الضغوط القصوى أم "برجام 2"؟

ما مستقبل العلاقة بين واشنطن وطهران في ظل الإدارة الأمريكية القادمة؟

26 July 2024


بدت الرسائل الخارجية التي بعث بها الرئيس الإيراني المُنتخب حديثاً، مسعود بزشكيان، عبر المقالتيْن اللتيْن كتبهما خلال شهر يوليو 2024 واضحة للعيان. فقد أظهر بزشكيان ثقة وميلاً للتعاون مُستقبلاً مع الأوروبيين في عدد من الملفات السياسية والاقتصادية والأمنية، فيما كان موقفه مُختلفاً عند الحديث حول علاقات بلاده مع الولايات المتحدة على الرغم من سياسة الخطوات المحسوبة التي اتخذتها إدارة الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن تجاه طهران، والتي جاءت على النقيض من سياسات سلفه دونالد ترامب على أي حال.

وقد تؤدي هذه الرؤى التي يتبناها بزشكيان دوراً ملموساً في علاقات إيران مع الغرب خلال السنوات الأربع المُقبلة على الأقل، ما لم تحدث مفاجآت أخرى في طهران أو الإقليم.

وبالتزامن مع تولي الإصلاحيين الحكم في إيران، تجري في الولايات المتحدة الاستعدادات لإجراء الانتخابات الرئاسية الستين في البلاد، والتي يتنافس فيها المرشح الجمهوري والرئيس السابق، دونالد ترامب، والمرشحة الديمقراطية المُحتملة ونائبة الرئيس بايدن، كامالا هاريس، التي أعلنت ترشحها بعد انسحاب جو بايدن من السباق يوم 22 يوليو 2024؛ في ظل مشكلات صحية يعاني منها دفعت كثيراً من الديمقراطيين إلى دعوته لمغادرة السباق الرئاسي.

وبالنظر إلى إرث ترامب وحاضر بايدن في التعامل مع طهران خلال السنوات الماضية بشأن عدد من الملفات أبرزها البرنامج النووي الإيراني؛ تستحوذ هذه الدورة الانتخابية في واشنطن على اهتمام بالغ من جانب السياسيين والمعنيين في طهران؛ إذ إنها سوف تؤثر في طبيعة السياسة الأمريكية تجاه طهران في عدد من الملفات الشائكة؛ ومن ثم على حالة الاقتصاد المحلي والرضا العام الشعبي عن الحكومة والاستقرار السياسي في طهران خلال الفترة المقبلة. 

وفي ضوء ذلك، نتطرق فيما يلي لسيناريوهات مُستقبل العلاقات الإيرانية الأمريكية المُتوقعة طبقاً لنتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية المُحتملة.

نظرة مُتباينة: 

تراقب إيران بحرص الاستعداد للانتخابات الرئاسية الأمريكية المُرتقبة في نوفمبر 2024؛ ويمكن الوقوف على الكيفية التي ينظر بها الداخل الإيراني للانتخابات الرئاسية الأمريكية على النحو التالي:

1. تخوّف من فوز ترامب: بشكل عام لا يُرجّح الداخل الإيراني المُرشح الجمهوري ترامب؛ ذلك لأنه اتبع سياسة أكثر حزماً وصرامة تجاه طهران سُميت بـ"الضغوط القصوى". ويُعد ترامب من أشد السياسيين الأمريكيين المُعارضين للاتفاق النووي مع إيران، الذي تم التوصل إليه في 2015 بمدينة لوزان السويسرية، وقد انسحب منه في مايو 2018، كما يناهض ترامب المشروع النووي والصاروخي لطهران ونفوذها وسياستها الخارجية ويتخذ إزاء ذلك خطوات صارمة.

