ظاهرة "تويوتا":

لماذا تصاعد اعتماد الإرهابيين على سيارات الدفع الرباعي؟

20 July 2017


تُعد سيارات الدفع الرباعي من طراز "تويوتا" العامل المُشترك في عدد كبير من العمليات الإرهابية التي جرت خلال السنوات الماضية؛ إذ تكشف متابعة مقاطع الفيديو التي تُصدرها التنظيمات المتطرفة وتحقيقات المؤسسات الأمنية عن الاعتماد المتزايد على سيارات تويوتا لأداء مهام ميدانية متعددة (مثل: اختراق النقاط الحصينة، والهجمات الإرهابية المتزامنة، وتنفيذ الأكمنة في المناطق الصحراوية، وعمليات الاستطلاع، ونقل المقاتلين)، وهو ما يرجع إلى ما تتسم به هذه السيارات من خصائص يتمثل أهمها في قوة التحمل والسرعة والمناورة خاصة في المناطق الصحراوية، والقدرة على التخفي وصعوبة التتبع وتعدد المصادر.

تكنولوجيا الاستخدام المزدوج:

تصاعد اعتماد الجماعات الإرهابية على الأدوات والتكنولوجيات المدنية في تعزيز قدراتهم الميدانية لمواجهة الجيوش النظامية، وهو الأمر الذي عادةً ما يمثل عنصر مفاجأة للقوات الأمنية في ظل قدرة هذه الجماعات على توظيف الأدوات المدنية التي تقع في أيديهم كسلاح بشكل لا يمكن التنبؤ به؛ إذ لا توجد قواعد محددة تحكم توظيفهم لهذه التكنولوجيات، وبالتالي فإن المواجهة عادةً ما تكون دون أي قواعد إرشادية أو سوابق تاريخية.

وفي هذا الإطار، يمكن الإشارة إلى عدد من الأمثلة لهذه الاستخدامات، مثل: استخدام الجماعات الإرهابية تطبيقات التواصل المشفرة على الهواتف النقالة على غرار تطبيق تليجرام وواتساب كأدوات للسيطرة والتوجيه (Command and Control)، في حين أن الهدف الأساسي من تطوير هذه التطبيقات يتمثل في تحقيق التواصل الاجتماعي والتشبيك، بالإضافة إلى الاعتماد على خدمات مثل خرائط جوجل للتخطيط للعمليات الإرهابية، واستخدام الدرونز التجارية لشن الهجمات الإرهابية، وتنفيذ عمليات الاستطلاع والتجسس.

وتُعد سيارات الدفع الرباعي، خاصة تلك التي تحمل ماركة تويوتا اليابانية، من أبرز الأدوات المدنية التي تعتمد عليها الجماعات الإرهابية والميليشيات المسلحة، لا سيما في المناطق الصحراوية والطرق الوعرة، فقد سبق وأن تم الاعتماد عليها في الحرب بين ليبيا وتشاد، حيث استخدمتها القوات التشادية للتنقل من منطقة إلى أخرى بدءًا من عام 1987 في آخر مراحل الحرب بين الدولتين، وهو ما جعل البعض يطلق على هذه المعركة اسم "حرب تويوتا".

كما اعتمدت عليها حركة "طالبان" الأفغانية منذ بداية التسعينيات، مما دفع عددًا من المحللين إلى وصفها بأنها "أداة طالبان للتخويف والترهيب"، ومع تزايد التساؤلات حول كيفية وصول هذه السيارات إلى "طالبان"، أصدرت شركة تويوتا بيانًا أكدت فيه أنها لا تقوم بالتصدير إلى أفغانستان أو تمتلك وكلاء فيها، ولم يختلف الأمر كثيرًا بالنسبة لتنظيم القاعدة، حيث كانت تويوتا الماركة المفضلة لزعيم التنظيم السابق "أسامة بن لادن".

وتزايد اعتماد تنظيم داعش بروافده المختلفة عليها، حيث تُظهر الفيديوهات المصورة لداعش أن غالبية السيارات التي يمتلكها التنظيم حديثة للغاية من ماركة تويوتا، وهو ما يؤكده تصريح "مارك ولاس" السفير الأمريكي السابق لدى الأمم المتحدة والخبير في مكافحة الإرهاب في أكتوبر 2015: "للأسف الشديد أصبحت "تويوتا لاندكروزر" و"تويوتا هيلوكس" جزءًا من ماركة داعش"، وذلك على الرغم من أن شركة تويوتا تضع سياسة صارمة تمنع بيع سياراتها إلى أي طرف قد يقوم بتعديلها لأغراض عسكرية أو إرهابية.

