منذ أسبوعين زرت الجنود العراقيين في غرب الموصل، وهم يستعدون لتحرير آخر الأحياء التي يسيطر عليها الإرهابيون في المدينة؛ وأستطيع أن أقول إن هؤلاء الجنود، وبأي معيار، هم أبطال بمعنى الكلمة. وخلال تفقدي لهؤلاء الجنود لم أسألهم عن مذهبهم، ولا عن انتمائهم الجهوي، أو أصلهم العرقي، وإنما رأيتهم على حقيقتهم، وما يمثلونه بالفعل: جنود عراقيون يقفون جنباً إلى جنب للتصدي لأقسى قتلة على ظهر الأرض. ربما يكون بعض الجنود الذين قابلتهم، قد سقطوا منذ ذلك الحين في المعارك التي دارت من بيت لبيت؛ ولكن قواتنا تمكنت بفضل تضحياتهم من توجيه ضربة قاتلة لتنظيم «داعش»، والمنظمات الإرهابية التي تفقد في الوقت الراهن أكبر معقل لها في العراق، كما تفقد الهالة التي كانت قد كونتها حول نفسها، بأنها لا تُقهر. وبعد أن سالت دماء جنودنا، نحن والولايات المتحدة من أجل كسب هذه الحرب، فإننا نريد أن نعمل معاً من أجل كسب السلام، أيضاً.
يوم الاثنين الماضي، زرت الرئيس دونالد ترامب بناء على دعوته، كما حضرت هذا الأسبوع أيضاً مؤتمر «التحالف الدولي المناهض لداعش». وقد ناقشت مع ترامب، كيف يمكننا البناء على اتفاق الإطار الاستراتيجي الموقع بين بلدينا عام 2008.
ونحن نطالب الولايات المتحدة بالانضمام إلينا في حث المجتمع الدولي على الوفاء بتعهداته التمويلية لتأمين، وتحقيق استقرار المجتمعات، ومنع«داعش»، و«القاعدة» من الظهور مجدداً. وبالإضافة إلى ذلك نحتاج إلى الخبرة، والمعرفة، والاستثمارات الأميركية، من أجل إحياء اقتصادنا، وتجديد ديمقراطيتنا. كما نريد، انطلاقاً من الروح المستمدة من اتفاق 2008، الانخراط في شراكة، تتضمن التعاون في المجالات السياسية، والدبلوماسية، والدفاعية، والأمنية، والتعليمية، والثقافية. على مدى السنوات القليلة الماضية، قدم المستشارون العسكريون من الولايات المتحدة، وغيرها من دول التحالف، المساعدة لنا على تطوير قواتنا العسكرية، بحيث بات في مقدورنا القتال، وكسب المعارك بأنفسنا. والآن، نطلب من الأميركيين مساعدتنا على استعادة بنيتنا التحتية وتنوعنا، وتخصيص اقتصادنا جزئياً. نريد من الاستثمارات الأميركية أن تعيد بناء مساكننا، ومستشفياتنا، ومدارسنا، ومرافق صرفنا الصحي، وشوارعنا، وطرقنا السريعة، يمكننا أيضاً الاستفادة من الخبرة التقنية الأميركية، في تحسين وتوسيع قطاعات الاتصالات، وتقنية المعلومات، والرعاية الصحية الخاصة بنا. والعراق يريد من الممولين الأميركيين، والشركاء المؤسساتيين مساعدته على تطوير الزراعة، والبتروكيماويات، وغيرها من الصناعات الأخرى.
إن التحديات التي نواجهها يمكن أن تتحول إلى فرص أميركية؛ وإن كنا نعلم تماماً، أننا نحن الذي سنكتب فصلاً جديداً في تاريخنا، في نهاية المطاف.
لما يزيد على نصف قرن عانينا من ديكتاتورية استبدادية، وعزلة دولية، وثلاثة حروب، وعنف مستمر، لا معنى له. وعندما أُطيح بصدام حسين، صمم العراقيون على ألا يسمحوا مرة أخرى لرجل واحد، أو حزب واحد، أو قطاع واحد من المجتمع، بالسيطرة على أمتنا المتنوعة.
وباعتباري رئيساً لوزراء العراق، لمست أن معظم العراقيين يريدون أن ينجح العراق. لتحقيق ذلك، يتعين علينا أن ننتهي من مهمة هزيمة «داعش» عسكرياً. وبعد ذلك يجب أن نستعيد خدماتنا العادية، ونعيد بناء بنيتنا التحتية، ونحقق المصالحة بين كل مكونات مجتمعنا الطائفية والعرقية، ونضمن سلامة أماكن عبادتنا وقدسيتها.
وفي منطقة يحاول فيها بلدنا مقاومة انقساماته الطائفية، يجب على العراق أن يحتفظ بعلاقات ودية مع جيرانه، مع المحافظة في الوقت ذاته على سيادته، وضمان أنه لن يسمح لأي دولة جارة بممارسة نفوذ زائد داخل وطننا.
وهذا هو السبب الذي يدعونا للترحيب بالانخراط الأميركي المستمر، المتوافق مع اتفاق الشراكة الاستراتيجية؛ والترحيب أيضاً بتعزيز العلاقات مع جيراننا، الذي تجسده الزيارات المستمرة من قبل القادة والدبلوماسيين من مختف أنحاء الشرق الأوسط، للعراق. ونحن لا نستطيع إيقاف العنف الذي لا معنى له، من دون حكم القانون، ومن دون قوات أمن تمثل، وتحترم كل قطاع من قطاعات المجتمع العراقي. كما نحاول أيضاً خلق سلطة قضائية مستقلة، ومحايدة تطبق القانون من دون تحيز أو محاباة.
ولكن كي يكون لدينا مواطنون، على استعداد للقتال من أجل الحكومة، فإنهم يحتاجون أولاً أن يكون لديهم حكومة تستحق أن يقاتلوا من أجلها. ولذلك، وفي وسط حربنا ضد «داعش»، قمنا أيضاً بشن حرب على الفساد في المؤسسات المدنية والعسكرية. والآن، وفي الوقت الذي تعود فيه أمتنا إلى السلام، فإننا بحاجة لاستئناف الجهد الساعي لتقليص حجم البيروقراطية المتضخمة، وإلغاء نظام المحاصصة الطائفية، والمناصب الشرفية. وتجنيد الاختصاصيين المؤهلين في كل المجالات، وتطوير عملية صناعة القرار، وتقديم الخدمات للمجتمعات المحلية، التي يستطيع الناس فيها رفع أصواتهم، والحصول على نتائج.
العراقيون لا يريدون أن يقتلوا بعضهم بعضاً، ولا أن يجري تفجيرهم وهم يسيرون خارج أبواب منازلهم، كما لا يريدون أن يتعلموا كراهية جيرانهم. وكل ما يريدونه هو ما يعتبره معظم العالم أمراً مسلماً به، وهو: فرصة العيش بكرامة، وبناء حياة أفضل لأطفالهم.
وبالتعاون مع شركائنا الدوليين، سنعمل على بناء عراق جديد يسعى جاهداً من أجل تحقيق هذا الحلم القديم. لقد بنى الأميركيون هذا النوع من الأوطان، وبمساعدتكم، وحسن النوايا، سوف نتمكن نحن أيضاً من بناء وطننا.
*نقلا عن صحيفة الاتحاد