تكريس "الأمن الذاتي":

رسائل العرض العسكري لعناصر "حزب الله" في لبنان

15 April 2017



قام العشرات من الملثمين التابعين لحزب الله، في 31 مارس 2017، بعقد اجتماع في مسجد "الأوصياء" في منطقة برج البراجنة في ضاحية بيروت الجنوبية، ثم خرجوا بعدها للتجول في شوارع المنطقة، وكانوا يضعون على أكتافهم شارات الحزب الصفراء، وعلى صدورهم عبارة "سرية العباس"، وحاملين عصياً. وحسب تقارير إعلامية، فإن هذه السرية يُشار إليها بأنها "فرع الأمن الاجتماعي"، وتستهدف فرض الأمن بجانب الأجهزة الأمنية الرسمية في الداخل اللبناني.

نشاط غير منسق

نفي المكتب الاعلامي لـ "حزب الله" دفعه تلك السرية إلى النزول، معتبراً أن هؤلاء الشباب مؤيدون للحزب، ومتحمسون لمساعدة القوى الأمنية، وقاموا بهذا النشاط غير المنسق مع حزب الله، الذي تواصل معهم للتوقف عن الأمر. وأكد المكتب أن هذا الأمر لن يحدث مرة أخرى.

ومن جانبه، شدد "علي عمار"، النائب في كتلة "الوفاء للمقاومة" النيابية التابعة لحزب الله، على أن الدولة اللبنانية هي المرجعية الأمنية في ضاحية بيروت، وأن الظهور المسلح الذي شهدته المنطقة لن يتكرر على الإطلاق.

وطبقاً لتقارير إعلامية، فإن الأمين العام لحزب الله "حسن نصر الله" طلب فتح تحقيق في الموضوع، وإحالة المعنيين إلى التحقيق، كما صدر قرار عن الجهات التنظيمية بالحزب قضى بسحب تلك العناصر من الشارع.

رفض داخلي

ظهرت العديد من ردود الأفعال في الداخل اللبناني الرافضة لنزول عناصر حزب الله لفرض الأمن، حيث استنكرت بعض عناصر قوى 14 مارس (على رأسها تيار المستقبل)، وبعض المستقلين (غير تابعين لقوى 8 مارس أو 14 مارس) عرض برج البراجنة؛ لأنه يشوه هيبة الدولة، وفي الوقت نفسه يُعد تهديداً من حزب الله نظراً لحيازته سلاحاً غير شرعي، منتقدين فكرة "الأمن الذاتي" على حساب دور المؤسسات الأمنية في الدولة.

وبالنسبة لموقف الدولة الرسمي، فقد عقَّب وزير الداخلية والبلديات اللبناني "نهاد المشنوق" (قيادي بتيار المستقبل) قائلاً إن "استعراض حزب السلاح مُدان ومرفوض جملة وتفصيلاً، وهو صفعة في وجه العهد الجديد وتحد لمنطق الدولة، وستُتخذ الإجراءات التي يفرضها القانون منعاً لكل أفكار الأمن الذاتي التي يرفضها كل اللبنانيين".

دوافع العرض

تتمثل أهم أسباب ظهور العرض العسكري لعناصر حزب الله في منطقة برج البراجنة، فيما يلي:

1- فرض الأمن في الضاحية الجنوبية، وهو السبب الرئيسي لظهور "سرية العباس"، خاصةً بعد تنامي ظاهرة الإتجار بالمخدرات، والجريمة المنظمة. والجدير بالذكر أن منطقة برج البراجنة ومحيطها قد شهدا مؤخراً اشتباكات بين لبنانيين وفلسطينيين على خلفية الإتجار بالمخدرات، وبالتالي سعت عناصر حزب الله لمواجهة تلك الممارسات التي تشكل تهديداً وعدم استقرار في مناطق نفوذ الحزب.