وقد تعززت هذه المخاوف الإيرانية بعد إعلان ترامب مؤخراً عن تعيين عضو مجلس الشيوخ الأمريكي عن ولاية أوهايو، جيمس ديفيد فانس، نائباً لحملته الانتخابية، واعتزامه تنصيبه نائباً لرئيس الجمهورية حال فوزه في الانتخابات؛ إذ ينتمي فانس إلى نفس معسكر ترامب المتشدد تجاه طهران. وعلى سبيل المثال، وصف فانس في تغريدة له على موقع "إكس - تويتر سابقاً"، يوم 25 إبريل 2022، الاتفاق النووي مع إيران لعام 2015 بـ"اتفاق إيران - أوباما الكارثي"، مُضيفاً أن "أحد أفضل قرارات الرئيس ترامب الخارجية تمثل في الخروج من هذا الاتفاق، ونحن بحاجة إلى العمل ضد بايدن بشدة في هذا الصدد". وترفع هذه الحقائق في واشنطن إمكانية عودة سياسة الضغوط القصوى على إيران حال فوز ترامب.

2. تطلع لمجيء إدارة ديمقراطية: في حال قدمت إدارة ديمقراطية، سواء ترأستها هاريس أم أي ديمقراطي آخر، فقد تكون تلك الإدارة المُحتملة أقل صرامة بشكل ملموس إزاء إيران؛ وهو ما دفع كثيراً من صنّاع القرار في واشنطن، حتى من جانب بعض الديمقراطيين أنفسهم، لانتقاد إدارة بايدن الديمقراطية؛ لذا فقد يمثل انتخاب رئيس ينتمي للحزب الديمقراطي فرصة لإيران وإن كانت غير مُكتملة؛ إذ لا يُتوقع أن تتبع إدارة أمريكية ديمقراطية سياسة الضغوط القصوى على إيران؛ في ظل تبنيها مسار المفاوضات مع الأخيرة لحل الأزمة النووية واستئناف المفاوضات ذات الصلة التي تقود لإبرام اتفاق نووي يمنع طهران من التوصل لسلاح نووي؛ ما يدفع الإدارة الديمقراطية القادمة المُحتملة لتجنب خيار فرض عقوبات قاسية ضد طهران؛ بل ويشجعها على قبول بعض المواءمات السياسية معها للغرض ذاته. 

وكذلك، لا يُعتقد أن تبدي إدارة ديمقراطية مُحتملة سياسة حازمة فيما يخص النفوذ والسياسات الإقليمية لطهران في منطقة الشرق الأوسط؛ ما يجعل منها خليفة مقبولاً لبايدن لدى إيران.

سيناريوهات مُحتملة: 

عند تناول مُستقبل العلاقات الإيرانية الأمريكية بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية المُقررة في نوفمبر المقبل، سنجد أننا بصدد الحديث عن اتجاهيْن اثنيْن يتمثلان في:

1. في حال فوز ترامب: يُتوقع أن تمثل ولاية رئاسية ثانية مُحتملة لترامب في واشنطن استمراراً لسياسات الولاية الأولى إزاء طهران (2017 - 2021)؛ بل يمكن القول إن التطورات الأخيرة داخل إيران نفسها، وتلك التي تخص تشابكات العلاقات الإيرانية الأمريكية قد تدفع ترامب لتبني خيارات أكثر صرامة عن ذي قبل إزاء طهران وفي ملفاتها المُعقّدة؛ وهو ما يطرح الترجيحات التالية:

‌أ. تراجع احتمالية التوصل لاتفاق نووي: لم تحقق المفاوضات النووية العلنية والسرية التي أجرتها إدارة بايدن مع إيران تقدماً حقيقياً خلال ما يقارب ثلاث سنوات ونصف حتى الآن للتوصل لاتفاق نووي أو إيقاف الأنشطة النووية الإيرانية؛ إذ لا تزال إيران تواصل تلك الأنشطة وحققت طفرة كبيرة بها؛ بل أصبح الاعتراف بإيران "دولة عتبة نووية" أمراً واقعاً في عهد بايدن، وعبّرت عنه العديد من التقارير الأمريكية والغربية المُتتابعة.

وانطلاقاً من هذه التطورات النووية في إيران، وأخذاً في الحسبان لرفض ترامب ومُعاونيه لبنود الاتفاق النووي لعام 2015، والذي يطلق عليه الإيرانيون اختصاراً اسم "برجام 1"، فإن إدارة ترامب الثانية المحتملة في الولايات المتحدة قد تتخذ إجراءات مُتشددة للغاية وصارمة إزاء البرنامج النووي الإيراني ستتمثل في البداية في فرض عقوبات قاسية تجاه طهران ومُحاصرتها بشدة اقتصادياً، فيما تُعرف باسم سياسة "الضغوط القصوى". 

