شروط النجاح:

هل تكون الخصخصة ترياقًا لتراجع إيرادات النفط الخليجي؟

06 February 2017


عرض: جلال الدين عز الدين علي- باحث في الشؤون السياسية- القاهرة

فرض انهيار أسعار النفط العالمية منذ عام 2014 على دول مجلس التعاون الخليجي العمل على زيادة مدخولاتها من أجل تحقيق التوازن في الموازنة العامة، وتنويع اقتصاداتها بعيدًا عن الاعتماد على النفط فقط. ويعتمد جزء من ذلك على تشجيع القطاع الخاص بفضل دوره في توليد الضرائب والوظائف، والتخفيف من التعرض لتقلبات أسعار النفط.

وهكذا، انشغلت الحكومات الخليجية بمسألة الإصلاح الاقتصادي، مع إعطاء أولوية للتوسع في الخصخصة. واتخذت خطوات مهمة في هذا الصدد، تنوعت بين تعظيم مشاركة القطاع الخاص في المشروعات المشتركة مع القطاع العام، وتخفيف قيود الأسواق المالية، ووقف الدعم لبعض المشروعات، وخصخصة مرافق عامة، وأجزاء من شركات النفط الوطنية.

ويبدو أن الكثيرين من دعاة الإصلاحات الاقتصادية من هذا النوع ينظرون إلى الخصخصة باعتبارها ترياقًا لتراجع الثروات النفطية، وتفاقم مشكلات الموازنة، ومن أجل تحقيق التنويع الاقتصادي.

وفي هذا السياق، تناقش ورقة بحثية أعدها بول ستيفنس، ونشرها معهد "شاتام هاوس" في ديسمبر 2015، مدى قدرة الخصخصة في دول مجلس التعاون، في الممارسة العملية، على تحقيق هدف النهوض بالتحول الاقتصادي، وذلك من خلال استعراض توقعات دول المجلس من الخصخصة، وشروط نجاح الخصخصة في الدراسات النظرية والإمبريقية، وما إذا كان السياق الخليجي يساعد في ذلك.

توقعات من الخصخصة

بدايةً تُشير الورقة البحثية إلى أن الخطاب السائد في سياق دول مجلس التعاون الخليجي يشي بأن المقصود من الخصخصة هو: تحسين أداء المشروعات، وتعزيز الرخاء الاقتصادي للأمة، على الأقل من خلال زيادة العوائد المتاحة للحكومة. 

وبفرض أن هذه هي الأهداف العليا للخصخصة في دول الخليج العربي، فإن ذلك يستند إلى منطق كامن في النظريات التي عنيت بموضوع "عجز الحكومة"، ومزايا الخصخصة في سبعينيات القرن الماضي. ويمكن تلخيص هذا المنطق في: أن المشروعات المملوكة للدولة غير كفؤة بطبيعتها.

ولذا، فبمجرد تغيير حقوق الملكية، سيؤدي ذلك إلى تحسن أداء المشروعات. فالكيان المخصص يُقدم للإدارة حوافز أقوى لتؤدي أداء أفضل؛ وتفرض الخصخصة مزيدًا من المساءلة على كبار المديرين؛ وتحدِّد للشركات أهدافًا اقتصادية تركز على تعظيم القيمة لحمَلة الأسهم، فتتخفف من الأعباء السياسية والاجتماعية؛ كما تخفض من القيود المالية على الشركات المملوكة للدولة، وتتيح لها الوصول إلى الأسواق المالية في الداخل والخارج لزيادة مواردها.

شروط النجاح

تؤكد الورقة البحثية أن الخصخصة بذاتها لا يمكن أن تحقق المنافع المتوخاة منها، ويستلزم نجاح الخصخصة توافر شروط أساسية؛ أبرزها:

أولًا- زيادة المنافسة التي تواجه الكيان المخصص حديثًا: تحقق المنافسة وظيفتين مهمتين؛ الأولى هي إجبار المشروعات على تقليل تكاليف التشغيل حتى لا تتأثر بالداخلين الجدد الذين يعملون بتكلفة منخفضة، وينتجون بأسعار منخفضة، ومن ثم فهي تزيد الكفاءة الإنتاجية. والثانية أن الأسعار المنخفضة تقلل هوامش الربح إلى حدود طبيعية للغاية، ومن ثم فهي تضمن الكفاءة التوزيعية.

