اقتصاد العالم 2050:

الصعود الآسيوي وتحولات ميزان القوى الاقتصادية

21 August 2015


إعداد: محمد أحمد عبدالمعطي

 

"ثمة تحول في ميزان القوى الاقتصادية العالمية لصالح الدول الصاعدة اقتصادياً، وتحديداً قارة آسيا، ليصبح هذا القرن آسيوياً بامتياز في ظل ما ستحققه اقتصادات دولها من معدلات نمو وطفرات تنموية عالية".

ما سبق يمثل خُلاصة ما توصلت إليه شركة pwc البريطانية المتخصصة في الأبحاث والدراسات الاقتصادية، في التحديث الرابع لتقريرها "العالم في 2050"، والذي يعد أهم التقارير وأكثرها شمولاً فيما يتعلق بالتنبؤات الاقتصادية.

وقد صدرت النسخة الأولى من هذا التقرير في عام 2006، ولم تكن تتضمن أكثر من 17 اقتصاداً فقط في العالم، وتم تحديثه خلال السنوات التالية 2008 و2011 و2013، وأخيراً تغطي النسخة الحالية عام 2014، حيث يعرض التحديث الحالي لهذا التقرير توقعات النمو الاقتصادي لـ32 من أكبر الاقتصادات في العالم، والذين يمثلون حالياً نحو 84٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي GDP وذلك حتى عام 2050.

وتضم هذه الاقتصادات ما يلي:

1ـ الاقتصادات السبع الكبرى G7: (الولايات المتحدة، اليابان، ألمانيا، المملكة المتحدة، فرنسا، إيطاليا، وكندا)، إضافة إلى أستراليا وكوريا الجنوبية وإسبانيا ضمن مجموعة الدول المتقدمة صناعياً.

2ـ الاقتصادات السبع الكبرى الصاعدة E7: (الصين، الهند، البرازيل، روسيا، إندونيسيا، المكسيك، وتركيا).

3ـ باقي مجموعة اقتصادات الدول العشرين الكبرى G20، إضافة إلى 8 دول ذات اقتصادات كبيرة نسبياً (بنجلاديش، مصر، باكستان، إيران، كولومبيا، هولندا، الفلبين، وتايلاند).

المنهجية المستخدمة

استخدم واضعو التقرير نموذجاً تقديرياً للتنبوء بالتوجهات طويلة الأجل للنمو حتى عام 2050، وتم استخدام الإحصاء السنوي لصندوق النقد الدولي لعام 2014، والذي يُقدر الناتج المحلي الإجمالي لكل اقتصاد كنقطة أساس للتنبوء، فضلاً عن بعض العوامل الداخلة في تركيب النموذج مثل: (التركيبة السكانية، معدل نمو القوى العاملة، الزيادة في رأس المال البشري والمادي، وإجمالي نمو الإنتاجية استناداً إلى عنصر التقدم التكنولوجي).

وقد لاحظ التقرير أن الدول الصاعدة اقتصادياً E7 تتمتع بإمكانيات أقوى في هذه العوامل مقارنةً بالدول ذات الاقتصادات المتقدمة، وهو ما سيساعد الدول الصاعدة على تحقيق نمو أكبر بإتباع سياسات اقتصادية داعمة للنمو على المدى الطويل.

التوجهات المستقبلية للاقتصاد العالمي

يتوقع واضعو التقرير أن ينمو الاقتصاد العالمي بمعدل يزيد قليلاً عن 3٪ سنوياً خلال الفترة 2014- 2050، ليصل إلى ضعفي حجمه عام 2037 ، وثلاثة أضعاف حجمه تقريباً بحلول عام 2050.

كما سيتعرض الاقتصاد العالمي لحالة من تباطؤ النمو بعد عام 2020؛ حيث إن معدل التوسع الاقتصادي في الصين وبعض الاقتصادات الناشئة الرئيسية الأخرى سيصبح أكثر اعتدالاً ليصل إلى معدل متوسط مستدام على المدى الطويل، خاصةً أن نمو القوى العاملة من السكان سيتباطئ في العديد من الاقتصادات الكبرى، خاصةً اليابان وألمانيا نتيجة لضعف النمو السكاني، وكذلك في الصين نتيجة لسياساتها السكانية الحازمة.

تحول القوة الاقتصادية العالمية

من المتوقع أن تتحول القوة الاقتصادية العالمية بعيداً عن الاقتصادات المتقدمة في أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية واليابان، وسوف يستمر هذا التحول على مدار السنوات الـ35 المقبلة، حيث تجاوزت دول الـ E7 بالفعل في عام 2014 دول الـ G7بمقياس معدل القوة الشرائية، وهو ما يعد تجاوزاً سريعاً من جانب دول الاقتصادات الصاعدة للنقطة الزمنية المقدرة سابقاً بعام 2017 والذي تم تحديده في التقارير السابقة كتاريخ تجاوز هذه الدول للاقتصادات المتقدمة.

