هل سيختلف تعامل "ترامب 0.2" مع قضايا الشرق الأوسط؟

11 July 2024


يتناول هذا المقال التأثيرات المُتوقعة أو المُحتملة في سياسة الولايات المتحدة تجاه منطقة الشرق الأوسط، في حالة نجاح الرئيس الأمريكي السابق والمرشح الجمهوري، دونالد ترامب، في انتخابات الرئاسة الأمريكية في نوفمبر 2024؛ ومن ثم، فإنه مقال استشرافي في مضمونه حول النسخة الثانية من ترامب أو ما يُسمى "ترامب 0.2".

نظرة ترامب للعالم:

بدايةً، لا نفترض أن سياسات ترامب، في حال فوزه في الانتخابات، سوف تكون تكراراً لنفس سياساته في فترة رئاسته السابقة (2017-2021)؛ وذلك بحُكم تغيُّر السياق الدولي والإقليمي، فلا الولايات المتحدة اليوم هي نفسها التي تولى ترامب رئاستها منذ سبع سنوات، ولا الشرق الأوسط اليوم هو ما كان عليه من قبل. كما أن الشخص نفسه ليس هو بالضرورة نفس الشخص، وربما تكون أفكاره قد تطورت وتغيرت. ثم إن شخصية الرئيس وتوجهاته ليست هي العامل الوحيد في صُنع السياسة الأمريكية، فهناك مصالح قومية مستمرة تحميها وترعاها مؤسسات الدولة العميقة. وفي كثير من الأحيان، فإن الاختلاف بين رئيس وآخر يكون في الآليات والوسائل المُستخدمة لتحقيق الأهداف ذاتها.

وتنطلق مواقف أي رئيس أمريكي من نظرته إلى النظام العالمي، ولدور واشنطن فيه، وللمصالح القومية الأمريكية الحيوية التي ينبغي حمايتها والدفاع عنها. وعندما نتأمل في نظرة ترامب للعالم، فسوف نجد أنها تتسم بسمتين رئيسيتين؛ هما:

- السمة الأولى: تبني ترامب نهج "الواقعية الهجومية" في العلاقات الدولية، والتي تَعتبر أن هدف أية دولة هو تعظيم عناصر قوتها الشاملة بمختلف عناصرها المادية وغير المادية، وأن جوهر العلاقات بين الدول هو التنافس والصراع. وتضيف أن قوة الدولة تتحدد بما تمتلكه فعلاً من قدرات تحت سيطرتها المباشرة، وليس من خلال إقامة التفاهمات والتحالفات مع الدول الصديقة، كما أنها تتبنى منهجاً استباقياً يأخذ بزمام المبادرة؛ ومن ثم، يصبح هدف الدولة هو مضاعفة قدراتها بشكل مستمر ومنفرد، وعدم الاعتماد على سياسات التوازن الدولي. 

- السمة الثانية: أن إدارة العلاقات الدولية تتم من خلال منطق "الصفقات"، الذي يجيده ترامب باعتباره رجل أعمال يركز على "المعاملات" بين أطراف الصفقة. ووفقاً لهذا النهج، فإن إدارة الدولة تتم بطريقة مشابهة لإدارة الشركة، يكون شاغلها اعتبارات "المكسب والخسارة" وهدفها زيادة الأرباح. وتُعطي هذه النظرة الأولوية للعلاقات الثنائية بين الدول، وللمكاسب المباشرة قصيرة الأجل المترتبة على كل صفقة، وذلك على حساب الانخراط في أنشطة التنظيمات الدولية، والأُطر الجماعية بما تتضمنه من التزامات، وأهداف، ومصالح، وقيم مشتركة طويلة الأجل.

سياسات شرق أوسطية:

أثناء حملته الانتخابية، تناول ترامب قضايا الشرق الأوسط بكلمات مختصرة ومتناثرة، وفي الغالبية العظمى من الحالات لم تكن قراءة من نص مكتوب، ولكن عبارات وردت في أحاديثه أمام تجمعات لمؤيديه في الانتخابات أو رداً على أسئلة في مقابلات إعلامية. 

1- الصراع الفلسطيني الإسرائيلي: سوف يكون على ترامب؛ إذا فاز في الانتخابات المقبلة، التعامل مع القضية المشتعلة في المنطقة؛ وهي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والتي بدأت من عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر 2023، ودخلت شهرها العاشر حتى يوليو 2024، ولا يمكن الجزم بالوضع الذي ستكون عليه في 20 يناير 2025 وهو تاريخ تولي ترامب الرئاسة إذا نجح.

ويُعد ترامب حليفاً قوياً لإسرائيل وله علاقة متميزة مع رئيس وزرائها، بنيامين نتنياهو. وفي فترة رئاسته السابقة، قرر ترامب في ديسمبر 2017 نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى مدينة القدس، واعترفت إدارته في مارس 2019 بمرتفعات الجولان المُحتلة "كجزء من إسرائيل"، ولم تعتبر المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المُحتلة مُخالفة للقانون الدولي، وذلك بما يتناقض مع الموقف الأمريكي التقليدي وقرارات الشرعية الدولية. 

