كشفت تغطية وسائل الإعلام الإيرانية لقرار الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي عن هيمنة اتجاهات التصعيد على رؤى النخب السياسية والفكرية في إيران، إذ تضمنت مقالات كتاب الرأي والخبراء السياسيين والأمنيين التي نشرتها الصحف الإيرانية تهديدات متعددة للولايات المتحدة وحلفائها ومنطقة الشرق الأوسط، بالإضافة إلى دعوات لانسحاب إيران من الاتفاق النووي، والإسراع في تطوير البرنامج النووي، وتعزيز القدرات الصاروخية في مقابل عدد قليل من مقالات الرأي التي دعت للتهدئة، واستغلال الخلافات الأمريكية-الأوروبية، والتركيز على التعامل مع تداعيات العقوبات الاقتصادية.
انتقادات حادة:
ألقت مقالة أعدها فريق التحرير "بكيهان" باللوم على المسئولين والساسة الإيرانيين الذين وثقوا بالولايات المتحدة، وأيدوا الاتفاق النووي على الرغم من كافة التحذيرات، مؤكدةً ضرورة أن يكون انسحاب واشنطن من الاتفاقية درسًا لباقي الساسة الإيرانيين.
فيما أشار "كوروش أحمدي"، الخبير في العلاقات الدولية، في مقالته المعنونة: "سياسة ترامب الجديدة تجاه إيران"، المنشورة بصحيفة "شرق"، في 9 مايو 2018؛ إلى أن قرار واشنطن بالانسحاب من الاتفاق "طفولي"، وغير مسئول، ولن يؤدي إلى زيادة شعبية "ترامب" حسبما يتصور، مؤكدًا أن أوضاع طهران ستتحسن بعد الخروج من الاتفاق، حيث إن واشنطن تتصور أن التظاهرات الأخيرة التي وقعت في إيران لها علاقة بتهديدات "ترامب" بإلغاء الاتفاق النووي، ومن ثم فإن إلغاء الاتفاق سوف يؤدي إلى حدوث اضطرابات داخلية في إيران قد تعمل على تغيير النظام، وهو ما عارضته المقالة، داعية المواطنين والمسئولين الإيرانيين إلى عدم الإنجرار وراء الانفعالات، والخروج من هذا الوضع بأقل الخسائر الممكنة.
وهو نفس ما ذهبت إليه مقالة الدبلوماسي والسفير الإيراني الأسبق في الصين وليبيا "سيد علي" في مقالة جاءت تحت عنوان: "الاتفاقية النووية بدون الولايات المتحدة". حيث رأى أن ما قام به "ترامب" أمر غير مقبول، وأن هذا القرار بسبب نهجه المستمر في إلغاء كل ما يمت بصلة للرئيس الأمريكي السابق "باراك أوباما"، وأنه بتصرفه هذا قد خالف كل معايير القانون الدولي، حيث إنه لم يفِ بالتزاماته، ولم تكن لديه أية حجة حقيقية للخروج من الاتفاقية، وذلك على حد تعبير كاتب المقال.
ووصف ما ذكره "ترامب" عن دعمه للشعب الإيراني بأنه "نفاق"، مؤكدًا أن هذا يُعد درسًا جديدًا لصانع القرار بعدم الثقة في الجانب الأمريكي مطلقًا، وأن هذا الانسحاب سوف تكون له انعكاسات سلبية على المفاوضات الأمريكية مع كوريا الشمالية.
آليات متعارضة:
على الرغم من اتفاق غالبية الخبراء وكتاب مقالات الرأي في الصحف الإيرانية على مجموعة من الآليات للتعامل مع مرحلة ما بعد انسحاب الولايات المتحدة، ومنها: احتواء الأزمات الاقتصادية، وتوحيد الجبهة الداخلية، ومحاولة الاستفادة بأقصى قدر ممكن من الخلاف الأوروبي الأمريكي حول الاتفاق؛ إلا أن الاختلاف الرئيسي بينهم تمثل في دعوة الصحف المتشددة إلى ضرورة انسحاب طهران من الاتفاق النووي، والعودة لاستئناف أنشطتها النووية من جديد، فيما رأت الصحف الإصلاحية ضرورة الحفاظ على الاتفاق النووي مع التفاوض مع الدول الأوروبية لتحسين شروط الاتفاق، وهو ما يمكن توضيحه فيما يلي:
1- الانسحاب من الاتفاق: طالبت صحيفة "كيهان" المتشددة بانسحاب إيران من الاتفاق النووي، واستئناف الأنشطة النووية داخل البلاد وبشكل عاجل، وذلك في افتتاحيتها الصادرة في مايو 2018 تحت عنوان: "مَزَّقَ ترامب الاتفاق النووي.. الآن جاء وقت حرقه".
