الأزمة اليمنية:

مسارات التسوية السياسية والتحديات المستقبلية

15 July 2016


إعداد: د/ إسراء أحمد إسماعيل

يحتاج القائمون على إدارة الأزمة اليمنية إلى تفعيل عملية سلام أكثر شمولاً مما كانت عليه خلال الفترة الانتقالية من عام 2012 إلى عام 2014، حيث ظهرت الأولوية آنذاك لمصالح النخبة خاصةً ما يتعلق بالمخاوف الأمنية ومكافحة الإرهاب على حساب الاحتياجات الاقتصادية للسكان. فالعملية السياسية الجديدة ستحتاج للتأكد من ترابط المسارات السياسية والأمنية والاقتصادية الخاصة بالمرحلة الانتقالية مع بعضها البعض بدلاً من التعامل معها بشكل منفصل.

كما أن الفشل في توسيع نطاق تمثيل مختلف الفصائل اليمنية في مفاوضات السلام الجارية بين الحكومة الشرعية والانقلابيين، سوف يؤدي إلى استمرار القتال الذي سيدفع باليمن نحو مزيد من الفوضى.

ما سبق، يُمثل خُلاصة ما توصل إليه تقرير أصدره المعهد الملكي للشؤون الدولية "تشاتام هاوس"، تحت عنوان: "اليمن: صعود دولة الفوضى"، وهو التقرير الذي أعده "بيتر ساليسبري" Peter Salisbury، زميل مشارك في برنامج الشرق الأوسط بمعهد تشاتام هاوس، وتناول خلاله الوضع الحالي للصراع اليمني، وجهود مفاوضات السلام الجارية، وآفاقها، والتحديات المستقبلية، ومسارات التسوية السياسية.

جهود الوساطة في الكويت

تركزت جهود الوساطة التي تقودها الأمم المتحدة بشأن الأزمة اليمنية على العمل لوقف إطلاق النار بين الحكومة الشرعية بقيادة "عبدربه منصور هادي"، وتحالف ميليشيا الحوثيين والرئيس المخلوع "علي عبدالله صالح". وقد عمل المبعوث الأممي إلى اليمن "إسماعيل ولد الشيخ أحمد" على أساس أنه بمجرد الاتفاق على حل وسط مؤقت، فإنه يمكن التوصل إلى حل سياسي مستدام، وهذا يعني، من وجهة نظر الكاتب، أن محادثات الكويت تركز بصفة أساسية على "عملية وقف إطلاق النار" أكثر من كونها "عملية سلام".

وهناك من يرى أن المملكة العربية السعودية تتمتع بالقوة والسيطرة على الجماعات الموجودة على الأرض في اليمن، وبالتالي ستتمكن من دفعهم لوقف نشاطهم في حال التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار. كما تعتمد حكومة "هادي" على المملكة في تقديم الدعم المالي لها ومواجهة الانقلابيين، وبالتالي فمن المرجح أن تقبل هذه الحكومة الشرعية بالشروط التي تراها الرياض مناسبة لإنهاء الحرب.

غير أن التقرير يعتقد أنه ليس من المؤكد أن مختلف الجماعات الموجودة على الأرض سوف تنضم إلى أي تسوية سياسية يتم الموافقة عليها من قِبل السعودية وحكومة "هادي"، مضيفاً أن الآليات التي وُضعت خلال محادثات الكويت لنزع فتيل القتال في اليمن لا تعالج التوترات في المناطق التي لا يتنافس عليها الطرفان (الشرعية، والانقلابيين).

الحرب الكبرى والحروب الصغيرة

يعتقد الكاتب أن وضع حد للحرب الكبرى Big War الدائرة حالياً في اليمن لا يمنع بالضرورة اندلاع سلسلة من "الحروب الصغيرة" Small Wars في أنحاء البلاد، بما في ذلك مساعي الجنوبيين للانفصال. ويتوقع التقرير ظهور صراعات جديدة في اليمن، خاصةً في ظل وجود تنظيمي "القاعدة في جزيرة العرب" و"داعش" اللذين من المحتمل أن يقوما باستغلال تلك الفوضى.

وعلى الرغم من التأييد الشعبي اليمني لإيجاد حل سياسي، فإن السعودية لن تقبل باتفاق سلام تكون نتيجته ترك ميليشيا الانقلابيين مسلحين ويتمتعون بسلطة سياسية، أو بالسيطرة على صنعاء. ونظراً لأن الحوثيين ردوا على كل موجة من المكاسب التي حققتها قوات التحالف العربي في اليمن، بإطلاق هجمات عنف مضادة، فإنه يصعب التنبؤ بنتائج حملة التحالف العربي لاستعادة صنعاء، ولكن من المرجح حدوث مزيد من الدمار وإراقة الدماء من قِبل الانقلابيين.