ولذلك يتوقع التقرير أن تصير دول الـ E7 بمثابة القوى الدافعة للاقتصاد العالمي خلال الفترة 2014-2050، وأن تصل لمتوسط معدلات نمو 3.8% خلال الفترة المشار إليها، مقابل 2.1% لذات الفترة بالنسبة لاقتصادات الدول السبع الكبرى.

الاقتصادات الثلاثة الكبرى

من المتوقع بحلول عام 2050 أن تصبح كل من (الصين، الهند، والولايات المتحدة) هي الدول الثلاث الأكبر اقتصادياً على مستوى العالم، حيث ستفقد الولايات المتحدة المركز الأول لتتراجع لصالح القطبين الآسيويين إلى المركز الثالث، وهو ما يوضحه التقرير كالتالي:

1- الصين: احتلت بالفعل موقع الولايات المتحدة في عام 2014، لتصبح أكبر اقتصاد على مستوى العالم وفقاً لمعدل القوة الشرائية (PPP) ومعدل سعر صرف السوق (MER). ومن المتوقع أن تتفوق بكين بشكل كامل على واشنطن بحلول عام 2028. وعلى الرغم من تباطؤ النمو المتوقع لها، فقد وصل نصيب الصين من الناتج المحلي الإجمالي العالمي 16.5% في عام 2014، وثمة توقعات أن يصل إلى أعلى مستوياته، وهو 20% في عام 2030، ليعاود الانخفاض مرة أخرى ويستقر عند 19.5% في عام 2050.

2- الهند: يشير التقرير إلى أن نيودلهي لديها القدرة على أن تصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم بحلول عام 2050 وفقاً لمعدل القوة الشرائية، وأن تحتل المركز الثالث وفقاً لمعدل سعر صرف السوق.

ويرجع هذا الاختلاف في الترتيب إلى طريقة الحساب، والتي تعكس استمرار الانخفاض النسبي في متوسط دخل الفرد بالهند في ذلك التاريخ. ولكي تتحقق هذه النتائج، فإن ذلك يتطلب وجود برنامج متواصل من الإصلاحات الهيكلية المستدامة، فقد وصل نصيب الهند من الناتج المحلي الإجمالي العالمي 7% في عام 2014، ومن المرجح أن يبلغ 13.5% في عام 2050، حيث ستتجاوز الهند حصة الاتحاد الأوروبي من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في عام 2044، وتتجاوز أيضاً حصة الولايات المتحدة عام 2049.

وبشكل عام، من المتوقع أن تتسع الفجوة بين أكبر ثلاثة اقتصادات (الصين، الهند، والولايات المتحدة) وبقية العالم على مدى العقود القليلة القادمة؛ فعلى سبيل المثال من المرجح في عام 2050 أن يكون ثالث أكبر اقتصاد في ذلك الوقت ( الولايات المتحدة) أكبر من رابع أكبر اقتصاد (إندونيسيا) بما يقرب من 240٪.

الصعود الآسيوي والتراجع الأمريكي الأوروبي

يرى واضعو التقرير أن هذا التحول في ميزان القوى الاقتصادية العالمية باتجاه آسيا سيحدث ويستمر، سواء بمعدل أسرع أو أبطأ مما تم تقديره، وهو ما يتفق مع الخط العام للنتائج وللطبيعة التاريخية للتحول؛ فقد سبق أن هيمنت الهند والصين على الناتج المحلي العالمي في مرحلة ما قبل الثورة الصناعية، نظراً لتعدادهما السكاني الضخم، وقطاعهما الزراعي الكفء نسبياً.

وفي مقابل ذلك، سيضعف أداء وقوة الاقتصاد الأوروبي والأمريكي، فثمة توقعات بانخفاض حصة كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من الناتج المحلي الإجمالي العالمي من 33% في عام 2014 إلى 25% فقط في عام 2050.

ويُلاحظ في هذا الصدد أنه من ضمن أكبر 10 دول نمواً، فإن 7 منها ستكون في جنوب آسيا وجنوب شرق آسيا، ولن تكون الريادة الآسيوية خلال القرن الحالي قائمة على اقتصادات الصين والهند فقط، بل على أداء نخبة من ألمع الاقتصادات الآسيوية المتميزة مثل إندونيسيا وماليزيا وفيتنام.