ومن المُتوقع أن يعمل ترامب على تهديد إيران جدياً باتخاذ عمل عسكري أو استخباراتي ضد برنامجها النووي بالتعاون مع إسرائيل وجهازها للاستخبارات الخارجية "الموساد". وقد يشمل ذلك اغتيال عدد كبير من العلماء النوويين البارزين ومُهاجمة البرنامج النووي إلكترونياً.

ومع هذا، فبالنظر إلى القلق الإسرائيلي والأمريكي المُتزايد إزاء برنامج إيران النووي الذي شهد تقدماً لا يمكن إنكاره في عهد إدارة بايدن الديمقراطية، وأخذاً في الحسبان أيضاً احتمالية حدوث توافق في الآراء بشأن إيران بين ترامب وبعض الحكومات الأوروبية في ولايته الثانية، خاصة مع صعود اليمينيين والشعبويين هناك، فإن خيار العمل العسكري "المحدود" تجاه البرنامج النووي الإيراني في دورة ترامب الثانية قد يكون أمراً وارداً، مع إضافة العامل الإسرائيلي الضاغط في هذا الاتجاه. ولاسيما وأن الأخيرة قامت بالفعل بتوجيه ضربات مباشرة لإيران، استهدفت قاعدة "هشتم شكاري" الجوية بالقرب من محطة نطنز النووية، أحد أشهر وأهم محطات تخصيب اليورانيوم في إيران. 

ومع ذلك، لا يُتوقع شن واشنطن وإسرائيل هجوماً عسكرياً "واسعاً" ضد إيران أو ضد منشآتها النووية الممتدة بطول الأراضي الإيرانية من الشمال إلى الجنوب؛ خشية اندلاع حرب إقليمية أو دولية أكثر اتساعاً تنخرط بها روسيا والصين ولن يتحمل المجتمع الدولي تبعاتها في ظل وجود عشرات الوكلاء الإيرانيين الذين قد يندفعون لمهاجمة العمق الإسرائيلي والمصالح الغربية.

ونتيجة لما سبق، لا يُتوقع بشدة التوصل إلى اتفاق نووي بين إيران والقوى الكبرى خلال الولاية الثانية لترامب، كما أن هذه الإدارة لن تقبل أو تلتزم باتفاق نووي ينحصر فقط بين إيران والقوى الأوروبية.

‌ب. تقييد النفوذ الإقليمي: إلى جانب مُكافحة إدارة ترامب الثانية المُحتملة لأنشطة إيران النووية، ستسعى هذه الإدارة إلى تقليم أظافر إيران إقليمياً، سواء ما يتعلق بـ"الحوثيين" في ضوء تهديداتهم لحركة الملاحة والتجارة في البحر الأحمر المُستمرة منذ أشهر، أم المليشيات الولائية في سوريا والعراق التي تستهدف القواعد والقوات الأمريكية. 

يُضاف إلى ذلك أن الدعم المُتوقع لإدارة ترامب المُحتملة لإسرائيل، في ضوء الحرب التي تخوضها مع الفصائل الفلسطينية داخل غزة وكذلك حزب الله في جنوب لبنان والحوثيين، سوف يتزايد عمّا هو عليه الآن في عهد بايدن، وقد يطلق ترامب يد تل أبيب في القيام بمعارك مفتوحة ضد وكلاء إيران في المنطقة، مع توفير كامل الدعم لها في هذا المسعى.

‌ج. استهداف برامج الصواريخ والطائرات المُسيّرة: تمثل مسألة تقييد القدرات الصاروخية وصناعة المُسيّرات في إيران أحد الأهداف المهمة لإدارة ترامب المُحتملة في التعامل مع إيران. وفي ظل سعيه لمنع تطويرها، يُتوقع أن يعمل ترامب حال فوزه مُجدداً في الانتخابات الرئاسية على فرض عقوبات مُشددة على مجالات تصنيع وتصدير مواد تصنيع الصواريخ والمسيرات إلى إيران، كما لا يُستبعد تخطيطه لشن ضربات عسكرية خاطفة ضد مواقع التصنيع العسكرية المعنية في الداخل الإيراني، سواء أمريكية أم بإطلاق يد إسرائيل في القيام بهذه المُهمّة المُحتملة. 

