تحديات أربعة:

دول الشرق الأوسط على مؤشر مدركات الفساد

07 December 2014


إعداد: أحمد عاطف


 يُعد الفساد ظاهرة اجتماعية وسياسية واقتصادية عالمية ذات جذور عميقة، وتأخذ أبعاداً واسعة تتدخل فيها عوامل مختلفة يصعب التمييز بينها، كما تؤثر هذه الظاهرة بتداعياتها وعواقبها على جميع البلدان، فالفساد يؤدي إلى قصور وتدهور في الديمقراطية وحقوق الإنسان وإدارة الحكم، ويضعف بشكل عام الجهود المبذولة لتعزيز التنمية البشرية.

ونظراً لخطورة هذه الظاهرة، يُصنفها البعض على أنها التحدي الأهم بعد الإرهاب، حيث تجد الحكومات والمجتمعات نفسها في حرب ضد الفساد، وهي مواجهة قد تكون أكثر سراشة وتكلفة من مكافحة الإرهاب في بعض الأحوال.

من هذا المنطلق، أصدرت "منظمة الشفافية الدولية" - وهي منظمة دولية غير حكومية معنية بالفساد وتتخذ من العاصمة الألمانية "برلين" مقراً لها - خلال شهر ديسمبر الجاري "مؤشر مدركات الفساد" لعام 2014، حيث دأبت المنظمة على إعداد هذا المؤشر سنوياً منذ عام 1995.

وتضمنت النسخة الحالية من المؤشر إدراج 175 دولة من مختلف مناطق العالم، بينما تضمن مؤشر العام الماضي 177 دولة، حيث لم يتم ضم بروناي وغينيا الاستوائية و"سانت لوسيا" إلى مؤشر 2014، فيما تم ضم "ساموا" إلى مؤشر هذا العام، التي لم تكن مشمولة ضمن الدول في مؤشر عام 2013.

منهجية إعداد "مؤشر مدركات الفساد"

يُحدد "مؤشر مدركات الفساد" الدرجات والمراتب التي تحتلها البلدان، استناداً إلى التصورات المتعلقة بمدى انتشار الفساد في القطاع العام للبلد (أي الفساد الإداري والسياسي). ولا يعتبر هذا المؤشر حكماً يتم إصداره على مستويات الفساد في بلدان أو مجتمعات برمتها، أو حكماً على سياسات تلك الدول، أو الأنشطة التي يمارسها قطاعها الخاص، بل يستند المؤشر على التصورات "المدركات"، على اعتبار أن الفساد يُشكل الأنشطة غير المشروعة التي يتم التستر عليها عن قصد ولا يتم الكشف عنها إلا من خلال الفضائح والتحقيقات أو الملاحقات القضائية.

ولهذا لا توجد طريقة فعَّالة لتقييم المستويات المطلقة للفساد في البلدان أو المناطق على أساس البيانات التجريبية المثبتة، ومن ثم فإن تسجيل التصورات المتعلقة بالفساد، والتي يمتلكها ممن هم في موقع يُمكّنهم من تقديم التقييمات التي تتناول الفساد المنتشر في القطاع العام، يُعد أكثر الطرق موثوقية لمقارنة مستويات الفساد النسبي بين البلدان.

ويعد هذا المؤشر مُركّباً، وهو عبارة عن مزيج من المسوحات واستطلاعات الرأي والتقييمات التي تتناول الفساد، والتي يتم جمعها من قبل مجموعة متنوعة من المؤسسات المستقلة. ولكي يتم إدراج بلد ما في تصنيف هذا المؤشر، فلابد لهذا البلد أن يكون مُدرجاً في ثلاثة مصادر على الأقل من مصادر بيانات "مؤشر مدركات الفساد". وإذا لم يكن بلد ما ظاهراً في التصنيف، فإن هذا يعزى فقط لعدم كفاية المعلومات الواردة في المسح، ولا يُعتبر مؤشراً على أن الفساد غير موجود في ذلك البلد.

وهكذا يعتمد مؤشر مدركات الفساد لعام 2014 على مصادر البيانات التي يتم الحصول عليها من قبل مؤسسات مستقلة متخصصة في مجال تحليل مناخ الحوكمة والأعمال التجارية. وتستند مصادر المعلومات التي يجري استخدامها لمؤشر هذا العام إلى البيانات التي جرى جمعها خلال الشهور الـ24 الماضية.

وتشير الدرجة التي يحرزها البلد على المؤشر إلى المستوى المدرك من الفساد في القطاع العام على مقياس تتراوح الدرجات المدرجة عليه ما بين (صفر و100)، حيث تعني الدرجة (صفر) أنه يتم النظر إلى البلد بوصفه "بلداً فاسداً للغاية"، بينما تعني الدرجة (100) بأنه ينظر إلى البلد على أنه "نظيف للغاية".