ثانيًا- إصدار إشارات "مطوَّرة" تُجبر الإدارة على الاستجابة والمرونة والابتكار: وأبرز هذه الإشارات أن يكون الحساب الختامي لأسعار المدخلات والمخرجات حقيقيًّا ومنطقيًّا، وأن يُعرَّف النجاح بأنه زيادة القيمة لحمَلة الأسهم؛ وأن يُنظر إلى حوافز الإدارة على أنها أداة لمكافأة الأداء الجيد، ومعاقبة الأداء الضعيف.

ثالثًا- خفض التدخل الحكومي في إدارة المشروعات، بما يُخرج من نطاق اختصاص المشروع الأهداف الأخرى التي قد ترتبط بالسياسات الاجتماعية أو الإقليمية الأوسع، كما يسمح للإدارة بالاستجابة لهدف تعظيم القيمة لحَمَلَة الأسهم.

رابعًا- وجود أسواق مالية مؤثرة وكفؤة من شأنها أن تفرض النظام الضروري على المديرين، فإذا أخفقوا في تعظيم القيمة لحَمَلَة الأسهم فإن هؤلاء سيشرعون في بيع أسهمهم، فتنخفض أسعار الأسهم، وتنخفض ثروة حَمَلَة الأسهم الباقين الذين إما سيبيعون، فتتفاقم المشكلة، أو يطالبون بممارسة حقهم (ولو نظريًّا) في إقصاء الإدارة القائمة. أي إن الأداء الضعيف المستمر يتسبب في الاستيلاء على الشركة أو الإفلاس. وفي كلتا الحالتين، عادة ما تُنَحَّى الإدارة القائمة.

قيود خليجية

تشير الورقة البحثية إلى أن الدراسات الإمبريقية الوفيرة لم تحسم الجدل لصالح فرضية أن تغيير حقوق الملكية يعزز الأداء، والأرجح أن طبيعة ملكية المشروعات لا تؤثر كثيرًا على أدائها، وأن الأكثر تأثيرًا في الأداء هو السياق الذي يشتغل فيه المشروع. ولذا يجب دراسة السياق الخليجي، ومدى توافر الشروط اللازمة لنجاح الخصخصة في تحسين أداء الشركات فيه.

أولًا- ستستمر الحكومات في التدخل: بصرف النظر عن تأييد حكومات مجلس التعاون الخليجي المعلن لقوى السوق والقطاع الخاص، فإن هذه الحكومات تمتلك تاريخًا طويلًا من التدخل الراسخ في اقتصاداتها، على أمل تحقيق أهداف السياسات العامة والتنمية. وعندما يتعلق الأمر بشركات مملوكة للدولة في قطاع الطاقة، فهذه الشركات ذات أهمية استراتيجية بالغة بسبب إسهامها في عوامل الإنتاج، ومستوى المعيشة، والعملة الأجنبية، والعائدات للحكومة. وفي هذه الظروف لا يتصور أن أي حكومة ستكف عن التدخل في هذا القطاع، بصرف النظر عن مَوضِع الملكية.

وبما أن أنشطة قطاع الطاقة تميل إلى أن تكون كبيرة وكثيفة رأس المال، فمن المحتمل أن يكون المشروع المراد خصخصته أكبر من قدرة السوق المالية على التعامل معه، وأن يكون المشترون المحتملون إما مواطنين أغنياء جدًّا، فيزيد ذلك من مشكلات توزيع الثروة في المجتمع؛ وإما شركات أجنبية، فيثير ذلك حساسيات وطنية. وبسبب حجم مشروعات قطاع الطاقة، فإن المشروعات القائمة بالفعل يمكن في بعض الحالات أن تمثل احتكارًا طبيعيًّا مؤسسًا على الحجم، يصعب معه إدخال المنافسة.

أضف إلى ذلك ما يتعلق بالتوظيف، ومدى استعداد إدارات الشركات بعد تخصيصها للاحتفاظ بأعداد هائلة من قوة عمل محلية، أو مدى رغبتها في توظيف المزيد من الشباب.

