استهداف متصاعد:

التدابير الأمريكية لحصار حزب الله اللبناني

18 June 2017


بدأ الاستهداف الأمريكي لحزب الله يأخذ منحى جديدًا من خلال محاصرة تحركاته ميدانيًّا، والسعي إلى تغليظ العقوبات الاقتصادية على شبكته المالية، وهو ما أسفر عن تزايد حدة الأزمة المالية التي يُعاني منها، مما دفعه إلى إطلاق حملات إعلانية لجمع التبرعات في لبنان لتجهيز محاربيه. 

وفي هذا السياق، سعت الولايات المتحدة لوقف الإمدادات الإيرانية للحزب القادمة من العراق باتجاه سوريا ولبنان، وإعطاء الضوء الأخضر لإسرائيل لاستهدافه عسكريًّا في إطار سياسة الحرب بالوكالة، مما يُضعف البنية التحتية للحزب، وصولاً إلى نزع سلاحه.

وقد استهدفت التدابير الأمريكية الأخيرة تقويض الدور الإيراني في المنطقة، وذلك ارتباطًا بحدود تتحسب الولايات المتحدة من تخطيها حفاظًا على مصالحها بالمنطقة، أهمها الحفاظ على كيان الدولة اللبنانية، واحتواء الحزب في مناطق محددة، مع عدم الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة معه في الأجل المنظور، أخذًا في الاعتبار الحفاظ على التوازنات الإقليمية الحالية.

وقد بدأت تفاصيل خطة الحصار الأمريكية لحزب الله تتضح من خلال العديد من التدابير والمواقف التي تم اتخاذها بحق الحزب في الفترة الماضية، بشكل مباشر وغير مباشر، وذلك على النحو التالي:

1-الشق العسكري:

أ- توجيه الولايات المتحدة الأمريكية ضربة جوية في (6 يونيو) الجاري ضد مقاتلين تدعمهم إيران (أشارت بعض المصادر إلى مقتل عناصر من حزب الله جراء تلك الضربة)، وذلك في إطار السيطرة على الحدود السورية العراقية، حيث تقوم الولايات المتحدة بتدريب معارضين سوريين في قاعدة "التنف" داخل الأراضي السورية.

وقد ذكر بيان للتحالف الذي تقوده واشنطن: "رغم تحذيرات سابقة دخلت قوات مؤيدة للنظام مناطق عدم الاشتباك المتفق عليها بدبابة ومدفعية وأسلحة مضادة للطائرات ومركبات مسلحة وأكثر من 60 جنديًّا"، وتجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة قد شنت هجومًا مماثلاً في (18 مايو) الماضي.

ب- قيام إسرائيل -بموافقة أمريكية- بشن ضربات جوية ضد أهداف وتحركات لحزب الله في الداخل السوري، كان آخرها ضرب مستودع أسلحة لميليشيات الحزب في مطار دمشق الدولي في (26 أبريل 2017)، بدعوى أن  إيران تستغل المطار كجسر جوي لإمداد حلفائها بالسلاح.

ج- زيارة قائد القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM) الجنرال "جوزف فوتل" للبنان في (6 يونيو) الجاري، وتأكيده التزام شراكة الحكومة الأمريكية مع لبنان في مواجهة التهديد الإرهابي، ودعم الجيش اللبناني في دوره كمدافع وحيد عن لبنان.

2-الشق المالي:

أ- تأكيد مصادر أمريكية أن جلسة الكونجرس (لجنة الشئون الخارجية في مجلس النواب برئاسة النائب "إد رويس") التي عُقدت في (8 يونيو) الجاري قد ناقشت ملف فرض عقوبات جديدة على حزب الله، وذلك من خلال الاستماع لخبراء حول سبل تجفيف منابع تمويل الحزب دون تبني نص محدد، والاتفاق على عقد المزيد من المناقشات حول هذا الأمر، مشيرة إلى أن النسخة الأولية للائحة العقوبات المعدلة التي تم تداولها إعلاميًّا تمّ تعديلها، على أن تتّضح تفاصيلها تباعًا بعد الانتهاء من مناقشتها.

