما يلي:

1- وقف العنف المسلح: وهو ما ينطبق على الهدف من نشر قوات حفظ السلام في ليبيا، والتي تتخذ من بعثة الأمم المتحدة في تونس مقرًا لها منذ عام 2014، وزادت وجودها الميداني بشكل تدريجي، وتخطط منذ أشهر لزيادة أعدادها. وفي هذا السياق، قال الدكتور غسان سلامة، مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا، في تصريحات صحفية في 8 سبتمبر الجاري: "إن الأمم المتحدة تعتزم إرسال نحو 250 جنديًا لحفظ السلام إلى العاصمة الليبية، لحماية قاعدتها، وذلك في إطار خطة لإعادة عملياتها إلى البلاد، بما يؤدي إلى رأب الصدع ومعالجة الانقسام بين رأس حكومتى السلطة في الشرق (حكومة طبرق) والغرب (حكومة طرابلس)".

2- حماية المدنيين: تتركز مهام قوات حفظ السلام في جنوب السودان حول حماية المدنيين خلال الحرب الأهلية التي اشتعلت على مدار السنوات الأربع الماضية بعد أقل من عامين على الاستقلال عن السودان. وفي هذا السياق، أنقذت قوات حفظ السلام عاملين في مجال الإغاثة الإنسانية وموظفين في الأمم المتحدة، ومنعت خطف مدنيين على أيدي جماعات مسلحة. ووفقًا للبيانات الصادرة عن الأمم المتحدة، فإنه خلال الفترة ما بين ديسمبر 2013 ويوليو 2016، قتل أكثر من 100 مدني وأربعة من جنود حفظ السلام التابعين للأمم المتحدة.

3- تيسير وصول المساعدات الإنسانية: أصدر مجلس الأمن، في 29 يونيو الماضي، قرارًا بخفض عدد البعثة المشتركة لحفظ السلام في دارفور بنسبة 30 في المئة على الأقل، وهو ما يعود إلى نجاحها بشكل كبير في تيسير سبل المساعدات الإنسانية نتيجة المعارك التي كانت تدور في الإقليم بين القوات الحكومية والحركات المتمردة منذ اندلاع الصراع في الإقليم عام 2003، حيث أسفرت عن مقتل 300 ألف شخص وتشريد 2,5 مليون من منازلهم، طبقًا لتقارير الأمم المتحدة. 

ووفقًا لقرار مجلس الأمن، سيخفض عدد القوات الأممية على مرحلتين بحلول فبراير 2018، إلى نحو 11 ألف رجل (8735 جنديًا و2500 شرطيًا) بنسبة خفض تبلغ 44 في المئة للجنود، و30 في المئة لرجال الشرطة، وسيعاد نشر قوات البعثة في منطقة جبل المرة التي تركزت فيها أعمال العنف في الأونة الأخيرة. وأعلنت وزارة الخارجية السودانية، في 1 يوليو 2017، أن قرار مجلس الأمن تخفيض عدد قوات حفظ السلام في دارفور مؤشر على طى صفحة النزاع في المنطقة.

4- درء تهديدات التنظيمات الإرهابية: وهو ما ينطبق على مهام قوات حفظ السلام في مالي التي تحاول منع تجدد النزاع بين الحكومة المالية والجماعات الانفصالية، لا سيما بعد أن أصبحت منطقة الساحل والصحراء في الأعوام الماضية بيئة خصبة للجماعات المتشددة، والتي يرتبط بعضها بتنظيمى "القاعدة" و"داعش"، على نحو يثير مخاوف بعض العواصم الأوروبية مثل فرنسا من أنها قد تهدد أمنها الوطني بعدما شنت تلك الجماعات هجمات على أهداف بارزة في العاصمة باماكو وباركينافاسو وساحل العاج.

ويؤكد ذلك أن توقيع اتفاقات السلام لم يمنع تمدد التنظيمات الإرهابية والجماعات المتطرفة. لذا، وضع مجلس الأمن، في 6 سبتمبر الجاري، نظام عقوبات خاصًا بدولة مالي يسمح للأمم المتحدة بأن تدرج على القائمة السوداء أى شخص ينتهك أو يعرقل اتفاق السلام الذي تم إبرامه في عام 2015 أو يعطل تسليم المساعدات أو يرتكب انتهاكات لحقوق الإنسان أو يجند الأطفال، لا سيما أن قوات الأمم المتحدة في مالي هى واحدة من أكثر بعثات حفظ السلام على مستوى العالم يسقط منها قتلى عبر الهجمات التي تستهدفها. كما أن هدف قوات حفظ السلام الإفريقية إضعاف سيطرة حركة "الشباب" على بعض المناطق في الصومال.