ثانيًا- يبقى "التسعير السليم" تحديًا خطيرًا: تقدم أسعار قطاع الطاقة في دول مجلس التعاون الخليجي صعوبات أيضًا فيما يخص تقديم إشارات أفضل للإدارة. فإنتاج الطاقة واستهلاكها لا يمكن فصلهما عن ظروف بيئتهما. وفي ضوء هذه الأمور الخارجية، تقع على الحكومات مسئولية كبيرة في التدخل باستخدام الضرائب أو الدعم، أو بأي طريقة أخرى تجعل الأمور الخارجية داخلية. وفكرة ترك قوى السوق تحدد الأسعار، متحررة تمامًا من التدخل الحكومي، ليست قابلة للتحقق ولا مرغوبة.

والواقع أن معظم حكومات دول الخليج العربي استخدمت التسعير الداخلي للطاقة أداةً للسياسة الاجتماعية وإعادة توزيع الدخل، مع إبقاء أسعار الكهرباء والمنتجات النفطية في كثير من الحالات أدنى من الأسعار المرجعية. وتفرض محاولات تغيير ذلك إلى أسعار أكثر واقعية تحديات كثيرة، خصوصًا من حيث القبول السياسي بها.

ثالثًا- كفاءة الأسواق المالية: تحاول دول عدة في مجلس التعاون الخليجي تحسين أداء أسواقها المالية التي اشتهرت بتقلباتها، وضعف الكفاءة، وذلك من خلال تشجيع مشاركة المستثمرين الأجانب، لعلها تساعد في فرض النظام. إلا أن ذلك يستلزم زمنًا طويلًا ليكون له تأثير مستدام. ومن غير المرجح كثيرًا أن تستطيع هذه المؤسسات خلق بيئة تنتج فيها الخصخصة أداءً محسَّنًا.

رابعًا- طبيعة أهداف الخصخصة: ينحو قطاع الطاقة التقليدية إلى الارتباط بمشروعات طويلة الأجل، وفترات طويلة لاسترداد التكاليف. ولهذا السبب لا يمكن الاعتماد فيها على رأس المال من المصادر الخاصة -من حقوق المساهمين أو الاقتراض- في سياق النزعة قصيرة الأجل التي تسود الأسواق المالية. وإذا كان حملة الأسهم لا يهمهم سوى توزيع أرباح الربع التالي، فمن غير المرجح أن يتعاطفوا مع الاستثمار في أغلب مشروعات قطاع الطاقة. 

علاوة على هذا، تتضمن قوى السوق حرية الدخول والخروج حسب ربحية الأسهم، وإذا كان سحب الموارد من أسهم مشروعات الطاقة سيؤدي إلى انطفاء أجهزة التكييف (حرفيًّا)، فلا يتصور أن أي حكومة ستسمح بتعرض قطاعات الطاقة الفرعية للافتقار لرأس المال، أو بعجز في الإمداد نتيجة عمل قوى السوق.

وبينما ازداد التدخل الحكومي -على عكس شروط نجاح الخصخصة- في الدول الليبرالية كبريطانيا لفرض التشريعات التنظيمية اللازمة لإزالة الآثار التشويهية للاحتكارات، فإن تدخل حكومات مجلس التعاون لن يكون إلا لتعزيز مزايا المشروع وحمايته من الفشل.

الخلاصة

يشي كل من النظرية والتحليل السياقي بأن الخصخصة لن تكون -كما يعتقد كثيرون- ترياقًا لدول مجلس التعاون الخليجي. فالشروط الضرورية لنجاح الخصخصة لا يرجح تواجدها. علاوة على ذلك، فالقطاع الخاص المحلي في دول الخليج العربي يمتلك قدرة فنية وإدارية محدودة، وهذا ما يعني أن التخلي عن الأصول التي تديرها الدولة يمكن أن ينعكس بالسلب على هذه الكيانات. وأخيرًا، لن تسفر البيوع بالضرورة عن إعادة توزيع الثروة بين المواطنين.

إن الخصخصة في حد ذاتها مجرد شعار. فالمنافسة الأكبر، والإشارات الأفضل، والتدخل الأقل، يمكن إنجازها كلها عبر عملية تخفيف القواعد التنظيمية، والمزيد من التحرير الاقتصادي. وتسمح هذه العملية بدخول القطاع الخاص، وتجبر بذلك الشركات المملوكة للدولة على المنافسة والأداء. وتبدو هذه العملية بالتأكيد طريقة أكثر واقعية من الخصخصة بأسرها.

المصدر

Professor Paul Stevens, " Economic Reform in the GCC: Privatization as a Panacea for Declining Oil Wealth?, Chatham House, 13 December 2016