وأوقفت الشركة مبيعاتها لبعض دول الصراعات مثل سوريا منذ عام 2012، كما تحاول الحكومة العراقية وضع قيود صارمة على عملية بيع هذه السيارات، بالإضافة إلى اتجاه بعض الدول في بعض الفترات إلى منع مرور سيارات تويوتا في مناطق محددة وإلا سيتم التعامل معها على أنها سيارة داعشية، بيد أن تلك القيود لم تكن كافية؛ إذ لا تزال سيارات تويوتا تصل إلى إرهابيي داعش والعديد من التنظيمات الإرهابية الأخرى، خاصة في مناطق الساحل حتى الصحراء والصومال.

أنماط التوظيف الميداني:

تكشف مراجعة العمليات الإرهابية وأنشطة الميليشيات المُسلحة في الفترة الأخيرة عن استخدام كثيف لسيارات الدفع الرباعي في تنفيذ عمليات إرهابية متتابعة، ولا تقتصر هذه الاستخدامات على مجرد نقل المقاتلين، وإنما تشمل تثبيت أسلحة على هذه السيارات للقيام بمهام الهجوم، بالإضافة إلى ملئها بالمتفجرات والدفع بها في الصفوف الأمامية قبيل اختراق التحصينات العسكرية. 

وتتمثل أنماط التوظيف الميداني  لسيارات الدفع الرباعي فيما يلي:

1- اختراق النقاط الحصينة: اعتمد عدد من العمليات الإرهابية خلال الفترة الماضية على تلغيم سيارات الدفع الرباعي وملئها بالمتفجرات شديدة الانفجار، واستغلال سرعتها في اختراق نقاط التفتيش المحصنة أمام معسكرات قوات الأمن أو المؤسسات الحيوية، وعقب تدمير نقاط التفتيش وأبراج المراقبة بهذه السيارات المفخخة يتم شن هجوم ضخم على هذه المعسكرات والمؤسسات، وهو الأسلوب الذي استخدمه تنظيم داعش في العراق وسوريا أكثر من مرة، وقامت حركة طالبان بمحاكاته في مواجهة قوات الجيش الأفغاني.

كما تقوم التنظيمات الإرهابية بتركيب المدافع الرشاشة الثقيلة المضادة للأفراد والمدرعات على سيارات الدفع الرباعي لدعم مقاتليها أثناء عمليات الإغارة على النقاط الأمنية. 

2- نقل المقاتلين: توظف الميليشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية سيارات تويوتا كسيارات ناقلة لمقاتليها لتجنب الطرق الممهدة التي عادةً ما تتمركز عليها أكمنة أمنية وعسكرية، والسير في الدروب الصحراوية والممرات الجبلية، وهو ما يرتبط بقدرة هذه السيارات على الحركة السريعة في مثل هذه الظروف.

3- إطلاق الصواريخ: كما تستخدمها التنظيمات الإرهابية في نقل بطاريات الصواريخ محدودة المدى وقذائف المورتر إلى أماكن قريبة من أهدافها ليتم إطلاقها بسرعة، ثم مغادرة هذه المواقع قبل اكتشافها من جانب القوات الأمنية والعسكرية. فعلى سبيل المثال، قامت بعض الميليشيات المسلحة في ليبيا بنقل راجمات الصواريخ المتعددة من عيار 107 ملم Multiple launch Rocket Systems) ( بواسطة سيارات الدفع الرباعي من طراز تويوتا لاند كرورز لاستخدامها كمنصات للإطلاق، إلا أن ذلك يقلل من دقة إصابتها للأهداف.

4- دوريات الاستطلاع: تؤكد الفيديوهات المتداولة من تنظيم داعش في سوريا والعراق اعتماده الكثيف على سيارات تويوتا بأنواعها المختلفة في تنفيذ الدوريات الاستطلاعية، ورصد الأهداف، بالإضافة إلى استخدامها بكثافة في الاستعراضات العسكرية التي يقوم بها التنظيم، حيث يتم تصويرها على أنها أسطول ضخم من السيارات العسكرية التابعة له، ويضاف إلى ذلك استخدامها من جانب التنظيمات الإرهابية في قطع الطرق وإعداد أكمنة مفاجئة على الطرق السريعة.

