رغم إصرار رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي على تنفيذ برنامجه، على نحو بدا جلياً في التغييرات الأخيرة التي أجراها داخل الأجهزة الأمنية، إلا أن ذلك لا ينفي أنه قد يواجه تحديات عديدة فيما يتعلق بضبط حركة الميليشيات المسلحة، التي ما زال بعضها يبدي رفضاً للحوار الاستراتيجي الذي يجري بين الولايات المتحدة الأمريكية والعراق، وعقدت جولته الأولى في بغداد في 11 يونيو الفائت، فيما ستعقد جولته الثانية في واشنطن خلال الفترة القادمة.
وتكشف مؤشرات عديدة عن التحديات المختلفة التي يواجهها رئيس الوزراء العراقي في الوقت الحالي، حيث يتمثل أبرزها في:
1- الإفراج عن عناصر ميليشيا حزب الله: أعلن المتحدث الرسمي باسم رئيس الحكومة أحمد ملا طلال، في 30 يونيو الفائت، عن الإفراج عن 13 شخصاً من عناصر ميليشيا حزب الله العراقي، الذين أُلقى القبض عليهم قبل أربعة أيام في منطقة الدورة جنوب بغداد بتهمة إطلاق صواريخ باتجاه المنطقة الخضراء واستهداف سفارات أجنبية والتخطيط لإطلاق صواريخ باتجاه مطار بغداد.
2- التحركات الميدانية للميليشيات: قالت قيادة العمليات المشتركة، في بيان لها في 26 يونيو الفائت، أنه بعد عملية القبض على المجموعة المنفذة لهجمات على المنطقة الخضراء، اقتربت ثلاثين عربة من مقر جهاز مكافحة الإرهاب، وقال البيان: "إننا وفي الوقت الذي نؤكد فيه خطورة هذا التصرف وتهديده لأمن الدولة ونظامها السياسي الديمقراطي نبين أن هذه الجهات قد استخدمت قدرات الدولة، وبما لا يمكن السماح به تحت أى ذريعة كانت، ونؤكد الإصرار على مواصلة المسيرة في تحقيق الأمن للشعب العراقي وإيكال الأمر إلى القضاء السلطة المختصة".
3- إصرار الميليشيات على التمسك بالسلاح: سعت ميليشيا حزب الله إلى استغلال عملية إطلاق سراح عناصرها بالإعلان، في بيان لها في 30 من الشهر نفسه، عن رفضها لمساعي نزع سلاح الفصائل، وذلك بقولها أن "السلاح لن يسلم إلا بيد مولانا ابن الحسن سلام الله عليه"، في إشارة إلى المهدي المنتظر.
4- اغتيال الهاشمي: أثار اغتيال الخبير الأمني هشام الهاشمي في بغداد، في 6 يوليو الجاري، موجة من الغضب الشعبي، نتيجة استمرار الأنشطة التي تقوم بها ما تسمى بـ"عصابات اللادولة"، على نحو دفع الكاظمي إلى تأكيد التزامه بتكريس سيادة الدولة و"عدم السماح بتحول العراق إلى دولة للعصابات".
مُحفِّزات دافعة:
لم يكن التحرك الأخير من جانب الحكومة العراقية ضد ميليشيا حزب الله هو الأول من نوعه، حيث سعت الحكومة منذ تشكيلها إلى ضبط تحركات الميليشيات في البلاد، وسبق أن وجه الكاظمي، في 11 مايو الماضي، السلطات الأمنية في محافظة البصرة بإغلاق مقر حزب ثأر الله الإسلامي، وإلقاء القبض على من فيه على إثر قيامهم بقتل متظاهر.
ومن هذا المنطلق، يمكن تناول أبرز دوافع رئيس الوزراء العراقي للسعى نحو ضبط سلوك الميليشيات، وذلك على النحو التالي:
1- تجنب مواجهة أزمات دبلوماسية: منذ مطلع العام الجاري صعّدت الميليشيات من هجماتها بصواريخ الكاتيوشا ضد المنطقة الخضراء في بغداد، والتي تتواجد بها مقار البعثات الدبلوماسية بما فيها السفارة الأمريكية، كما استهدفت القواعد العسكرية القريبة منها التي تضم قوات أجنبية.
وتعتبر ميليشيا حزب الله من أبرز الميليشيات التي تتبنى مواقف مناوئة للولايات المتحدة الأمريكية، ولعل أبرز مؤشرات ذلك كان تجديد الميليشيا، في 13 يونيو الماضي في بيان لها للتعليق على جولة الحوار الأولى بين بغداد وواشنطن، تهديدها باستهداف القوات الأمريكية في العراق إذا لم تنسحب من البلاد.
ويُشار في هذا الإطار إلى حرص واشنطن، نهاية شهر ديسمبر الماضي، على استهداف 5 مواقع للميليشيا في العراق وسوريا، 3 مواقع منها في محافظة الأنبار، وموقعين في الداخل السوري، رداً على الهجمات الصاروخية التي استهدفت القواعد الأمريكية في العراق.
2- منع إيران من توظيف الميليشيات: مع تصاعد حدة التوتر الأمريكي- الإيراني، سعت طهران إلى توظيف ميليشيات الحشد الشعبي العراقية ضد واشنطن والزج بها في خضم هذا الصراع، كاستعراض قوة من جانب طهران، وهو الأمر الذي سبب إحراجاً للحكومة العراقية أمام الولايات المتحدة الأمريكية.
ويُشار في هذا الإطار إلى أن واشنطن طالبت بغداد بشكل متكرر في الأشهر الأخيرة بضمان أمن البعثات الأجنبية والقوات العاملة في البلاد في إطار التحالف الدولي ضد "داعش"، وكان آخر تلك المطالبات خلال الجولة الأولى من الحوار الاستراتيجي التي عقدت في 11 يونيو الفائت.
3- علاقة الكاظمي الجيدة بتيار الصدر والحكيم: يبدو أن النمط الإيجابي الذي تتسم به العلاقة بين الكاظمي وكل من مقتدى الصدر وعمار الحكيم، قد ساهم في دفعه إلى الإقدام على تحركاته الأخيرة ضد الميليشيات، حيث يطالب التيار الذي يقوده الصدر والحكيم، باستمرار، بتعزيز قدرة الدولة في مواجهة أية عناصر أو جماعات غير ملتزمة بسياستها العامة.
وقد كان لافتاً في هذا السياق، إعلان زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم، في 30 يونيو الفائت، عن تشكيل تكتل برلماني يمثل ظهيراً سياسياً للكاظمي. وتتمثل أهم أهداف هذا التكتل في دعم الدولة وتكريس هيبتها وسيادتها وتفعيل القوانين، وتحقيق التوازن النيابي مقابل التكتلات الأخرى المعارضة للكاظمي، وتبني مطالب المتظاهرين بالتعاون مع الحكومة.
وعلى ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن مهمة الكاظمي في تعزيز سلطة الدولة وضبط حدود التحركات التي تقوم بها القوى الموازية لمؤسساتها، لا تبدو سهلة، في ضوء محاولات الأخيرة عرقلة جهوده في هذا الصدد، وإن كان ذلك لا ينفي في الوقت نفسه أن إجراءات رئيس الوزراء تحظى بدعم نسبي من جانب بعض القوى السياسية، بما فيها قوى من داخل التيار الشيعي.