مصير غامض:

جهود تثبيت المناطق منخفضة التوتر في سوريا

18 September 2017


توصلت الدول الضامنة لاتفاق الهدنة في سوريا (روسيا وتركيا وإيران)، في 15 سبتمبر الجاري، خلال الاجتماع العام الختامي لمفاوضات "أستانة-6"، إلى اتفاق جديد يقضي بتثبيت مناطق خفض التصعيد الأربعة في سوريا والتي تم التوافق بشأنها من قبل في مايو الماضي. ويُشار في هذا الإطار إلى أن اجتماع أستانة المقبل سيكون في أواخر شهر أكتوبر المقبل.

وتوضح الخريطة التالية مواقع مناطق خفض التصعيد الأربعة:

 

آليات جديدة: 

يمكن رصد مضمون الاتفاق الروسي التركي الإيراني بشأن تثبيت المناطق منخفضة التوتر بسوريا، وذلك على النحو التالي: 

1- أن إقامة مناطق خفض التوتر إجراء مؤقت، ستكون مدة سريانه 6 أشهر في البداية، قابلة للتمديد بصورة تلقائية بإجماع الدول الضامنة، والتأكيد على أن إقامة مناطق خفض التوتر لا تمس سيادة سوريا واستقلالها ووحدة أراضيها.

2- نشر قوات لمراقبة خفض التوتر وفقًا للخرائط المتفق عليها في أنقرة في 8 سبتمبر الجاري، وبموجب شروط نشر هذه القوات التي وضعتها لجنة العمل المشتركة، في المنطقة الآمنة بإدلب وأجزاء من المحافظات المجاورة لمنع وقوع اشتباكات بين الأطراف المتنازعة.

3- تشكيل مركز إيراني روسي تركي مشترك لتنسيق عمل قوات المراقبة، بما يضمن نجاح جهود وقف إطلاق النار، ولتجنب وقوع حوادث في مناطق تخفيف التوتر في سوريا.

4- العزم على مواصلة الحرب ضد داعش وجبهة النصرة وجماعات وكيانات أخرى مرتبطة بداعش والقاعدة داخل مناطق خفض التوتر وخارجها.

5- ضرورة الاستفادة من مناطق خفض التوتر لتأمين إيصال سريع وآمن ودون إعاقة للمساعدات الإنسانية.

6- حث الأطراف ذات صفة المراقبين في عملية أستانة وغيرهم من أعضاء المجتمع الدولي على دعم عملية خفض التوتر وبسط الاستقرار في سوريا، بما في ذلك عبر إرسال مساعدات إضافية للشعب السوري، والمشاركة في عملية إعادة إعمار البلاد.

7- ضرورة أن تتخذ الأطراف المتصارعة تدابير لبناء الثقة، بما في ذلك الإفراج عن المحتجزين والمختطفين، وتسليم الجثث، فضلًا عن التعرف على الأشخاص المفقودين، من أجل تهيئة ظروف أفضل للعملية السياسية، والوقف الدائم لإطلاق النار. 

8- دعوة الأطراف المتنازعة، وممثلين عن المعارضة السورية والمجتمع المدني، لاستغلال الظروف الملائمة الناشئة لتفعيل الحوار بين السوريين، والدفع إلى الأمام بالعملية السياسية تحت الرعاية الأممية في جنيف وغيرها من المبادرات.

مواقف إيجابية:

جاءت أبرز ردود الفعل حول الاتفاق الروسي التركي الإيراني على النحو التالي:

موقف النظام:

‌أ1- تأكيد رئيس وفد النظام السوري إلى أستانة "بشار الجعفري" على نجاح الجولة السادسة من محادثات أستانة، وأن أهم نتيجة لها هي الاتفاق حول منطقة خفض التصعيد في إدلب. كما أكد أن حكومات الدول الراعية للأستانة هي الضامن لتنفيذ اتفاق مناطق تخفيف التوتر.

موقف المعارضة: 

‌2- تأكيد المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات "يحيى العريضي" أن أهم نقطتين خرجت بها محادثات الأستانة هما: ضم إدلب لمناطق خفض التوتر، ومناقشة قضية المعتقلين في سجون الحكومة السورية والمُقدر عددهم بحوالي 250 ألفًا. كما أشار إلى أنه تم الفصل بين الجماعات الإرهابية والمعتدلة في إدلب. 

الموقف الروسي: 

‌3- تأكيد رئيس الوفد الروسي إلى مفاوضات أستانة "ألكسندر لافرينتيف" أن عدد المراقبين من روسيا وتركيا وإيران في منطقة خفض التصعيد بريف إدلب، قد يبلغ 1500 شخص، أي 500 مراقب من كل دولة، وأن روسيا سترسل إلى إدلب وحدات غير قتالية من الشرطة العسكرية. 

‌4- دعوة "لافرينتيف" المعارضة السورية للتخلي عن المطالب التعجيزية، والتخلي عن فكرة تشكيل الجيش الوطني، على اعتبار أن الهدف منها ليس محاربة الإرهاب، وإنما إسقاط الحكومة السورية، ومطالبتها بإكمال عملية الفصل بين المعارضة السورية البناءة والجماعات الإرهابية. 

الموقف الأمريكي:

‌5- إعراب وزارة الخارجية الأمريكية عن قلقها إزاء مشاركة إيران في مفاوضات أستانة بصفة دولة ضامنة لوقف إطلاق النار، خاصة وأن دعم طهران للنظام السوري يزيد من شدة النزاع ومن معاناة السوريين.