ولم يعترف ترامب أبداً بالحقوق القومية والسياسية للشعب الفلسطيني، واعتقد أن حل المشكلة الفلسطينية يكون من خلال "السلام الاقتصادي"، وتحسين الأحوال المعيشية للفلسطينيين، فيما سُمى حينها بـ"صفقة القرن" والتي أعلن عنها في يناير 2020، تحت اسم "سلام نحو الازدهار"، وكان أقصى ما يمكن للفلسطينيين الحصول عليه في هذه الخطة هو "حكم ذاتي للسكان" في بعض مناطق الضفة وقطاع غزة. كما عمل ترامب بنشاط على تشجيع وتحفيز الدول العربية على إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.

ولم تضف تصريحات ترامب في حملته الانتخابية جديداً، فاتسمت بدعم إسرائيل ولم يطلب منها أبداً وقف الحرب الجارية على قطاع غزة، أو عدم استهداف المنشآت المدنية، أو تسهيل دخول مواد الإغاثة الإنسانية للقطاع؛ بل على العكس، كان من تصريحاته المبكرة، أن هذه الحرب سوف تستمر طويلاً، وأنها جزء من صراع امتد لحقب عديدة، وقال إن "لدينا حرباً مستمرة ومن الأفضل أن نسمح لها بالمُضي قُدماً". وعندما طالت الحرب، ولم يحقق الجيش الإسرائيلي انتصاراً واضحاً فيها، نصح ترامب الإسرائيليين، في مارس الماضي، بضرورة حسم الحرب والانتهاء منها لأن استمرارها يفقد تل أبيب الكثير من تأييدها في العالم. وفي إبريل الماضي، كرر الرئيس الأمريكي السابق نفس المعنى، قائلاً: "انتهوا من الأمر ودعونا نعود إلى السلام ونتوقف عن قتل الناس.. انتهوا من الأمر وانتهوا منه بسرعة"، وذلك لأن إسرائيل "تخسر حرب العلاقات العامة تماماً".

وانتقد ترامب المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين، وبالتحديد تلك التي نظمها طلاب جامعة كولومبيا في مدينة نيويورك، فقال إن المدينة كانت "تحت الحصار"، وأشاد بقوات الشرطة التي داهمت المبنى الذي اعتصم به الطلاب واعتقلتهم في مايو الماضي، وتابع أنه "كان من الممتع مشاهدة شرطة نيويورك وهي تداهم المبنى". ولتخويف الأمريكيين من نتائج المواقف المؤيدة للفلسطينيين، قال إن "سكان غزة سوف يأتون لسكنى المدن والقرى الأمريكية"، وكان يشير بذلك إلى التقارير الإعلامية المغلوطة التي أشاعت أن إدارة الرئيس جو بايدن تُفكر في استقبال عدد من الفلسطينيين. 

ومن التصريحات المهمة التي عبّرت عن موقف ترامب، استخدامه لتعبير "فلسطيني" كتهمة أو نقيصة. ففي المناظرة التي جرت مع بايدن يوم 27 يونيو الماضي، أكد ترامب أنه على بايدن ترك الإسرائيليين حتى "ينهون المهمة"، واتهمه أنه يتصرف "كفلسطيني"، قائلاً: "لقد أصبح مثل فلسطيني، لكنهم لا يحبونه لأنه فلسطيني سيئ جداً. إنه فلسطيني ضعيف". وفي اليوم التالي، كرر ترامب هذا الوصف، في إشارته إلى رئيس الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، ووصفه بأنه أصبح "فلسطيني" أيضاً، والمفارقة هنا أن شومر يهودي الديانة. ورداً على سؤال في المناظرة السابقة عما إذا كان يؤيد قيام دولة فلسطينية، تهرب ترامب من الإجابة، وقال: "يجب أن أرى..."، ثم انتقل إلى الحديث في موضوع آخر. وهذا التهرب ليس مصادفة، ولعل ترامب بواقعتيه الشديدة لم يرغب في الالتزام بموقف إزاء قضية ما زالت في طور التغير.

وهكذا يمكن القول إن ترامب رجل واقعي يتعامل مع القضايا الدولية بمنهج "الصفقات" واعتبارات "المكسب والخسارة"؛ وإذا عاد للحكم فسوف يدير سياسة بلاده وفقاً لذلك. ولعل وزارات الخارجية في الدول العربية والشرق الأوسط، تضع السيناريوهات والتوقعات لمواقف ترامب في حالة فوزه. فإذا بدأنا بإسرائيل، وعلى الرغم من الحذر الإسرائيلي من إعلان تفضيل أي من ترامب أو بايدن، فمن الأرجح أن تحالف اليمين المتطرف الحاكم في تل أبيب سوف يكون أكثر ارتياحاً وطمأنينة بنجاح ترامب الذي سيكون أكثر تفهماً لسياساته، وبالذات في مجالي الاستيطان وإقامة الدولة الفلسطينية.

