ضغوط متبادلة:

تداعيات تمديد العقوبات الأمريكية على إيران

11 December 2016


تصاعدت حدة التوتر بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية خلال الفترة الأخيرة، خاصة بعد قرار الكونجرس الأمريكي بتمديد العقوبات المفروضة عليها لمدة عشرة أعوام أخرى. إذ بدأت إيران في توجيه تهديدات ضمنية بإمكانية اتجاهها إلى تبني خطوات تصعيدية مقابلة، على غرار إقرار قانون جديد يُلزم الحكومة بإعادة تطوير البرنامج النووي حتى يصل إلى المستويات السابقة التي كان عليها قبل الوصول للاتفاق النووي بين إيران ومجموعة "5+1" في 14 يوليو 2015، وربما تعليق الاتفاق النووي برمته حسب تصريحات وزير الخارجية محمد جواد ظريف.

وعلى الرغم من هذا التصعيد التدريجي بين واشنطن وطهران، فإن ذلك ربما يدخل في إطار التلويح بأوراق ضغط متبادلة، من أجل تجنب الاضطرار فعليًّا لاتخاذ خطوات إجرائية في هذا السياق، في ظل سعي الطرفين إلى تجنب تحمل المسئولية الدولية عن إفشال الاتفاق النووي، والتي سوف تفرض تداعيات وخيمة -دون شك- على الطرف الذي تسبب في حدوث ذلك. ومن هنا، يُمكن القول إن تلك الخطوات التصعيدية هي محاولات لممارسة ضغوط متبادلة قبل أن تتولى إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب مهامها في 20 يناير 2017.

مغزى التوقيت:

تطرح موافقة كلٍّ من مجلس النواب ومجلس الشيوخ بأغلبية مطلقة على تمديد العقوبات المفروضة على إيران لمدة عشرة أعوام أخرى، دلالتين رئيسيتين: تتمثل الأولى، في أن ثمة اتجاهًا عامًّا داخل الولايات المتحدة الأمريكية بات يدعو إلى ضرورة إجراء تغييرات رئيسية في السياسة الأمريكية تجاه إيران، على اعتبار أن السياسة التي تبنتها إدارة الرئيس باراك أوباما لم تحقق أهدافها، بل أنتجت، في بعض الأحيان، تداعيات عكسية، على غرار فشلها في منع إيران من استثمار الاتفاق النووي لدعم نفوذها وحضورها في المنطقة، من خلال مواصلة تقديم مساعدات للميليشيات المسلحة، على المستويين المالي والعسكري، وعدم اتخاذ إجراءات رادعة تقنعها بعدم جدوى الالتفاف على الاتفاق النووي أو البحث عن ثغرات قانونية فيه، وهو ما بدا جليًّا في حرص إيران على إجراء تجارب متعددة لإطلاق صواريخ باليستية، بحجة أنها غير مصممة لحمل أسلحة نووية، إلى جانب تعمد قواتها العسكرية تبني سياسة استفزازية في التعامل مع القطع العسكرية الأمريكية في منطقة الخليج، على غرار احتجاز عشرة بحارة أمريكيين بعد دخول زورقيهما إلى مياهها الإقليمية، وبث فيديو يظهرهم وهم راكعين وأيديهم فوق رءوسهم، في يناير 2016.

وهنا، كان لافتًا أن قانون العقوبات حظي بتأييد واسع من جانب أعضاء مجلس النواب ومجلس الشيوخ، وذلك رغم المساعي التي بذلها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري لإقناع الأعضاء الديمقراطيين بعدم التصويت لصالح تمديد العقوبات، باعتبار أنه يمكن أن يُضعف من الاتفاق النووي.

وتنصرف الثانية، إلى أن الكونجرس يسعى إلى دعم موقع الإدارة الجديدة برئاسة دونالد ترامب قبل تسلم مهامها في يناير المقبل، من أجل تمكينها من رفع سقف العقوبات المفروضة على إيران، أو ممارسة مزيدٍ من الضغوط عليها لإرغامها على عدم الالتفاف على الاتفاق النووي، والتوقف عن استفزاز القوات الأمريكية في الخليج.

ومن هنا، فإن الاتجاه المؤيِّد لتمديد العقوبات يرى أن ذلك يُمثل الخيار الأفضل للتعامل مع إيران؛ لأن اتخاذ خطوة عكسية في هذا السياق، على غرار عدم تجديد العمل بهذا القانون مثلا حسب ما كانت تسعى إليه إدارة أوباما، كان من الممكن أن يوجه "رسالة خاطئة" لإيران ستسعى دون شك إلى محاولة استغلالها في رفع مستوى دعمها للتنظيمات الإرهابية، والإمعان في استفزاز القطع العسكرية الأمريكية، ومواصلة التدخل في الأزمات الإقليمية المختلفة بشكل يؤدي إلى تصعيد حدتها واستمرارها دون تسوية.