أبرز نتائج مؤشر الفساد عالمياً

يُظهر مؤشر مدركات الفساد 2014 أن النمو الاقتصادي يتقوض، وأن جهود وقف الفساد تتراجع عندما يسيء القادة وكبار المسؤولين استخدام الأموال العامة لتحقيق مكاسب شخصية. ويحذر التقرير من قيام المسؤولين الفاسدين بتهريب أموال تم تحصيلها بطرق غير مشروعة إلى شركات خارج أراضي دولهم حيث الأمان، مع الإفلات التام من العقاب.

وبشكل عام، يمكن الوقوف على عدة نقاط كشف عنها المؤشر هذا العام، كالتالي:

1- المتوسط العالمي: سجل المتوسط العالمي للمؤشر هذا العام (43 درجة)، وهو ما يعكس بدوره تفاقم أوضاع الفساد في العالم، كما كشفت نتائج التقرير عن أن درجات أكثر من ثلثي من 175 دولة على المؤشر تقع تحت (50 درجة).

2- الوضع في الدول الكبرى: من بين الدلالات المهمة لمؤشر 2014، عدم تحسن الوضع في مجموعة العشرين (G20)، إذ بلغ المتوسط الذي سجله مؤشر الفساد في هذه الدول مجتمعة (54 درجة)، وكان نحو 85% من تلك الدول الكبرى تحت (50 درجة).

وفي هذا الصدد يشير معدو التقرير إلى أن الفساد الكبير في الاقتصادات الكبيرة لا يؤدي فقط إلى حجب حقوق الإنسان الأساسية عن المواطنين الأفقر، بل يهيئ أيضاً لمشكلات في الحوكمة وانعدام الاستقرار، مؤكدين أن الاقتصادات سريعة النمو التي ترفض حكوماتها التحلي بالشفافية وتتسامح مع الفساد، تُهيئ لثقافة الإفلات من العقاب التي ينتعش في ظلها الفساد.

3- الأقاليم الرئيسية على مستوى العالم: عند المقارنة بين الأقاليم الرئيسية على مستوى العالم من حيث مستوى الفساد بها، جاء ترتيبها حسب الأقل فساداً كالتالي: (الاتحاد الأوروبي وغرب أوروبا 66 درجة، أمريكا 45 درجة، آسيا والمحيط الهادي 43 درجة، الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 38 درجة، شرق أوروبا ووسط آسيا 33 درجة، وأفريقيا جنوب الصحراء 33 درجة).

4- الدول الأكثر شفافية: احتلت الدنمارك المرتبة الأولى في مؤشر هذا العام بـ 92 درجة، وهذا مرده سيادة القانون، وكونها تدعم المجتمع المدني وتُعمِل قواعد نظيفة حاكمة لسلوك من يشغلون المناصب العامة؛ فقد قدمت الدنمارك مثالاً يُحتذى أيضاً في نوفمبر الماضي عندما أعلنت عن خطط لإنشاء سجل عام يحتوي على معلومات عن الملاك الفعليين من جميع الشركات المسجلة في الدنمارك. وهذا الإجراء – المماثل لإعلانات مشابهة صدرت عن أوكرانيا والمملكة المتحدة – سوف يُصعّب على الفاسدين الاختباء وراء الشركات المسجلة تحت أسماء أشخاص آخرين.

أكثر الدول شفافية على مستوى العالم

الترتيب

الدولة

الدرجة

1

الدنمارك

92

2

نيوزلاندا

91

3

فنلندا

89

4

السويد

87

5

النرويج

86

6

سويسرا

86

7

سنغافورة

84

8

هولندا

83

9

لوكسمبورج

82

10

كندا

81


















5- الدول الأكثر فساداً: تقاسمت كوريا الشمالية والصومال المركز الأخير، كونها أكثر الدول فساداً بواقع 8 درجات فقط، وقبلها السودان (11 درجة) وأفغانستان (12 درجة) وجنوب السودان (15 درجة) والعراق (16 درجة).

6- اتجاهات التغير على المؤشر: تحسنت وتدهورت درجات عدة دول بواقع أربع درجات أو أكثر، وكانت أكبر التراجعات في تركيا (-5) وأنجولا والصين وملاوي ورواندا (-4 جميعاً)، فيما كان أكبر تحسن في الدرجات لدى كل من مصر وساحل العاج و"سان فنسنت والجرينادينز" (+5)، وأفغانستان والأردن ومالي وسوازيلاند (+4).

ويُعزي التقرير تحسن درجات بعض الدول إلى انفتاح حكوماتها، ومساءلة الجمهور للقادة، في حين تشير الدرجات المتواضعة والتراجع لدى دول أخرى إلى تفشي الرشوة وغياب العقاب على الفساد، وعدم استجابة المؤسسات العامة لاحتياجات المواطنين.

دول الشرق الأوسط على مؤشر الفساد

سجل المؤشر الإقليمي للفساد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (38 درجة)، وهو ما يشير إلى عجز معظم دول المنطقة (84%) عن تحقيق أي تقدم في ترتيبها على سلم المؤشر السنوي لمنظمة الشفافية الدولية، وعدم قدرتها على اجتياز حاجز (50 درجة) المطلوب للنجاح في الشفافية ومكافحة الفساد بالمؤشر.