إشكاليات معرقلة:

إن هناك مجموعة من الإشكاليات تعرقل قوات حفظ السلام في أداء مهامها، وهو ما توضحه النقاط التالية:

1- الاستهداف من قبل الجماعات المسلحة: على نحو ما حدث بالنسبة لقوات حفظ السلام في وسط مالي في منتصف أغسطس 2017، وتحديدًا في معسكر في تمبكتو، حيث أسفرت الهجمات عن مقتل جندي من قوات حفظ السلام وأربعة من المسلحين. وفي يونيو 2017، استهدف مسلحون ثلاثة من قوات حفظ السلام في كيدال في شمال مالي. فضلا عن الهجوم الذي وقع في منتصف أغسطس وأدى إلى مقتل سبعة أشخاص بينهم أحد أفراد قوة حفظ السلام وخمسة حراس أمن ماليين ومدني.

 ويشير ذلك إلى نشاط الجماعات المسلحة في مناطق الساحل والصحراء من موريتانيا غربًا إلى السودان شرقًا، على الرغم من وجود بعثة لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة وقيام قوة فرنسية مؤلفة من أربعة آلاف جندي بعمليات عبر الحدود "الرخوة" للقضاء عليهم.

 على جانب آخر، قامت حركة "شباب المجاهدين" باستهداف بعثة الاتحاد الإفريقي لحفظ السلام في الصومال (أميسوم) بسيارة ملغومة في مايو 2015، وتحديدًا في قاعدة جنالي بجنوب الصومال.

 كما شنت الحركة هجمات على دول جوار الصومال مثل كينيا وأوغندا، ردًا على إرسال قواتها إلى الصومال في إطار قوة حفظ السلام التابعة للاتحاد الإفريقي. وكذلك، يمكن تفسير رفض مجلس الأمن مشروع حظر الأسلحة (سواء تسليح أو بيع أو نقل أسلحة أو أى معدات مرتبطة بها بما في ذلك السلاح والذخيرة) لمدة عام على جنوب السودان، في 23 ديسمبر 2016، خوفًا على مصير قوات حفظ السلام.

2- محدودية قدرة قوات حفظ السلام على الدفاع عن نفسها: لا سيما في ظل عدم معرفة أفرادها، في بعض الأحيان، بالبيئة السياسية والأمنية والاجتماعية التي يعملون فيها. وفي هذا السياق، قال عبدالله الأزرق وكيل وزارة الخارجية السودانية، في 11 مارس 2016: "قررنا إخراج قوة الأمم المتحدة من السودان وهذا غير قابل للتفاوض". وأضاف: "إن هذه القوات عبء أمني على الحكومة السودانية. فلا يمكنها حماية نفسها. والعصابات دائمًا تستولى على أسلحتها لأنه ليس لديهم دافع للقتال".

 غير أن الحكومة السودانية، وفقًا لاتجاه سائد في الأدبيات، لا تريد إخراج قوات حفظ السلام المعنية بدارفور لاستمرار تدفق الأموال المخصصة لميزانية البعثة البالغة 1,1 مليار دولار على السودان، بل إن غرضها هو إضعافها دون إزعاجها بانتقادات حقوق الإنسان.

3- اتساع رقعة الصراع المشتعلة: توجد في بعض مناطق تمركز قوات حفظ السلام جبهات صراع متعددة لا جبهة واحدة. وفي هذا السياق، قال ديفيد شيرر رئيس بعثة حفظ السلام في جنوب السودان، في 20 يونيو 2017: "إن الحرب الأهلية في البلاد تحولت من اقتتال بين طرفين هما الرئيس سلفا كير ونائبه رياك مشار إلى صراع بين أطراف متعددة"، على نحو يضعف جهود قوات حفظ السلام في أداء مهامها.

4- التأخر في تنفيذ المهام العاجلة: فعلى الرغم من تحسن قدرة البعثة على تحقيق التكليف بحماية المدنيين، تعرضت قوات حفظ السلام في جنوب السودان لانتقادات متصاعدة بعد اندلاع الحرب الأهلية، من قبل الجماعات الفاعلة في مجال الإغاثة الإنسانية مثل العاملين في منظمة أطباء بلا حدود، بسبب عدم تنظيم دوريات كافية في بعض المناطق بما يهدد بإضعاف أية محاولات لإرساء السلم والأمن في البلاد. ومن هذا المنطلق، تمت إقالة قائد قوة حفظ السلام في جوبا في 1 نوفمبر 2016 لتقصيره في حماية المدنيين والنساء من الاغتصاب.