من ناحية أخرى، فإن أغلب الحكومات العربية لها سابق معرفة وتعامل مع ترامب. وتتذكر أن أول رحلة خارجية قام بها بعد توليه الحكم كانت للسعودية في مايو 2017، والتي عقد خلالها ثلاث قمم هي: "سعودية أمريكية، وخليجية أمريكية، وعربية إسلامية أمريكية". وباستثناء موضوع فلسطين، فقد تطورت علاقات التعاون بين هذه الحكومات وواشنطن في ظل رئاسته. 

2- ملف إيران: هناك قضية أخرى على ترامب في حال فوزه التعامل معها وهي العلاقة مع إيران، التي قرر في 8 مايو 2018 الانسحاب من الاتفاق النووي معها، والعودة إلى سياسة "العقوبات القصوى" بحجة أن الاتفاق لم يمنع طهران من سعيها للحصول على السلاح النووي، أو الحد من جهودها لتطوير منظومة الصواريخ البالستية.

وخلال إدارة بايدن الحالية، عادت المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران، وتبلورت بعض التفاهمات التي أعادت الاعتبار إلى دور الدبلوماسية في تلطيف العلاقات بين البلدين. ومن ذلك، الإعلان في أغسطس 2023 عن الإفراج عن عدد من المسجونين الأمريكيين في إيران، مقابل إنهاء كوريا الجنوبية تجميد أرصدة مالية إيرانية فيها. واستغلت طهران هذه الفترة لزيادة نسب تخصيب اليورانيوم، وأوقفت العمل بالبروتوكول الإضافي مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. 

وفي هذه الفترة أيضاً، تحسنت العلاقات بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي، والتي كانت من أبرز مظاهرها إعلان الرياض وطهران الاتفاق على عودة العلاقات الدبلوماسية بينهما في مارس 2023 بوساطة صينية، وصدر الإعلان من بكين.

ولم تكن هناك تصريحات عديدة بشأن العلاقة مع إيران خلال حملة الانتخابات الرئاسية لترامب. وتعقيباً على مشاركة الولايات المتحدة في تدمير الطائرات المُسيّرة الإيرانية وهي في طريقها إلى إسرائيل في فجر يوم 14 إبريل الماضي، قال ترامب: "لم أكن لأسمح بحدوث هذا أبداً لو كنت رئيساً"؛ وذلك إشارة إلى أن ضعف إدارة بايدن هو الذي شجع إيران على اتخاذ مثل هذا القرار. 

ومن ثم إذا فاز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، فإنه سوف يواجه موقفاً مختلفاً عما تعامل معه في فترة رئاسته السابقة. فمن قبل كان الهدفان الرئيسيان له هما: منع إيران من الوصول إلى درجة تخصيب اليورانيوم التي تُمكِنها من إنتاج سلاح نووي، ووقف مشروع إنتاج الصواريخ البالستية. ويبدو أن كلا الهدفين قد تجاوزه الزمن. أما هدف وقف تدخلات إيران في شؤون الدول العربية، فربما أصبح غير ذي معنى بعد تحسن العلاقات بين الطرفين.

ومن الأرجح، أن تزداد حالة التوتر بين واشنطن وطهران، وأن يقوم ترامب بتغليظ العقوبات المفروضة علي إيران، بحجة دعمها للتنظيمات المناهضة لإسرائيل، وأيضاً لسبب آخر وهو تزويدها روسيا بالطائرات المُسيّرة في الحرب على أوكرانيا. وربما يمارس ترامب ضغوطاً على دول عربية لمنع تطوير علاقاتها مع طهران. ومن الأرجح أيضاً، أن يحتل العراق أهمية خاصة في هذا الشأن، بحكم علاقته مع إيران ودور بعض الفصائل العراقية المُسلحة ضد إسرائيل. 

وسوف يعترض جهود ترامب موقف الإنكار الإسرائيلي لحقوق الشعب الفلسطيني ورفضها إقامة دولة فلسطينية، وسوف يكون من الصعب مُسايرة الدول العربية لهذه الضغوط، في الوقت الذي تطرح فيه إيران نفسها كمناصرة للحقوق الفلسطينية. ومن المفارقات أنه في الوقت الذي صوت فيه الإيرانيون لرئيس إصلاحي جديد هو مسعود بزشكيان، فمن المُحتمل أن يصوت الأمريكيون لترامب. 

ختاماً، يدرك ترامب أن الولايات المتحدة لم تعد الفاعل الوحيد في الشرق الأوسط، وأن الصين وروسيا نجحتا في بناء وتطوير علاقات وثيقة مع عديد من الدول الصديقة والحليفة لواشنطن، وأن بكين أصبحت الشريك التجاري الأول لكثير من دول المنطقة. وقد يقوم ترامب بالضغط على الدول العربية لإبعادها عن الصين وروسيا، ولكن من الأرجح أن تبوء مثل هذه المحاولة بالفشل؛ وذلك لإدراك الدول العربية التحولات الحادثة في النظام الدولي، وأن وجود قطب واحد يسيطر على العالم لا يخدم مصالحها.

وكل هذه الاحتمالات السابقة واردة، ولكن لا يمكن الجزم بشأن أي منها. ففي عالم السياسة، فإن العِبرة في اتخاذ قرار ما تتحدد بشكل توازن القوى والمصالح في حينه.