تحديات معرقلة: 

تبقى احتمالات نجاح فكرة المناطق منخفضة التوتر ضئيلة جدًّا في ضوء العقبات التي تعترض تطبيقها، والتي يمكن رصد أهمها على النحو التالي: 

1- عدم إدراج فاعلين رئيسيين في الصراع السوري على غرار الولايات المتحدة ضمن الدول الراعية للاتفاق، وذلك على الرغم من إعلان واشنطن وموسكو وعمان في 7 يوليو الماضي التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في جنوب غرب سوريا، وذلك في أعقاب لقاء الرئيسين الأمريكي "دونالد ترامب" والروسي "فلاديمير بوتين" على هامش قمة العشرين في مدينة هامبورج الألمانية. (يُشار إلى أن وفدًا من الولايات المتحدة شارك في اجتماع الأستانة الأخير بصفة مراقب).

2- استمرار غياب الثقة بين أطراف الصراع السوري، في ضوء فشل الاتفاقات السابقة بين النظام والمعارضة، مثلما حدث في نهاية فبراير 2016 مع انهيار الهدنة الأولى، أو في منتصف سبتمبر 2016 مع انهيار الهدنة الثانية، أو تراجع الالتزام بالهدنة الثالثة التي بدأت في نهاية ديسمبر 2016. 

3- الواقع العسكري المعقد خاصة في محافظة إدلب والصعوبات التي تعترض تحديد الجغرافيا التي سيشملها وقف القتال، خاصة ما يرتبط بتحديد الحيز الجغرافي الذي يسيطر عليه تنظيما داعش وجبهة فتح الشام والمجموعات الأخرى التي تُسمَّى "إرهابية" من مجلس الأمن. 

وتجدر الإشارة في هذا الإطار إلى أن هيئة تحرير الشام التي تضم فصائل أبرزها "جبهة فتح الشام" تشهد خلال الفترة الحالية انشقاقات في صفوفها واستقالات واغتيالات لقيادييها. فعلى سبيل المثال، أعلن "جيش الأحرار"، وهو أحد أكبر الفصائل العسكرية في الهيئة، الانشقاق عنها. كما تؤكد تقارير عدة أن غالبية الفصائل المنضوية تحت راية "هيئة تحرير الشام" تلقت إشارات من الجانب التركي بالابتعاد عن جبهة النصرة لتجنب استهدافها.

4- التكثيف المتوقع للعمليات العسكرية من جانب تنظيمي داعش وجبهة فتح الشام لضمان عدم نجاح فكرة المناطق منخفضة التوتر، وذلك في ضوء إدراك كلا التنظيمين أن نجاح ذلك الأمر سيؤدى إلى فناء كليهما نظرًا لتركيز عمليات الأطراف الأخرى ضدهما.

5- صعوبات نشر مراقبين أو قوات حفظ سلام على الأرض في مناطق الصراع، وذلك لكثرة القوى المتقاتلة على الأرض وتشابكها، وتداخل بعض الفصائل المعتدلة مع التنظيمات الإرهابية، وصعوبات تحديد المتسبب في الخروقات. 

6- سيطرة "هيئة تحرير الشام" على معظم محافظة إدلب بعد نجاحها في طرد حركة "أحرار الشام" وحلفائها من المحافظة في 23 يوليو الماضي، وبالتالي قد يُجهض ذلك الأمر مساعي وقف التصعيد في إدلب والأرياف المحيطة بها خاصة مع وجود امتدادات عسكرية للجبهة في تلك المناطق. 

ويُشار -في هذا السياق- إلى الأنباء التي تشير إلى قرب شن عملية عسكرية تركية روسية مشتركة تستهدف "هيئة تحرير الشام" في إدلب قبل ضم المحافظة إلى مناطق خفض التوتر، ووجود تفاهمات تركية روسية تقضي بنشر قوات تركية في مناطق فصائل المعارضة في إدلب، على أن تنتشر قوات روسية وإيرانية في مناطق القوات النظامية، وتشير صحيفة "بني شفق" التركية إلى أن أنقرة تعتزم وبمشاركة من "الجيش السوري الحر" إرسال 25 ألف جندي لإدلب.

عقدة مستمرة:

من الواضح أن آليات مراقبة وتنفيذ فكرة المناطق منخفضة التوتر التي تم الاتفاق بشأنها لا تزال غامضة، حيث لم تقم الدول الضامنة للاتفاق بوضع تصور حقيقي وجاد يكون قادرًا على ضبط حركة الأطراف على الأرض بما يتوافق مع تعقيدات المشهد السوري، كما يُلاحظ استمرار عدم وضع عقوبات على الأطراف المخالفة.

كما يتضح أن إمكانية تطبيق فكرة المناطق منخفضة التوتر في الجنوب السوري ستكون سهلة نسبيًّا، في حين أن تطبيقها في الشمال السوري سيكون أمرًا في غاية الصعوبة، نظرًا لتشابك التنظيمات وتعقد خريطة المعارك في هذه المناطق.

وتظل جبهة فتح الشام تُشكِّل العقدة الرئيسية في سبيل تطبيق الفكرة، خاصة في ريف إدلب وريف دمشق، في ضوء تداخلها الجغرافي مع فصائل معتدلة أخرى. ومن المرجَّح تكثيف كلٍّ من تنظيم داعش وجبهة فتح الشام خلال الفترة المقبلة من عملياتهما العسكرية لضمان عدم نجاح فكرة مناطق خفض التوتر.