وكذلك الحال بالنسبة لاتهام الولايات المتحدة الأمريكية قوات "اليونيفيل" بالتقصير في منع تدفق الأسلحة الإيرانية لحزب الله. فقد صرحت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي، في 25 أغسطس 2017 قائلة: "إن قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في جنوب لبنان لا تقوم بعملها بالشكل الفعال لمنع التزويد الكثيف لحزب الله بالسلاح وغالبيته بواسطة عمليات تهريب من إيران".

5- مزاعم تبعيتها للدولة المضيفة: ففي هذا السياق، نفت بعثة الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي المشتركة لحفظ السلام في إقليم دارفور "يوناميد"، في بيان صادر عنها في 11 سبتمبر الجاري، تسليم مقرات لقوات الدعم السريع الموالية للجيش السوداني، بعد أن اتهمت حركتا "تحرير السودان" بقيادة منى أركو مناوي و"العدل والمساواة" بقيادة جبريل إبراهيم بالتسليم بطريقة غير مناسبة واعتبرت ذلك خطوة غير قانونية لأن تلك القوات ميلشيا موالية للحكومة.

6- مقاومة الدولة المضيفة لأداء مهامها: على نحو ما يشير إليه طلب الحكومة السودانية من بعثة "يوناميد" الاستعداد للرحيل منذ عام 2014، لا سيما في ظل محاولة البعثة التحقيق في مزاعم ارتكاب سودانيين عمليات اغتصاب جماعي في بلدة "تابت" في دارفور، في حين تنفي الحكومة السودانية ارتكاب جنودها أية مخالفات، وترى أنه من الأفضل تحويل ميزانية الإنفاق على مهمة "يوناميد" لصالح التنمية في دارفور.

7- الإسهام بشكل غير مباشر في تمويل الجماعات الإرهابية: وهى إحدى الإشكاليات الجديدة التي تواجهها. فقد أدى اختطاف 35 جنديًا من فيجي يشاركون في قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في الجولان إلى تفاوض الدوحة مع "جبهة النصرة" في سبتمبر 2014، للإفراج عن الرهائن مقابل مبالغ مالية طائلة. لذا، أسهمت عائدات تحرير جنود قوات حفظ السلام في بعض مناطق انتشارها في تمويل الخزانات المالية للجماعات المتطرفة في دول الإقليم، وهو ما يعطي دليلاً مؤكدًا على علاقات الدوحة بالتنظيمات الإرهابية، وخاصة "جبهة النصرة"، وبدعم مباشر من إيران.

8- عدم التنسيق مع القوات العسكرية الموازية: وهو ما يفسر استمرار ضربات الجماعات المتشددة في مالي رغم وجود بعثة لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة، وتشكيل خمس دول وهى (موريتانيا ومالي والنيجر وتشاد وبوركينافاسو) قوة عسكرية مستقلة قوامها خمسة آلاف جندي لمحاربة تلك الجماعات التي تندرج ضمن الجماعات الإرهابية على لائحة الأمم المتحدة وتدعمها فرنسا لاستخدام القوة العسكرية في سبيل محاربة الإرهاب والإتجار بالمخدرات والأشخاص.

مسارات مختلفة:

خلاصة القول، إن دعم حجم وزيادة فاعلية قوات حفظ السلام الأممية والإقليمية يعبر عن مخاطر تواجهها دول الإقليم، وخاصة في الصومال ومالي ودارفور وجنوب السودان والصحراء الغربية ولبنان والجولان، بما يؤدي إلى الإسراع في تقليص حدة التوترات في مناطق التوتر، سواء بجهود العسكريين أو المدنيين، بخلاف مساعي ممثلي الأمين العام للأمم المتحدة في بعض النزاعات لإنجاز تسويات شاملة، وهو ما يقتضي السير في مسارات مختلفة لتطوير أداء مهامها سواء عبر تدفق إضافي لأعدادها أو تأمين مضاعف لقواعدها أو ملاحقة مرتكبي الجرائم ضد قواتها أو مواجهة التجاوزات المسيئة التي ترتكبها شريحة منها أو الابتعاد عن التدخلات المسيسة لعناصرها.