أعلن تحالف الفتح، الموالي لإيران، رفضه نتائج الانتخابات العراقية، بعد حصوله على 16 مقعداً فقط، وذلك بعد أن حل في المرتبة الثانية برصيد 48 مقعداً في انتخابات عام 2018، كما خسرت قوى سياسية شيعية لها ثقلها، خاصة تحالف قوى الدولة، المشكل من تيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم وائتلاف النصر بزعامة حيدر العبادي، حيث حقق الجانبان حوالي 6 مقاعد بعد أن حصلا في الانتخابات الماضية على 61 مقعداً.
ردود أفعال رافضة
انضوت القوى السياسية الشيعية الخاسرة فيما يسمى "الإطار التنسيقي"، والذي يضم تحالف الفتح وائتلاف دولة القانون وتحالف العقد الوطني وحزب الفضيلة وتيار الحكمة وائتلاف النصر وقوى أخرى، وتبنت خطوات تصعيدية للتعبير عن رفضها لنتائج الانتخابات، وقد تمثل ذلك على النحو التالي:
1- تنظيم التظاهرات والاعتصامات: خرج أنصار "الإطار التنسيقي" في تظاهرات في بغداد ومحافظات أخرى جنوب العراق، واعتصم عدد منهم في ساحة "جسر الطابقين"، محذرين المفوضية العليا المستقلة للانتخابات من عدم قبول الطعون المقدمة، وهو ما جاء متزامناً مع تشكيل مفوضية الانتخابات لأربع لجان فنية وقانونية للنظر في 1400 طعن وشكوى تم تقديمها من قبل عدد من الكتل والتحالفات الخاسرة.
ومن المقرر أن تحسم مفوضية الانتخابات الرد على الطعون خلال أسبوعين من تاريخ إغلاق أبواب تسلمها، وإذا ثبتت صحة الطعون بالأدلة، ستفتح المحطات المطعون بها وفقاً للمادة 38 (أولاً) من قانون الانتخابات رقم (9) لسنة 2020. كما سيتم فرز أصوات تلك المحطات وعدها يدوياً، وعلى ضوء ذلك سيصدر قرار أولي قابل للطعن أمام الهيئة القضائية للانتخابات في مجلس القضاء الأعلى، وستستمر المفوضية في تدقيق الطعون بالآلية نفسها والإجراءات خلال الأيام المقبلة لحين الانتهاء منها جميعاً وحال صدور قرارات الطعن سترسل نتائج الانتخابات إلى المحكمة الاتحادية العليا للتصديق عليها بشكلها النهائي.
2- مطالبة رئيس الدولة بالتدخل: دعت قوى سياسية عراقية في 24 أكتوبر 2021 رئيس الجمهورية برهم صالح إلى التدخل لتجنيب البلاد سيناريوهات "أخطر"، على خلفية أزمة نتائج الانتخابات البرلمانية الاخيرة، وجاءت هذه الدعوة في بيان أصدره مكتب زعيم ائتلاف "دولة القانون" نوري المالكي، باسم "القوى الوطنية المعترضة على نتائج الانتخابات"، من دون الإشارة إلى أسماء تلك القوى أو المشاركين في الاجتماع.
3- التشكيك في مفوضية الانتخابات: طالبت القوى الشيعية الرافضة نتائج الانتخابات في بيان، في 20 أكتوبر الجاري، بتقديم رئيس وأعضاء مجلس المفوضين إلى القضاء لمحاكمتهم بسبب مخالفاتهم القانونية، وذلك من دون توضيح طبيعة التهم الموجهة إليهم.
وتجدر الإشارة إلى أن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات قد أعلنت في 16 أكتوبر اكتمال العد والفرز اليدوي في جميع المحطات الانتخابية لمطابقة النتائج بنتائج نظام الفرز الإلكتروني، وأكدت أن "نتائج العد والفرز اليدوي جاءت مطابقة للإلكتروني".
كما طالبت القوى الشيعية الرافضة نتائج الانتخابات باختيار رئيس مفوضية مستقل وأعضاء مستقلين قبل إجراء انتخابات مقبلة، وإجراء مراجعة شاملة للكادر الإداري للمفوضية للتأكد من عدم انتمائهم إلى جهات سياسية متنفذة ولضمان عدم التلاعب بنتائج الانتخابات، بالإضافة إلى المطالبة بالعد والفرز اليدوي كبديل عن الإلكتروني في الانتخابات المقبلة، وكذلك المطالبة بإعادة النظر في قانون الانتخابات الأخير، وهي كلها طلبات تصب جميعها في صالح التشكيك في المفوضية.
4- رفض المواقف الدولية: انتقد تحالف الفتح البيان الصادر عن مجلس الأمن الدولي، والذي أكد نزاهة الانتخابات العراقية، فيما أبدى الفتح رفضه لأي تدخل خارجي في كل ما يتعلق بالانتخابات، وذلك على الرغم من أن الأخير ناقش مع قائد فيلق القدس الإيراني إسماعيل قآاني نتائج الانتخابات في زيارة سرية قام بها في اليوم التالي على إجرائها، أي في 11 أكتوبر.
