مواجهة مؤجلة:

كيف تتعامل إسرائيل مع الوجود الإيراني في سوريا؟

07 September 2017


صعّدت إسرائيل خلال الفترة الأخيرة من حدة انتقاداتها للدور الذي تقوم به إيران داخل سوريا، حيث اتهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إيران بإنشاء مصانع لإنتاج صواريخ في كل من سوريا ولبنان. وبدا أن تل أبيب تسعى إلى توجيه رسائل مباشرة إلى إيران وحلفائها من خلال المناورات العسكرية التي بدأت في إجرائها في 5 سبتمبر الجاري، والتي تعد الأكبر للجيش الإسرائيلي منذ 19 عامًا.

ومن دون شك، فإن ذلك لا يمكن فصله عن التطورات التي تشهدها سوريا على الصعيدين السياسي والميداني، بعد الهزائم التي منى بها تنظيم "داعش" واتساع مساحة المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري بدعم من جانب روسيا وإيران وحلفائها، فضلا عن استمرار التفاهمات التي تجري بين العديد من القوى الإقليمية والدولية المعنية بتلك التطورات.

خيارات مختلفة:

تسعى إسرائيل من خلال تصعيد حدة المواجهة مع إيران على الجبهة السورية إلى الحد من الوجود الايراني الدائم في سوريا مستقبلاً، ومنع تكرار النموذج الروسي في سوريا عبر تأسيس قواعد عسكرية إيرانية، وهو ما تعتبره إسرائيل تهديدًا مباشرًا لها.

ووفقًا لاتجاهات عديدة، فإن يوسي كوهين رئيس جهاز الموساد هو الذي يتبنى هذا الاتجاه الذي يرى أن بقاء إيران في سوريا يمثل أعلى مستوى من التهديد لإسرائيل في المرحلة المقبلة. وقد تمكن كوهين في هذا السياق من استقطاب تأييد كل من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ومدير الاستخبارات العسكرية ووزير الدفاع فضلا عن عدد من القيادات السياسية والحزبية في إسرائيل.

وانطلاقًا من ذلك، تبنت تل أبيب خيارات رئيسية ثلاث للتعامل مع الوجود الإيراني في سوريا: يتمثل الأول، في فتح قنوات اتصال مباشرة مع روسيا باعتبار أنها تقود التحالف الداعم لبقاء نظام الأسد في السلطة، حيث كان هذا الملف تحديدًا أحد المحاور الرئيسية في المحادثات التي أجراها نتنياهو في موسكو في 23 أغسطس 2017.

لكن تقارير عديدة أشارت إلى أن موسكو لم تبد اهتمامًا كبيرًا، على ما يبدو، بالمخاوف الإسرائيلية بشأن تنامي الوضع العسكري لإيران في سوريا، وهو ما يمكن تفسيره في ضوء اعتبارات عديدة، منها أن روسيا ما زالت حريصة على مواصلة التنسيق مع إيران على المستويين السياسي والعسكري، فضلا عن أن المسئولين الإسرائيليين ربما لم يتمكنوا من إقناع روسيا بالتهديد الذي تفرضه التحركات الإيرانية على الأرض في سوريا.

وفي رؤية اتجاهات أخرى، فإن روسيا لديها القدرة على التحقق من المعلومات الإسرائيلية حول مصانع إنتاج الصواريخ، فبالنظر إلى المواقع المشار إليها، يتضح أنها تتوسط المسافة بين القاعدتين العسكريتين الرئيسيتين اللتين قامت روسيا بإنشائهما في اللاذقية وطرطوس. كما أنها ربما ترى، وفقًا لتلك الاتجاهات، أن الأدوار التي تقوم بها إيران والميليشيات الحليفة لها، ما زالت تتوافق، حتى الآن، مع مصالحها وحساباتها، رغم إعرابها عن استياءها، في بعض الأحيان، من بعض الخطوات التي تتخذها الأخيرة.

وينصرف الثاني، إلى توسيع نطاق التعاون والتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية، حيث توجه وفد أمني إسرائيلي إلى واشنطن بهدف وضع المطالب الإسرائيلية في سياق التفاهمات التي تجري بين واشنطن وموسكو حول سوريا ومستقبلها. وطبقًا لتقارير عديدة، فقد بحث هذا الوفد مع بعض المسئولين الأمريكيين الملف السوري وخاصة وقف إطلاق النار في جنوب سوريا وتصاعد نفوذ إيران وحزب الله، والمخاوف التي تبديها إسرائيل إزاء ذلك.

