مخاطر مستمرة:

خسائر الاقتصادات الأوروبية من هجمات "داعش"؟

22 August 2017


شهدت بعض العواصم الأوروبية خلال الفترة الماضية هجمات متتالية من قبل تنظيم "داعش" كان آخرها حادث الدهس بمدينة برشلونة الإسبانية في 17 أغسطس الجاري، والذي أسفر عن مقتل وإصابة عدد كبير من السياح. ويأتي الاتجاه المتصاعد لهذه الهجمات في إطار فقدان التنظيم مساحات واسعة من المناطق التي كان يسيطر عليها بالعراق وسوريا، فضلاً عن مقتل عدد كبير من قياداته العليا، وبما دفعه نحو التحول لتوسيع نطاق عملياته في مناطق أخرى بالعالم، ولا سيما بالقارة الأوروبية.

 وفي واقع الأمر، فإن تنفيذ "داعش" بعض العمليات الإرهابية بأوروبا يأتي انعكاسًا لتمكنه من تطوير شبكات تجنيد وتمويل قوية تابعة له في أوروبا تشمل عددًا كبيرًا من المقاتلين الأوروبيين المحتملين الذين انخرطوا، حسب اتجاهات عديدة، في معارك التنظيم بمناطق الصراع في العراق وسوريا، واعتماده في الوقت نفسه على أساليب هجومية غير معقدة كالدهس أو الطعن فيما يعرف بـ"عمليات الذئاب المنفردة". وهذه الطريقة من البساطة في التنفيذ بما لا يثير انتباه السلطات الأمنية الأوروبية كما لا تحتاج أموالاً كبيرة لارتكابها.

 ومع استمرار التنظيم في ارتكاب تلك العمليات، فإن ذلك معناه أن الاقتصادات الأوروبية ستتكبد تكاليف باهظة لاعتبارات عديدة: يتمثل أولها، في ارتفاع مستويات الاستعداد الأمني لمواجهة "داعش" والذي سينعكس في زيادة الإنفاق الأمني. وينصرف ثانيها، إلى الأضرار المادية والبشرية التي ستتحملها الحكومات. ويتعلق ثالثها، بالتراجع المحتمل الذي سيصيب القطاع السياحي في كثير من تلك الدول. ومحصلة هذه التكاليف معًا تعني أن المخاطر الجيوسياسية ستعرِّض الاقتصادات الأوروبية لضغوط إضافية في الفترة المقبلة، ولا سيما في حال تصاعد عمليات "داعش" في أوروبا.

ارتباط مباشر:

 يرتبط تطور تهديد "داعش" للقارة الأوروبية في الآونة الأخيرة، حيث شهدت القارة زيادة كبيرة في الهجمات الإرهابية التي يشنها التنظيم في بعض العواصم، بالهزائم التي تعرض لها التنظيم في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا منذ أواخر عام 2016. وقد أدت هذه الهزائم إلى فقدان "داعش" مساحات واسعة من الأراضي التي كان يسيطر عليها في العراق وسوريا، وبما أضعف من الثقل المالي والعسكري للتنظيم. وفقد التنظيم أيضًا أبرز قياداته العليا، ولم يعد بمقدوره تجنيد مزيد من المقاتلين الأجانب كما كان عليه الحال في السابق.

 هذه الاعتبارات السابقة دفعت "داعش" إلى التحول نحو توسيع نطاق عملياته في العالم وأوروبا على الأخص، معتمدًا على آليات مختلفة في التمويل والتنفيذ والتجنيد. وفي هذه الأثناء أيضًا، كثيراً ما كان يدعو التنظيم لشن هجمات ضد أهداف اقتصادية ومدنية وعسكرية في أوروبا. وبحسب ما تشير إليه العديد من الاتجاهات، فقد نجح التنظيم في بناء شبكة من المتعاطفين معه، ولا سيما من المواطنين الأوروبيين ذوي الأصول الشرق أوسطية. وهناك أيضًا أكثر من 5 آلاف شخص من الاتحاد الأوروبي يرجح انخراطهم مع تنظيم "داعش" في معاركه العسكرية بالعراق وسوريا. ومن دون شك فإن الأعداد الكبيرة السابقة من المحتمل أن تكون بؤر هجومية لشن هجمات مستقبلية في الدول الأوروبية.

تكتيكات مؤثرة:

 في إطار العوامل السابقة، تعرضت بعض العواصم الأوروبية لعدد كبير من الهجمات الإرهابية، وكان آخرها الهجوم الذي تبناه "داعش" في برشلونة، والذي أسفر عن مقتل 15 شخصًا وإصابة 100 آخرين. ووفق إحصاءات اليوروبول (الشرطة الأوروبية) فقد نفذ التنظيم 6 هجمات إرهابية من مجموع 13 هجوم تعرضت له أوروبا في عام 2016.