لماذا سيارات تويوتا؟

يرتبط الاعتماد المتزايد على سيارات الدفع الرباعي من طراز تويوتا من جانب الفاعلين المسلحين من غير الدول بعدة عوامل، يتمثل أهمها في: الإفلات من قيود التصدير وسهولة الحصول على قطع الغيار دون إثارة شكوك، بالإضافة للمزايا الميدانية التي تتمتع بها هذه السيارات مثل قوة التحمل وسرعة المناورة والقدرة على التخفي وصعوبة التتبع، وتتمثل أهم هذه العوامل فيما يلي:

1- حيادية المصدر: تلجأ الجماعات الإرهابية لاستخدام تويوتا لكونها مصنّعة في اليابان، وهو ما يساعدها في الإفلات من القيود التي تفرضها بعض الدول مثل الولايات المتحدة الأمريكية على عمليات الشراء الكثيفة لقطع غيار السيارات، خاصة وأنه يتم النظر إلى شراء كميات ضخمة من سيارات الدفع الرباعي أو قطع غيارها في هذه الدول باعتباره ظاهرة مثيرة للتساؤل تفرض ضرورة التحقيق الأمني في وجهة هذه السيارات والمستورد النهائي لها، وهو ما لا ينطبق على سيارات تويوتا التي تمكنت التنظيمات الإرهابية من الحصول على أعداد كبيرة منها.

2- قوة التحمل: يشير بعض الخبراء إلى أن سيارات الدفع الرباعي من طراز تويوتا قادرة على مجابهة كافة الظروف الصعبة نظرًا لصلابتها وقوة محركها، وقد سبق وأن أجرى أحد البرامج التليفزيونية الشهيرة المعروضة على قناة "بي بي سي" في عام 2010 تجربة على إحدى سيارات الدفع الرباعي من طراز تويوتا اختبر فيها مدى قدرتها على الصمود تحت الماء، واختراق الحواجز ثم إشعال النار فيها، وظلت قادرة على العمل على الرغم من الأضرار التي أصابت هيكلها الخارجي.

3- السرعة والمناورة: تتميز هذه السيارات بقدرتها على الحركة السريعة على مختلف الطرق وخاصة في المناطق الصحراوية والجبلية، وهو ما يجعلها وسيلة النقل للتنظيمات الإرهابية والميليشيات المسلحة، حيث استخدمها تنظيم داعش في التنقل ما بين المناطق التي كان يسيطر عليها في سوريا والعراق، وتعتمد عليها الميليشيات المسلحة الليبية والتنظيمات المتشددة في التنقل عبر أرجاء الإقليم الليبي.

4- صعوبة التتبع: يمثل استخدام تنظيم داعش لسيارات الدفع الرباعي المدنية أحد أساليب التخفي من قوات الأمن، إذ عادة ما لا تلفت هذه السيارات انتباه قوات الأمن باعتبارها سيارات مدنية، كما يلجأ داعش إلى تمويه هذه السيارات بعدة أساليب لكي تتلاءم مع البيئة الصحراوية ولا يتم ملاحظتها إلا من مسافة قريبة للغاية؛ فمثلا يقوم داعش بتغطية سياراته بالرمال لكي تصبح غير ملحوظة في الصحراء.

تعدد المصادر والمسارات: 

تمكّن الفاعلون المسلحون من تكوين أساطيل كاملة من سيارات "تويوتا" من مصادر متعددة، يتمثل أهمها في استغلال حالة الفوضى الأمنية في دول الصراعات للاستيلاء عليها، وسرقة وتهريب السيارات من الدول العربية والغربية، بالإضافة للمساعدات العسكرية التي تقدمها الدول الغربية لفصائل المعارضة المُسلحة في بعض الدول مثل سوريا، وحصول المنظمات الإغاثية المرتبطة بالدول الغربية على هذه السيارات لتمكينها من أداء مهامها في بؤر التوترات الإقليمية، وتتمثل أهم هذه المصادر في الآتي:

1- دول الصراعات: أدى تصدع السيطرة الأمنية على المناطق الأمنية في دول الصراعات وتدني إجراءات تأمين المنشآت المختلفة إلى تمكن التنظيمات الإرهابية والميليشيات المسلحة من الاستيلاء على عدد كبير من السيارات من مخازن المؤسسات الخاصة أو المملوكة للمؤسسات الحكومية. فعلى سبيل المثال، تُشير بعض التقارير إلى أن داعش استولى على ما يُقدر بحوالي 2300 سيارة "بيك آب" من مخازن وزارة الدفاع في محافظة نينوى، بالإضافة إلى ما يعادل حوالي 400 سيارة من طراز لاندكروز تويوتا، منها 150 سيارة مصفحة من معارض سيارات مدنية ومن الحكومة المحلية لنينوى، وذلك خلال الفترة من عام 2011 إلى عام 2013، كما استولت بعض الميليشيات المسلحة على سيارات الدفع الرباعي من مخازن القذافي.

وعلى الرغم من أن تويوتا قامت بإيقاف تصديرها لبعض دول الصراعات مثل سوريا منذ عام 2012، إلا أن مبيعاتها استمرت في التزايد بشكل غير مسبوق في دول أخرى مثل العراق؛ حيث زادت مبيعاتها إلى قرابة ثلاث أضعاف ما بين عام 2011 إلى عام 2013.

2- السرقة والتهريب: قد يكون من بين المصادر المحتملة لتهريب السيارات إلى التنظيمات الإرهابية في بؤر الصراعات عمليات السرقة الكثيفة التي تحدث لهذا النوع من السيارات في الدول الغربية، حيث رصدت الأجهزة الأمنية في أستراليا قيام عصابات الجريمة المنظمة بالاستيلاء على ما يقدر بحوالي 834 سيارة من مدينة سيدني الأسترالية وحدها ما بين عام 2014 إلى عام 2015، وهو ما تكرر في عدد من الدول العربية والغربية بصورة متزامنة، مما يكشف عن وجود شبكات للجريمة المنظمة تقوم بتهريب هذه السيارات إلى بؤر التوترات خاصة في منطقة الشرق الأوسط.

3- المساعدات غير الفتاكة: قامت بعض الدول الغربية بإرسال مساعدات غير فتاكة إلى جماعات المعارضة السورية، وتضمنت هذه المساعدات سيارات تويوتا. فعلى سبيل المثال، أرسلت الولايات المتحدة ما يُقدر بحوالي 43 سيارة لهذه الجماعات في عام 2014، كما أكد مقال نشرته صحيفة "ذي إندبندنت" في عام 2013 أن بريطانيا قدمت للمعارضة السورية مساعدات غير فتاكة بما يعادل 8 ملايين جنيه إسترليني، تشمل 5 سيارات رباعية مصفحة، و4 شاحنات، و4 سيارات جيب، و5 سيارات "بيك آب" غير مصفحة من طراز تويوتا، ومن المحتمل أن يكون قد تمت سرقة هذه السيارات بواسطة بعض الجماعات الإرهابية.

4- منظمات الإغاثة الإنسانية: تستخدم منظمات الإغاثة الإنسانية هذه السيارات بكثافة لأداء مهامها في مناطق الصراعات المسلحة، وتحصل عليها من الدول الغربية ضمن إسهامها في أعمال الإغاثة الإنسانية أو كتبرعات من جانب بعض المؤسسات الخيرية، وغالبًا ما تصل هذه السيارات في نهاية المطاف إلى التنظيمات الإرهابية والميليشيات المُسلحة بطرق متعددة من بينها الاستيلاء المباشر على هذه السيارات.

ختامًا، لا تزال الإجراءات الإقليمية والدولية لتحجيم تدفقات سيارات الدفع الرباعي إلى مناطق الصراعات الداخلية تفتقد للفاعلية في مواجهة هذه الظاهرة، حيث إن وقف التصدير والتحقيق في الوجهة النهائية للصادرات لا يمنع عمليات التهريب الكثيفة عبر الحدود، كما أن التنظيمات الإرهابية تعتمد على مصادر ومسارات أخرى للحصول على هذه السيارات، مثل المساعدات لفصائل المعارضة المُسلحة، والتنظيمات الإغاثية، والدول الداعمة للإرهاب.