وهو نفس ما ذهب إليه الصحفي الإيراني المسئول عن صحيفة "كيهان" ومندوب "آية الله علي خامنئي" بها "حسين شريعتمداري"، حيث أكد في مقاله المعنون: "تمزيق ترامب للاتفاق النووي"، على ضرورة إلغائه تمامًا، والعودة إلى ممارسة أنشطتها النووية على غرار ما كان يحدث قبل عام 2015.
2- تعزيز القدرات الصاروخية: قامت صحيفة "اعتماد الإصلاحية" في افتتاحيتها الصادرة في 9 مايو 2018 بعرض السيناريوهات المختلفة لمرحلة ما بعد انسحاب "ترامب" من الاتفاق النووي، ويأتي على رأسها رفع القدرات الصاروخية الإيرانية، حيث سبق وصرح "محمد علي جعفري" قائد الحرس الثوري الإيراني "إن الاتفاق النووي لم تكن له أي فائدة لبلادنا.. ينبغي أن تدرك الولايات المتحدة أنه كلما فرضت علينا عقوبات اقتصادية، فإن الشعب الإيراني سيزداد تصميمه على زيادة القدرة الدفاعية والصاروخية، وسيرون زيادة في مدى ودقة الصواريخ".
كما صرح "محمد حسين باقري" رئيس هيئة الأركان الإيرانية: "إذا ما عادت العقوبات مرة أخرى، فإن خروج إيران من الاتفاق النووي أمر حتمي"، فيما هدد "علي شمخاني" الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، بأنه إذا ما بدأت الولايات المتحدة بالهجوم على إيران فإننا سنرد على ذلك بكل قوة.
3- استغلال الخلافات الغربية: أشارت مقالة "اتفاق نووي بدون المزعج" المنشورة في صحيفة "إيران" المتشددة، في 9 مايو 2018، إلى ضرورة استعداد الحكومة لمواجهة العقوبات الأمريكية، مع الحفاظ على العلاقات الجيدة مع الدول الأوروبية، واستمرار المفاوضات والمحادثات معها، على أن هذا لا يعني ضرورة الإبقاء على الاتفاق النووي، حيث يجب لطهران الانسحاب منها في حال ما إذا تعارض مع مصالحها في أي وقت، ويمكن لإيران أن تقوم باللجوء إلى الأنشطة النووية لأغراض التصنيع إذا ما دعت الضرورة إلى ذلك.
وعلى الصعيد ذاته، أشار المقال الذي جاء تحت عنوان: "الاتفاقية النووية بدون الولايات المتحدة"، المنشور في صحيفة "آرمان"، إلى إمكانية حدوث تحالف بين الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي ضد الولايات المتحدة الأمريكية، داعين الحكومة الإيرانية لدعم هذا التحالف، وهو ما أكده مقال منشور في الصحيفة نفسها تحت عنوان: "الخلاف بين أوروبا وأمريكا انتصار لإيران"، حيث ذكر المقال نصًّا: "أن إيجاد الشقاق بين أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية في حد ذاته نصر كبير لإيران".
4- تحييد العقوبات الاقتصادية: رأى الكاتب الإيراني "آرش ميري خاني" في مقالته: "بدء الاتفاق النووي بدون الولايات المتحدة"، المنشور في صحيفة "إطلاعات" شبه الإصلاحية، أن العقوبات الأمريكية سيكون لها تأثير سلبي على الاقتصاد الإيراني حتى لو استمرت الاتفاقية النووية بدون "ترامب"، بيد أنها لن تؤدي إلى حدوث ركود اقتصادي، حيث يجب أن تستثمر إيران في باقي مواردها الاقتصادية للتقليل من تأثير العقوبات.