قوى اقتصادية صاعدة جديدة

يتوقع التقرير أن الاقتصادات الجديدة الصاعدة مثل المكسيك وإندونيسيا ستكون أكبر من اقتصادات المملكة المتحدة وفرنسا بحلول عام 2030 (وفقاً لمعدل القوة الشرائية)، في حين أن الاقتصاد التركي سيصبح أكبر من الاقتصاد الإيطالي، أما اقتصادات نيجيريا وفيتنام فمن الممكن أن تكون أسرع الاقتصادات نمواً خلال الفترة القادمة حتى عام 2050.

ومن المتوقع أيضاً، أن تكون البرازيل التي تحتل الآن المركز السابع عالمياً، وإندونيسيا التي تحتل المركز التاسع عالمياً، ضمن أكبر خمسة اقتصادات عالمياً في عام 2050.

ومن اللافت للنظر ذلك الصعود المذهل لكلِ من إندونيسيا ونيجيريا في التصنيف الاقتصادي العالمي حتى عام 2050، حيث ترتفع إندونيسيا من المركز التاسع عام 2014 إلى المركز الرابع عام 2050، وترتفع نيجيريا من المركز العشرين عام 2014 إلى المركز التاسع عام 2050، كما ستنتقل المكسيك من المركز الحادي عشر عام 2014 إلى المركز السادس عام 2050.

وبالرغم مما تقدم، فإن متوسط دخل الفرد (أي الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد) سيظل أعلى بكثير في الاقتصادات المتقدمة من الاقتصادات الصاعدة عام 2050، وذلك لأن الفجوة الحالية في دخل الفرد بين البلدان النامية والمتقدمة كبيرة جدا، وسيصعب سدها بالكامل خلال هذه الفترة 2014-2050.

وضع دول الشرق الأوسط في عام 2050

تضمن التقرير الإشارة إلى مجموعة بعينها من دول منطقة الشرق الأوسط، وفيما يلي ترتيبها الاقتصادي:

الدولة

عام 2014

عام 2030

عام 2050

ترتيبها عالمياً

ترتيبها إقليمياً

ترتيبها عالمياً

ترتيبها إقليمياً

ترتيبها عالمياً

ترتيبها إقليمياً

السعودية

14

1

12

1

12

1

تركيا

17

2

14

2

14

2

إيران

18

3

19

3

25

5

مصر

22

4

20

4

16

4


ويُلاحظ أن التقرير لم يتضمن من اقتصادات الدول العربية سوى السعودية ومصر، ومن باقي دول الشرق الأوسط تركيا وإيران، وذلك ضمن أكبر 32 اقتصاداً على مستوى العالم. ويتضح من الجدول ثبات ترتيب الدول إقليمياً من عام 2014 وحتى عام 2030، حيث تحتفظ كل دولة بمركزها، في حين يتوقع تحسن الترتيب العالمي لكل دولة صعوداً، باستثناء إيران التي تنخفض مركزا واحداً، ويستمر توقع التحسن بحلول عام 2050 باستثناء إيران أيضاً التي ينخفض ترتيبها عالمياً إلى المرتبة 25، لتصعد قبلها مصر في الترتيب.

سيناريوهات النمو العالمي حتى عام 2050

يشير التقرير في هذا الصدد إلى السيناريوهات التالية:

1- توقعات باعتدال معدلات النمو الاقتصادي العالمي بعد عام 2020:

يتوقع التقرير أن تكون معدلات النمو في الاقتصادات الصاعدة، خاصةً الصين وبدرجة أقل الهند، معتدلة ومتوسطة بعد عام 2020، وهو ما يتفق بشكل عام مع نتائج العديد من البحوث الأكاديمية التي تظهر ميل معدلات النمو إلى "التراجع إلى الوسط "على المدى الطويل. وتظهر كل من البرازيل وروسيا نمطاً مختلفا قليلاً في النمو نظراً لوجود بعض المشكلات على المدى القصير، وهو ما يعطي لهما مجالاً لتحسين معدلات نموهما حتى عام 2020، ولكن هذه المعدلات المرتفعة عن غيرهما من الاقتصادات الصاعدة سرعان ما تعود مرة أخرى نحو نمط نمو الاقتصادات المتقدمة بما يقارب حوالي 2٪ على المدى الطويل.

2- سيناريوهات بديلة:

يذكر التقرير أن ثمة سيناريوهات بديلة، حيث إن توقعات النمو على المدى الطويل تخضع لكثير من الشكوك وعدم اليقين الكامل، فعلى سبيل المثال يشير إلى:

- سيناريو الهبوط البديل: فالنمو العالمي قد يبلغ في المتوسط أقل بحوالي 0.7٪ سنوياً من التوقع الرئيسي، وهو ما سيؤدي إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي العالمي بأقل من 22% مما كان عليه في التوقعات الرئيسية بحلول عام 2050. ويعكس هذا السيناريو افتراضات أقل مواتاة بالنسبة لتوظيف التقدم التكنولوجي، ومستويات الاستثمار، ومعدلات اللحاق بالركب بالنسبة للاقتصادات الصاعدة.