انعكاس الحصار:

تداولت بعض وسائل الإعلام اللبنانية مؤخرًا (مثل صحيفتي "اللواء" و"النهار") مطالبة حزب الله المواطنين اللبنانيين -عبر إعلانات في الشوارع- بالتبرع بالمال من أجل تجهيز المحاربين للمشاركة في صراعات المنطقة، وذلك نتيجة الأزمة المالية التي يُعاني منها الحزب، علمًا بأنه انتشرت في الضاحية الجنوبية مؤخرًا لافتات تحت عنوان "مشروع تجهيز مجاهد" في سبيل جمع التبرعات للمقاومة التي يمثلها الحزب.

تدابير الإضعاف:

يتضح مما سبق وجود خطوط رئيسية تنتهجها واشنطن لإضعاف حزب الله في مناطق نفوذه، والحيلولة دون خروجه خارج تلك المناطق، لضمان عدم تعاظم قوته ليصبح لاعبًا إقليميًّا فاعلاً في منطقة الشرق الأوسط، وذلك في إطار تقويض التمدد الإيراني بالمنطقة. ومن خلال رصد التدابير الأمريكية الأخيرة يتضح التالي:

1- ضرب خطوط الإمدادات الإيرانية: ينصب الاهتمام الأمريكي على منطقتين في الداخل السوري مرشحتين لأن تكونا مسرحًا لمواجهة الحزب عسكريًّا؛ الأولى منطقة الجنوب السوري الممتد من دمشق باتجاه درعا والحدود الأردنية، والثانية هي منطقة الحدود العراقية السورية. ويأتي الاهتمام بقطع الإمدادات الإيرانية عبر العراق إلى سوريا ولبنان، لدرء أي تواجد مستقبلي في تلك المنطقة لمحور الممانعة (كما تم تسميته في الماضي "هلال الممانعة" أو "الهلال الشيعي")، خاصة مع اقتراب نهاية السيطرة الميدانية لتنظيم داعش والتنظيمات المتطرفة على تلك المناطق.

2- تأييد سياسة الحرب بالوكالة ضد حزب الله: وهو ما يتضح في تأييد ومباركة العمليات الجوية الإسرائيلية ضد أهداف حزب الله في سوريا، في إطار وقف تزايد قوته العسكرية، وعدم خلق موطئ قدم لإيران في مناطق الجوار للأراضي الإسرائيلية. وفي الوقت نفسه، توفر تلك الضربات على الجيش الأمريكي عناء الدخول في مشادات مع روسيا التي يوجد بينها وبين تل أبيب اتفاق يضمن سكوت الأولى عند ضرب أهداف حزب الله. 

وهو ما برزت دلالاته عندما صرح السفير الروسي في لبنان إثر الضربة الإسرائيلية لحزب الله في (26 إبريل) الماضي قائلا: "إن موسكو غير معنية بالدفاع عن النظام السوري في مواجهة الهجمات التي تشنها إسرائيل أو الولايات المتحدة الأمريكية"، وهو على عكس الموقف الذي اتخذته روسيا عقب الضربة الأمريكية لمطار الشعيرات السوري في (7 أبريل 2017).

4- تجفيف مصادر تمويل حزب الله: حيث صنفت الولايات المتحدة الأمريكية حزب الله منظمةً إرهابية في عام 1995، ومنذ ذلك الوقت وهي تحاول حصار الحزب ماليًّا من خلال فرض عقوبات اقتصادية عليه بهدف الإضرار بشبكته المالية، وكان آخرها إقرار قانون حظر التمويل الدولي لحزب الله في (16 ديسمبر 2015) لمنعه من الاستفادة من الأنظمة المالية الدولية. 

كما دارت في واشنطن يومي (4 و5 مايو 2017) مناقشات بمشاركة نحو 20 دولة من أوروبا وأمريكا الجنوبية والخليج العربي لمواجهة النشاطات التجارية والمالية لحزب الله، سواء للوقوف ضد جمع التبرعات من الجمعيات الخيرية، أو تقليص دعم رجال الأعمال في الخارج لنشاط الحزب، ووقف نشاطه في تجارة المخدرات وغسيل الأموال.

