سياسات مرحلية:

هل بدأت إيران تفكر في الخروج من سوريا؟

07 April 2017


تحرص إيران بشكل دائم ليس فقط على تأكيد دورها الرئيسي الداعم للنظام السوري في معاركه ضد قوى المعارضة، وإنما أيضًا على إبراز هذا الدور واعتباره مصيريًا بالنسبة لبقاء النظام في السلطة، وهو ما يبدو جليًا في التغطية الإعلامية المكثفة سواء للزيارة التي قام بها قائد "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري قاسم سليماني، إلى ريف حماة، التي شهدت مواجهات مسلحة ضارية خلال الفترة الأخيرة، أو للإعلان عن الوصول إلى صفقة بين إيران و"حزب الله" اللبناني من ناحية، و"جيش الفتح" الذي يضم بعض الميليشيات الإرهابية والمسلحة، وعلى رأسها "جبهة النصرة" (جبهة فتح الشام) من ناحية أخرى، تقضى بإخراج المدنيين والمسلحين من المناطق التي يتبادل الطرفان محاصرتها، على غرار قرى الزبداني ومضايا (التي تحاصرها القوات النظامية والميليشيات الحليفة) وكفريا والفوعة (التي تحاصرها الميليشيات المسلحة والمعارضة). 

ومن دون شك، فإن ذلك يهدف إلى توجيه رسائل لبعض القوى الإقليمية والدولية، ولا سيما روسيا والولايات المتحدة الأمريكية إلى جانب إسرائيل، التي باتت معنية، أكثر من أى وقت مضى، بتداعيات اتساع نطاق وجود كل من إيران و"حزب الله" في سوريا.

 ومع ذلك، فإن ثمة مؤشرات تكشف عن وجود اتجاهات قريبة من دوائر صنع القرار في طهران باتت تبدي شكوكًا في مدى قدرة إيران على الاستمرار في تقديم مزيد من الدعم للنظام السوري ورفع مستوى انخراطها في الصراع المسلح، في ظل غموض المسارات المحتملة التي يمكن أن يتجه إليها في المستقبل، نتيجة تشابك مصالح وسياسات القوى المعنية به، فضلا عن صعوبة التعويل على القوى الحليفة، على المدي البعيد، والتي يمكن أن تتجه إلى إبرام تسويات وصفقات مع خصوم إيران في سوريا، في حالة ما إذا اقتضت مصالحها تبني هذه السياسة، بصرف النظر عما إذا كان ذلك يمثل تهديدًا لمصالح إيران أم لا.

أهداف متعددة:

 لم تعد إيران تبالي بالتنديدات التي توجهها بعض القوى المعنية بالصراع العسكري المستمر في سوريا، تجاه ظهور بعض قادتها العسكريين البارزين على جبهات المعارك في المدن السورية الرئيسية، على غرار مدينتى حلب وحماة، رغم أن ذلك يثبت أنها غير جادة في الانخراط في التزامات دولية وتنتهك قرارات مجلس الأمن الدولي لا سيما القرار 2231 الخاص بالاتفاق النووي بشكل صارخ، بدليل أنها تسمح لبعض هؤلاء القادة، الذين يحظر عليهم السفر إلى دول أجنبية بمقتضى عقوبات دولية مفروضة عليهم، بالظهور في مناطق الصراع في سوريا. 

كما أن إيران لم تعد معنية بإخفاء دورها الرئيسي في المواجهات المسلحة بين القوات النظامية وقوى المعارضة على غرار ما كانت تحرص في بداية الصراع. ويبدو أنها تسعى من خلال ذلك إلى تحقيق هدفين رئيسيين هما:

1- الرد على التصريحات الأمريكية الأخيرة التي أشارت إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية قد تتجه إلى العمل على تقويض الوجود العسكري الإيراني داخل سوريا، وهو ما عبرت عنه المندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة نيكي هايلي، في 9 مارس 2017، بقولها: "يتعين علينا العمل من أجل إخراج إيران وأتباعها من سوريا". وقد أعادت هايلي الإشارة إلى ذلك في 3 أبريل 2017، بتحديدها أولويات واشنطن في سوريا والتي تتمثل في محاربة تنظيم "داعش" ثم "إخراج التأثير الإيراني من سوريا" ثم "إزاحة الأسد من الطريق".  