‌د. أولوية العقوبات الاقتصادية: يُرجح بشدة أن يوظف ترامب بشكل فعّال وقوي آلية العقوبات الاقتصادية ضد إيران؛ ذلك لأنه سوف يستعملها كأداة تهديد وعقاب لطهران، محاولاً إجبارها على قبول توجهاته بشأن برامجها النووية والصاروخية، علاوة على نفوذها الإقليمي. وجدير بالذكر أن إدارة بايدن، ورغم أنها استمرت في فرض عقوبات على إيران، فإنه لا يمكن إنكار أنها تجاهلت محاولات طهران للالتفاف حول تلك العقوبات، وقد لمّح إلى ذلك وزير الخارجية الإيراني الأسبق محمد جواد ظريف، خلال السباق الانتخابي الرئاسي في إيران. 

2. في حال فوز مرشح ديمقراطي: في حال فوز مرشح ديمقراطي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقرر عقدها في نوفمبر 2024؛ فإنه يرجح ألّا يختلف نهجه عن نهج الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن تجاه إيران؛ إذ ينتمي الاثنان إلى حزب ديمقراطي واحد يتميز بمسار محدد حين التعامل مع الملف الإيراني برمته. ويمكن الإشارة إلى أبرز سيناريوهات العلاقات الإيرانية الأمريكية في حال إدارة ديمقراطية قادمة على النحو التالي:  

أ‌. التوصل لاتفاق نووي جديد مع إيران "برجام 2": يُرجح أن تتوصل الإدارة الديمقراطية المُحتملة إلى اتفاق نووي مع إيران بعد استئناف المفاوضات النووية معها في فيينا مرة ثانية، والتي كانت قد توقفت في سبتمبر 2022؛ إذ انشغلت إدارة بايدن خلال الأشهر الماضية بالاستعداد لجولة انتخابية رئاسية جديدة ولم تولِ أهمية كبيرة لملف المفاوضات النووية مع إيران. أمّا مع انتهاء الانتخابات وفوز مرشح ديمقراطي آخر، إن حدث؛ فإن الأخير يُرجح أن يشرع في الجلوس ثانية على طاولة المفاوضات مع إيران في فيينا والتوصل لاتفاق نووي جديد مع طهران "برجام 2".

وسيعزز فرص توصل إدارة ديمقراطية مُحتملة لاتفاق نووي مع إيران فوزُ الإصلاحيين بالانتخابات الرئاسية الأخيرة في طهران؛ إذ سيتم بعد أيام قليلة تنصيب مسعود بزشكيان رئيساً للبلاد. ويميل الإصلاحيون بوجه عام في إيران إلى الانفتاح والتقارب مع الغرب، كما عبّر الإصلاحي بزشكيان أكثر من مرة عن استعداده لاستئناف المفاوضات النووية والتوصل لاتفاق مع الغرب في هذا الصدد، برغم انتقاده لـ"عدم الالتزام الغربي" بالتعهدات الواردة في الاتفاق النووي لعام 2015. كما تجدر الإشارة إلى تكرار المسؤولين الإيرانيين، خلال الأيام السابقة، تأكيد استعداد بلادهم العودة لطاولة التفاوض حول البرنامج النووي، والتي كان آخرها، تصريح نائب وزير الخارجية للشؤون القانونية والدولية، رضا نجفي، في 22 يوليو 2024. 

ب. مواصلة إيران توسيع قاعدة نفوذها الإقليمي: انطلاقاً من حقيقة اختلاف سياسة بايدن تجاه طهران عن توجهات ترامب؛ إذ تفضل إدارة الأول مهادنة طهران، فإن إيران في عهد ولاية مُحتملة للرئيس الديمقراطي القادم قد تواصل توسيع قواعد نفوذها في منطقة الشرق الأوسط. ويعزز هذا السيناريو سعي الرئيس الديمقراطي المُحتمل لاسترضاء إيران للقبول بعقد اتفاق نووي ثانٍ يمنع توصلها لسلاح نووي؛ إذ إن التوصل لهذا الاتفاق يعني من جانب آخر عدم التعرض لإيران عسكرياً على مستوى الإقليم، إلّا في حالات معينة مثل تهديد مليشياتها للمصالح الأمريكية والغربية في الإقليم. 

