تحولات لافتة :

دلالات مُخرجات الاجتماع السنوي للبرلمان الصيني

13 March 2024


بدأ البرلمان الصيني (المجلس الشعبي الوطني NPC) عقد جلسات اجتماعه السنوي الدوري الرابع عشر يوم الثلاثاء 5 مارس 2024، ولمدة أسبوع حتى 11 مارس، في قاعة الشعب الكبرى بالعاصمة بكين، وافُتتحت الجلسات بحضور الرئيس شي جين بينغ، ورئيس مجلس الدولة (مجلس الوزراء) لي تشيانغ، والعديد من القيادات السياسية بالحزب الشيوعي. وبالتوازي مع ذلك، انعقد أيضاً المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني في نفس التوقيت، فيما يُسمى مجازاً بالدورتين.

أبعاد مُتعددة:

يُمكن في هذا الصدد الإشارة إلى بعض الاعتبارات ذات الصلة بالسياق الذي ينعقد فيه هذا المؤتمر، وهي كما يلي: 

1. قضايا المُؤتمر: احتوت أجندة المؤتمر على عدة قضايا، في مقدمتها قضايا الاقتصاد خصوصاً القطاع العقاري، والركود وبطء النمو، ومشكلة البطالة لدى الشباب، التي زادت عن 15% بحسب تقديرات مكتب الإحصاء الصيني نهاية عام 2023 بعيد تغيير طريقة الحساب التي سبق وقدرت معدلات البطالة في الصيف الماضي بأكثر من 20%.

2. أهمية المُؤتمر: رغم أن مهام السلطة التشريعية الصينية هي مهام شرفية بالأساس وليست سلطة حقيقية في عملية صنع القرار والتشريعات، على أساس أن انعقاد الدورة السنوية يأتي لإقرار القرارات التي سبق أن تبناها وصاغها الحزب الشيوعي بالفعل، فإنه يمكن أن تشهد الدورة البرلمانية مناقشة وطرح بعض الأفكار الجديدة. هذا إلى جانب أن ما يخلص إليه المؤتمر يكون بمثابة مؤشر حول التوجهات المستقبلية للحكومة وسياساتها.

مضمون المؤتمر: 

ثمّة عدد من الفعاليات والنقاشات شهدتها جلسات الاجتماع السنوي إلى جانب القضايا المطروحة على الأجندة؛ الأمر الذي يمكن إيجازه على النحو التالي:

1. برنامج عمل الحكومة وخطة التنمية: ناقش رئيس مجلس الدولة لي تشيانغ، بياناً حول تقرير عمل الحكومة، وكذا تقريراً حول ما تم تنفيذه بشأن الميزانية المركزية والمحلية لعام 2023، مع مناقشة مشروع ميزانية عام 2024. كما استعرض المشرعون تقريراً حول تنفيذ خطة 2023 للتنمية الاقتصادية والاجتماعية الوطنية، ومشروع خطة 2024.

2. تعديل بعض القوانين: شرح نائب رئيس اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب لي هونغ تشونغ، مسودة تعديل القانون الأساسي لمجلس الدولة في الجلسة الافتتاحية.

3. مُناقشات حول الشأن السياسي: عُقدت اجتماعات لمناقشة تقارير عمل العديد من المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية بالدولة الصينية مثل: اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني، ومحكمة الشعب العليا، والنيابة الشعبية العليا.

4. إلغاء بعض التقاليد المُتعارف عليها: ألغت الصين المؤتمر الصحافي الذي يعقده رئيس مجلس الدولة في ختام اجتماع البرلمان السنوي، وهو تقليد يُعمل به منذ عام 1993. وتُشير بعض التقديرات الغربية إلى أن ذلك الأمر يدل على تنامي السيطرة المركزية وتقلص سلطة رئيس الحكومة في مواجهة الحزب، وتراجع الشفافية والاهتمام بتقديم إفادة حول الوضع الاقتصادي والشأن الداخلي للصحافة والعالم الخارجي.

مُخرجات وتداعيات: 

خلص المؤتمر إلى عدد من المُخرجات والرسائل حول عدد من القضايا التي تهم الصين على الصعيد الداخلي والخارجي؛ الأمر الذي يمكن تبيانه على النحو التالي: 

1. مُستهدفات النمو: تهدف بكين –وفقاً لمخرجات المؤتمر- لتحقيق نمو اقتصادي بحوالي 5% هذا العام، ومعدل عجز بنسبة 3%، مع إصدار سندات وطنية بقيمة تريليون يوان. هذا إلى جانب التركيز على الاستثمار في التكنولوجيا وتطوير الصناعات الناشئة، مع توقع ارتفاع الإنفاق على البحث والتطوير بنسبة 10% وفقاً لتقديرات صحيفة التايمز. فالتكنولوجيا الرقمية تأتي على رأس جدول الأعمال في وقت تحاول الصين فيه العمل على الخروج من الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها؛ ومن ثم بات من المُتوقع تزايد فرص الصدام مع الولايات المتحدة في المجال التكنولوجي.