آفاق السلام في اليمن

أشار التقرير إلى أن الحرب في اليمن وصلت إلى مرحلة من الجمود الذي يصعب معه تحقيق أي انتصار عسكري، وحتى إن تحقق فإن التكلفة ستكون مرتفعة للغاية. وبالتالي فإن الحل السياسي هو السبيل الوحيد لإنهاء هذه الحرب، ولكن ما هي آفاق السلام؟

يرى الكاتب أن الحرب الحالية في اليمن متعددة الأوجه، حيث تنخرط فيها عدة جهات فاعلة تتمتع بمصالح متباينة، ويعتبر أن أفضل وصف للوضع الحالي بأنه "حرب كبرى" تتكون من العديد من "الحروب الصغيرة" التي لابد من إنهائها لتحقيق السلام المستدام في المستقبل، الأمر الذي يتطلب نهجاً مختلفاً من قِبل المجتمع الدولي.

وفي حين أن عملية السلام خلال المرحلة الانتقالية في اليمن (الفترة بين عامي 2012 و2014) انهارت في نهاية المطاف بسبب انقلاب الحوثيين و"صالح"، لكن لابد من إدراك وجود العديد من العوامل التي أدت إلى ذلك الوضع الراهن، ومنها أن مفاوضات العملية الانتقالية لم تهتم بشكاوى الجماعات المحلية، ومطالبهم الاقتصادية المُلحة- على حد ذكر الكاتب.

تحديات مستقبلية

أكد التقرير تزايد الانقسامات والمشاكل الداخلية منذ بدء الحرب في اليمن، ولذلك حتى إذا تم التوصل إلى تسوية سياسية بين الحوثيين وحكومة "هادي"، فقد تقود الانقسامات الداخلية إلى استمرار الأعمال العدائية.

وهنا يُثار تساؤل مفاده ما الحافز الذي يمكن أن يشجع الجماعات المتحاربة في اليمن على وقف القتال أو المشاركة في عملية انتقالية أخرى، لاسيما إذا كانت لا تُلبي توقعاتهم؟ وقد نقل التقرير عن أحد زعماء القبائل اليمنية أن "دعمهم للرئيس الشرعي هادي جاء لأنه يمثل الحوار الوطني، ولأن الحوار يمنحهم الحكم الذاتي، ويدعو إلى تنمية المناطق القبلية، أما إذا لم تتحقق مطالبهم فإنهم على استعداد للذهاب إلى الحرب مرة أخرى حتى يتمكنوا من الحصول على حقوقهم".

أيضاً العديد من القوى الحالية المشاركة في الحرب تتكون من تحالفات منقسمة على نفسها وغير مستقرة، ما بين رجال القبائل المحلية، وأنصار حزب الإصلاح، والسلفيين، فضلاً عن الفصائل الجنوبية وغيرها.

ونظراً لارتفاع معدلات الفقر والقيود المفروضة على الموارد، إلى جانب العداوات بين الفصائل المختلفة، يتوقع الكاتب نشوب مزيد من الصراعات المحلية، ومن غير المرجح أن تكون الحكومة الحالية قادرة على التعامل مع هذه القضايا، خاصةً أن الرئيس المخلوع "صالح" عمل على هيكلة قوات الأمن من الجيش والشرطة، بحيث يكون غالبية أفرادها من الشماليين، وبالتالي أدى انسحاب قواته إلى فراغ أمني في عدن وغيرها من محافظات الجنوب.

مسارات التسوية السياسية

يحتاج التوصل إلى تسوية سياسية جدية في اليمن إلى معالجة مصفوفة معقدة ومترابطة للغاية من القضايا، تشمل القوة العسكرية على أرض الواقع، وعدد من مطالب الجماعات المسلحة المختلفة التي ظهرت خلال الحرب، علاوة على مصالح اللاعبين الإقليميين الذين أصبحوا طرفاً في الصراع، كما أن مسألة مستقبل "علي عبد الله صالح" ستكون نقطة خلاف أساسية لتحقيق السلام.

ولهذه الأسباب، يرى الكاتب أن عملية التسوية السياسية في اليمن تتطلب العمل من خلال ثلاثة مسارات رئيسة، هي:

1- وساطة دولية تعترف بدور قوات التحالف العربي بقيادة السعودية لاستعادة الشرعية في اليمن، والتزام الشفافية في هذه الوساطة.

2- التوصل لاتفاق سلام بين تحالف الحوثيين و"صالح" من جانب، وحكومة "عبد ربه منصور هادي" من جانب آخر، وعمل حوار سياسي واسع النطاق يجمع كل الجماعات المحلية الرئيسية التي تعد أطرافاً في النزاع.

3- تشكيل مجالس محلية، بحيث يعمل القانون اليمني على توفير إطار يسمح للجماعات المحلية بالتعبير عن مطالبها بطريقة منظمة وبنَّاءة، وذلك كجزء من عملية السلام المأمولة.


* عرض مُوجز لتقرير عنوانه: "اليمن: صعود دولة الفوضى"، والصادر عن المعهد الملكي للشؤون الدولية "تشاتام هاوس"، في شهر مايو 2016.

المصدر:

Peter Salisbury, Yemen: Stemming the Rise of a Chaos State, (London, the Royal Institute of International Affairs "Chatham House", May 2016).