التحركات المستقبلية المرتقبة
تدرك القوى المعارضة نتائج الانتخابات بأن نتائج الطعون المقدمة للمفوضية لن تغير من شكل وترتيب الكتل بشكل ملحوظ، ولذا فمن المتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة عدد من الخطوات من قبل تلك القوى، وهو ما يمكن استعراضه في الآتي:
1- اللجوء إلى خيار التصعيد: يتوقع أن تستمر القوى الشيعية في التظاهرات والاعتصامات، مما قد يفتح المجال لتصاعد التوتر، مع احتمال حدوث مواجهات بين المتظاهرين والقوات الأمنية بسبب إقدام المتظاهرين على قطع الطرق، ومن ثم فتح الباب أمام الميليشيات الشيعية الموالية لإيران في الدخول في مواجهات مسلحة ضد الحكومة تحت مزاعم الدفاع عن المتظاهرين.
2- رفض نتائج الانتخابات: يلاحظ أن محاولة التشكيك في نتائج الانتخابات لن يترتب عليها إحداث أي نتائج تذكر، خاصة في ضوء تأكيد عدة منظمات دولية، على غرار الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي نزاهة العملية الانتخابية.
قد تسعى القوى المرتبطة بإيران إلى رفض نتائج الانتخابات كاملة والمطالبة بإعادة إجرائها مطلع العام القادم. ويلاحظ أن مثل هذا الخيار قد لا يكون عملياً، خاصة أن القوى الفائزة في الانتخابات سوف ترفضه، كما أن الرأي العام العراقي سوف ينظر إلى هذه المحاولات على أنها سرقة لنتائج الانتخابات من قبل قوى خاسرة.
ومع ذلك، فسوف تستمر هذه القوى الموالية لإيران في رفض نتائج الانتخابات، والضغط من أجل تشكيل حكومة ائتلافية ترضي الجميع، وتتفق فيها كل القوى السياسية على تسمية الرئاسات الثلاث بشكل يحقق التوازن والتوافق بعيداً عن من منطق الأوزان السياسية وعدد المقاعد النيابية.
3- توظيف سلاح الميليشيات: سوف تعمل القوى الشيعية المرتبطة بإيران، وبالتنسيق معها، على توظيف سلاح الميليشيات من أجل البقاء طرفاً في المشهد السياسي، حتى على الرغم من عقاب المواطن العراقي لها.
وتتعدد المؤشرات في هذا الإطار، والتي يأتي من ضمنها التصريحات المتواترة من جانب ميليشيات الحشد الشعبي عن الدفاع عن الكيان المقدس بالدم، أو توظيف التظاهرات، أو حتى إقدام ميليشيات طهران على مهاجمة قاعدة التنف الأمريكية في سوريا، وذلك في رسالة من جانب طهران لواشنطن بأن خسارة حلفائها للانتخابات لم يمنع إيران من تحقيق حلمها الرامي إلى تحقيق تواصل بري مع سوريا ولبنان عبر العراق. وبالمثل، فإن توظيف هذه الميليشيات نفسها القوة المسلحة، سوف يضمن، من وجهة نظر إيران، عدم إقصاء حلفائها عن تشكيل الحكومة القادمة.
ومن الملحوظ أن مثل هذا الخيار سوف يكون مكلفاً بالنسبة لإيران، بالنظر إلى وجود رفض شعبي لها، كما أن هناك توازناً بين ميليشيات الحشد الشعبي الموالية لإيران، وتلك المناوئة لها، وهو ما يجعل توظيف ورقة الحرب الأهلية سلاحاً غير مأمون العواقب.
4- توظيف الدور الإيراني: هددت إيران، في السابق، مقتدي الصدر بالتصفية لتبنيه سياسات مناوئة لها، كما مارست ضغوطاً من أجل منع التيار الصدري من تشكيل الحكومة في أعقاب انتخابات 2018، إذ هدد القائد السابق للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، عدداً من قادة الكتل السياسية السنية بـ"القتل" في حال قرروا الانضمام إلى تحالف يقوده الصدر ورئيس الوزراء حيدر العبادي.
5- خيار التهدئة والتسوية: أكد زعيم تحالف "الفتح" هادي العامري، في بيان، أنه يرفض التصعيد، مما يعطي انطباعاً عن سعي هذه القوى للتوصل لتسوية سياسية مع الصدر تكفل لهم في النهاية الدخول طرفاً في الحكومة القادمة، حتى يتمكنوا من الدفاع عن مصالحهم، والتي يأتي في مقدمتها ضمان الحفاظ على سلاح الميليشيات، والحصول على موارد الدولة العراقية لتمويلها.
وفي الختام، فإن التظاهرات الحالية لا تتمحور فقط حول رفض نتائج الانتخابات، بل إنها اندلعت من أجل ضمان حلفاء إيران بقاءهم طرفاً فاعلاً في الحكومة القادمة، بغض النظر عن نتائج الانتخابات، وإلا فإن الخيار البديل سوف يكون الاحتكام إلى قوة السلاح لفرض نفوذهم بالقوة، وهو خيار غير مأمون الجوانب.