2. إقرار تعديلات القانون الأساسي لمجلس الدولة: وذلك من أجل تعزيز صلاحيات قيادة الحزب الشيوعي ولجنته المركزية؛ من أجل المضي قدماً في تبني نموذج الاشتراكية ذات الخصائص الصينية والمُتسقة مع مُتطلبات العصر الحديث على النحو الذي تعكسه رؤية شي. وتُشير التقديرات إلى اتساق تلك التعديلات مع إلغاء البيان الصحفي لرئيس مجلس الدولة، والذي يدل على التوجه نحو إضعاف صلاحياته لصالح شي، كما سبقت الإشارة.

3. القدرات العسكرية والأمنية: دعا الرئيس شي، لتعميق الإصلاح وتعزيز القدرات الاستراتيجية والابتكار خصوصاً في المجالات الناشئة لتحقيق الاكتفاء الذاتي بها، بما يُسهم في بناء وتحديث قدرات الصين كدولة عظمى، وذلك بالتركيز على العديد من المجالات مثل: القدرات الدفاعية في الفضاء الإلكتروني وتطبيقات الذكاء الاصطناعي وتطوير المسيرات المقاتلة. 

هذا إلى جانب تأكيد أهمية الاستعداد العسكري البحري وحماية الحقوق والمصالح البحرية وتنمية الاقتصاد البحري، وكذا تطوير نظام الفضاء الجوي الصيني، وبناء نظام دفاع للفضاء الإلكتروني لتعزيز القدرة على حماية الأمن السيبراني الوطني.

4. قوانين لحماية الأمن القومي: أشارت بعض الصحف الغربية نقلاً عن بعض المشرعين الصينيين إلى أن بكين بصدد العمل على تعزيز قدراتها التشريعية لحماية الأمن القومي عبر سن مجموعة من القوانين مثل: قانون إدارة الطوارئ، وقانون الطاقة، وقانون الطاقة الذرية، وقانون سلامة المواد الكيميائية الخطرة، وقانون التعليم العسكري وقانون الأمن السيبراني.

5. مبدأ الصين الواحدة: تم تأكيد أهمية لمّ الشمل وإعادة التوحيد الوطني ومنع النزعات الانفصالية الداعية للاستقلال في تايوان. ليس ذلك فحسب، بل عُقدت اجتماعات من قبل نائب رئيس مجلس الدولة دينغ شيويه شيانغ، مع وفود من منطقتي هونغ كونغ وماكاو؛ لتأكيد تنفيذ مبدأ "دولة واحدة ونظامان". جدير بالذكر أن ذلك الاجتماع البرلماني قد شهد مُشاركة 13 مندوباً عن تايوان، وإن كانت تلك المشاركة محل جدل بشأن جدواها وحقيقتها.

6. قضايا الشباب والمسنين: تضمن تقرير الحكومة تأكيد العمل على تسهيل مهام تسجيل العمالة الريفية المهاجرة للحضر، وإصلاح منظومة التسجيل المعروفة بنظام الهوكو، الذي يتم من خلاله تخصيص المزايا الاجتماعية للعمالة.

كما ستعمل الصين على تحسين السياسات الداعمة لتخصيص المزيد من المزايا للسكان المسنين والمعاشات الأساسية وإصلاح نظام التقاعد الخاص. بيد أن بعض التقديرات تنتقد عدم التركيز على تقديم إصلاحات مُجتمعية واقتصادية على صعيد تعزيز العدالة الاجتماعية وتوزيع الدخل والثروات للأسر الصينية.

7. الالتزام بسياسة خارجية مستقلة: ستعمل الصين على الالتزام بسياستها الخارجية المستقلة القائمة على السلام والتنمية السلمية، مع معارضة ممارسات الهيمنة والاستبداد.

8. قضايا المسلمين: تم تأكيد العمل على إضفاء الطابع الصيني على الإسلام بالمناطق ذات الأغلبية المسلمة بالصين على غرار باقي الديانات الأخرى، وفقاً لما ذكره ما شينغ روي، رئيس الحزب الشيوعي في شينجيانغ، مع الإشادة بالتنمية الاقتصادية المحققة في الإقليم ودحض ما يُثار حول الإبادة الثقافية لسكانه.

9. تداعيات إلغاء البيان الصحفي: وفقاً لتقديرات وكالة بلومبيرغ، فإن لهذا الإلغاء تداعيات سلبية على الاقتصاد الصيني خصوصاً في ظل تطلعات المستثمرين الخاصة بالحصول على المزيد من التفاصيل بشأن الخطط المستقبلية للحكومة لإنعاش الاقتصاد. ونتيجة لذلك؛ تأثرت أسواق الأسهم الصينية سلباً وتراجعت؛ بفعل ما تم اعتباره تراجعاً في الشفافية. 

وفي التقدير، يبدو أن ما شهدته فعاليات المؤتمر من ديناميكيات وتطورات إنما يعكس مساعي الرئيس الصيني شي، لإجراء تغييرات من شأنها تعزيز هيمنته المركزية على عملية صنع القرار بالنظام السياسي الصيني، مع تقليص دور مراكز القوى الأخرى من خلال ما تم تمريره من تعديلات قانونية واتساقها مع إلغاء تقليد البيان الصحفي لرئيس مجلس الدولة. إلى جانب التأكيد أن ملف الاقتصاد، وكذا حماية الأمن القومي والقوة العسكرية الصينية في المجال التقني باتت على رأس الأولويات بالنسبة للصين خلال الفترة المقبلة.