- سيناريو الصعود القوي: من الممكن أن يكون لدينا العديد من الاحتمالات الصاعدة التي من شأنها دفع النمو العالمي إلى ما فوق التوقعات الأساسية للتقرير، وهذا سيكون سببه حُسن استغلال الموارد المالية والبشرية، وتحقيق التنوع في النشاط الاقتصادي، وتحسين مستوى الاستثمار البشري والتكنولوجي.

الآثار المترتبة على استراتيجية وبيئة الأعمال العالمية

يقدم التقرير عدداً من الرسائل الاستراتيجية رفيعة المستوى للشركات للنظر في كيفية تطوير استراتيجياتها العالمية، لكن هذه التوصيات ستظل في حاجة إلى تكييفها وتعديلها وفقاً لظروف كل شركة. ومن بين هذه الرسائل والتوصيات الاستراتيجية لمساعدة الشركات على التصدي لهذه التطورات الاقتصادية المتوقعة، ما يلي:ـ

1- التعامل مع المخاطر السياسية والاقتصادية والتنظيمية:

سيكون من الصعب الحفاظ على معدلات النمو التي تحققت خلال الفترة 2000- 2012 في أكبر سبعة اقتصادات صاعدة E7وغيرها من الأسواق الناشئة الرئيسية، نظراً لتعرضها لمزيج من الاختناقات الاقتصادية، إضافة إلى أوجه القصور المؤسسية. ولذلك يحتاج المديرون إلى فهم المخاطر السياسية والقانونية والتنظيمية ووضع إجراءات لتجنبها أو على الأقل التخفيف منها عند ظهورها، كما يحتاج المدراء أيضاً إلى فهم ديناميات الأسواق الاستهلاكية الناشئة التي أصبحت ناضجة ومتطورة بشكل متزايد.

2- دراسة الهياكل المؤسسية للاقتصادات الناشئة وتوظيف الكفاءات من الشركاء والمواهب المحلية:

تختلف الأسواق الناشئة بشكل كبير في قوتها وضعفها المؤسسي، وتحتاج إلى التقييم بطريقة دقيقة، كما أن ثمة اختلافات كبيرة في القوة المؤسسية بين قطاعات الصناعة داخل هذه البلدان. ولذلك فإن تحديث المعرفة المحلية العميقة في الوقت المناسب يعد أمراً بالغ الأهمية لإدارة الأعمال بنجاح في بيئة الأسواق الناشئة. كما أن تحديد وتعزيز المواهب المحلية وتوظيف هؤلاء الأشخاص يكون أيضاً مصدراً متزايداً للميزة النسبية.

3- نوعية الاستثمارات الاستراتيجية للشركات الغربية الكبرى في الأسواق الصاعدة:

يرى التقرير أن بعض هذه الاستثمارات يجب أن توجه إلى محاولة تحسين الإطار المؤسسي المحلي، بتقديم المساعدة التقنية المناسبة والمشورة للحكومات المحلية في مجالات مثل حوكمة الشركات، والسياسة المالية، وحماية حقوق الملكية الفكرية.

كما يتضمن هذا الشق أيضاً الاستثمار في البنية التحتية الاجتماعية والاقتصادية (مثل المدارس والطرق والسكك الحديدية وشبكات الكهرباء والمياه)، وهي المجالات التي تعد حاسمة لنجاح الشركة على المدى الطويل في المنطقة التي تعمل بها.

4 ـ الاهتمام بالأسواق الرئيسية لدول الاقتصادات المتقدمة:

على المدراء ألا ينسوا الأسواق الرئيسية الموجودة في أمريكا الشمالية وأوروبا، فستظل هذه الاقتصادات من اللاعبين الكبار في الاقتصاد العالمي لعقود قادمة، حيث ستبقى مستويات الدخل المتوسط أعلى بكثير حتى من أفضل متوسط دخل لأي دولة من دول الأسواق الصاعدة في المستقبل المنظور. وبصفة عامة فإن لدى الاقتصادات المتقدمة أيضاً ميزة نسبية كبيرة كونها لاتزال أماكن أسهل وأقل خطراً للقيام بأعمال تجارية بالنظر لقوتها السياسية والمؤسسية.

 

* عرض مُوجز لتقرير بعنوان: "العالم في 2050: هل يستمر التحول في القوى الاقتصادية العالمية؟"، والصادر في فبراير 2015 عن شركة pwc البريطانية المتخصصة في الأبحاث والدراسات الاقتصادية.