 واللافت للانتباه أن الحوادث التي شنها التنظيم في بعض الدول الأوروبية خلال الفترة الماضية ركزت في المقام الأول على أهداف غير متوقعة في بعض الأحيان مثل الملاعب الكروية والمطاعم والشوارع السياحية بسبب تأثيرها القوي وضخامة خسائرها، وقد يعني ذلك أن على أوروبا توقع المزيد من الهجمات المماثلة لتلك التي شنها التنظيم.

 وقد اعتمد "داعش" على آليات هجومية لا تثير انتباه السلطات الأمنية الأوروبية مثل الدهس أو الطعن، حيث أن منفذ العملية الإرهابية ليس بحاجة لاستخدام متفجرات أو أسلحة يمكن أن تكتشفها أجهزة الأمن، وكل ما يحتاجه هو إجادة قيادة الشاحنات أو السيارات، ثم الاندفاع بها وسط حشود الناس، بشكل يجعل تكاليف هذه العمليات ضئيلة للغاية قد لا تتعدى 1000 دولار في بعض الأحيان.

 وعلى ما يبدو، فإن القيام بهذه الهجمات لا يحتاج إلى تدريب طويل ومكثف لمنفذي الهجمات. ورغم ذلك أشار اليوروبول في عام 2016 إلى أن "داعش" تمكن أيضًا من إيجاد مراكز لتدريب محدودة النطاق داخل بعض دول البلقان. كما كشفت الحوادث الإرهابية عن أن من نفذها هم مجموعة من العناصر المنتمية لـ"داعش" وغير معروفة للسلطات الأمنية في أوروبا وبعضهم من صغار السن والمهاجرين من منطقة الشرق الأوسط.

تداعيات محتملة:

 من المحتمل أن تكبد الحوادث الإرهابية الاقتصادات الأوروبية مجموعة من التكاليف الكبيرة، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:

1- أضرار مادية مباشرة: تسببت هجمات "داعش" في مجموعة من الأضرار المادية المباشرة لمنشآت البنية التحتية الأوروبية، يضاف إليها تكاليف التعويضات التي تدفعها الحكومات. وفي هذا السياق، قدر نائب رئيس الوزراء البلجيكي كريس بيترز، في أكتوبر 2016، التكلفة الإجمالية لهجمات بروكسل بنحو 379.3 مليون دولار، تشمل تعويضات للضحايا وتعويضات عن الأضرار المادية التي شملت مطار بروكسل ومحطة مترو مالبيك، مع الأخذ في الاعتبار الخسائر المادية الباهظة التي أصابت القطاع السياحي في بروكسل.

2- تكاليف أمنية: كشف تكرار العمليات الإرهابية التي ينفذها "داعش" في أوروبا عن عدم كفاية التمويل المخصص للسلطات الأمنية وأجهزة الاستخبارات فضلاً عن انتشار السوق السوداء في تجارة السلاح. ولذا خصصت بلجيكا في أعقاب أحداث مارس 2016 نحو 450 مليون دولار إضافية لتطوير قدراتها الأمنية على المستويين البشري والتكنولوجي. ويرجح أن كثيرًا من الدول الأوروبية ستجري تغييرات كبيرة لتطوير منظومتها الأمنية بهدف رفع مستوى فعاليتها في مواجهة تنظيم "داعش"، كما تشارك كثير من تلك الدول بالفعل مع قوات التحالف الدولي في محاربة "داعش" داخل كل من العراق وسوريا.

3- خسائر سياحية: يعد قطاع السياحة أكبر الخاسرين من تلك العمليات الإرهابية، حيث تسببت في انخفاض تعداد السياح في كثير من الدول الأوروبية، نتيجة المخاوف الأمنية التي باتت أكثر تهديدًا للقطاع مقارنة بأى وقت مضى. وفي فرنسا على سبيل المثال، فقد سوق السياحة نحو 1.5 مليون سائح في عام 2016 نتيجة الهجمات التي شنها "داعش" في هذا العام، وبما تسبب أيضًا في خسائر في العوائد تقدر بنحو 1.5 مليار دولار في العام نفسه، يضاف إليها خسائر أخرى بنحو 2.3 مليار دولار في عام 2015.

 وفي النهاية، يمكن القول إنه من الطبيعي أن يكون للهجمات الإرهابية لـ"داعش" تأثيرات على الاقتصادات الأوروبية، على المدى القصير، لكن على المدى الطويل ربما سيكون تأثيرها محدودًا. ورغم ذلك سيبقى تكرار الهجمات مكلفًا للجانب الأوروبي سواء على الصعيد الأمني أو على المستوى الاقتصادي.