انتصار بطعم الهزيمة

07 September 2017


على الأرض، ومن الناحية العسكرية، يبدو بشار الأسد ونظام حكمه هو المنتصر. لم يكن هذا ليحدث دون توفر عدة عوامل: دعم حلفائه (وخاصة روسيا وإيران و«حزب الله»)، كما أن الضعف الداخلي للمعارضة السورية بمعنى الإخفاق في تجييش قوى المجتمع داخلياً، وفي تأمين مصادر الدعم الخارجي. وثمة عامل مهم آخر ساهم في انتصار الأسد، وقلّما تم الالتفات إليه وتحليله كما يجب، ألا وهو مساهمة «داعش» في هذه النتيجة، بمعنى أن السلوك الوحشي والبربري لهذا التنظيم المتطرف، جعل الكثيرين يأخذون جانب النظام السوري دون اقتناع، لأنه يبدو أقل الشرين، وهو ما نسميه في العلاقات الدولية «الأصدقاء الأعداء»، بمعنى أنه على الرغم من العداوة المعلنة ل«داعش» من جانب نظام الحكم السوري، إلا أنه يستفيد من وجودها ليجعلها «العدو الأهم» للحرية والعدالة، وبالتالي يضمن جزءاً هاماً من التأييد العالمي على أساس أنه الأفضل نسبياً.

انتصار الأسد على الأرض لا يعني بالمرة نهاية الأزمة السورية، بل بداية مرحلة جديدة مع استمرار هذه الأزمة. فالأرقام التقديرية، حسب البنك الدولي لهذه الكارثة السورية، مخيفة بكل المعايير: فقد كلفت الحرب حتى الآن 226 مليار دولار، أو ما يعادل أربع مرات الناتج القومي الإجمالي لهذا البلد قبل بداية الحرب، وحوالي 50% من سكان هذا البلد ما بين لاجئ داخلي وخارجي، وبالتالي يجب العمل على دمجهم مرة أخرى في الحياة العامة. وهكذا تقول التقديرات إن إعادة تشغيل المؤسسات المختلفة سيتطلب 200 مليار مع مبالغ إضافية لعلاج ملايين المصابين وتعويض المعاقين مدى الحياة، وبالطبع لا يمكن إعادة الحياة إلى 320 ألف شخص قتلوا خلال هذه الحرب.

سوريا إذن ستبقى جريحة لسنوات، وهكذا تنضم لأقطار عربية أخرى، مثل: العراق، وليبيا، واليمن.. وليزيد كل هذا من جراح المنطقة العربية ككل. الآثار إذن تتعدى سوريا نفسها. وعلى هذا المستوى الإقليمي، هناك ثلاث استخلاصات أساسية:

1- يميل النفوذ على مستوى الإقليمي إلى الدول غير العربية على حساب الدول العربية، ونجاح بشار الأسد يعود أساساً إلى الدعم الخارجي، خاصة الروسي والإيراني، وبالتالي فإنه بعد نهاية هذه المرحلة من الحرب الأهلية، سيكون عليه دفع الثمن لداعميه ومناصريه، أي ترسيخ نفوذهم الإقليمي.

2- لم تبدأ هذه الخسارة العربية مع بشار، ولكن من أهم محطاتها كان صدّام حسين في العراق وغزوه للكويت وما تلاه من حصار مميت إلى غزو أميركي في سنة 2003، ثم تزايد النفوذ الإيراني، واستمرار الحرب الأهلية وتفتيت العراق دولة وشعباً.

3- تضاءلت مركزية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على المستوى الإقليمي، وحتى الدولي، لتحل محلها بؤر صراع عربية تقسم العرب، وبالتالي تزيد من نفوذ هؤلاء الذين يترصدون للصيد في المياه العكرة.

انتصار بشار العسكري لا يضع حداً للكارثة السورية، بل هو مؤشر على انتقالها لمرحلة أخرى، مع تداعيات شبه كارثية للمنطقة العربية ككل.

*نقلا عن صحيفة الاتحاد