وقد تصدرت الدول الخليجية قائمة دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الأقل فساداً في مؤشر مدركات الفساد لعام 2014، وجاءت دولة الإمارات العربية المتحدة في مقدمة دول المنطقة الأقل فساداً، وسجلت 70 درجة، واحتلت المرتبة 25 عالمياً، فيما حلت قطر في المرتبة 26 عاملياً والثانية إقليمياً بتسجيل 69 درجة، وبذلك لم تفلح سوى دولتين عربيتين فقط في تخطي حاجز (50 درجة).

وقد تشاركت البحرين والسعودية والأردن في المرتبة 55، وجاءت سلطنة عُمَان في المرتبة 64، والكويت 67، ثم تونس في الترتيب 79، والمغرب 80، ومصر في المرتبة 94، والجزائر 100، فيما احتلت دول السودان العراق وليبيا واليمن وسوريا مراكز متأخرة جداً في الترتيب.

وضع دول الشرق الأوسط على مؤشر مدركات الفساد

الدولة

الدرجة

الترتيب إقليمياً

الترتيب عالمياً

الإمارات

70

1

25

قطر

69

2

26

إسرائيل

60

3

37

البحرين

49

4

55

الأردن

49

4

55

السعودية

49

4

55

عمان

45

5

64

الكويت

44

6

67

تونس

40

7

79

المغرب

39

8

80

مصر

37

9

94

الجزائر

36

10

100

إيران

27

11

136

لبنان

27

11

136

سوريا

20

12

159

اليمن

19

13

161

ليبيا

18

14

166

العراق

16

15

170

السودان

11

16

173





























ويشير التقرير إلى عدة تحديات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، انعكست بدورها على تراجع تصنيف دول المنطقة على مؤشر الفساد، وتتمثل هذه التحديات في الآتي:

1- القلاقل الأمنية: سهلت الأوضاع الأمنية غير المستقرة والعنف والصراعات المسلحة، من انتشار التدفقات غير المشروعة والممارسات الفاسدة. وقد استثمرت العديد من دول المنطقة سياسياً ومالياً في التعامل مع التهديدات الأمنية الوشيكة بدلاً من تسخير المزيد من الموارد لمحاربة الفساد بشكل فعَّال.

2- الفساد السياسي: يعد "الفساد السياسي" هو التحدي الرئيسي في المنطقة، حيث ركزت النخب الحاكمة السلطة في أيدي مجموعات صغيرة، مما أثر سلباً على الفصل بين السلطات، وامتد الأمر إلى عمليات صنع القرار التي تؤثر على ملايين المواطنين.

ويرى التقرير أن النخب السياسية في المنطقة قد أساءت استخدام السلطة، وحافظت على مصالحها الشخصية من خلال النفوذ وشبكات المحسوبية. وفي هذا الإطار يشدد التقرير على ضرورة أن يكون الفصل بين السلطتين التنفيذية والتشريعية أولوية قصوى بالنسبة لأولئك المنتخبين في السلطة، فضلاً عن أهمية استقلال القضاء بعيداً عن التدخل السياسي.

3- غياب القوانين الفعَّالة: أحرزت عدة دول بالمنطقة خطوات إيجابية نحو الإصلاح، كما تم إحراز بعض التقدم التشريعي في المنطقة من خلال التصديق أو الانضمام إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد. ومع ذلك فإن المنطقة تعاني من عدم وجود قوانين يُمكن أن يكون لها تأثير كبير على تحسين النزاهة والشفافية والمساءلة. ولذا طالب التقرير بتشريع الخطط والاستراتيجيات الوطنية لمكافحة الفساد، وتدشين لجان مكافحة الفساد التي يمكن أن تعمل كهيئات رقابية مستقلة.

4- غياب الرقابة: أحد المشاكل الرئيسية للأداء الضعيف لمعظم دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على مؤشر الفساد، هو عدم وجود القوانين المهمة التي تعطي الجمهور فرصة لمراقبة كيفية إنفاق أموالهم.

ويؤكد التقرير حاجة الناس إلى الثقة في مؤسساتهم، خاصةً في أوقات عدم الاستقرار، كما يجب أن تكون الحكومات على استعداد للعمل مع مواطنيها، ومع المجتمع المدني كشريك مهم في مكافحة الفساد.

ختاماً، يُوصي واضعو المؤشر الدول التي حلَّت في قاع المؤشر بأن تتبنى إجراءات جذرية لمكافحة الفساد من أجل تحقيق مصلحة شعوبها، كما يتعين على الدول التي في قمة المؤشر أن تعمل على ضمان عدم تصدير الممارسات الفاسدة إلى الدول ذات معدلات التنمية المتدنية، ومنع غسل الأموال ومنع الشركات السريّة التي تُستغل لإخفاء الفساد.

* عرض موجز للتقرير السنوي الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، في ديسمبر 2014، تحت عنوان: "مؤشر مدركات الفساد 2014".

المصدر:  

http://www.transparency.org/whatwedo/publication/cpi2014