وهنا، فإن إيران تسعى من خلال العمل على إظهار حضورها البارز في الصراع السوري إلى تأكيد أن المقاربة الأمريكية لدورها في سوريا تواجه عقبات لا تبدو هينة، خاصة أن هذا الحضور لا يقتصر على الدعم المالي والعسكري للنظام السوري، من خلال قادتها وعناصرها في الحرس الثوري والميليشيات الطائفية الموالية لها والتي قامت بتكوينها وتدريبها وتمويلها خلال المرحلة السابقة، وإنما أيضًا عبر نفوذها الاقتصادي والاجتماعي الواضح، خاصة في المناطق التي تخضع لسيطرة النظام، حيث سعت إيران خلال الفترة الماضية إلى شراء أراضٍ وعقارات وشاركت في تطوير بعض منشآت البنية التحتية، خاصة في مجال الاتصالات، بما يعني أنها تحاول التمدد داخل المجتمع السوري، بشكل يزيد من الصعوبات التي يمكن أن تواجه أية جهود قد تبذل لإخراجها من سوريا. 

سياسة غير واضحة:

ويبدو أن إيران لا تفضل الانتظار إلى حين تبلور سياسة أمريكية مستقرة تجاه التطورات السياسية والميدانية في سوريا، خاصة أن ثمة ارتباكًا ملحوظًا في تلك السياسة، وفقًا لاتجاهات عديدة، بدا جليًا في تأكيد واشنطن على أن مصير رئيس النظام السوري بشار الأسد لم يعد يدخل ضمن أولوياتها، بالتوازي مع إشارتها إلى أن الأسد وإيران يمثلان عقبتين في طريق الوصول إلى تسوية للأزمة، إذ أنها تبدو حريصة على الاستعداد مبكرًا للتصعيد الأمريكي المحتمل ليس فقط حول الاتفاق النووي، وإنما أيضًا حول الدور الإيراني في الصراعات الإقليمية، لا سيما في سوريا والعراق واليمن، من خلال تأكيد أن مهمة تقليص دورها في تلك الصراعات لا تبدو سهلة.

شكوك في الحليف الروسي:

2- السعى إلى إبراز الفارق الشاسع في الأهمية الاستراتيجية التي تحظى بها سوريا بالنسبة لكل من إيران وروسيا. فرغم أن الطرفين حريصان على تأكيد أهمية التنسيق والتعاون فيما بينهما وهو ما اتضح خلال الزيارة التي قام بها الرئيس حسن روحاني إلى روسيا مؤخرًا، ورغم إدراك إيران بأن قدرتها على التدخل العسكري في الصراع السوري لها حدودها، بدليل إعلانها مرة أخرى السماح للمقاتلات الروسية باستخدام قواعدها في ضرب مواقع قوى المعارضة والميليشيات الإرهابية والمسلحة داخل سوريا، بشكل يشير إلى أنها تفتقر إلى القدرات الجوية التي تستطيع من خلالها صنع الفارق في الصراع على غرار ما تفعل روسيا، إلا أن ذلك في مجمله لا ينفي أن إيران لم تعد تخفي شكوكها إزاء إمكانية التعويل على الدور الروسي الحيوي في الصراع السوري، خاصة على المدى الطويل، بسبب الحسابات الروسية الدقيقة التي لا تفصل التنسيق مع إيران في الصراع السوري عن علاقاتها مع أطراف أخرى تتبنى سياسات مناقضة لمصالح إيران، على غرار إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وإسرائيل.