وهنا تجدر الإشارة إلى أن التوسع الإيراني إقليمياً قد شهد زخماً واضحاً بعد التوصل للاتفاق النووي الإيراني مع الولايات المتحدة والقوى الكبرى الأخرى في 2015 في عهد الولاية الثانية لإدارة الرئيس الأمريكي الديمقراطي الأسبق باراك أوباما (2013 - 2017).

ج. مُواصلة إيران تطوير برامج الصواريخ والمُسيّرات: على الرغم من سعي إدارة بايدن خلال الأشهر الأولى لها في الحكم لوضع برامج الصواريخ والمُسيّرات الإيرانية على طاولة التفاوض؛ فإنها تنازلت عن هذه الشروط لاحقاً مع إصرار إيران الجدي على عدم طرحها. واستمرت طهران خلال السنوات الأخيرة في تطوير الصواريخ بأنواعها والمسيرات أيضاً، وتزايدت التُّهم الغربية بإمداد طهران لموسكو بالطائرات المسيرة والصواريخ البالستية ما يؤشر على تزايد الإنتاج من هذه الأسلحة. 

ومع سعي الإدارة الديمقراطية المُحتملة لعدم الدخول في صراع مع إيران، خاصة إذا ما تم التوصل لاتفاق نووي، فسوف يصبح من المحتمل عدم قيام هذه الإدارة بخطوات تصعيدية تجاه طهران فيما يخص ملفها الصاروخي والمسيرات؛ ما يعني مواصلة إيران تطوير هذيْن البرنامجيْن.

د. تراجع أولوية العقوبات الاقتصادية: في ضوء افتراض التوصل إلى اتفاق نووي بين إيران والقوى الكبرى في عهد إدارة ثانية للديمقراطيين، فإن أولوية العقوبات الاقتصادية على إيران سوف تتراجع؛ ذلك لأن اتفاقاً نووياً مُحتملاً يعني ذوبان بعض الجليد بين الغرب وإيران؛ ومن ثم تخفيف العقوبات المفروضة على الأخيرة وعدم الإغراق في فرض المزيد منها. كما أنه في حال عدم التوصل إلى اتفاق، ومع وجود إدارة ديمقراطية، فقد يسمح ذلك لإيران، بهامش من الحركة للتخفيف من أثر تلك العقوبات، وهو الحال حالياً فيما يتعلق بتصدير النفط أو عقد اتفاقات مع دول مُختلفة دون قيود شديدة من جانب واشنطن. 

وفي الختام، يمكن القول إن نهج إدارة ثانية لترامب إزاء طهران سيكون أكثر تشدداً عن الأولى، وذلك على النقيض من نهج إدارة ثانية مُتتالية للديمقراطيين سواء برئاسة كامالا هاريس أو حتى غيرها، والتي يُتوقع أن تكون أقل حزماً مع طهران، في ظل توقعات بالتوصل لاتفاق نووي مع الأخيرة بدأ الحديث بشأنه علناً في وقت مُبكر مع فوز الإصلاحي مسعود بزشكيان برئاسة إيران أوائل يوليو 2024.

ومع ذلك، لا ينبغي على أي حال تجاهل العامل الإسرائيلي في سيناريوهات مُستقبل التعامل الأمريكي مع إيران؛ فهو عامل ضاغط يدفع باستمرار الإدارة في واشنطن، سواء جمهورية أم ديمقراطية؛ لاتخاذ سياسات أكثر صرامة تجاه طهران. وفي الوقت نفسه أيضاً، تؤدي التحركات الإقليمية لإيران في ملفات الشرق الأوسط المعقدة دوراً في التصعيد أو التهدئة بين الإدارة في واشنطن والحكومة في إيران، إلا أنه بوجه عام يمكن القول إن إدارة ترامب الثانية المُحتملة ستكون أكثر تشدداً؛ وإن إدارة ثانية للديمقراطيين في واشنطن ستكون أقل حزماً من تلك الأولى؛ وسينتج عنها توسع في طموحات إيران النووية والصاروخية والإقليمية.