اختبار تكتيكي:

أهداف وتحديات نشر قوة أمريكية في منبج

15 March 2017


نشرت الولايات المتحدة الأمريكية وحدة مدفعية تابعة لمشاة البحرية الأمريكية (المارينز) و400 جندي إضافي في محيط مدينة منبج السورية ذات الأهمية الجيوسياسية، في إطار الخطة التي أُعلن مؤخرًا أن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) سلمتها للرئيس دونالد ترامب والخاصة بتسريع القضاء على تنظيم "داعش"، والتي يبدو أنها لاقت قبولا. 

ويُفترض، بطبيعة الحال، أن يكون هذا الانتشار إحدى مقدمات هذه الخطة التي عليها أن تتعامل مع تحديات كثيرة بالنظر إلى طبيعة الصراعات المركبة والمعقدة التي تشهدها الساحة السورية، وهو ما يشير، على جانب آخر، إلى تعدد أهداف هذه القوة رغم محدوديتها، فضلا عن كونها تشكل اختبارًا ستنعكس نتائجه مباشرة إما إيجابيًّا بشكل يعني زيادة عددها، أو سلبيًّا بما يفرض البحث عن بدائل أخرى لها.

ويُمكن القول إن العنوان الرئيسي لهذا التحرك الأمريكي يتمثل في دفع حلفاء واشنطن المتصارعين للاستمرار في التركيز على خصم مشترك هو "داعش". لكن هذا التوجه يحمل في طياته العديد من التحديات التي يُتوقع أن تفرض نفسها على هذا المشهد. 

خريطة متشابكة:

وفقًا لما ذكره قائد القوات الأمريكية في الشرق الأوسط الجنرال جوزيف فوتيل خلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ، فإن الهدف من نشر القوة في منبج هو "السعى لمنع الصدام بين قوات سوريا الديمقراطية والقوات التركية"، وهو ما يتوافق مع تصريحات المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية جيف ديفيس، التي قال فيها أن الهدف هو "الطمأنة والردع" بين القوات المختلفة في منبج.

هذه التصريحات تشير إلى أن التعامل مع "قوات سوريا الديمقراطية" ما زال محور خلاف بين أنقرة وواشنطن. فالأولى تتبنى سياسة متشددة تجاه تلك الميليشيات وتعتبرها منظمة إرهابية في ظل علاقاتها القوية مع حزب العمال الكردستاني، في حين تؤكد الثانية أنها شريك أساسي لها في المعركة ضد "داعش"، بل وتعتبرها، وفقًا لاتجاهات عديدة، النموذج المثالي لتشكيل قوات عابرة للإثنية في سوريا، وأن البديل في حال خسارة أى من الطرفين هو تعطيل عملية الرقة في ظل صعوبة إيجاد بديل لضيق الوقت مع استمرار تحقيق عملية الموصل نجاحات في العراق، وهو ما يعني أن أى تأخير في الاستعداد للمعركة سيسمح لـ"داعش" بإعادة ترتيب صفوفه في الرقة.

ولكن يمكن اختبار مدى إمكانية تحقق هدف منع الصدام بين الحلفاء مع إلقاء نظرة على خريطة انتشار مختلف القوى في بؤرة منبج التي يتضح من خلالها تمركز أغلب القوى المتصارعة والمتحالفة على خطوط تماس متقاربة. فهناك القوة الأمريكية التي تتمركز في منطقة أو قاعدة "رميلان"، وتفصل بين القوات الكردية في مقابل التركية التي تشارك بنحو 350 عنصرًا ضمن عملية "درع الفرات" التي تقول إن هدفها دعم "الجيش السوري الحر" في شمال وغرب منبج، بينما تتمركز قوات النظام السوري في المنطقة الغربية من منبج بدعم جوي روسي وبمساعدة الميليشيات الحليفة لإيران، وبالتحديد في منطقة الخفسة البعيدة 35 كلم جنوبي منبج، وتعد منطقة استراتيجية أيضًا بالنظر لاحتوائها على محطة المياه الرئيسية لحلب.

وعلى ضوء ذلك، يبدو من الصعب لقوة محدودة العدد الاضطلاع بمهمة على هذا النحو في حالة ما إذا لم تمارس الولايات المتحدة ضغوطًا على الأطراف المتحالفة معها من أجل الالتزام بالمهام المشتركة، وهى الحرب ضد "داعش"، فضلا عن وضع تصور لأسلوب إدارة تلك المناطق بشكل توافقي في الدائرة الأوسع مع روسيا.