وقد تعاملت واشنطن بجدية مع تلك المخاوف، وهو ما بدا جليًا في التصريحات التي أدلت بها المندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة نيكى هيلى، في 6 سبتمبر الجاري، وقاربت فيها بين عدم التزام إيران بالاتفاق النووي وتعزيز برنامجها للصواريخ الباليستية. كما انعكس في مطالبة وزير الخارجية ريكس تيلرسون بإنهاء وجود القوات الإيرانية في سوريا كشرط لمواصلة التعاون مع روسيا على الساحة السورية.

ويتعلق الثالث، بإعادة تعبئة الرأى العام الإسرائيلي مرة أخرى تجاه "الخطر الإيراني"، بالإضافة إلى التعبئة الأمنية التي تقوم على اختبارات أمنية متطورة مرحليًا، وهو ما يظهر من خلال المناورات التي بدأتها إسرائيل في 5 سبتمبر الجاري على مسرح عمليات الجبهة الحدودية مع سوريا ولبنان، والتي تشير تقارير إسرائيلية إلى أنها الأضخم منذ عقدين تقريبًا، وقد نقلت عن عسكريين أنها تحاكي مواجهة محتملة مع حزب الله فى كل من سوريا ولبنان.

هدف مستقبلي:

تطرح هذه التحركات المتسارعة التي تقوم بها إسرائيل تساؤلات عديدة حول أسباب عدم إقدامها على قصف تلك المواقع التي رصدتها وأشارت إلى أنها مخصصة لبناء مصانع لإنتاج الصواريخ، على غرار ما فعلت في عام 2007 حينما أقدمت على قصف مبنى قالت أنه كان قيد الإنشاء لمفاعل نووي سوري.

وطبقًا لاتجاهات عديدة، فإن إسرائيل اعتمدت هذا التكتيك للإبقاء على الدليل الذي يثبت رؤيتها الخاصة للتهديدات الإيرانية، لا سيما أن قصف تلك المواقع لن يضيف جديدًا إلى مشهد حافل بالدمار في سوريا، في حين أن الإبقاء عليها يحقق الغاية التي تسعى إليها إسرائيل، وقد تكون هدفًا محتملاً في المستقبل يفتح الباب لتدخلها في المعركة السورية لاحقًا.

رسائل مضادة:

اللافت في هذا السياق، أن إيران لم تبد موقفًا واضحًا إزاء هذه الاتهامات الإسرائيلية، وهى سياسة إيرانية متبعة بشكل عام في مثل هذه الحالات، لكنها في الوقت نفسه ردت على الدعم الأمريكي للتصور الإسرائيلي، حيث أكد وزير الدفاع الإيراني الجديد أمير حاتمي أن بلاده تعطي الأولوية لتعزيز برنامجها الصاروخي وتصدير الأسلحة لدعم الحلفاء، وقال في هذا السياق: "إذا أصبح بلد ما ضعيفًا، يتشجع الآخرون على غزوه، حيثما تقتضي الضرورة، سنقوم بتصدير أسلحة لزيادة أمن المنطقة والبلدان، ولمنع الحروب".

ومن دون شك، فإن حرص المسئولين الإيرانيين على الإدلاء بمثل تلك التصريحات يهدف إلى توجيه رسالة بأن إيران لن تتراجع عن دعم دورها في الإقليم، وأنها ما زالت تسعى لاستغلال الاتفاق النووي الذي توصلت إليه مع مجموعة "5+1" في 14 يوليو 2015، من أجل تحقيق ذلك، باعتبار أنه ساعدها في تقليص الضغوط الدولية التي كانت مفروضة عليها وساهم في رفع العقوبات الدولية التي تعرضت لها وحصولها على بعض الأموال المجمدة في الخارج.

وربما يدفع ذلك إسرائيل إلى توسيع نطاق تحركاتها من أجل إلقاء الضوء على الوجود الإيراني في سوريا في المرحلة القادمة، التي يبدو أن الأخيرة سوف تشهد فيها استحقاقات استراتيجية بارزة.