خطوات مضادة:

وفي ضوء ذلك، يُمكن تفسير أسباب مسارعة طهران إلى الرد بقوة على الإجراءات الجديدة التي اتخذتها واشنطن. ففضلا عن تأكيد المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي، في 23 نوفمبر 2016، أن العقوبات الجديدة تمثل انتهاكًا للاتفاق النووي، محذرًا من رد انتقامي إيراني في حالة التمديد، فقد بدأ مجلس الشورى الإيراني في مناقشة مشروع قانون يُلزم الحكومة بالإسراع من جديد في الأنشطة النووية، بما يعني العودة إلى المستويات السابقة للبرنامج النووي الإيراني، سواء على صعيد مواصلة عمليات التخصيب حتى مستوى 20%، أو على مستوى استخدام عدد أكبر وأكثر تطورًا من أجهزة الطرد المركزي. إلى جانب مشروع قانون آخر بحظر استيراد المنتجات الاستهلاكية الأمريكية، ردًّا على الخطوات الأخيرة التي اتخذتها واشنطن.

كما أشار وزير الخارجية جواد ظريف، في 4 ديسمبر 2016، إلى أن إيران ستكون مضطرة إلى تعليق تنفيذ بنود الاتفاق النووي في حال مددت الولايات المتحدة الحظر المفروض عليها. وعقدت لجنة الإشراف على الاتفاق النووي برئاسة الرئيس حسن روحاني اجتماعًا، في 7 من الشهر ذاته، لمناقشة الإجراءات التي سوف تتخذها إيران في حالة انتهاك الاتفاق النووي، في إشارة إلى الإجراءات الأمريكية الأخيرة.

ومن دون شك، فإن هذه التهديدات لا تنفصل عن التصريحات التي أدلى بها بعض المسئولين العسكريين الإيرانيين في الفترة الأخيرة، على غرار مسئول البحث عن المفقودين في الأركان للقوات المسلحة العميد باقر زاده، الذي قال، في 1 ديسمبر 2016، إن إيران تبسط سيطرتها على مضيق هرمز والخليج العربي، وقبله اللواء محمد باقري الذي ألمح، في 26 نوفمبر 2016، إلى إمكانية إنشاء قواعد بحرية في اليمن وسوريا.

هذه التصريحات في مجملها تسعى من خلالها إيران إلى فرض ضغوط مقابلة على الإدارة الأمريكية الجديدة من أجل إقناعها بعدم السعي إلى إجراء تغيير في السياسة الأمريكية تجاهها، لا سيما فيما يتعلق بالاتفاق النووي، بشكل يمكن أن يوجه مسارات التفاعلات بين الطرفين إلى خيارات لا تبدو مفضلة بالنسبة لطهران، على غرار عدم استكمال العمل بالاتفاق النووي، وهو الخيار الذي يمكن أن يفرض تداعيات سلبية عديدة على أمن ومصالح الأخيرة، خاصةً أنه سوف يؤدي إلى إعادة فرض عقوبات دولية جديدة عليها، ويزيد من احتمالات تعرضها لضربة عسكرية أمريكية لمنعها من تطوير برنامجها النووي لدرجة غير مسبوقة.

تباينات محتملة:

لكن ذلك في مجمله لا ينفي أن إيران ما زالت تعول على أن هناك فارقًا لا يبدو هينًا بين التصريحات التي أدلى بها ترامب في الفترة الماضية، على غرار اعتباره الاتفاق النووي "كارثيًّا" و"أسوأ صفقة في التاريخ"، وبين الإجراءات التي يمكن أن يتخذها عندما يتولى منصبه. إذ إن ترامب لن يمتلك، في رؤية طهران، خيارات متعددة في حالة اتجاهه نحو عرقلة مواصلة العمل بالاتفاق النووي، في ظل عدم قدرته عمليًّا على إلغائه، بعد أن حظي بتوافق دولي بارز من جانب القوى المعنية بتسوية الأزمة النووية الإيرانية، على غرار بعض الدول الأوروبية، مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا، فضلا عن كل من روسيا والصين، وهي الدول التي شاركت في المفاوضات مع إيران، وبذلت جهودًا حثيثةً من أجل إنجاحها، وسعت بعد ذلك إلى استثمار ذلك في رفع مستوى تعاونها الاقتصادي والعسكري مع إيران، وبعد أن اكتسب دعمًا من جانب مجلس الأمن الذي أصدر القرار رقم 2231 بعد أسبوع واحد من الوصول إليه.

ومن هنا، يُمكن القول إن كلا من طهران وواشنطن بدأتا الاستعداد مبكرًا لخيارات تصعيدية محتملة خلال الأعوام الأربعة المقبلة، بشكل سوف يفرض تأثيرات مباشرة سوف تتجاوز، إلى حد كبير، حدود التفاعلات الثنائية بين الطرفين لتمتد إلى الساحة الإقليمية بصفة عامة، في ظل حالة التشابك والترابط التي تتسم بها الملفات الإقليمية المختلفة، التي تحظى باهتمام مشترك من الجانبين.