2- إعلاء دور حزب الله على حساب مؤسسات الدولة، حيث تشهد الضاحية الجنوبية منذ فترة حملة مداهمة مشتركة تقوم بها القوى الأمنية الرسمية بمساعدة حزب الله، غير أن اللافت في استعراض "سرية العباس" غياب الجيش والعناصر الأمنية، واقتصارها على عناصر ملثمة تابعة للحزب. ويُبرز ذلك محاولات عناصر حزب الله في جعل البعد الأمني في هذه المنطقة شأناً داخلياً تابعاً له، خاصةً أن القوى الأمنية الرسمية تواجه معوقات في ممارسة عملها نظراً للغطاء الأمني من الحزب. 

3- تحرك عناصر حزب الله بشكل منفرد، حيث يحاول الحزب تجنب الاصطدام مع ساكني الضاحية الجنوبية حتى وإن كانوا تجار مخدرات، نظراً إلى التعقيدات العائلية والعشائرية، وهو ما أدى إلى قيام مسؤول الحزب ببرج البراجنة بخطوة استباقية لمواجهة تلك الإشكالية في إطار غير رسمي (غير تابع للقيادة المركزية في الحزب)، بما يمنحه حرية التحرك في مواجهة العشائر بالضاحية الجنوبية بعيداً عن حزب الله. 

4- تراجع نفوذ حزب الله في مناطق تواجده، إذ أشارت العديد من المصادر إلى أن العرض العسكري في برج البراجنة يُعد اجتهاداً فردياً أقدم عليه الشيخ "عباس الحركة"، مسؤول قطاع برج البراجنة في حزب الله، وعناصر من الموالين للحزب، دون الحصول على موافقة مرجعيته التنظيمية، وبما يبرز تراجع نفوذ الحزب في مناطقه، وسأم الموالين له من الأوضاع المتدهورة نتيجة عدم الاهتمام بشكل كاف بالاستقرار الداخلي في مقابل تزايد دور الحزب الخارجي في سوريا. ودفع ذلك السرية إلى القيام بتحرك على الأرض من دون الأخذ في الاعتبار موقف حزب الله من هذا التحرك.  

دور جديد

إن اعتراف حزب الله بشكل علني بقيام عناصره بالتحرك من دون علمه، يُعد سابقة تبرز تراجع نفوذ الحزب الداخلي في المناطق اللبنانية التي يسيطر عليها، خاصةً بعد الأزمة المالية التي يواجهها نظراً للعقوبات الاقتصادية المفروضة عليه. ويُرجح ذلك خروج بعض عناصر الحزب من تحت عباءته، والقيام بتحركات منفردة في المستقبل قد تتعارض مع توجهات وأهداف الحزب في الداخل اللبناني، وقد يؤدي ذلك إلى إضعاف الكيان المجتمعي لحزب الله، والذي يواجه مشكلة نظراً لتزايد أعداد القتلى والجرحى الناتج عن مشاركته في الأزمة السورية.

ويعكس ظهور "سرية العباس" السعي لتطبيق النموذج الإيراني "الباسيج" (قوات شبه عسكرية تتكون من متطوعين من المدنيين تشارك في أنشطة داخلية على رأسها توفير الأمن والخدمات الاجتماعية). وبالتالي قد يسعى حزب الله في الفترة المقبلة لمواجهة التحركات المنفردة لعناصره من خلال تأسيس كيان على غرار "الباسيج" لاحتواء غضب الموالين له، وفي الوقت نفسه منع ظهور أي تنظيمات داخلية تؤثر على وحدة الحزب، علماً بأن الكيان المتوقع تأسيسه ستكون له العديد من المهام بخلاف البعد الأمني، مثل فرض الشريعة الإسلامية، وهو ما نوهت به "سرية العباس" في بيانها التي وزعته في منطقة برج البراجنة، الأمر الذي سيسفر في النهاية عن خلق أزمة جديدة بين حزب الله والدولة اللبنانية.