5- نزع سلاح حزب الله: بدأت خطورة الحزب تزداد بعد حصوله على عتاد عسكري ثقيل من الصراع السوري المستمر منذ عام 2011، بالإضافة إلى الخبرة القتالية لعناصره جراء ذلك الصراع، وهو ما دعا الولايات المتحدة -بإيعاز من إسرائيل- إلى التحرك لوقف هذا التطور الذي يهدد لبنان ودول المنطقة، وهو ما تم التأكيد عليه أثناء القمة السعودية الأمريكية في (20 مايو 2017)، حيث تم الاتفاق على ضرورة نزع سلاح التنظيمات الإرهابية، مثل حزب الله، خاصة بعد تعدد العروض العسكرية للحزب مؤخرًا على الجانبين السوري واللبناني.

خطوط حمراء:

يتضح مما سبق وجود خطوط عريضة لا تريد الولايات المتحدة الأمريكية تخطيها في مواجهتها لحزب الله، وذلك على النحو التالي:

1- عدم الإضرار بالدولة اللبنانية، وهو ما يتضح من النمط التدريجي للعقوبات الاقتصادية التي يفرضها على الحزب، تحسبًا للإضرار بالقطاع المصرفي اللبناني على وجه التحديد، بسبب تغلغل الحزب في المؤسسات الدستورية والعامة للدولة، وبالتالي فإن تغليظ العقوبات بشكل فجائي سيُلقي بتبعاته السلبية على المشهد السياسي والاقتصادي والأمني للدولة، والولايات المتحدة لا تستهدف فتح جبهة جديدة لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط، وبالتالي فإن العقوبات المنتظرة ما زالت في دائرة صنع القرار، وتخضع لمزيد من البحث قبل البت فيها. ويأتي التصعيد الأمريكي ضد حزب الله في إطار تطبيقها مفهوم العقوبات الذكية.

2- احتواء حزب الله في مناطق محددة، وهو الأمر الذي ظهر جليًّا من خلال تهديده حال دخول مناطق معينة على الحدود السورية العراقية؛ حيث تم التحرك سريعًا عند دخوله تلك المناطق لسهولة حصاره على الجانب السوري، ومحاولة تقليص منافذ العبور للحزب من العراق لسوريا، ومن سوريا للبنان، وهو ما تجلى في استمرار الدعم العسكري الأمريكي للجيش اللبناني، والإشادة بدوره في تأمين الحدود مع سوريا، سواء لمنع تحركات التنظيمات المتطرفة كداعش، ولضبط تحركات عناصر حزب الله مستقبلا.

3- عدم الدخول في مواجهة مباشرة مع الحزب، وهو ما أسفر عن قبول الولايات المتحدة بالضربات الجوية الإسرائيلية للنظام السوري وحزب الله (بدءًا من عام 2013)، حيث يركز التوجه الأمريكي الحالي على إضعاف البنية العسكرية للحزب، وصولا في المدى البعيد إلى نزع سلاحه بدون الدخول في مواجهة مباشرة معه.

وتبرر الولايات المتحدة تحركاتها في هذا الصدد بضرورة الالتزام بقرارات مجلس الأمن ١٥٥٩ و١٧٠١ المعنية بنزع سلاح الحزب.

4- الحفاظ على التوازنات الإقليمية الحالية: تظل التدابير الأمريكية لمواجهة حزب الله رهنًا بطبيعة التطورات الإقليمية التي ستحملها الفترة المقبلة، خاصة في سوريا والعراق، وهو ما قد يُخلُّ بالتوازنات القائمة وشكل العلاقات الحالية بين دول المنطقة، وهو الأمر الذي تتحسب له الولايات المتحدة. وفي هذا السياق، نؤكد أن توافق دول المنطقة وتأييدها للدور الأمريكي أحد العوامل المهمة للتحرك ضد حزب الله وإيران، ومن دلالات ذلك القمة العربية الإسلامية الأمريكية التي عُقدت في الرياض، والتي أدانت الدور الإيراني بالمنطقة.