بل اللافت أن اتجاهات في طهران بدأت في إبداء شكوك أيضًا في نوايا النظام السوري تجاه إيران خلال المرحلة القادمة، خاصة في حالة ما إذا تباينت المصالح والسياسات الروسية والإيرانية والسورية على المدى الطويل.

 هذه الشكوك عبر عنها مصطفى زهراني المدير العام للشئون الاستراتيجية في معهد الدراسات السياسية والدولية التابع لوزارة الخارجية الإيرانية، وهو أحد المراكز البحثية المرموقة في إيران، في مقال كتبه على موقع "ديبلماسي إيران" (الدبلوماسية الإيرانية) بعنوان "المعضلة الكبيرة في استراتيجية الخروج من سوريا"، والذي ركز فيه على مجموعة من القضايا المهمة، التي يأتي في مقدمتها أن إيران دخلت الصراع في سوريا وهى لا تمتلك استراتيجية للخروج منه، على عكس روسيا، التي يتيح لها وجودها "المحدود"، والذي ينحصر في قواتها الجوية، الانسحاب في حالة ما إذا ارتأت ذلك، وأن النظام السوري يمكن أن يتجه إلى رفع مستوى علاقاته مع روسيا على حساب علاقاته مع إيران باعتبار أن الأولى هى الأكثر قدرة على حمايته ومواصلة دعمه.

جدل عام:

ومن دون شك، فإن هذا المقال ربما لا يعبر عن وجهة النظر الرسمية لإيران، لكن نشره على موقع قريب من وزارة الخارجية ومن شخصيات تحظى بدعم من جانب النظام يتيح القول بأن ثمة جدلا عامًا يدور داخل إيران حول مسارات الصراع في سوريا وتأثيرها على مصالح إيران، ومستقبل علاقاتها مع كل من روسيا ونظام الأسد، وأن هناك اتجاهات داخل إيران تسعى إلى تصدير انطباع بأن إيران ربما تفكر، على المدى الطويل، في الخروج من سوريا، باعتبار أن مواصلة التورط في ما يمكن تسميته بـ"المستنقع السوري" يفرض خسائر لا تبدو هينة بالنسبة لإيران ويهدد مصالحها بامتياز.

عقبات عديدة:

لكن هذا الخروج لا يبدو سهلا لاعتبارات عديدة. إذ أن الصراع في سوريا استنزف قدرات إيران، المالية والبشرية، إلى حد كبير، في الوقت الذي تعاني فيه من مشكلات اقتصادية لا تبدو هينة رغم رفع العقوبات الدولية المفروضة عليها منذ أكثر من عام، بشكل لا يستطيع معه النظام تسويق فكرة الانسحاب من الصراع في سوريا على الساحة الداخلية بهذه السهولة، خاصة أنه حرص في المرحلة الماضية، وما زال، على تأكيد أن المشاركة في الصراع السوري كانت لحماية الأمن القومي الإيراني، وأنه لو لم تسع إيران إلى دعم استمرار النظام السوري في السلطة لوصول الإرهابيون إلى طهران.

 كما أن ذلك من شأنه توجيه ضربة قوية لجهود إيران في دعم تمددها على الساحة الإقليمية، وإضعاف قدرتها على التواصل مع حلفائها من الميليشيات المسلحة والإرهابية الموجودة في دول الأزمات. إلى جانب أن ذلك من شأنه دفع إيران إلى الانكماش داخل حدودها، وهو مسار لا يستسيغه رجال الدين المسيطرون على الحكم، والذين حاولوا منذ الإطاحة بالشاه في عام 1979، تبني سياسة تدخلية ذات بعد أيديولوجي تقوم في الأساس على أن بقاء النظام في الحكم يعتمد على تصدير الأزمات إلى الخارج والتمدد في مناطق بعيدة، وعدم السماح للخصوم بالاقتراب من حدود الدولة.