أهداف أخرى:

وإلى جانب ذلك، فإن ثمة أهدافًا أخرى ربما تسعى واشنطن إلى تحقيقها عبر تلك الخطوة، وتتمثل في:

1- تعزيز الوجود الأمريكي في سوريا: فرغم الحضور المبكر لواشنطن في ساحة الصراع، كونها تضطلع بقيادة تحالف مكون من أكثر من 60 دولة للحرب على "داعش" في العراق وسوريا، إلا أنها ظلت تمارس دورًا ثانويًّا في ظل الحضور المكثف لاحقًا للقوة الروسية. ووفقًا للمتحدث باسم البنتاجون جيف ديفيس، في 8 مارس الجاري، فإن عدد الجنود الأمريكيين في سوريا يصل إلى 503 جندي. ومع أن هذا العدد لا يزال محدودًا، غير أن من المهم الإشارة إلى أن واشنطن لم يكن لديها انتشار محسوب على صعيد المعركة في سوريا عمومًا من قبل، بشكل يشير إلى أنها تسعى إلى تعزيز وجودها في سوريا خلال المرحلة القادمة.

2- توسيع هامش الخيارات المتاحة: خاصة في ظل تزايد الشكوك الأمريكية من إمكانية رفع مستوى التنسيق مع روسيا إزاء تطورات الصراع في سوريا، وهو ما عبر عنه وزير الدفاع جيمس ماتيس بقوله، في 7 مارس 2017، أن هناك شكوكًا حول توسيع التعاون بين القوات الأمريكية والروسية في سوريا. وفي زيارة سابقة له لقيادة حلف شمال الأطلنطي في بروكسل، في منتصف فبراير الفائت، أكد في السياق ذاته أنه يتعين على روسيا "إثبات نفسها"، بما يعني أن أى تعاون محتمل بدرجة وثيقة بين موسكو وواشنطن في سوريا يواجه عقبات لا تبدو هينة.

3- الاستعداد لمعركة الرقة: مع أن القادة الأمريكيين كانوا حريصين على تأكيد أن تلك القوة لن تنخرط في الخطوط الأمامية، إلا أنها في الوقت ذاته ستكون على مقربة منها، بما يعني أنها فعليًّا قوة "قيادة وتنسيق برية" في معركة الرقة المقبلة، خاصة مع الرهان على أن "قوات سوريا الديمقراطية" ستكون طرفًا رئيسيًا في معركة الرقة بالنسبة للولايات المتحدة. لكن سيكون من الصعوبة بمكان تحقيق ذلك حال السماح لقوات تابعة للنظام أو غيرها بالمشاركة.

تحديات مختلفة:

أكد الجنرال جيمس فوتيل أن مهام هذه القوات شاقة وصعبة، وقال إنها "تستلزم عملا شاقًّا من الناحية العسكرية والدبلوماسية"،  بما يعني أن هذه القوات يجب أن تنجح في صد أى هجمات متبادلة بين الطرفين. وعلى الرغم من التسليح الجيد لقوة بهذا الحجم، إلا أن اتجاهات عديدة لا ترجح أن تحظى بتأمين من الجانب التركي، وهى نقطة الضعف في هذه الحلقة، خاصة أن أنقرة، التي اتجهت إلى رفع مستوى التنسيق مع موسكو، تنتقد خطة واشنطن حيال المعركة القادمة في الرقة، وأعلنت أن قواتها ستقاتل القوات الكردية في منبج، حيث قال رئيس الوزراء بن علي يلدريم في هذا السياق: "إن ذلك يقوّض رغبة تركيا في إقامة منطقة آمنة، والتي تعد محل توافق حاليًّا مع الإدارة الأمريكية". 

وبالتالي ففي حالة استمرار التباينات بين الطرفين، فستكون هناك خطورة على القوة الأمريكية نفسها، بما يزيد من احتمالات فشل مهمتها.

في المقابل، لا يبدو من المرجح أن تشن "قوات سوريا الديمقراطية" هجمات عنيفة ضد القوات التركية في سوريا، لكنها تتمسك بأن يكون لها دور أساسي في عملية الرقة، وتعتبر أن الإنجاز الذي حققته في استعادة العديد من القرى في محيط الرقة بعد عزلها يجب أن يُنسب إليها، على أن يتم شغلها من خلال منظومة حكم إداري مشترك بين العرب والأكراد.

ومن دون شك، فإن تلك التحديات، التي تتوازى مع استمرار الشكوك الأمريكية حيال الموقف الروسي من تطورات الصراع، تقلل من فرص نجاح الخطة الأمريكية المطروحة حاليًّا، فالتكتيكات الميدانية تكشف أن واشنطن تقدم آلية التحرك العسكري على آلية الاتفاق والترتيبات المشتركة مع الحلفاء والقوى المختلفة في سوريا، وبالتالي من المتصور أن يفرض اختبار هذه التكتيكات تداعيات سلبية قوية على سياسة واشنطن إن لم تعمل على تبني استراتيجية متعددة الأبعاد تتضمن الموقف من قضايا رئيسية على غرار المناطق الآمنة، إلى جانب الاتفاق على مستقبل المناطق المحررة، لا سيما مناطق التماس السوري- التركي.